*تبلغ المساحة المتنازع عليها مع إسرائيل 854 كيلومترا مربعا وتم تقسيمها إلى عشر مناطق أو بلوكات، ويمثل البلوك 9 إحدى تلك المناطق
*الإسرائيليون متلهفون ويرون مرونة في الموقف اللبناني... وشطاينتس على استعداد لحضور اللقاء إذا تواجد نبيه بري
تل أبيب: قبل نحو السنة ونصف السنة، وبالتحديد أواخر مايو (أيار) من عام 2019، انتقلت إسرائيل إلى التصريحات العلنية لرغبتها في مفاوضات مباشرة مع لبنان حول الحدود البحرية في المنطقة، ومحاولة التوصل إلى اتفاق، يخرج منه لبنان رابحا في هذا الملف.
في حينه أعلن وزير الطاقة الإسرائيلي، يوفال شطاينتس، ولأول مرة بشكل علني، موافقة تل أبيب على إجراء محادثات مع لبنان عبر الولايات المتحدة للتوصل إلى تفاهمات تنتهي بترسيم الحدود البحرية، المختلف عليها منذ سنوات بما في ذلك مواقع آبار الغاز التي اكتشفتها إسرائيل وتصر على أنها داخل حدودها.
الموقف الإسرائيلي هذا لا ينحصر على التفاهم حول آبار الغاز، التي تصر إسرائيل على أنها تقع داخل حدودها، إنما في النسبة التي يمكن أن تقبلها إسرائيل في التقسيم بين البلدين على أن يحصل لبنان على النسبة الأعلى من تقسيم المنطقة42:58 لصالحلبنان.
وهذه المرة كما في المرة السابقة، لعبت الولايات المتحدة دورا كبيرا من أجل التوصل إلى هذا الاتفاق وتنتظر إسرائيل بتلهف انتهاء أعيادها أواسط أكتوبر (تشرين الأول)، لعقد اللقاء بين الطرفين.
يوفال شطاينتس الذي يريد أن يسجل من خلال هذا الملف إنجازا كبيرا وافق على الاقتراح بأن يشارك في اللقاء المشترك، المقرر عقده في راس الناقورة بحضور ممثلين من الولايات المتحدة، على أن يشارك من الطرف اللبناني، رئيس مجلس النواب نبيه بري.
كل ما جاء حول احتمال اللقاء الجديد جاء من الطرف الإسرائيلي فقط. لكن الإسرائيليين يدركون أن تفاهمات جزئية مع لبنان، بحيث تشمل الحدود البحرية دون التفاهم حول الحدود البرية، التي تشكل أهمية قصوى بالنسبة للبنانيين، لا يمكن ان تتم. واليوم بعد أن صعد رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، تهديداته تجاه لبنان، وحزب الله على وجه الخصوص، لدى حديثه أمام جمعية الأمم المتحدة عن وجود مخازن أسلحة لحزب الله، فإن بصيص الأمل الذي كان لدى شطاينتس بدأ يتلاشى.
مع هذاما زال الإسرائيليون متفائلين من إمكانية تحقيق تقدم في هذا الجانب.
في السنة الماضية كان نبيه بري قد أعلن رفضه اقتراح الاتفاق بين البلدين، موضحا أن لبنان يصر على أن أي ترسيم لحدوده البحرية مع إسرائيل يجب أن لا يتم إلا من خلال حزمة أوسع تشمل الحدود البرية أيضا.
صفقة القرن
التناقض في المواقف الإسرائيلية تجاه لبنان، تارة تطلق التهديدات والتحذيرات للبنان كدولة وجيش ويتم تحميل الدولة اللبنانية مسؤولية أي تصعيد أمني عند الحدود الشمالية وبضرب البنى التحتية لكل لبنان، وتارة أخرى يكثف الإسرائيليون مساعيهم لتحقيق تفاهمات مع لبنان حول الحدود البحرية، هذه التناقضات إنما تعكس بشكل واضح الأهداف الإسرائيلية من التحركات الأخيرة نحو تفاهمات الحدود البحرية.
أما من جهة الضغوط الإسرائيلية، فتأتي إزاء الخشية الإسرائيلية من استهداف آبار الغاز وتوجيه ضربات باتجاهها تلحق أضرارا بالغة، ليس فقط من الناحية الاقتصادية، حيث تشكل آبار الغاز مصدرا ماليا كبيرا لإسرائيل، إنما العسكرية البحرية الإسرائيلية.
ويرى الإسرائيليون أن المحادثات المباشرة تشكل حدثا دراميا للعلاقات السياسية الإسرائيلية اللبنانية، لكن «يحسم الإسرائيليون عكس ما يطلب اللبنانيون: مزارع شبعا والحدود البرية، وأي خلافات مع لبنان بما في ذلك الغجر، لن تكون في أي مرحلة من المفاوضات».
أما من جهة الضغوط الأميركية للتوصل إلى تفاهمات مع لبنان، فتأتي، وكما يرى البعض، لتحقيق خطوة في صالح الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، حيث تتضمن «صفقة القرن»هذا الجانب من العملية السلمية في الشرق الأوسط.والمتوقع أن تقدم إدارة ترامب هذه المحادثات كخطوة أخرى نحو تحقيق السلام والتطبيع في الشرق الأوسط.
وقد بذلت الولايات المتحدة، عبر مساعد وزير الخارجية الأميركية، ديفيد شنكر، جهودا كبيرا لتذليل العقبات والتوصل إلى اتفاق بين الطرفين لبدء المفاوضات التي، إذا ما نجحت، ستكون الأولى منذ أكثر من ثلاثين عاما. وأجرى شينكر زيارات مكوكية بين تل أبيب وبيروت، التقى خلالها مسؤولين من الطرفين، في إسرائيل التقى وزير الطاقة، يوفال شطاينتس، المسؤول عن ملف الغاز، ووزير الخارجية غابي أشكنازي، وعبر الاثنان بعد اللقاء عن تفاؤلهما من إمكانية نجاح المفاوضات؛ حيث نقل عنهما أن الانطباع الأول لدى الولايات المتحدة أن هناك ليونة في الموقف اللبناني، الذي قد يؤدي إلى نجاح المفاوضات هذه المرة.
ويتوقع الإسرائيليون، في أعقاب حصولهم من شينكر على مسودة حديثة لوثيقة المبادئ لبدء المفاوضات فما سيتم عرضه للبنانيين قد يذلل الكثير من العقبات خصوصا في ظل الوضع الاقتصادي الصعب الذي يعيشه لبنان في أعقاب انفجار مرفأ بيروت.
الرغبة لدى إسرائيل والولايات المتحدة هي التوصل إلى اتفاق قبل نهاية السنة الجارية، علما أن أحد الشروط التي عرقلت إجراء المفاوضات منذ سنة ونصف السنة، هم الوسطاء: لبنان طالب، سابقا، بوساطة مشتركة بين الولايات المتحدة والأمم المتحدة، معا، فيما أصرت إسرائيل على وساطة أميركية فقط.
وفي اعقاب الجهود الأميركية الأخيرة، تم الاتفاق على أن تجري المفاوضات برعاية أميركية ومراقبة الأمم المتحدة.
«بلوك 9»عقبة كأداء
على عكس ما أبداه الوزير الإسرائيلي، يوفال شطاينتس، من ارتياح واحتمالات كبيرة لتحقيق تقدم في المفاوضات المباشرة مع لبنان، يرى مطلعون على الملف أن عدم حصول أي تقدم منذ شهر مايو السنة الماضية وحتى اليوم يدل على صعوبة الملف والعراقيل التي تواجهها مساعي المفاوضات، والتي قد تؤدي إلى تبديد أحلام الإسرائيليين والأميركيين من تحقيق أي تقدم.
فأمام المفاوضات هناك أكثر من عقبة سيكون من الصعب التوصل إلى اتفاق حولها، خصوصا وأن إسرائيل تشهد هذه الفترة أزمة اقتصادية خانقة، بسبب تفشي فيروس كورونا ما جعلها تتصدر دول العالم من حيث نسبة الإصابات والوفيات وانتشار الفيروس، وهذا الأمر يدفعها إلى عدم الإسراع في التنازل عن أي مصدر مالي، وآبار الغاز في عرض البحر المتوسط تشكل مصدرا ماليا كبيرا لها.
من هنا تشكل مسألة الخلاف حول «البلوك 9»، التي تفاقمت منذ عام 2009، عقبة كأداء أمام المفاوضات.
وتعود المشكلة عندما اكتشفت شركة «نوبل للطاقة»الأميركية كمية من احتياطي النفط والغاز في الحوض الشرقي من البحر الأبيض المتوسط، تبلغ مساحته 83 ألف كيلومتر مربع، قرب منطقة الحدود البحرية اللبنانية الإسرائيلية.
وتبلغ المساحة المتنازع عليها مع إسرائيل 854 كيلومترا مربعا، وتم تقسيمها إلى عشر مناطق أو بلوكات، ويمثل البلوك 9 إحدى تلك المناطق.
وبحسب الإسرائيليين تقدر حصة لبنان من الغاز الطبيعي، الموجود في هذا الجزء من البحر المتوسط، بحوالي 96 تريليون قدم مكعب.
وكانت إسرائيل قد هددت لبنان، مرات عدة، بعرقلة أعمال التنقيب في البلوك 9، وأعلنت أنه «ملك لها وما يقوم به لبنان في تلك المنطقة هو استفزاز لإسرائيل».
فيما بعد صعدت الحكومة الإسرائيلية خطوتها في هذا الجانب وكشف أنها صادقت على التنقيب في هذه المنطقة، على الرغم من التقارير الأمنية والاستخبارية التي تحذر من أن يؤدي قرار كهذا إلى تصعيد التوتر بين لبنان وإسرائيل.
وكانت الحكومة الإسرائيلية قد امتنعت على مدار سنوات من المصادقة على البحث خشية التصعيد الأمني مع لبنان. وتجاوبت مع تحذيرات أمنيين وعسكريين لتداعيات هذا القرار على الوضع الأمني بين لبنان وحزب الله، إلا أن متخذي القرار عادو او تراجعوا عن موقفهم هذا ليعلنوا عن المصادقة على التنقيب، بل إن الوزير شطاينتس، وحتى لا يبقى النقاش جاريا في إسرائيل حول صحة هذا القرار، أعلن تأكيده على الموافقة على عملية التنقيب.
تحديد الخط الجغرافي من طرف واحد
المعروف أن الأزمة بين إسرائيل ولبنان في كل ما يتعلق بملف الحدود البحرية يعود إلى العام 2000 بعد الانسحاب الإسرائيلي من لبنان. فعندما تدخلت الأمم المتحدة لتحديد الخط الجغرافي الذي ينبغي الانسحاب إليه، رفضت الحكومة اللبنانية التعاون، ما وجدته إسرائيل ذريعة لإجراء مفاوضات مع الأمم المتحدة ومن ثم قامت بتحديد الخط الجغرافي الذي ينبغي الانسحاب إليه، من طرف واحد فقط، دون مشاركة اللبنانيين.
بحسب هذا التحديد فإن الحدود الدولية تبدأ من جبل الشيخ شرقا وحتى رأس الناقورة غربا. في المرحلة الثانية من رسم الحدود طرحت مسألة الحدود البعيدة. هنا اختارت إسرائيل طريقة بموجبها يرسم خط الشاطئ لإسرائيل ولبنان، وعندها من نقطة الحدود لرأس الناقورة يرسم خطا أفقيا 90 درجة مع خط الشاطئ. ولما كان خط الشاطئ منحنيا، فإن الخط الساقط يميل بالاتجاه الشمالي الغربي.
أما لبنان، بحسب مسؤولين أمنيين إسرائيليين، فقد أصر على طريقة أخرى، بموجبها خط الحدود البحرية هو استمرار للحدود البرية. من راس الناقورة غربا. رفضت الأمم المتحدة الانشغال بذلك، فنشأت منطقة بحرية موضع خلاف.
يدور الحديث عن مساحة في شكل مثلث يتسع كلما اتجهنا غربا. هذا الخلاف، بحسب مسؤول إسرائيلي، أصبح مصدر توتر من اللحظة التي بدأت تكتشف فيها حقول غاز في البحر.
الأرباح الإسرائيلية
عندما تتنازل إسرائيل عن تعنتها حول تقسيم المنطقة مع لبنان، بحيث يحصل لبنان على النسبة الأعلى 42:58 فذلك يأتي في أعقاب التخوف الإسرائيلي من إلحاق الضرر بحقول الغاز وبالتالي تكبد الخسائر الفادحة وفقدان مبالغ طائلة من الربح الذي تحصل عليه إسرائيل من حقول الغاز في عرض البحر المتوسط.
بموجب المعطيات الرسمية التي نشرها قسم الاقتصاد في وزارة الطاقة يبلغ مدخول إسرائيل من الغاز حوالي 864 مليونشيقل (قيمة الدولار تساوي 3.4 شيقل). ويُعتبر حقل «تمار»، المختلَف عليه بين لبنان وإسرائيل حول مكان وقوعه بالنسبة إلى الحدود المائية للدولتين، هو أكبر مصدر في مدخول الخزينة من الغاز الطبيعي. ومن المتوقع أن تصل أرباح «تمار» حتى نهاية السنة إلى نصف مليار دولار.
وبحسب المعطيات، ينتج «تمار» نحو 10.5 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي، ونحو 482 ألف برميل مكثف مرافق.
الدوافع الإسرائيلية إلى مفاوضات مع لبنان، في محاولة لمنع أي ضرر في حقول الغاز، تأتي أيضا في أعقاب الاتفاقيات بين إسرائيل ومصر والأردن وأوروبا، على تصدير الغاز إليها والتي تجبي منها مليارات الدولارات.
فبحسب الصفقة التي وقعتها إسرائيل مع شركة «دولفينز»المصرية، تصل كميات الغاز التي ستحصل عليها مصر إلى حوالي 85 مليار متر مكعب، على مدار 15 عاما.
الصفقة التي وقعتها إسرائيل مع مصر ستسمح لها بتصدير جزء من غازها إلى أوروبا من خلال منشآت تسييل الغاز في مصر. أما بالنسبة لمصر فقد لبى هذا الغاز الحاجة المصرية الضرورية للغاز الطبيعي ومن شأنه أن يرفع مستوى مكانة مصر كسوق غاز إقليمية.
في حينه، عندما تم التوقيع على الصفقة قال رئيس صناعات التنقيب عن الغاز والنفط، ضابط الاحتياط، إيتان دانغوط، إن الغاز الطبيعي سيشكل مصدرا لتسخين السلام البارد مع الدول العربية.
وشدد دانغوط على أن هناك الكثير من الجوانب الإيجابية للصفقة مع مصر، «حتى في شؤوننا المتعلقة بلبنان بالنسبة للمياه الإقليمية وبالأتراك».
أما بالنسبة للأردن فيتعامل الإسرائيليون مع مسألة تصدير الغاز، في غاية من الحساسية، وسط المعارضة الشعبية الأردنية له، والتهديدات السياسية والدبلوماسية التي شهدتها العلاقات بين البلدين منذ أشهر.
ويأتي المردود الاقتصادي الكبير لإسرائيل من تصدير الغاز، أيضا من خلال الاتفاق الذي وقعه نتنياهو وشطاينتس، في أثينا لمد أنبوب الغاز من إسرائيل إلى أوروبا لتزويدها بالغاز الطبيعي. ويشمل الاتفاق تزويد قبرص واليونان، بداية، وتسعى إسرائيل إلى توقيع اتفاق مع إيطاليا، خلال الأشهر القريبة.
يشار إلى أن خزان لفيتان اكتشف في 2010، لكن عملية أعمال التطوير بدأت فقط في العام 2017، لأسباب عدة بينها الخلافات حول الحدود مع لبنان.
يشمل الحقل احتياطي غاز ثابت يقدر بـ540 مليار متر مكعب. واحتياطي غاز مقدر يصل إلى 605 مليارات متر مكعب. وفي المرحلة الأولى سيضخ الحقل 12 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي في السنة. ويجري الحديث عن بيع سنوي بحوالي 9.5 مليار متر مكعب، وهذا لا يشمل التصدير لمصر والأردن، الذي يضيف التزام بشراء حوالي 100 مليار متر مكعب بالإجمال.