* هل عودة الجماهير بسبب ضغوط كورونا أم تجاوب مع الفن الهادف؟
* تاريخ قديم للمسرح في مصر يمتد منذ عصر الفراعنة
* تطور المسرح المصري كان لافتا وارتبط بالواقع خلال عصور كثيرة
* احتفالية بيوم المسرح المصري كرمت الرواد والمبدعين
* مخرج ومنتج مسرحي: العمل المميز يفرض نفسه والجماهير بدأت تنجذب للمسرح في ثوبه الجديد
* المسرح هو المقياس الحقيقي للنجومية وكاشف لكثير من الفنانين ممن يدعون النجومية
* مشروع استعراضي غنائي كبير لكايرو شو في الطريق
* مسرحية علاء الدين أعادت الجماهير للمسرح مؤخرا
* أحمد مكي يستعد للعودة من خلال «حزلقوم»
القاهرة: تشهد الحركة المسرحية في مصر حاليا تناميا ملحوظا بعد سماح الحكومة المصرية بعودة الجمهور بنسبة 25 في المائة من كثافة المسرح مع أخذ التدابير الاحترازية اللازمة بسبب أزمة كورونا بعد توقف استمر ما يقرب من 5 أشهر، وأثار الإقبال الجماهيري على بعض العروض المسرحية تساؤلات عن سبب عودة جمهور المسرح وهل يعد ذلك مجرد محاولات للخروج من الحالة المزاجية التي سببها الحظر جراء الفيروس، أم يعد استجابة طبيعية لما يتم تقديمه من مادة مسرحية ثرية تعيد للأذهان أمجاد المسرح المصري الذي سطر تاريخا عظيما منذ زمن الفراعنة عندما قام كهنة آمون بعملية تشخيص (تمثيل) من خلال سرد روائي وقصصي مصحوب بالموسيقى أمام جماهير تمثل النخب الحاكمة في ذلك الوقت، مرورا بأمجاد المسرح في العصر الحديث منذ يعقوب صنوع وروائع الأدب العالمي التي تم تقديمها في مصر والشام، والمسرح الغنائي وفن الأوبريت لسلامة حجازي وسيد درويش، وكذلك جورج أبيض والدراما المسرحية الكوميدية لكبار نجوم الفن المصري في الزمن الجميل مثل نجيب الريحاني وعلى الكسار وإسماعيل يس، وأعمال الرواد مثل أمير الشعراء أحمد شوقي وتوفيق الحكيم، وتطور المسرح الكوميدي من خلال كبار نجوم الكوميديا في مصر لاحقا مثل عادل إمام وسعيد صالح ويونس شلبي وسمير غانم ومحمد صبحي ومحمد نجم وغيرهم.
«المجلة»ألقت الضوء على عودة بعض العروض خلال الفترة الأخيرة، وهو ما كان له أثر واضح في الإقبال على المسرح لعدد من الأعمال التي حظيت بمتابعة خلال الفترة الأخيرة ومن بينها المسرحية الاستعراضية «علاء الدين»بطولة أحمد عز ومحمد ثروت وسامي مغاوري وكريم عفيفي وتارا عماد، وإخراج مجدي الهواري، وقامت وسائل التواصل الاجتماعي والحسابات الخاصة بمسرح كايرو شو بإبراز تجاوب عدد من نجوم الرياضة والفن مؤخرا مع المسرحية، وحرص على حضور العرض مؤخرا عدد من المسؤولين في الحكومة المصرية ومن بينهم وزير الشباب والرياضة الدكتور أشرف صبحي، وقام الفنان أحمد عز بطل المسرحية بالترحيب بالوزير أمام الجماهير، مثلما قام بذلك أيضا مع عدد من نجوم الرياضة والفن الذين حضروا العرض، وهو ما كان له أثر جيد في الترويج للعمل وزيادة متابعته، وأشاد الوزير في المقابل بالعمل ووصفه بالعمل الراقي والمحترم الذي يليق بالأسرة المصرية، ويستخدم تكنولوجيا عالية خلال العرض.
ويستعد مسرح كايرو شو، والنجم أحمد مكي، للظهور مجددا من خلال مسرحية «حزلقوم»التي سبق عرضها في موسم الرياض ولاقت نجاحا كبيرا بالمملكة العربية السعودية، والمسرحية التي يقدم فيها أحمد مكي شخصية «حزلقوم»الكوميدية التي اشتهر بها يشاركه في المسرحية بيومي فؤاد وميرنا جميل ومحمد سلام وسليمان عيد، من تأليف حسن المهدي ومحمد جلال وإخراج كريم سامي.
وأقامت وزارة الثقافة في مصر مؤخرا احتفالية يوم المسرح المصري قامت فيها الفنانة الدكتورة إيناس عبد الدايم وزيرة الثقافة بتكريم عدد من رموز المسرح وهم خالد جلال وعبد الرحمن الشافعي وفهمي الخولي ورجاء حسين وحمدي طلبة، وكذلك أسماء الراحلين الدكتور محسن مصيلحي والدكتور علي الراعي، وحسين محمود وحسين العزبي، وتناولت الاحتفالية لمحات من تاريخ المسرح في مصر من خلال عرض عظماء المسرح المصري طوال تاريخه.
إقبال كبير
وقال المخرج والمنتج مجدي الهواري الشريك والمؤسس لكايرو شو، في حديثه لـ«المجلة»: «بلا شك كان فتح المسرح بنسبة حضور 25 في المائة فقط للجماهير بسبب الإجراءات الإحترازية التي تفرضها الدولة، أثر كثيرا على عملية الإقبال، وفي حال عودة الأمور كما كانت سيصبح الأمر مختلفا بعد الطفرة المسرحية التي حدثت خلال الفترة الأخيرة قبل كورونا، فالناس تريد الخروج والاستمتاع بالحياة خاصة بعد فترات الحظر الماضية والأزمة التي أثرت على الكثيرين من الناحية النفسية، فالناس- بحسب تعبيره- «مخنوقة»مما حدث بسبب الأمور التي ارتبطت بالجائحة.
وأضاف: بعد فتح مسرح كايرو شو، وفي أول مرة بعد بدء موسم الصيف والذي يكون فيه الكثيرون في المصايف، لأول مرة نلاحظ الإقبال الكبير على المسرح، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن الناس تريد الخروج والاستمتاع بالمسرح، وهذا ما حدث سواء على مستوى العمل المسرحي أو حتى فيما يتعلق بالسينما، بعد نزول عدد من الأفلام الجديدة مثل فيلم «الغسالة»وغيره من الأفلام، ولا شك في الالتزام بالإجراءات الاحترازية المقررة من قبل الدولة، ولا يستطيع أحد في منظومة المسرح مخالفة هذه الإجراءات.
قيمة عالية
وعن تقييمه للحالة المسرحية في مصر بشكل عام قبل أزمة كورونا أضاف الهواري في حديثه لـ«المجلة»: «الإقبال بلا شك على المسرح يرتبط بالعمل الجيد الذي يفرض نفسه، فإذا تواجد عمل يحمل هدفا مميزا، وقيمة عالية فالجماهير ستتجه إليه لأنها بدأت تنجذب إلى المسرح في ثوبه الجديد».
وحول اتجاه عدد من الفنانين الكبار للمسرح مؤخرا، وزيادة الإقبال الجماهيري نتيجة لذلك، أضاف: «الفنان الكبير إذا قام بعمل يحترم فيه الجماهير بالتأكيد سينعكس هذا بالإيجاب عليها وستحرص على الحضور والتفاعل مع العمل الجيد، وبالنسبة للنجوم من الممثلين ربما يكون إيراد المسرح بالنسبه لهم أقل بكثير من إيراد السينما مثلا، لكنهم يدركون أن الجماهير تشعر بالاحترام بسبب رؤيتها لعمل جيد وهادف من نجم شهير فهذا بالتأكيد شيء مؤثر على العمل المسرحي بشكل عام كقيمة فنية عالية وجاذبة للمتابعين، ومن هنا يتعامل النجم مع المسرح أو القائمين عليه ليتم توصيل هذه الرسالة للجماهير التي تشعر بالفارق بأن هذا العمل مختلف ويحمل من القيمة الفنية الكثير، وبالتالي يحرص آخرون على رؤيته فهو عمل في النهاية لصالح الجماهير».
مقياس حقيقي للنجومية
وحول خشية فنانين آخرين من النجوم الاتجاه للمسرح خشية الإخفاق، أضاف: «المسرح هو المقياس الحقيقي لنجومية الفنان لأن تذكرة المسرح إلى حد ما مكلفة بالنسبة للشخص العادي، لأنه أرقى أنواع الفنون وأغناها على الإطلاق، وإذا كان هناك من النجوم من يريد تجربة نفسه، ونجوميته، فليتجه للمسرح ليرى هل هو بالفعل يستحق النجومية أم مجرد ظاهرة عابرة، ونجومية زائفة مثلما يتردد، وعلى هؤلاء النزول للمسرح إذا كانوا يريدون تقييما حقيقيا لنجوميتهم، وهل يستحقون أن تدفع الجماهير تذكرة تصل إلى 1500 جنية ليتابعوهم أم لا، وهذا بالنسبة لبعض الفنانين سيكشف دورهم الحقيقي عند المنتجين، فبعض الفنانين يزعمون النجومية ويتعاملون على هذا الأساس، وعندما يعمل في المسرح سيتم كشفه لأنه لم يستطع جذب جماهير المسرح، وهذا يعني أنه لا يمتلك لدى جماهيره رصيدا كافيا ليذهب إليه في المسرح ليشاهده بعد أن يدفع تذكرة غالية، وهناك من النجوم من عملوا في مسرحيات لم يكتب لها النجاح، ولم يكن لها صدى، ويدعون أنهم من الأوائل.
تحديات مسرحية
وحول التحديات التي تواجه الحركة المسرحية في مصر حاليا، قال مجدي الهواري: «التحديات هي المصروفات التي يتكبدها المسرح في سبيل عملية التشغيل مثل الكهرباء، وموضوع الضرائب مثل ضريبة الملاهي على التذاكر، بشكل عام تكلفة التشغيل على المسرح مرتفعة إلى حد ما ومن المفترض مساهمة الحكومة في رفع الأعباء عن المسرح حتى يتطور ويستمر».
وبخصوص التفاؤل بعودة المسرح إلى سابق عهده خلال الفترة القادمة بعد الطفرة الأخيرة، تابع: «متفائل جدا، وأتوقع خلال الفترة القادمة تواجد أكثر من فرقة مسرحية، وشركة إنتاج للمسرح مثلما كان الوضع في الثمانينات عندما كان هناك ما يزيد على 15 فرقة مسرحية».
وعن آخر الأخبار الفنية المتعلقة بكايرو شو، قال: «نحضر لمشروع كبير خلال الفترة القادمة، وهو مشروع استعراضي غنائي ضخم، وسيخرج للنور في القريب العاجل، ولكن لا نريد التعليق على تفاصيله حاليا، ونتمنى عودة الوضع لسابق عهده بالنسبة للحركة المسرحية في مصر بما سيعد شيئا مميزا للفن المصري والعربي».
تاريخ قديم للمسرح في مصر
ويتم التأريخ للمسرح في مصر منذ عصر الفراعنة عندما قام كهنة آمون بعملية تشخيص (تمثيل) من خلال سرد روائي وقصصي مصحوب بالموسيقى أمام جماهير تمثل النخب الحاكمة في ذلك الوقت- بحسب المؤرخ الإغريقي هيرودوت- وإعداد ساحة المعبد المقدس في الأعياد الدينية لتقديم العروض وتشخيص الآلهة «ست وإيزيس وأوزوريس»من خلال شخصيات تمثيلية ترتدي ملابس تدل على شخصيات بعينها، وتم العثور على برديات كتبت فيها نصوص تمثيلية لعروض تشخيصية تمثل وقائع من هذه العصور، وهو ما يؤكد وجود الفن المسرحي لدى الفراعنة، واستمر من خلال ما سمي المسرح الشعبي الذي كان موجودا في القرى والمدن المصرية بواسطة فرق تمثيلية متنقلة من بينها موسيقيين، وممثلين وراقصين يقومون بأداء عروض تمثيلية في مقابل الحصول على بعض الطعام وذلك قبل التعامل النقدي.
وعرف المسرح في العصر الحديث من خلال الفنان يعقوب صنوع الذي اشتهر باسم «أبو نضارة»الذي كان يجيد عددا من اللغات الأجنبية، وذلك في القرن التاسع عشر وقام بترجمة العديد من روائع الأدب العالمي وتقديمها من خلال فرق مسرحية في مصر والشام، وقامت المسرحيات بانتقاد أوضاع كثيرة في المجتمع مما رسخ من عملية الفن الهادف وكانت نتيجته اصطدام بالسلطة والتعرض لمشاكل أدت إلى إغلاق المسرح، ودخل في المسرح مارون وسليم نقاش في بيروت ودمشق اللذان حضرا لمصر لتقديم عروضهما المسرحية أمام الجماهير، وقدما مسرحيات من أعمال وترجمات أديب إسحق ومن بعده السوري يوسف خياط، وتطور المسرح المصري من خلال أحمد أبو خليل القباني وفرقته المسرحية التي قدمت أعمالا كثيرة في القاهرة والإسكندرية من قصص التاريخ العربي والإسلامي، وروائع الفن العالمي.
تطور لافت
وشهد بدايات القرن العشرين تطورا لافتا للمسرح المصري، حيث بدأ بفن الأوبريت الغنائي لأعمال عدد من المشاهير الذي تأثر بهم هذا الفن بشدة ومن بينهم سلامة حجازي وسيد درويش، ومثلت عودة الفنان جورج أبيض من فرنسا نقلة نوعية للمسرح المصري الحديث بعد تأسيسه للدراما المسرحية والنجاح الكبير الذي حققته أعماله في مصر والشام والأقطار العربية كلها، ودخل على الخط في وقت لاحق المسرح الكوميدي لنجيب الريحاني وعلي الكسار وإسماعيل يس من خلال عروض وأعمال رائعة لاقت نجاحا كبيرا خاصة أن الكوميديا المعروضة استمدت أعمالها من الواقع المصري والعربي مما كان له أثر كبير على الإقبال الجماهيري عليها بعد أن خفت وتيرة الاعتماد على الأدب العالمي، وحظيت الشخصيات الشعبية التي يقدمها نجوم الفن في هذا الوقت بشهرة كبيرة بين عامة الناس بل في خارج مصر أيضا مما كان له أكبر الأثر في إنشاء المسرح الوطني عام 1921، والذي لحقه المسرح الشعري الذي كان وعاء لكثير من أعمال أمير الشعراء أحمد شوقي، وكذلك الأديب الكبير توفيق الحكيم.
فنون مسرحية
وكان لصعود نجم السينما في ثلاثينيات القرن الماضي أثر محدود على المسرح في مصر رغم اتجاه النجوم للتمثيل السينمائي تأثرا ببزوغ نجم السينما العالمية، فقد ظلت للمسرح جماهيره المرتبطة بما يقدمه، وشهد المسرح تطورا أكاديميا بتأسيس المعهد العالي للفنون المسرحية عام 1944 مما كان له أثره في ظهور أجيال مسرحية أكاديمية ولا تعتمد على مجرد الموهبة الفنية فقط، وشهدت المرحلة بعد ثورة 52 في مصر تغيرا آخر فبدأت الدولة المصرية في رعاية الفن، وإنتاج الأفلام السينمائية، وتم إنشاء المسرح القومي مما كان له أثره في ظهور نخب فنية مميزة من بينهم صلاح عبد الصبور وسعد الدين وهبة وعلى سالم ونعمان عاشور ويوسف إدريس وغيرهم، وتطور الأمر لدخول الفرق المسرحية الخاصة، وإنتاج الأعمال المسرحية الكوميدية في الثمانينيات من القرن الماضي شهدت حضورا مميزا للعديد من الفنانين الكوميديين ومن بينهم سعيد صالح، وسمير غانم، ويونس شلبي وعادل إمام ومحمد صبحي، وغيرهم من النجوم الذين اشتهروا في الوطن العربي كله، وخرجوا لتقديم أعمالهم في الكثير من الدول العربية.