[caption id="attachment_3160" align="aligncenter" width="620" caption="أجمل فنون الدنيا"][/caption]
تعد «الكتابة الجميلة» هي الأصل اليوناني لمصطلح «فن الخط» بشكل عام، ولا يستطيع أي أحد من أي مكان إنكار جمال الخط العربي. ولكنْ هناك بعد آخر لذلك الفن، بعد ملهم، يعزز التجربة التي يمر بها المرء في حضرة فن عظيم، من خلال إضافة المعنى، حيث إن فن الخط العربي هو فن محمل ببعد روحي.
وعلى الرغم من أنه أساسا وسيلة للتعبير، ووسيلة فعالة لنقل اللغة، أصبح ذلك الفن بثرائه في بث تشكيلات الأرابيسك والتصميمات الهندسية الحادة «نمطا روحيا شكلته أدوات عالمية» كما تصفه المصادر الإسلامية. وما زال ذلك الفن الراقي حيا، حيث يدفع فنانو الخط العربي المعاصر بحدود ذلك العمل الإبداعي والرمزي خارج تخوم العالم العربي، فعلى سبيل المثال، أقام الفنان تونسي المولد نجا المهداوي أخيرا معرض «فعل العرض» في برشلونة حيث قام برسم أربعة راقصين إسبان مع كتابات تشجب اغتصاب امرأة مسلمة في يوغوسلافيا.
ومنذ بداية العصر الإسلامي (622 بعد الميلاد)، كان الخط العربي هو الوسيط الأكثر حيوية للتعبير الفني، لأنه كان يستخدم لنقل كلمات الله. وقد تطورت الحروف المشكلة إلى وسيط فني لكي تمنح تعزيزا بصريا لآيات القرآن «كلمات الله المقدسة». ويرجع السبب في أن غير المسلمين يجدون الخط العربي ملهما وموحيا هو أنهم سواء بوعي أو بغير وعي يستجيبون لجاذبيته الروحانية.
كما حمل فن الخط العربي قوة سياسية كبرى نظرا لتطور اللغة العربية من كونها لغة إقليمية إلى لغة للتواصل العام، «الصمغ» الذي يربط بين أناس مختلفين وإمبراطورية شاسعة الأطراف. فخلال حياة النبي، كان من يتحدثون العربية عدد قليل للغاية في شرق وجنوب شرقي البحر المتوسط. وخلال ثلاثة قرون، حلت اللغة العربية محل لغات قديمة مثل اليونانية واللاتينية والفارسية والسريانية، وأصبحت لغة التواصل في التجارة والحكم والقانون والأبحاث والأطروحات الأكاديمية بالإضافة إلى الأدب والعلوم.
وقد انتشر ذلك الحضور الواضح للغة العربية في العالم الإسلامي من شبه الجزيرة الأيبيرية في الغرب، وعبر السواحل الجنوبية والغربية للبحر المتوسط مرورا بالعراق وإيران إلى غرب آسيا الوسطى. وفي النهاية، بالطبع، امتد النفوذ الإسلامي وبالطبع دراسة القرآن، جنوبا في تلك القارة وصولا إلى نيجيريا. وفي العصور الوسطى في أوروبا، كان هناك عدد قليل من الناس يستطيع القراءة والكتابة مقارنة بمعاصريهم من المسلمين نظرا لأن كونك مسلما كان يقتضي دراسة القرآن.
وفي القرن العاشر، كان استخدام الكلمات على الأشياء من المنسوجات والمجوهرات والصلب، إلى الأرضيات بالإضافة إلى المباني، يجعل من كلمات الله جزءا لا يتجزأ من الحياة اليومية. ومن القرآن إلى الأدوات العملية للغاية، كان للعبارات، والنصوص والتحيات دور مهم للغاية وكان للمديح أهمية كبرى حتى أن النقوش كان يتم حفرها في كل مكان في أماكن يصعب الوصول إليها حتى أنه لم يكن يستطيع قراءتها سوى الله والطيور فقط.
وقد بدأت الكلمات العربية التي كانت تدون في الأصل على ورق البردي والرق تظهر على كل المباني المهمة في العالم الإسلامي، خاصة المساجد وكان يتم نسجها على المنسوجات المحلية ويتم تزيين الفخار والزجاج بها. تخيل سعادة عروس وهي تعلق ملابسها المزخرفة على جدران كالحة وتضع السجاجيد على الأراضي الحجرية وتغطي النوافذ بستائر تحمل النصوص العربية بخط عربي أقل أو أكثر جمالا.
«الذي علم بالقلم»، كانت من أولى الكلمات التي أوحى بها الله إلى النبي محمد والتي تؤكد بلا شك دور الكتابة وبالضرورة اللغة وبالتالي دور الخط في الثقافة الإسلامية. كما كان من الواضح أنه من الصعب الاعتماد على الذاكرة الجمعية التي تعتمد على التواتر الشفوي تماما في المهمة المقدسة لنقل تفاصيل النص المقدس. ونظرا لأن مكة كانت مركزا تجاريا، وبالتالي كانت الكتابة شائعة، فمن المرجح أنه تم تدوين العديد من النصوص خلال حياة النبي. ويبدو أن أتباعه في المدينة قد دونوا بعضا منها أيضا ومع ذلك لم يتم جمع القرآن في كتاب واحد.
وفي أواخر القرن السادس عشر وصلت الفنون المتعلقة بالكتاب ذروتها غير المسبوقة من التدقيق والأهمية حيث أصبحت التفاسير تحتل مكانة موازية للخط العربي. وقد ألهم ذلك الازدهار، خاصة في فارس، فنون الكتاب في إمبراطوريتي المغول والعثمانيين.
وقد أدى إصدار نوع من الكتب يمكن حمله في أوروبا في أواسط القرن الخامس عشر إلى دمقرطة الكتاب هناك، حيث أصبحت الكتب أرخص ويمكن الوصول إليها بسهولة. ولكن في العالم الإسلامي، جعل الخط العربي الذي يحتل مكانة رفيعة باعتباره الوسيط الرئيسي للفن الإسلامي طباعة الكتب تتأخر عدة قرون – رغم أن الطباعة كانت مستخدمة على المنسوجات والجلود.
وعلى الرغم من أن تصميمات الخط العربي كانت تبدو للوهلة الأولى مثل الرسوم التجريدية للسجاجيد أو كانت تبدو في أواخر الدولة العثمانية كأنها سلسلة من الحلقات اللانهائية، فإنها تتبع، في الحقيقة، نظاما ملهما، ترجمة رمزية لنظام العالم يكرر فيها عامل التغيير حلقاته، حيث يتم التعبير عن استمرارية الحياة من خلال الخطوط المنحنية، وتجسيد الأبدية عبر دوائر، فيما يتم التعبير عن الميلاد والنضج من خلال الورود ونقش يشبه سعف النخيل. ويعد هدف ذلك الفن الفريد من الكتابة هو تحقيق التوازن الكامل بين الجمال والمعنى وبين الزينة والروحانية.
جولييت هايت
للتسجيل في النشرة البريدية الاسبوعية
احصل على أفضل ما تقدمه "المجلة" مباشرة الى بريدك.