* لماكرون مصالح اقتصادية في المنطقة في لبنان وفي إيران أيضاً، خاصة إذا ما تم تخفيف الخناق عليها لو تم انتخاب بايدن في أميركا. وهو على هذا الأساس دخل على الخط اللبناني، لحماية مصالح توتال في التنقيب عن الغاز ومواجهة تركيا في شرق المتوسط
مع اعتذار مصطفى أديب عن تشكيل حكومة ما بعد انفجار المرفأ، أطل الرئيس الفرنسي بمؤتمر صحافي قد يكون من الصعب فك رموزه، بسبب كم التناقضات الذي يحتويه. وكان قد سبق اعتذار أديب محاولة من نادي رؤساء الحكومة السابقين مواجهة حزب الله من خلال تغيير في أصول تأليف الحكومات، كما جرت العادة على الأقل منذ مايو (أيار) 2008 باستشارة الكتل السياسية في البلد لانتقاء الأسماء التي يقترحونها والوزارات التي يطالبون بها تمهيدا لولادة الحكومة. كان عمل الرئيس المكلف في مرحلة أولى تقوم على التوفيق بين مطالب مختلف الأطراف السياسية الأساسية في البلد.
أراد أديب بوحي ما تغيير هذا النمط، وانتقاء أسماء الوزراء وتوزيع الحقائب من دون الرجوع أو حتى استشارة حزب الله وحركة أمل والتيار الوطني الحر تحديدا. أديب ظن أن المبادرة الفرنسية التي يمكنها أن تضخ جرعة من الأكسجين في الجسم الاقتصادي اللبناني الميت الذي هو أحوج ما يكون إليه، يضاف إليها التهديد بعقوبات أميركية جديدة على الحزب وحلفائه سببان كافيان لتخطيه وأمل ولي ذراعهما وإجبارهما على تقديم التنازلات إن كان في شكل التأليف أو مضمونه. هذا الأمر اصطدم برفض قاطع من الحزبين تضمن تهديدًا واضحًا بأن المضي في هذه المناورة سيتسبب في «مشكل»كبير في البلد.
الجدال في البلد قام على ضرورة المداورة في الحقائب الوزارية وعدم حصرها في طائفة معينة، في مقابل تمسك الطائفة الشيعية بتوقيع مهم في الجسم الحكومي. طبعًا لم يكن هذا هو العائق الوحيد أمام تشكيل الحكومة، فسرعان ما أعلن رئيس الجمهورية أنه هو الآخر شريك في التأليف وليس فقط موقعًا على المراسيم.
فجأة أعلن الحريري قبوله أن تكون ولمرة واحدة فقط وزارة المالية للطائفة الشيعية، على أن يختار اسم الوزير رئيس الحكومة المكلف. بهذا الإعلان بدا واضحا أن التأليف هو بيد الحريري. وأن أديب مجرد كومبارس. هذا التراجع عن مبدأ المداورة في الحقائب الأساسية الذي أثنت عليه وزارة الخارجية الفرنسية لم يرضي ثنائي حزب الله وأمل.
اعتذر أديب أمام استحالة تأليف الحكومة بغير شروط حزب الله. لم يجرؤ مصطفى أديب، وطبعا من ورائه نادي رؤساء الحكومة، على مواجهة حزب الله من خلال تقديم تشكيلة للرئيس عون. اعتذر أديب عن التأليف وقفل عائدا إلى مركز عمله في ألمانيا، بالشكل يستطيع الحريري أن يقول للمملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأميركية إنه واجه ولكنه فشل.
هنا عاد ماكرون ودخل على الخط من خلال مؤتمر صحافي عقده في قصر الإليزيه للحديث عن لبنان. مقدمة مؤتمره الصحافي ومضمونه لم يتناسبا قطعا مع خاتمته واستنتاجاته. اتهم كل الأفرقاء السياسيين اللبنانيين بالفساد والنفاق والكذب، واتهم حزب الله وبري بتفشيل مهمته، والنكث بوعودهم، والحريري بإدخال العنصر المذهبي على خط التأليف، والثلاثة بتضييع فرصة لبنان من الخروج من أزمته والاستفادة من المبادرة الفرنسية، والشروع بإصلاح ملف الكهرباء والبدء بالتدقيق الجنائي في مصرف لبنان. اعتبر ماكرون ما حصل معه خيانة، ولكنه أعلن أن المبادرة الفرنسية ما زالت قائمة، وأن إيران لم تعرقل تشكيل الحكومة اللبنانية وأنه سيدعو بعد عشرين يوما لمؤتمر للمانحين من أجل لبنان، وأن ما زال أمام اللبنانيين فرصة لتأليف حكومة «مهمة». طبعا كيف يمكن لماكرون الطلب من هذه الطبقة السياسية الخائنة والفاسدة تأليف حكومة والشروع في بعض الإصلاحات البسيطة والحصول على أموال من جهات مانحة، هي أحجية يصعب على أي محلل أن يفك أسبارها.
الواضح أن لماكرون مصالح اقتصادية في المنطقة في لبنان وفي إيران أيضا، خاصة إذا ما تم تخفيف الخناق عليها لو تم انتخاب بايدن في أميركا. وهو على هذا الأساس دخل على الخط اللبناني، لحماية مصالح توتال في التنقيب عن الغاز ومواجهة تركيا في شرق المتوسط. ولكنه لم يتنبه لوحول السياسة اللبنانية ولقصر نظر السياسيين اللبنانيين ولمناوراتهم العقيمة.
سقف ماكرون العالي تجاه حزب الله لا يتناسب مع إقراره باستمرار مبادرته بدعم وتوافق دولي. إلا إذا استمرت المبادرة يعني القبول بشروط حزب الله وأمل. وهذا هو الأرجح.