[caption id="attachment_3170" align="aligncenter" width="640" caption="ميدان التحرير تحول الى ميدان للدعوة الاسلامية"][/caption]
من بعيد، تشبه علامة الصلاة الصلبان رمادية اللون التي تزين جباه رواد الكنيسة في أول أيام الصوم الكبير. ولكن من قريب، يتضح أن هذه العلامات دائمة ناتجة عن احتكاك البشرة على مدار سنوات بسجاجيد الصلاة أثناء السجود. لقد أصبحت العلامة شارة تكريم بين المؤمنين، شهادة على إخلاصهم وتدينهم. في بعض الحالات، تتحول العلامة إلى نتوء بسبب تراكم أنسجة الندبة لتصبح ما يعرف بزبيبة الصلاة.
أي متجول في شوارع القاهرة وحواريها الضيقة سيرى هذه العلامات في كل مكان. إنها إحدى الإشارات على عمق دور الإسلام في الثقافة المصرية وسبب قبول فكر الإخوان المسلمين، أبرز جماعة إسلامية، بين الجماهير.
ولكن في مصر بعد مبارك، وجدت جماعة الإخوان ذاتها في ساحة ليست معتادة عليها، حيث تحولت الى محور الحياة السياسية في البلاد. كانت الجماعة ولعقود طويلة وحدة مترابطة بعكس كل الأطراف الفاعلة في الحياة السياسية المصرية. لأول مرة، بدأت الانقسامات والشقاقات في الظهور بدرجة كبيرة.
برز الانقسام الرئيسي داخل قيادة الجماعة، حيث نشبت معركة بين من يرغبون في الاحتفاظ بموقع الجماعة المريح كتنظيم اجتماعي، لا يتحمل مسؤولية القيادة المباشرة، ومن يأملون في الاستفادة من الساحة السياسية الجديدة حيث ربما يمكنهم تحويل التأييد الشعبي الذي تحظى به الجماعة إلى إدارة مناصب عليا في البلاد.
كان باديا في أعقاب الثورة أن الحذرين داخل الإخوان فرضوا كلمتهم. تم تأسيس حزب سياسي (الحرية والعدالة) الذي أصروا على أن لا تكون له علاقة مباشرة بالإخوان المسلمين. أعلن حزب الحرية والعدالة أنه سينافس على ثلث مقاعد البرلمان في الانتخابات المقبلة. الأهم من ذلك، صرح قياديون في الحزب بأنهم لن يطرحوا مرشحا على منصب الرئيس، مبددين مخاوف من استيلاء الإخوان المسلمين على السلطة. وبالنسبة لمن توقعوا تكرار نموذج إيران 1979، جاءت هذه التصريحات لتهدئة مخاوف كثيرة.
ذكر قادة هذا المعسكر مخاوف صحيحة بأن الإخوان المسلمين سيثيرون مخاوف داخلية ودولية ذات تداعيات خطيرة إذا سعت الجماعة بتسرع إلى دور أكبر في الحكومة. وظهرت قضايا مثل الاقتصاد المصري، الذي يعاني من ضعف شديد بالفعل نتيجة للثورة، والعلاقات الخارجية المصرية في مقدمة الأسباب التي جعلت الإخوان المسلمين حذرين بشأن المصلحة الوطنية للبلاد.
ولكن ظهر آخرون يرغبون في مواجهة النتائج المحتملة حتى تتخذ الجماعة خطوة كبيرة إلى الأمام في سبيل السيطرة على أكثر دولة مؤثرة في العالم العربي. في الواقع، بعد فترة وجيزة من الإعلان عن التنافس على ثلث مقاعد البرلمان المصري، ارتفعت النسبة إلى خمسين في المائة. بالإضافة إلى ذلك، على الرغم من أن الإخوان صرحوا بأنهم لن يطرحوا مرشحا للرئاسة فإن هذا لم يمنع أعضاء بارزين داخل القيادة من الترشح للمنصب بعيدا عن السياسة الرسمية للحزب.
فصل الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح، العضو البارز في جماعة الإخوان المسلمين، بالفعل من الجماعة بسبب إعلان نيته الترشح للرئاسة كمستقل. واتهم بيان رسمي صادر عن الجماعة أبو الفتوح بتحدي تعهد الجماعة بعدم المشاركة في الانتخابات الرئاسية.
[caption id="attachment_3173" align="alignleft" width="300" caption="الدكتور محمد بديع، المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين"][/caption]
ولكن ليس من المرجح أن يمنع هذا القرار أعضاء الإخوان المسلمين من تأييد واحد منهم في السباق الرئاسي، لا سيما شباب الحزب. من الناحية الآيديولوجية، ما زال أبو الفتوح يعتنق كثيرا من آراء الإخوان المسلمين، في حين أنه يتقرب أيضا من المركز السياسي. إنه يمثل نموذجا يمكن قبوله بسهولة لفكر الإخوان القادر على حشد التأييد من قطاع عريض من الناخبين المصريين.
يوجد حاليا حزبان منشقان عن الإخوان يمكنهما أن يشكلا جبهتين منافستين، وهما حزب الوسط وحزب النهضة، وكلاهما يمثل صوتا تقدميا داخل حركة الإخوان. من المرجح أن يحظى هذان الحزبان بتأييد شباب الإخوان الذين تتردد أنباء عن استيائهم من العديد من القرارات التي تتخذها العناصر التقليدية في الجماعة، بما فيها قرار فصل أبو الفتوح.
إذا لم تسفر هذه الانقسامات عن تقسيم أصوات الناخبين، فعلى الأرجح أن هذه الأحزاب المنفصلة ستكون شريكة في ائتلاف طبيعي يستطيع جذب أكثر من 50 من مقاعد البرلمان التي تحدث عنها الإخوان، مما يضاعف حجم الضغوط التي يتعرض لها الأعضاء الحذرون داخل الجماعة.
نظرا لتحديد موعد إجراء الانتخابات في شهر سبتمبر (أيلول) المقبل، من الممكن أن يعني ذلك مكاسب كبرى للائتلاف الذي يقوده الإخوان في مواجهة ساحة سياسية تنقسم فيها الأحزاب العلمانية التي تحاول إثبات ذاتها في أقل من اشهر ثلاثة متبقية. يبقى أنه خارج العاصمة القاهرة، حيث يسكن أغلبية السكان في مصر، تواجه الأحزاب الجديدة تحديا كبيرا.
هناك مخاوف أخرى منتشرة بأن الانتخابات ستجرى قبل وضع دستور جديد، مما يسمح للفائزين بالقيام بدور حاسم في وضعه. في نظام ديمقراطي لم يصل إلى النضج التمثيلي سريعا بعد انفتاح العملية السياسية، من الممكن أن تكون هذه القضية خطيرة في سبيل التقدم إلى الأمام، لا سيما وأن الصراع الطائفي بين الأقباط والسلفيين في مصر مستمر في الاشتعال.
ما معنى ذلك في دولة ما زال مستقبلها غامضا وجماعة تكافح من أجل تعريف ذاتها أمام قدرة غير مسبوقة على تقرير مستقبلها في الحياة السياسية المصرية؟ في حين تقترب مصر من موعد إجراء الانتخابات، تحاول قيادة الإخوان تحقيق توازن صعب قد يصبح أقرب للخلل منه الى التوازن. ربما يكمن مستقبل مصر وثورتها بدرجة كبيرة في نتيجة التسييس الداخلي لتلك الجماعة وأي فريق سينجح في فرض فكره وتوجهاته داخل الجماعة ويحضى خارجها بدعم شعب ما زال على وقع الثورة.
عمر رحمن – صحافي حر ومعلق متخصص في الشؤون السياسية الاجتماعية في الشرق الأوسط. تنشر أعماله في «فورين بوليسي» و«الغارديان» و«الجزيرة»، بالإضافة إلى العديد من الإصدارات الدولية الأخرى.
للتسجيل في النشرة البريدية الاسبوعية
احصل على أفضل ما تقدمه "المجلة" مباشرة الى بريدك.