"المجلة".. 33 عاما من العطاء

"المجلة".. 33 عاما من العطاء

[caption id="attachment_55242637" align="aligncenter" width="620"]محمد الرميحي محمد الرميحي[/caption]


كتبت في مجلة "المجلة" بين فترة وأخرى، إلا أن أطول فترة كانت لما طلب مني الأخ والصديق عبد الرحمن الراشد، عندما كان رئيسا للتحرير أن أكتب الصفحة الأخيرة، على ألا لا تكون مخصصة للكتابة السياسية، بل الاجتماعية الخفيفة، وكانت مناسبة خصبة لي أن أكتب في الموضوعات الحميمية خارج إطار الفكر السياسي، الذي تبدو الكتابة فيه صعبة، ليس على الكاتب فحسب، ولكن على المتلقى أيضا.

الكتابة في الشأن الخاص والاجتماعي قليلة في فضائنا الثقافي، مع أنها أحد أجناس الكتابة المحببة للقارئ.
أذكر أني كتبت مقالا بعنوان "أمي" سردت فيه انطباعا عاما عما أشعر به تجاه تلك الإنسانة البدوية، التي لم تدخل مدرسة قط، وكيف أنها كانت قوية الشكيمة، إلى درجة أن الرجال في ذلك الوقت، كانوا يأتمنونها، وأيضا يرجعون إليها في ما يخصهم أو يعترضهم من قضايا. وبما أني آخر العنقود ـ كما يقال - فقد وعيت على نشاطها وهي متقدمة نسبيا في السن، وأبناؤها الكبار قد تزوجوا وأنجبوا أيضا، وهذا يعنى أن دور المرأة في مجتمعنا المحافظ، كان واضحا ومحترما.

ذلك المقال أثار الكثير من ردود الفعل الإيجابية، ربما بسبب ما جرؤت على البوح به، في مجتمع عادة يميل إلى التحفظ عند الحديث عن الأم أو الأخت، ويفخر بالحديث عن الأب والأخ، أي مجتمع رجولي، وخاصة أن الأم التي عادة ما تكون هناك للرعاية، دون الكثير من الحديث حول دورها.

أما الموضوع الثاني الذي أذكره والخاص بالكتابة في "المجلة"، فإن أبطاله مازالوا أحياء، فقد كتبت مقالا في "المجلة" بعد الاعتداء على الرئيس مبارك ـ رئيس مصر السابق ـ في أديس أبابا، قُبيل افتتاح القمة الأفريقية عام 1995، وقتها أبديت وجهة نظري ـ ما زلت أعتقد بها ـ بأن استخدام الإسلام كشعار للعمل السياسي، وخاصة المصاحب للعنف، هو إساءة إلى الإسلام وإلى المسلمين في آن. وهنا دخل على الخط الكاتب فهمي هويدي، فكتب في "المجلة" ردا على مقالي يقول ما معناه، إن الغربيين ينصفون الإسلام خير من أهله! واعتمد في ذلك على قول كاتب أميركي! هنا ثار تساؤل عندي حول "المنهجية" التي يختارها بعض الكتاب، هي "انتقائية" مخلة إلى حد كبير، فكاتب يدافع عن رأي هو في النهاية رأيه الخاص، وليس رأي جمهرة من الناس، ولا يجوز الاستناد اليه على أنه محق، كما أن المقارنة بعيدة كل البعد عن المقصد.

ذلك "الرد" جعلني أفكر أن بعضا من كتابنا يخرجون عن المنهجية السليمة، التي يجب أن تتبع في مناقشة الأمور العامة إلى الشخصانية البحتة، وهي منهجية بعيدة عن التفكير السليم أولا، كما أنها لا تحقق الصالح العام. من تلك الحادثة وقبلها أيضا أرى أن حمل القلم مسؤولية كبرى، مثل حمل السلاح لمن لا يعرف قيمته، فيستخدمه في الضرر أكثر من النفع، وكذلك وسيلة النشر.

لقد قدمت "المجلة" على امتداد عمرها، الكثير من المادة الغنية، التي ساعدت في تشكيل أفكار قراء يحتاجونها، وهي لا تزال تفعل ذلك لجيل أول يحتاج إليه هو الرأي المنطقي المدعوم بحقائق تتناسب مع العقل السليم.
font change