* يميل الناس بطبيعتهم إلى البحث والتقصي في حيوات من يحبون، ومن لا يحبّون، وتبدو حياة الناس اليومية مغرية لهم
* تتعهد شركة «يوتيوب»بدفع 55 % من إجمالي الربح إلى منشئ المحتوى
* فيديو «مقلبت أصحاب جوزي»حصد 9.8 مليون مشاهدة
* يبدو أن الناس بدأت تستبدل علاقات العالم الواقعي بعلاقات العالم الافتراضي
* من الممتع أن تشاهد الأثرياء يعيشون حياتهم المبهجة الجميلة البعيدة عن أيدينا، أعلم أنهم مملّون لكن مشاهدتهم مريحة!
لندن: لو أن أحدهم قبل عقد من الآن أخبرك أنّ هنالك من يسكن بيتاً زجاجياً، ليجعل حياته مستباحةً للمارة ولكل متفرّجٍ، هل كنت ستصدق؟ ولو أنه أخبرك أن ملايين الناس تقف أمام منزله يومياً ساعات طوال لتتابع بنَهَم تفاصيل حياةِ قاطن ذاك المنزل، هل كان سيبدو ذلك منطقياً لك؟
هكذا تبدو مدونات كثيرة على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث يصوّر مدوّنو الحياة اليومية أنفسهم خلال ممارسة أعمالهم الروتينية أو غير الروتينية اليومية، حتى التافه منها، مما يجعل المتابعين يشعرون كما لو أنهم باتوا جزءاً من حياة المدوّن وبات هو صديقاً حميماً لهم.
يميل الناس بطبيعتهم إلى البحث والتقصي في حيوات من يحبون، ومن لا يحبّون، وتبدو حياة الناس اليومية مغرية لهم، والحديث عن حياة الآخرين مسلٍّ للكثيرين! وهو ما يقدمه لهم هؤلاء المدوّنون على طبق من ذهب، يوميات وحياة مستباحة بكل سرور، بواقعيتها أحياناً وبمثاليتها الزائفة أحياناً أخرى.
ربما يرى المتابع لهذا النوع من المدونات هذا النشاط هروباً من متاعب وهموم حياته الخاصة إلى وهم وزيف حيوات الآخرين، وهو ما يشبه إلى حدٍّ ما برامج تلفزيون الواقع ذائعة الصيت وعظيمة الشعبية، حيث يعتقد المشاهد أن هذه المشاهد لمنزل المدوّن الفوضوي، وشكله الطبيعي عند الاستيقاظ، حقيقية للغاية.
أما المدوّنون فيهتمون بجني الأموال، حيثيستطيع أي مدوّن فيديو على «يوتيوب»أن يحقق الملايين من الأرباح من خلال أرقام المشاهدات، فمثلاً حققت أغنية «عشقك موت»لنبيل سيف أكثر من 360مليون مشاهدة، وحققت معها دخلاً بحوالي 378 ألف دولار، بحسب موقع influencer marketing hubوحققت أغنية«نفسي أقوله»لإليسا 70مليون مشاهدة ما يعني دخلاً بحوالي 131 ألف دولار، والطفلة الروسية الأميركية لايك ناستاي (6 سنوات) التي تمتلك ست قنوات على «يوتيوب»، بإجمالي 119 مليون مشترك، تقدم في إحدى قنواتها الشهيرة محتوى متخصص في الألعاب لهذه الفئة السنية، وتقدر أرباحها في عام 2019 بقيمة 18 مليون دولار بمعدل مليون ونصف المليون دولار شهرياً.
أرباح مذهلة
تتعدّد طرق الربح لمدوني الفيديو على «يوتيوب»، منها الإعلانات التي يظهرها «يوتيوب»للمشاهد خلال متابعة الفيديو، وهي عدة أنواع منها ما يستطيع المشاهد تخطّيه، ومنها ما لا يستطيع، منها ما يظهر في بداية الفيديو ومنها ما يظهر خلال عرضه، وتختلف الأرباح بالطبع بين أنواعها، ويستطيع المدوّن أن يختار منها ما يظهر لمتابعيه، كما توجد سياسات عدة لموقع «يوتيوب»تؤثر على المبلغ الذي سيحصل عليه المدوّن مقابل كل مشاهدة، كمضمون القناة وموضوعها الأساسي، ودولة إقامة المشاهد (تحصد القناة قيمة أرباح أعلى في حال كانت المشاهدات من قبل المقيمين في أوروبا وأميركا الشمالية). إذن فالمبلغ الذي يحصل عليه المدون مقابل مشاهدة الإعلانات تختلف طريقة حسابه لكل 1000 مشاهدة، وتتعهد شركة «يوتيوب»بدفع 55 في المائة من إجمالي الربح إلى منشئ المحتوى، أي نسبة ربح أكبر من نسبة «يوتيوب»نفسه؛ كما هو الحال مع حساب الإعلانات.
ويوفر«يوتيوب»أيضاً خدمة لمنشئي المحتوى وهي الاشتراك المدفوع في القناة، حيث يتم السماح للمشاهدين بدفع مبلغ شهري للاشتراك في القناة مقابل امتيازات، وهي خدمة غير متوفرة في كافة البلدان.
ويستطيع مدوّن الفيديو أن يستفيد من الإعلانات التي يقدّمها شخصياً دون وساطة من «يوتيوب»، رغم أنه وبحسب سياسات ولوائح «يوتيوب»على المدوّن أن يخبر «يوتيوب»بأنه إعلان مدفوع. ويتم ذلك من خلال تواصل المعلِن مباشرة مع المدوّن وبالاتفاق يقوم المدوّن بالإعلان له. تقول إحدى مدوّنات الفيديو المقيمة في الإمارات العربية المتحدة والتي يتابعها 200 ألف شخص لـ«المجلة»، إن أقل مبلغ تقبل به للإعلان لمنتج ما هو 200 ألف درهم إماراتي،أي ما يعادل 50 ألف دولار أميركي، ويختلف شكل الإعلان بين ذكر سريع للمنتج، أو إنشاء مدونة فيديو خاصة بالمنتج، أو استخدامه بشكل دوري وتذكير المتابعين به.
محتوى لا محتوى فيه
وعلى الرغم من أن مدونة الفيديو اليومية ليست سهلة بالتأكيد، إلا أنها تتجاوز مشكلة التفكير في موضوع الفيديو، فليس على مدوّن اليوميات القلق أو البحث في مواضيع يقدّمها، وفيما إذا كان الموضوع سيجذب الجمهور أم لا، ومثال ذلك مدونة «أنصالة»للزوجين أنس وأصالة، بعض مدونات الفيديو عناوين مثل «وصلنا بيتنا في كاليفورنيا»،و«فاجأتها يوم عيد ميلادها»،و«أخيراً قصينا شعر بيبي ميلا»،و«قررنا نسافر»، كما تعتبر المقالب والتحديات من المواضيع الأكثر انتشاراً في هذا النوع من المدونات، مثل «اتصلت باليوتيوبرز وصورتهم دون علمهم»، أو «مقلبت أصحاب جوزي»والذي حصد 9.8 مليون مشاهدة، وأفكار أخرى غريبة كتبادل الأبناء بين مدوني الفيديو الذين يعيشون في دولة واحدة، أو تجربة الأمومة ليوم كامل كما فعلت «عزة زعرور»وغيرها الكثير، وهي ليست أكثر المواضيع إلهاماً أو إثارة، لكنها لمدوّنين يجلسون في منزلهم، يداعبون أطفالهم أو يمارسون بعض العادات اليومية، ويسردونها أمام الكاميرا، ومع ذلك فهم يحققون ملايين المشاهدات، وملايين التعليقات المعجَبة، وهو ما يعني بالطبع ملايين الأرباح.
فلماذا يشاهد الملايين هذه المدونات؟!
يبدو أن الناس بدأت تستبدل علاقات العالم الواقعي بعلاقات العالم الافتراضي أو حتى العلاقات من جانب واحد، كأن تتابع يوميات وأخبار وتفاصيل حياة فلان، وتعلّق عليها، دون أن تبادلَه ذلك، كما أن المثالية الفائضة فيما يختار المدونون إظهاره جعلت المتابعين ينغمسون في الخيال حتى مع وعي بعضهم لذلك، إضافة إلى أن المتابع قد لا يملك المال ليعيش نمط الحياة ذاته، أو لا يملك الجرأة لممارسة رياضة القفز من الطائرة، فيستمتع بمشاهدة غيره يمارسها ويعيشها، كما أن المدونين يتعمّدون مخاطبة المشاهد مباشرةً ضمن الفيديوهات، ما يجعلها تبدو وكأنها تواصل مباشر مع المتابع، وهو ما يجعل المتابع يشعر بعلاقة شخصية مع المدوّن، وبالتزام تجاه هذه العلاقة، وبالتالي متابعة دورية.
تقول إحدى المتابعات: «من الممتع أن تشاهد الأثرياء يعيشون حياتهم المبهجة الجميلة البعيدة عن أيدينا، أعلم أنهم مملّون لكن مشاهدتهم مريحة!».
من المنطقي أيضاً أن نفترض أن المتابع سيجد لدى الأشخاص الافتراضيين العديد من الاحتياجات العاطفية والنفسية التي تلبيها مقاطع الفيديو المصممة لجذب المتابع، حين تتناول موضوعات شخصية وتناسب الاحتياج العاطفي للمشاهد، حيث يقدمون نسخاً مشذبة من العلاقات، سواء مع الشركاء أو الأهل والأصدقاء أو الأبناء، علاقات خالية من المشاكل العاطفية بما لا يشبه العلاقات الحقيقية، وهو ما قد يجده المتابع لطيفاً وجذاباً.
يبدو الأمر مغرياً فعلاً للمدونين، متابعون كُثُر، مشاهدات بالملايين، شهرة واسعة، وأموال طائلة!