* وجود القواعد العسكرية التركية والإيرانية في بعض الدول العربية سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، يمثل تهديداً مباشراً للأمن القومي العربي في مجموعه والأمن القومي لكل بلد على حدة
* مخاطر القواعد العسكرية التركية والإيرانية في المنطقة تستوجب العمل على مواجهتها وتسليط الضوء على تداعياتها وآثارها السلبية
* لعل ما يجري في سوريا والعراق على وجه الخصوص يؤكد مدى الخطورة المترتبة على التواجد الإيراني والتركي في البلدين
* على هؤلاء القادة أن يدركوا أن التعاضد العربي هو الذي يحقق أمنهم القومي وأمن شعوبهم وتنميتها وازدهارها
باكو: في خضم التحديات التي واجهتها المنطقة العربية منذ اندلاع ما يسمى الربيع العربي، ذلك الربيع الذي تحول إلى خريف عاصف بأمن المنطقة واستقرارها وتماسكها بل جعلها ساحة مستباحة أمام مزيد من التدخلات الإقليمية والدولية في شؤون العديد من دولها التي دخلت في نفق مظلم من النزاعات والحروب الداخلية بدءاً من سوريا مروراً باليمن وصولا إلى ليبيا، لتزداد قائمة الدول العربية التي تواجه خطر التماسك الداخلي كدول مستقلة ذات سيادة، إذ أضافت تلك الأوضاع هذه الدول إلى قائمة الدول العربية التي واجهت تحدي الوجود كما هو الحال في العراق منذ عام 2003، ومن قبله الصومال التي عاشت ولا تزال تفكيكا منذ تسعينات القرن المنصرم، ولعل الأوضاع في كل من لبنان والسودان لم تكن أحسن حالا في خضم ما تعيشه البلدان من تحديات مختلفة إلا أن ثمة تهديدا تواجهه الدولة الوطنية في كليهما.
ونتيجة لتلك الأوضاع المتردية، أضحت المنطقة برمتها مطمعا أمام الفواعل الإقليمية والدولية لترسيخ وجودهم عبر توظيفهم لعديد الأدوات والوسائل؛ سياسيا واقتصاديا وثقافيا وكذلك عسكريا، ولعل ما قامت به كل من تركيا وإيران من استغلال تلك الأوضاع ومحاولات توظيفها لما يحقق مصالحهما يعكس الحالة التي آلت إليها أوضاع بعض البلدان العربية التي أضحت مستباحة من جانب هاتين الدولتين سياسيا واقتصاديا وثقافيا، ويأتي إنشاؤهما لقواعد عسكرية لهما في هذه الدول ليضيف مزيدا من سعيهما للهيمنة على شؤون المنطقة ودولها.
ويستعرض هذا التقرير خريطة القواعد العسكرية التركية والإيرانية المنتشرة في بعض الدول العربية التي تمكنت الدولتان من تعزيز وجودهما على أراضيها، وذلك من خلال المحاور الآتية:
أولا: خريطة القواعد العسكرية التركية في المنطقة العربية
حتى بدايات العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين لم تكن تركيا تملك أية قواعد عسكرية خارج أراضيها، باستثناء الوجود العسكري في شمال قبرص والذي يعود إلى عام 1974، حينما أرسلت تركيا آلاف الجنود إلى الجزيرة بحجة حماية الأقلية التركية هناك ولا يزال هذا التواجد قائما. إلا أنه خلال السنوات القليلة الماضية، تمكنت تركيا من إقامة عدد من القواعد العسكرية في الخارج كان للمنطقة العربية النصيب الأكبر من هذه القواعد، متخذة من ذريعة حماية مصالحها الاستراتيجية في مواجهة الأوضاع غير المستقرة التي تشهدها بعض الدول العربية ذريعة لإقامة هذه القواعد التي تمثل انتهاكا صريحا لسيادة هذه الدول واستقلالها رغم أن بعضها جاء بموافقة حكوماتها التي رأت في الوجود التركي حماية لها وضمانا لاستمرارها في الحكم كما هو الحال في قطر، وما تحاول أن تقيمه ليبيا في ظل حكومة فايز السراج الذي يسيطر على جزء من الأراضي الليبية ويفتقد إلى الشرعية السياسية والمشروعية القانونية التي تعطيه الحق في ذلك.
فى ضوء ما سبق، يمكن رصد الوجود التركي عبر قواعدها العسكرية في بعض الدول العربية على النحو الآتي:
- قاعدة الريان التركية في قطر
2. القاعدة العسكرية التركية في الصومال
افتتحت تركيا قاعدتها العسكرية في الصومال عام 2017، بعد عامين من البدء في بنائها على مساحة 4 كم2. وقد ابتعثت مع بداية افتتاحها قوات عسكرية مكونة من 200 عسكري لتدريب القوات الصومالية. وتعتبر الصومال منطقة استراتيجية في القارة الأفريقية، فهي تمثّل القرن الأفريقي، وتطل على خليج عدن الاستراتيجي، أهم طرق المواصلات البحرية في المنطقة، والمعبر الأهم لمرور ناقلات النفط من الخليج العربي. وقد ادّعت تركيا في وقتها أن جنودها في القاعدة سيساهمون في تدريب القوات الصومالية لمكافحة القرصنة، بتقديمها للسلاح والعتاد لهذه القوات. إلا أنها ادعاءات باطلة تخفي وراءها الأهداف الحقيقية للطامع العثماني الجديد، إذ إنه مما ساعد تركيا على سهولة التغلغل في تلك المنطقة، ضعف الدولة الصومالية التي تخوض صراعات داخلية مسلحة ضد جماعات إرهابية وعصابات النهب المسلح. فالتواجد التركي في الصومال إنما جاء بهدف السيطرة على مضيق باب المندب، كونه المعبر البحري الرئيسي لتجارة النفط العالمية، وما يمثله من خطورة لأمن الخليج.
3. الوجود العسكري التركي في العراق
منذ العام 2015، وبعد سيطرة داعش وتمددها في العراق، أقامت تركيا قاعدة عسكرية لها في «بعشيقة»المحاذية لمدينة الموصل، تحت ذريعة تدريب الأكراد وغيرهم من العراقيين، على مقاومة تنظيم داعش، إلا أنه تحت الضغط العراقي، قامت تركيا بإخلاء القاعدة، وإعادة نشر قواتها في شمال العراق. فيما قدّرت وسائل إعلام غربية بداية هذا العام الوجود التركي في العراق بما يقارب 3000 جندي، وعشرات الدبابات القتالية، بحجة محاربة مجموعات حزب العمال الكردستاني، حيث اتخذ هذا الوجود شكل كتائب في مطار «بامرني»شمالي العراق، وكتيبة مغاوير في قرية كاني ماسي.
إلى جانب ذلك جاء التصريح الذي أدلى به رئيس الوزراء التركي خلال مؤتمر صحافي مع رئيس الحكومة العراقية الأسبق حيدر العبادي في 18 أغسطس (آب) 2019 بوجود 11 قاعدة عسكرية تركية داخل العراق، بل وصلت بعض التقارير إلى أن العدد الحقيقي أكثر من 15 قاعدة عسكرية، وهو ما أثار حفيظة الحكومة العراقية التي اعتبرت هذا الوجود تجاوزاً لسيادتها، وأن له أبعاداً توسعية على حساب السيادة المركزية لدولة العراق.
4. الوجود التركي في سوريا
مع وجود الجيش التركي في الشمال السوري، تم تأسيس 12 نقطة مراقبة تركية داخل محافظات إدلب وحماة وحلب، وذلك في إطار اتفاق خفض التصعيد مع الجانب الروسي. صحيح أن الاتفاق ظل حبرا على ورق مع استمرار المعارك، إلا أن تركيا استغلت الظروف وتحولت هذه النقاط العسكرية إلى قواعد عسكرية حقيقية في عمق سوريا مثل تلك الواقعة قرب بلدة مورك وسط سوريا، وفي مناطق أخرى مثل الباب وجرابلس وإعزاز وعفرين، وهي مناطق واقعة على الحدود التركية السورية.
ثانياً: القواعد العسكرية الإيرانية في المنطقة العربية
لم يختلف الأمر بالنسبة للدولة الإيرانية عما هو كائن بالنسبة للجمهورية التركية في وجودها عسكريا داخل المنطقة العربية، إذ حرصت إيران كذلك على تمددها في الجوار العربي وتحديدا في العراق وكذلك سوريا، مستفيدة من تدهور الأوضاع السياسية والأمنية والاقتصادية التي تعيشها البلدان. ولكن هذا النفوذ ظل بعيدا عن فكرة القواعد العسكرية بشكل صريح حتى تدهورت الأوضاع السورية لتصبح مكانا ملائما لطهران لإنشاء مثل هذه القواعد وإن اتخذت شكلا مختلفا. في حين ظل وضعها في العراق بعيدا عن فكرة تأسيس قواعد أو حتى نقاط عسكرية مباشرة، فرغم النفوذ الإيراني في الداخل العراقي عبر وكلائها وتوابعها، إلا أن هذا التواجد لم يتعمق في الداخل العراقي الذي ظل رافضا له، وهو ما عبرت عنه المظاهرات الشعبية الواسعة التي شهدها العراق خلال الفترة الماضية ضد التغلغل الإيراني الذي سمحت به الطبقة السياسية الحاكمة.
ولذا لم تتمكن طهران من تأسيس قواعد عسكرية لها في الداخل العراقي رغم ما تنشره بعض التقارير عن وجود قواعد أو نقاط عسكرية تابعة للحرس الثوري الإيراني في بعض البلدات العراقية إلا أنه بشكل رسمي تنفي طهران وجود مثل هذه القواعد، وإن كان الواقع يؤكد على أن ثمة وجودا عسكريا إيرانيا داخل العراق إلا أنه إما أن يظل وجودا استشاريا على مستوى الخبراء العسكريين والأمنيين وإما على مستوى وجود عناصر الحرس الثوري دون أن تكون هناك نقاط أو وحدات عسكرية داخل الأراضي العراقية.
ولم يختلف الأمر كثيرا بشأن هذا الوجود في بعض الدول التي يتواجد بها وكلاء إيرانيون كما هو الحال في لبنان ممثلا في حزب الله، واليمن ممثلا في حركة الحوثيين. إلا أن الأمر يختلف بالنسبة للأوضاع في سوريا، إذ يتألف الوجود العسكري الإيراني في سوريا من مجموعتين:
الأولى، وهي الأقل عدداً، وتتألف من خبراء عسكريين وأمنيين، واتصالات أخرى، ويعمل معظم هؤلاء في مواقع ومراكز تتبع الجيش والقوى الأمنية السورية وفي مراكز ذات حساسية عالية بالنسبة لنظام الأسد، ولا يشترط وجود هؤلاء وعملهم أن يكونوا في قواعد تخصهم، وإنما يوجدون ضمن مقار تتبع مؤسسات النظام وأجهزته.
والثانية،تتشكل من القوات الرسمية الإيرانية ووحدات عسكرية منظمة ونخبوية، تشكل جزءاً من فيلق القدس التابع للحرس الثوري. وحسب تقارير، فإن هؤلاء يتمركزون داخل قواعد تابعة للنظام؛ بمعنى أنها لا تقيم قواعد مستقلة على غرار القواعد التركية والروسية المتركزة في مناطق محددة، وإنما تتواجد في المعسكرات والقواعد الجوية التابعة للجيش السوري، وتشمل ما يأتي:
- في محافظة دمشق (العاصمة)،تتواجد بعض القواعد الإيرانية على النحو الآتي:
- قاعدة البيت الزجاجي كما يطلق عليها في مطار دمشق الدولي الذي يعد المقر الرئيسي لقيادة القوات الإيرانية، وتجعله نقطة ربط مباشرة مع إيران لتأمين احتياجاتها؛ بما فيها التموين والتسليح والدعم البشري، ومنه يتم الإشراف على قواتها العاملة في دمشق ومحيطها.
- قاعدة مطار السين (السيكال) وهو المركز الرئيسي المسؤول عن قيادة الميليشيات الإيرانية المتمركزة في البادية السورية، كما تعدّ هذه القاعدة مركز استقبال للجنود والمعدات العسكرية الآتية من إيران. إضافة إلى تمركز طائرتي نقل عسكري (سي 130) في المطار لتقديم عمليات الدعم اللوجستي للميليشيات الإيرانية في البادية السورية.
- قاعدة الكسوة، وهي مركز رئيسي لتخزين الصواريخ (أرض- أرض) المتوسطة والبعيدة المدى، كما تضم مستودعات صواريخ ميسلون المطورة من سكود التي تعمل بالوقود السائل.
- قاعدة مطار الناصرية، ومهمتها الرئيسية صناعة الصواريخ وتخزينها وهي قريبة من الطريق الدولي الممتد من دمشق إلى بغداد.
- قاعدة جبل شرقي (الإمام الحسين الشيباني)، وتقع على مسافة عشرة كيلومترات شمال غربي مدينة دمشق، وقاعدة الزبداني التي شُيّدت بعد تهجير سكانها.
- في المنطقة الجنوبية، تتواجد عدد من القواعد الإيرانية التي تعمل بكل طاقتها من أجل تعزيز موقعها هناك، عبر نقل كميات كبيرة من الأسلحة خاصة الصواريخ إلى قاعدتي القنيطرة واللجاة، وإلى مطاري الثعلة وخلخلة في السويداء.
- في المنطقة الوسطى والساحل، أنشأت إيران قاعدة مطار التيفور T4، وقاعدة الشعيرات (الدردغان)، وقاعدة القصير، وقاعدة جبل زين العابدين، وقاعدة مصياف (مركز البحوث العلمية)، وقاعدة اللواء 47 (الإمام السجاد).
- في المنطقة الشمالية، توجد قاعدة جبل عزان.
- في المنطقةالشرقية، توجد عدة قواعد إيرانية، وهي قاعدة الإمام علي، وقاعدة حقل الورد النفطي في محيط البوكمال، مجمّع المقار العسكرية في الجلاء، وقاعدة تي 2 أو (الكم)، وقاعدة مطار دير الزور العسكري، وقواعد معسكري الصاعقة والطلائع، وقاعدة عين علي.
ثالثاً: القواعد العسكرية التركية والإيرانية... المخاطر وكيفية المواجهة
ليست مبالغة القول إن وجود القواعد العسكرية التركية والإيرانية في بعض الدول العربية سواء بشكل مباشر عبر وحدات عسكرية كما هو الحال في سوريا التي تعد المركز الرئيسي لقواعد البلدين، أو بشكل غير مباشر عبر وجود عناصر عسكرية وأمنية، إنما يمثل تهديدا مباشرا للأمن القومي العربي في مجموعه والأمن القومي لكل بلد على حدة، وذلك عبر ما تقوم به هذه القواعد من أعمال مزعزعة للاستقرار في المنطقة العربية، سواء من خلال دعمها لبعض الجماعات الإرهابية كما هو الحال في سوريا والعراق، أو تحيزها لأحد الأطراف المتصارعة داخل الدولة ضد الأطراف الأخرى بما يزيد من وتيرة الحرب الأهلية ويعمقها ويطيل أمدها كما هو الحال في الصومال.
صحيح أن ثمة معارضة رسمية لهذا الوجود كما حدث في الحالة العراقية برفض الوجود الإيراني والتركي، إذ أصدرت وزارة الخارجية العراقية في بيان لها صدر في 18 يونيو (حزيران) 2020 جاء فيه أنه تم استدعاء السفير التركي في بغداد فاتح يلدز مجددا إلى مقر الخارجية وسلم مذكرة احتجاج شديدة اللهجة طالبت فيها أنقرة بسحب قواتها من الأراضي العراقية والكف عن الأفعال الاستفزازية، كما تم استدعاء السفير الإيراني لدى العراق بشكل منفصل وسلمته مذكرة احتجاج أيضا، إلا أنه من الصحيح أيضا أن ثمة رفضا شعبيا لهذا الوجود كما سبقت الإشارة في المظاهرات الشعبية العراقية ضد الوجود الإيراني، وكذلك في الحالة السورية مع الاعتداء الذي وقع على بعض القواعد التركية في الشمال السوري، كما حدث على سبيل المثال في قاعدة شيلادزي العسكرية التركية الواقعة ضمن حدود مدينة دهوك التابعة لحكومة إقليم كردستان العراق (IKBY)، في 26 ديسمبر (كانون الأول) 2019، حيث عبر بيان لوزارة الدفاع التركية عن وقوع بعض الخسائر في العتاد والمواد، دون وقوع خسائر في الأرواح، متهمة حزب العمال بارتكابها، في حين رد الحزب على هذا البيان مؤكدا عدم مسؤوليته عن هذا الاعتداء وأن سكان المنطقة هم الذين احتجّوا ضد الوجود العسكري التركي في المنطقة، نتيجة ما تقوم به العناصر العسكرية التركية من إطلاق النيران على المدنيين، إضافة إلى العمليات الجوية التي تنفذها هذه القوات في المنطقة.
وغني عن القول إن تداعيات هذا الوجود العسكري لا تقتصر على ما سبق فحسب، بل يمثل وجود هذه القواعد استنزافا لقدرات الدولة ومقدراتها عبر ما يتم دفعه من أموال مقابل هذا الوجود بما يؤثر على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في تلك الدول ولعل الاستنزاف التركي للاقتصاد القطري الذي يرفد الاقتصاد التركي بمليارات الدولارات لمساندته في أزماته المستمرة يدلل على ما تدفعه قطر من أموال الشعب لحماية نظامها الذي يعادي أشقاءه الخليجيين والعرب، وهو ما ينعكس سلبا على مستويات معيشة المواطنين القطريين التي شهدت تدنيا غير مسبوق. هذا فضلا عن إهدار كثير من حقوق العمالة الأجنبية داخل الدولة القطرية لتأتي التقارير الدولية وتكشف عن حجم التجاوزات المرتكبة من جانب الحكومة القطرية بشأن هذه العمالة التي لم تستطع الحصول على حقوقها في ظل ما تدفعه قطر لتركيا مقابل الدور الذي تلعبه قاعدتها العسكرية في حماية النظام الحاكم على حساب الشعب وحقوقه.
خلاصة القول إن مخاطر القواعد العسكرية التركية والإيرانية في المنطقة تستوجب العمل على مواجهتها وتسليط الضوء على تداعياتها وآثارها السلبية على سيادة هذه الدولة وتوجهاتها وفقدان قدراتها ومقدراتها في ضوء الأدوار التي تقوم بها هذه القواعد داخل حدود الدول التي تتواجد فيها. أخذا في الحسبان أن المواجهة المطلوبة لن تقتصر على رفض هذه القواعد فحسب، بقدر ما تتطلب مواجهة شاملة لما تمارسه هذه الدول من تدخلات واسعة المدى في شؤون هذه الدول، ولعل ما يجرى في سوريا والعراق على وجه الخصوص يؤكد مدى الخطورة المترتبة على التواجد الإيراني والتركي في البلدين، ذلك التواجد الذي يسعى الطرفان إلى تعميقه داخلهما وتوسيعه في مناطق عربية أخرى كما هو الحال اليوم في لبنان وليبيا واليمن مستغلين الأوضاع السياسية والأمنية غير المستقرة عبر توظيف وكلائهما في ترسيخ وجودهما، بما يتطلب أن تكون مواجهتهما على مختلف المستويات؛ سياسيا واقتصاديا وثقافيا واجتماعيا وكذلك عسكريا، إلى جانب أهمية العمل على تصحيح الرؤى لدى قادة هذه الدول التي ترتهن إرادتها لدى أطراف خارجية صاحبة مصالح وأجندات على حساب شعوب المنطقة وأمنها، بل ما يلفت الانتباه أن هذه الدول في الأساس تعادي الشعوب العربية، ولعل السوابق التاريخية لسياساتهما في المنطقة العربية كاشفة عن حجم الدمار والمآسي والخراب والقتل الذي سببته لشعوبها. ومن ثم، فعلى هؤلاء القادة أن يدركوا أن التعاضد العربي هو الذي يحقق أمنهم القومي وأمن شعوبهم وتنميتها وازدهارها.