* أول زيارة خارجية رسمية قام بها الملك المؤسس عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود كانت إلى أرض الكنانة ليؤسس لعلاقات تاريخية مميزة بين البلدين
* شهدت العلاقات بين البلدين عبر العقود تطوراً ملموساً وصولا إلى عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز
* بدأت علاقة الملك المؤسس الحقيقية بمصر منذ عام 1944 حيث الحرب العالمية كانت لا تزال جارية وتم ترتيب لقاء بينه وبين الرئيس الأميركي
* في العام 48 اشتركت القوات السعودية جنباً إلى جنب مع القوات المصرية والعراقية في حرب فلسطين
* استمرت العلاقات الطيبة بين المملكة ومصر حتى عام 1973 حيث أرسلت قوات رمزية لدعم مصر في حرب أكتوبر
* الحالة الراهنة من العلاقات المصرية السعودية هي حالة قائمة على التاريخ والمصالح المشتركة
القاهرة: مع استمرار الاحتفالات الرسمية والشعبية لإحياء الذكرى الـ90 لتأسيس وتوحيد المملكة العربية السعودية والذي يُحتفل به سنويا في الثالث والعشرين من سبتمبر (أيلول) من كل عام، والذي يعود للمرسوم الملكي الصادر من الملك المؤسس، الملك عبد العزيز آل سعود، طيب الله ثراه، في السابع عشر من شهر جمادى الأول من العام 1351 الهجري، والذي قضى بتحويل الدولة السعودية الثالثة من مملكة الحجاز ونجد وملحقاتها، إلى المملكة العربية السعودية بدءا من الخميس 21 جمادى الأول 1351 الهجري، 23 سبتمبر من العام 1932 ميلادية، وسط ما تموج به المنطقة من أحداث وتداعيات عديدة يلعب فيها الدور السعودي دوراً محورياً وجوهرياً في الأحداث المتلاحقة التي تمر بها المنطقة العربية والإسلامية لما لها من دور رئيسي، ومحوري أكد عليه ثقل الأداء السعودي في ملء الفراغ السياسي في المنطقة العربية والشرق أوسطية، والعالم الإسلامي، هذا الدور القوي الذي اضطلعت به المملكه العربية السعودية كلاعب أساسي ومحوري في المنطقة والذي يتواءم مع الدور المصري الهام والأساسي في المنطقة، والذي يؤكد أن البلدين الشقيقين يمثلان حجرا أساسيا، ومحورا قويا لضبط الأداء السياسي في المنطقة، يفتح الباب أمام التساؤلات حول تاريخ العلاقات المصرية السعودية والذي مر بمرحلة كبيرة، وطويلة من التجانس، والتناغم، وكذلك التجاذب، والتماهي، خلال عدة عقود رسمت فيه الشقيقتان، غالبية الأحداث الهامة في المنطقة، سواء خلال فترات التقارب والتلاحم، أو فترات الجفوة والتباعد، ولكن ما يؤكده التاريخ، أن الدولتين لا تزالان معا، هما من يضبط اتجاهات البوصلة السياسية للمنطقة العربية والشرق أوسطية، رغم ما اعترى العلاقة بينهما في بعض الأحيان من فتور العلاقة، ثم العودة مجددا إلى العلاقة الطبيعية التي تربط بين الأشقاء.
«المجلة»من جهتها، وتأكيدا على أهمية العلاقة بين البلدين الشقيقين بالنسبة للأمن القومي العربي والإقليمي، حاولت من جانبها توضيح أهمية هذه العلاقة التاريخية كصمام أمان حقيقي يمثل درعا للأمتين العربية والإسلامية.
طفرة غير مسبوقة لتنامي العلاقات بين البلدين
في البداية قال سفير المملكة العربية السعودية في القاهرة، أسامة النقلي في تصريحات خاصة لـ«المجلة»: «يشرفني أن أرفع أسمى آيات التهاني لمقام سيدي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز، حفظهما الله، ولكافة المواطنين الكرام، بمناسبة الاحتفال بالذكرى التسعين لتوحيد وطن العز والفخر، لماض مجيد وحاضر مشرق ومستقبل واعد بإذن الله تعالى، وذلك بالأصالة عن نفسي ونيابة عن زملائي منسوبي سفارة المملكة العربية السعودية في جمهورية مصر العربية وقنصليتي المملكة في الإسكندرية والسويس».
وأضاف السفير السعودي: في ذكرى توحيد أرضنا المباركة تحت راية لا إله إلا الله محمدا رسول الله، على يد الملك المؤسس عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود، طيب الله ثراه، لا يفوتني أن أنوه إلى أن أول زيارة خارجية رسمية قام بها، رحمه الله، كانت إلى أرض الكنانة، ليؤسس لعلاقات تاريخية مميزة بين البلدين والشعبين الشقيقين، والتي شهدت عبر العقود وعلى مر العهود تناميا مطردا وتطورا ملموسا وصولا إلى عهد سيدي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، حفظه الله، وأخيه الرئيس عبد الفتاح السيسي. حيث شهدت العلاقات طفرة غير مسبوقة بينهما انعكست على تكريس أطر التعاون المشترك في كافة المجالات، وتعزيز التعاون والتشاور المستمر بين البلدين الشقيقين في خدمة قضايا أمتينا العربية، والإسلامية، وفي خدمة الأمن والسلم الدوليين. ونسأل المولى عز وجل أن يديم على مملكتنا الغالية أمنها واستقرارها وعزتها وازدهارها، وأن يديم الروابط الأخوية بين البلدين والشعبين الشقيقين.
سنوات الود والقطيعة
من جانبه، قال مساعد وزير الخارجية الأسبق، والقنصل المصري العام الأسبق بالمملكة الدكتور عبد الله الأشعل لـ«المجلة»: منذ نشأة المملكة في 23 سبتمبر 1932، كان يهمها أولا الاعتراف المصري، ولكن كان الملك فؤاد في حالة الاحتضار، وتم إعادة الملك فاروق من لندن حيث كان يدرس هناك، وكان لا يزال قاصرا، وتم جلوسه على العرش تحت الوصاية، واعترفت مصر بالمملكة العربية السعودية في العام 1937، ومنذ هذا الاعتراف، استعانت المملكة بأعداد كبيرة من الأشقاء العرب لتأسيس الدولة الوليدة، وكان ضمن ذلك أعداد كبيرة من المصريين، وغيرهم من الفلسطينيين، والعراقيين، والسوريين، وغيرهم من البلدان العربية، فكانت المملكة بذلك نموذجا حقيقيا للوحدة العربية، والملك المؤسس رحمه الله، هو من جمع شتات الجزيرة العربية في دولة واحدة، وبدأت علاقة الملك المؤسس الحقيقية بمصر منذ العام 1944، حيث الحرب العالمية كانت لا تزال جارية، حيث التقى الرئيس الأميركي روزفلت في الطراد الذي رسا في بحيرة التمساح بالإسماعيلية، وأكد الملك المؤسس على مبادئ القضية الفلسطينية، التي أكد عليها الملك سلمان، ونقلها نيابة عنه مدير المخابرات السابق تركي الفيصل، وهي ضرورة أن يكون هناك حل للقضية الفلسطينية يأخذ في الاعتبار إقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس على أساس مبدأ حل الدولتين، وذلك لقطع جميع التكهنات، والضغوط.
وفي العام 46، قام الملك عبد العزيز بأول زيارة خارجية له وكانت وجهته مصر، وكان يرافقه خلال هذه الزيارة رئيس بعثة الشرف الأستاذ عباس العقاد الذي أصدر كتابا بعدها بعنوان «صقر الجزيرة»وهو كتاب قيم عن الملك المؤسس، وفي العام 48 اشتركت القوات السعودية جنبا إلى جنب مع القوات المصرية والعراقية في حرب فلسطين، وفي العام 1952 مع قيام ثورة 23 يوليو في مصر، ومن الناحية الرسمية لم تكن مصر قد أعلنت الجمهورية فلم تأخذ المملكة موقفا معاديا من الثورة، وهناك صور عديدة تجمع الرئيس جمال عبد الناصر بالملك سعود الذي خلف الملك المؤسس في العام 1953، والذي كانت تجمعهما علاقة قوية، كما أخذت السعودية موقفا قويا داعما لمصر في العام 1956 ضد العدوان الثلاثي على مصر، وكانت العلاقات المصرية السعودية في هذا العام قوية جدا، وكانت أزهى فترات العلاقة بين البلدين، ولكن عندما قام عبد الناصر بعملية التأميم، وإعلان الاشتراكية، بدأت السعودية تتخوف من هذه الإجراءات، كما احتوت المملكة جماعة الإخوان المسلمين الذين طردهم عبد الناصر من مصر، لكن بدأت المشكلات بين الشقيقين مع بداية حرب اليمن لأنها كانت تمثل تهديدا حقيقيا للأمن القومي السعودي.
ويضيف الأشعل: بعد ذلك تولى الملك فيصل مقاليد المملكة في العام 1964، وبدأت فترة من التوترات بين البلدين، وفي 1967 عندما تعرضت مصر للنكسة علي يد قوات الاحتلال الإسرائيلي، دعت المملكة في أواسط هذا العام إلى عقد «قمة عربية»، بالخرطوم والتي عرفت بـ«قمة اللاءات الثلاث»والتي تتمثل في «لا صلح، لا اعتراف، لا تفاوض»، واستمرت علاقة المملكة الطيبة مع مصر حتى العام 1973 حيث أرسلت قوات رمزية لدعم مصر في حرب أكتوبر (تشرين الأول)، جنبا إلى جنب مع مشاركة قوات رمزية من جميع البلدان العربية، ولذلك لا يمكن أن أقول إن العرب هزموا في 67، ولكن أقول إن 67، خطأ مصري خالص، ونصر أكتوبر 1973 هو نصر عربي شامل قادته مصر، وكان في هذا العام تقارب مصري سعودي كبير جدا، خاصة بعدما منع الملك فيصل ضخ البترول إلى الغرب كمساندة لمصر، ولذلك تم اغتيال الملك فيصل في العام 1974، انتقاما منه لهذا الدور الوطني الذي قام به، وبعد ذلك بدأ البترول يكون له سعر، نبه دول الخليج، أن البترول هو أساس التنمية، واستقدمت المملكة الجاليات العربية والتي كان من أهمها الجالية المصرية، وذلك لبناء المملكة.
وقال السفير الأشعل: كنت قنصلا عاما في الرياض في العام 1982، ثم رئيسا لبعثة رعاية المصالح في جده في العام 1983، وفي العام 1985 كنت مستشارا قانونيا لمنظمة المؤتمر الإسلامي في جدة، حتى العام 1990، فقد كنت شاهدا على العلاقات المصرية السعودية وتعرفت فيها على جميع الأحداث، وأؤكد على أن المملكة كان بها حوالي مليوني مصري يعملون بها، رغم أن العلاقات كانت مقطوعة بين البلدين من الناحية الرسمية، وأشهد بأن العلاقات الرسمية كانت مقطوعة، ولكن العلاقات الحقيقية بين البلدين لم تنقطع يوما، فالعلاقات المصرية السعودية كانت دائما مزدهرة.
وأضاف الأشعل، بعد ثورة 25 يناير حصل هناك لبس، حيث صور الإعلام الصهيوني، والأميركي لدول الخليج أن مصر الثورة سوف تبتلعهم، وأن أحداث الثورة في مصر سوف تحرك الشعوب الخليجية ضد حكامها، ما حدا بدول الخليج، وعلى رأسها السعودية بأخذ موقف من الثورة، وبعد ذلك أصبح الموقف السعودي يتماهي تماما مع الموقف المصري حتى إسقاط جماعة الإخوان عن حكم مصر. وأعتقد أن الحالة الراهنة من العلاقات المصرية السعودية هي حالة قائمة على التاريخ، وعلى المصالح المشتركة، وعلى ضرورة تنسيق الرؤية المستقبلية فالبلدان متفقان في ملفات عديدة يأتي على رأسها الملف الليبي وتأييد المشير خليفة حفتر، كما أن المملكة دعمت الموقف الشرعي في اليمن والذي شاركت فيه مصر، كما يوجد عدم اتفاق في ملفات أخرى منها الملف السوري، ويمكن القول إن العلاقات المصرية السعودية كانت دائما تدليلا على أهمية المملكة العربية السعودية، ومصر، للنظام الإقليمي العربي وأن الخلل في العلاقة بينهما لم يظهر إلا خلال حرب اليمن منذ العام 1962، وحتى العام 1965 فقط، وبعدها أصبحت العلاقات طبيعية بين البلدين، وفي النهاية يجب أن ندرك أهمية المملكة العربية السعودية للأمن القومي العربي.