سارة الأميري تتحدث لـ«المجلة» عن مسبار الأمل، وانتقال بلادها إلى اقتصاد قائم على المعرفة وما تمثله المهمة من رؤية مستقبليةhttps://www.majalla.com/node/103431/%D8%B3%D8%A7%D8%B1%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%85%D9%8A%D8%B1%D9%8A-%D8%AA%D8%AA%D8%AD%D8%AF%D8%AB-%D9%84%D9%80%C2%AB%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AC%D9%84%D8%A9%C2%BB-%D8%B9%D9%86-%D9%85%D8%B3%D8%A8%D8%A7%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%85%D9%84%D8%8C-%D9%88%D8%A7%D9%86%D8%AA%D9%82%D8%A7%D9%84-%D8%A8%D9%84%D8%A7%D8%AF%D9%87%D8%A7-%D8%A5%D9%84%D9%89-%D8%A7%D9%82%D8%AA%D8%B5%D8%A7%D8%AF-%D9%82%D8%A7%D8%A6%D9%85-%D8%B9%D9%84%D9%89-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B9%D8%B1%D9%81%D8%A9
* 80 في المائة من أعضاء الفريق العلمي في «مسبار الأمل» من النساء اللاتي أدين دورًا كبيرًا في إنجاح المهمة * تضم بلادنا ومنطقتنا ككل شعوبًا شابة، وهدف المهمة هو إلهام هذه الأجيال المستقبلية وتوفير فرص لها في مجالات العلوم والتكنولوجيا * تهدف مهمة الإمارات لاستكشاف المريخ منذ البداية إلى الإحلال وإثارة تغييرات أساسية في تطوير نظام بيئي ابتكاري متقدم للإمارات
في التاسع عشر من يوليو (تموز) عام 2020، انطلقت رحلة جريئة نحو الفضاء متوجهة إلى المريخ، ذلك الكوكب الصحراوي الترابي البارد الذي استحوذ على خيال الإنسان منذ قرون. ومهمة «الأمل» هي أول رحلة إلى كوكب خارج الأرض تطلقها دولة عربية، في لحظة تاريخية مشوبة بالقلق، للوزيرة الإماراتية الشابة سارة الأميري، التي تقود فريقا من العلماء والمهندسين في مركز محمد بن راشد للفضاء في دبي.
تشغل الأميري ذات الـ33 عامًا منصب وزيرة الدولة للعلوم المتقدمة ونائبة مدير مشروع مهمة الإمارات لاستكشاف المريخ، وقائدة الفريق العلمي للمشروع. وهي مسؤولة عن تعزيز إسهامات العلوم المتقدمة في تنمية الإمارات العربية المتحدة. وتتولى منصب رئيس مجلس إدارة علماء الإمارات.
لقد أسست الإمارات وكالتها للفضاء عام 2014، ووضعت أهدافًا طموحة، من بينها إقامة مستعمرة على سطح المريخ بحلول عام 2117. وسوف يكون «مسبار الأمل» أول مهمة لتقديم صورة كاملة للكوكب المجاور لنا وطبقاته عندما يصل إلى مدار المريخ في فبراير (شباط) 2021. وسوف يساعد على الإجابة على أسئلة مهمة تدور حول الغلاف الجوي للمريخ وفقدان غازات الهيدروجين والأكسجين في الفضاء على مدار عام مريخي واحد.
تحدد توقيت المهمة الإماراتية حتى يتزامن وصول «مسبار الأمل» إلى مدار المريخ مع العيد الخمسين لتأسيس الدولة. وتهدف المهمة عبر مخططها وتنفيذها إلى تنويع مصادر اقتصاد الإمارات بعيدًا عن الأنشطة التقليدية مثل النفط والتمويل. وتسعى بدلًا من ذلك إلى إلهام الجيل العربي الجديد بالتوجه إلى العمل في المجالات العلمية وريادة الأعمال.
سمحت لنا الوزيرة سارة الأميري ببعض وقتها لإجراء هذا اللقاء.
* ما أول ما جعلك تهتمين باستكشاف الفضاء، وكيف دخلت هذا المجال؟
- دائمًا ما كنت مهتمة بالفضاء، ولكن لم تكن هناك أي تخصصات تتعلق بالفضاء عندما التحقت بالجامعة. وبمجرد تخرجي التحقت بمعهد الإمارات للعلوم والتكنولوجيا المتقدمة (والذي يعرف الآن بمركز محمد بن راشد للفضاء)، وحينها دخلت في هذا المجال.
* ما هي التحديات التي واجهتك عندما انضممت إلى الحكومة بصفتك شابة تولت منصب وزيرة دولة للعلوم المتقدمة؟ كيف تناولت هذا الدور الرائد؟
- تضمنت التحديات التي واجهتها محتوى مهماتنا والتحديات التي تشكلها. يمثل العالم العربي نموذجًا واضحًا في الفجوة القائمة بين الجنسين في مجال العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات، وحتى في تولي النساء أدوارًا قيادية على مستوى عام. وقد أثبتنا باستمرار التزامنا بالتنوع والدمج على أعلى مستويات العمل الحكومي. وبالتالي ينصب تركيز دوري دائمًا وأبدًا على إنشاء جيل جديد من العلماء الإماراتيين من الشباب والشابات ممن سيمثلون المستقبل ويستعدون له ويملكون الإرادة للبناء على التقدم الذي حققناه حتى الآن.
* لماذا تعد رحلة المريخ الإماراتية مهمة للإمارات والمنطقة على نطاق أوسع؟
- تمثل المهمة رؤية مستقبلية للإمارات والعالم العربي بأسره. تضم بلادنا ومنطقتنا ككل شعوبًا شابة، وهدف المهمة هو إلهام هذه الأجيال المستقبلية وتوفير فرص لها في مجالات العلوم والتكنولوجيا. في الحقيقة، قادت المنطقة العالم في العلوم والتعارف الإنساني في السابق، ونأمل أن نتمكن من فعل ذلك مرة أخرى. من المهم أن ننفذ هذا التحول إلى الاقتصاد القائم على المعرفة، حيث يمكن أن تصبح الإمارات مركزًا عالميًا للابتكار التكنولوجي، وتجتذب الموهوبين من جميع أنحاء العالم للعمل معًا ونحن نستعد للحياة بعد النفط.
* استغرق فريقك ستة أعوام لبناء «مسبار الأمل». فما هو أكبر تحدٍ واجهكم أثناء تلك الفترة؟
- تتسم جميع البعثات إلى المريخ بالتعقيد والصعوبة الاستثنائية. أما عن أكبر تحدٍ خاص بمسبار الأمل فكان الجدول الزمني الصارم للتطوير. عندما تم الإعلان عن المهمة لأول مرة في 2014، كان الهدف هو الوصول إلى المريخ قبل العيد الوطني الخمسين لدولة الإمارات في 2021. معنى هذا أنه كان على الفريق إتمام عمل ضخم من تخطيط وبناء وإعداد المركبة الفضائية للإطلاق في ستة أعوام فحسب، في حين أن البعثات التقليدية إلى المريخ تستغرق عادة من 10 إلى 12 عامًا لتطويرها.
وكان أحد التحديات غير المتوقعة في رحلة تطوير المهمة جائحة كوفيد-19، التي هددت بتحويل عملية النقل الروتيني من دبي إلى تانيغاشيما لإشكالية صعبة بالفعل، حيث تطلب الأمر بذل جهد لوجيستي هائل لإدارة عملية النقل قبل موعدها بثلاثة أسابيع، ونقل أعضاء الفريق الهندسي من أجل الالتزام بتعليمات الحجر الصحي، مع الحفاظ على جداولنا للنقل والإطلاق.
* ما الذي يثير اهتمامك بشأن استكشاف المريخ، وما مدى أهميته؟
- تكمن صعوبة العلم في أن كل مرة تجيب فيها على سؤال، تجد المزيد من الأسئلة ولا يوجد مثال على ذلك أصدق من المريخ. لقد عززنا كثيرًا من معرفتنا بمناخ المريخ وجغرافيته وتاريخه وسماته الأساسية، ولكن لا تزال لدينا أسئلة أخرى تحتاج إلى إجابات. نعلم الكثير جدًا، ولكننا لا نعلم سوى القليل جدًا: كيف تحدث العواصف الترابية المذهلة المحيطة بالكوكب التي لاحظناها؟ ما هي ديناميكيات الغلاف الجوي للمريخ؟ وما الذي يؤدي إلى فقدان الغلاف الجوي للمريخ، هل هو نتيجة لقوى ومؤثرات كوكبية، أو كما افترضنا في السابق هو نتيجة لتفاعلات شمسية؟ توجد أسئلة متعلقة بالتضاريس والجيولوجيا والمجال المغناطيسي للمريخ وتكوين التربة. توجد ملايين الأسئلة حرفيًا. اخترنا تقديم إجابات على أسئلة رئيسية بشأن الغلاف الجوي للمريخ، ولكني متأكدة من أن كل اكتشاف تدعمه بياناتنا سوف يؤدي إلى مزيد من الأسئلة.
يحرك مشروع الإمارات لاستكشاف المريخ الابتكار في الدولة، عن طريق بناء قدرات تعليمية وتوفير فرص جديدة لشباب الأمة في مجال الفضاء العالمي الذي ينمو سريعًا، كما يدفع إلى الامتياز في الهندسة والبحث العلمي والابتكار.
من هذا المنظور، يحمل المشروع أهمية قصوى، فهو يضع جدول عمل للمضي قدمًا في تنمية الإمارات. ويحفز جزءا من هذا العمل على الاستثمار والابتكار في مجالات هندسة وعلوم الفضاء، ويبني نظاما بيئيا ابتكاريا ناشئا حول هذه القطاعات. تقوم أغلب ابتكارات القطاع الخاص في الفضاء على استثمارات القطاع العام والالتزام طويل الأجل، ويمكن أن تثمر استثماراتنا في تطوير علوم الفضاء عن تنمية قطاع خاص مزدهر، مما يحقق إمكانية البدء في الاستكشاف وحتى الاستيطان البشري للمريخ على المدى البعيد.
* هل نقترب من وضع أقدام بشرية على سطح المريخ؟
- يمثل النجاح في إطلاق مسبار الأمل خطوة أساسية مهمة نحو هدف مجتمع الفضاء العالمي بإنزال أول رائد فضاء على سطح المريخ. وبينما قد يبدو هذا الهدف بعيدًا للغاية، تعد كل خطوة في هذه المراحل المبكرة مهمة في التقدم نحوه.
* لو كانت هناك رحلة بشرية ستنطلق إلى المريخ غدًا، هل ستذهبين؟
- أكن احتراما بالغا لرواد الفضاء الشجعان الذين كرَّسوا حياتهم للتدريب والانضباط والشجاعة المُضحية المرتبطة بالانتقال عبر الفضاء. بصفتي عالمة، لا يمكنني إنكار حلمي في الذهاب إلى الفضاء الخارجي. ولكنني أعترف أن مقعد مثل تلك الرحلة مخصص لمن يحق له الحصول عليه بفضل موهبته ومثابرته. فإجابتي هي لا. أُفضل أن تبقى قدماي ثابتتين على الأرض!
* التغيير المناخي، والانفجار السكاني، وغذاء الكوكب، ومشكلات حديثة مثل فيروس كورونا. ما الذي يمكننا أن نتعلمه من مهمة المريخ واستكشاف الفضاء ليساعدنا على حل هذه المشكلات؟
- نؤمن أن تحسين معرفتنا بمناخ المريخ وغلافه الجوي يمكنه أن يساعدنا على تحسين معرفتنا بمناخ الأرض. علاوة على ذلك، سوف تدعم قدرتنا على توقع وتحديد مناخ المريخ إجراء المزيد من الأبحاث وفهم الكوكب الذي نطمح في أن نرسل إليه مستكشفين وربما حتى سُكانا.
* ما التأثير الذي تأملين في أن تحققه رحلات الإمارات بين الكواكب على الأرض، في دولة تأخرت على جبهة الأبحاث والتطوير؟
- حددت قيادتنا هدفًا طموحًا للمهمة، في مسيرة واضحة لإخراج الفريق في مركز محمد بن راشد للفضاء من دائرة الراحة، ووضعت تحديًا يتجاوز المقبول والعادي. لقد صممنا بالفعل برنامج هندسة فضاء قابلا للتطبيق في الفضاء، عبر أقمارنا الصناعية المراقبة للأرض، وكان هدفنا هو توسعة إمكانياتنا لتحقيق قفزات وليس مجرد خطوات. وبالتالي، تهدف مهمة الإمارات لاستكشاف المريخ منذ البداية إلى الإحلال وإثارة تغييرات أساسية في تطوير نظام بيئي ابتكاري متقدم للإمارات. وبهذا، أستطيع أن أقول بثقة إن المهمة حققت بالفعل نجاحًا تجاوز أحلامنا.
* ما الوضع الحالي للمساواة بين الجنسين في مجالات العلوم والتكنولوجيا والابتكار في الإمارات، وكيف تُشرِكون الفتيات في دراسة المجالات العلمية والعمل بها على نحو ملموس؟
- فيما يتعلق بالتعليم، يتجاوز لدينا بالفعل عدد النساء المتخرجات من مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات في الإمارات عدد الرجال، لذا لا يُعد الأمر تحديًا لنا. التحدي الأساسي لنا هو «التسرب» الذي يؤدي إلى الانخفاض الشديد في نسبة تمثيل المرأة في القوى العاملة بهذه المجالات بسبب عوامل عديدة. ونعمل حاليًا على صياغة سياسة لمعالجة هذه القضية.
* تم الاحتفال بيوم المرأة الإماراتية نهاية الشهر الماضي. ما هي انطباعاتك عن الإنجازات المتنامية للمرأة في الدولة، وما الذي يمكن فعل المزيد منه لدعم تنميتهن وتمكينهن؟
- أثبتت نساء الإمارات أنهن أكثر من بارعات. على سبيل المثال، 80 في المائة من أعضاء الفريق العلمي في مسبار الأمل من النساء اللاتي أدين دورًا كبيرًا في إنجاح المهمة. ونرى أيضًا نساء مذهلات في مواقع قيادية يقدمن إسهاماتهن لتنمية الدولة. بيد أننا يجب أن نعمل بجهد أكبر لجعل بيئة العمل أكثر ملاءمة للمرأة ولمعالجة العقبات التي تواجهها.