* أنا لست مصباح علاء الدين، عليها أن تخفف من أحلامها الوردية حول الزواج، فهو مشاركة وتأسيس لأسرة خطوة بخطوة
* لا أعتقد أن هنالك مشكلة بتأخير الزواج، لن يفوتنا القطار ولن تنتهي الحياة، وحتى وإن فاتنا القطار فذلك أفضل من أن يدهسنا
* تكلفة القاعة لحفل زفاف لـ100 شخص قد يتجاوز المليون ونصف المليون ليرة سورية، فكيف لي أن أتزوج في دولة تعطيني مرتباً شهريا 35 ألف ليرة سورية؟
* المشاعر والحب لا يطعمان خبزاً... لا نستطيع ادخار المال بسبب الغلاء الفاحش، وليس بإمكاننا التأسيس لمستقبل أفضل. الحل الوحيد هو السفر، وكل ما عداه كلام فارغ
لندن: كما الكثير من أبسط مقومات الحياة وضرورياتها، يبدو الزواج اليوم في سوريا رفاهية عالية، في ظل حرب وفلتان أمني وأزمات اقتصادية متلاحقة، لم يعد الكثير من الشباب يسعون إليه، فهو منذ سنوات لم يعد ضمن أولوياتهم، وبات خارج دفاتر أحلامهم ومخططاتهم لسنوات قادمة وربما عقود. وقد وصلت نسبة العنوسة في سوريا إلى مستويات غير مسبوقة، نتيجة الأوضاع الاقتصادية والسياسية خلال السنوات الأخيرة، وبحسب صحيفة البعث السورية بلغت نسبة العنوسة في سوريا 70 في المائة.
«المجلة»فتحت باباً للشباب في الداخل السوري للتعبير عن رأيهم في الإقدام على الزواج في هذه المرحلة الحرجة أمنياً واقتصادياً ونفسياً، وتحدثوا عن المعوقات التي يواجهونها والحلول المحدودة أمامهم.
تقول رهف: «العزوف عن الزواج حل مطروح وبقوة، فالزواج مسؤولية كبيرة، بالكاد يستطيع الشاب حلّ أموره كفرد، فلماذا يجلب هماً فوق همه؟ عدا عن الشباب الذين أفنوا سنواتهم في الخدمة العسكرية، كيف لهؤلاء أن يفتحوا بيوتاً ويؤمنوا دخلاً؟ لا توجد أعمال شاغرة سواء للشباب أو الشابات، وإن وجدت فالرواتب زهيدة وتافهة ومن المعيب صرفها أصلاً، لكن الناس مضطرون لها لكي تعيش ودائماً ما يرددون أن هذه الرواتب أفضل من لا شيء. ولو افترضنا وجود القبول والرضا بين الطرفين على الوضع وما هو عليه، ستكون حياتهم تعيسة مادياً وتعيسة في شتى النواحي رغم وجود الحب، وكل ذلك قد يكون مؤثراً. من غير الضروري أن ننجب جيلاً لنعذبه، لا داعي لإنجاب الأطفال طالما لسنا قادرين على تربيتهم، نحن حتى اليوم وبهذا العمر لم نستطع تحقيق أحلامنا، لم نحقق ذواتنا كي نحقق شيئاً لأطفالنا».
وبرأي نهى فإن العزوف عن الزواج في الوضع الحالي مرّ لكن ذلك أخف مرارة من تبعاته ومن إنجاب أطفال ضحايا للفقر والجوع والدمار والمجهول.
هذه اللهجة التشاؤمية كانت غالبة في حديث العديد من الشباب السوريين، كيف لا وقد كان معدّل الفقر المدقع- كمؤشر للحرمان من الغذاء- أقل من 1 في المائة في سوريا عام 2010، وخلال النزاع شهدت سوريا انتشاراً للفقر المدقع حتى بلغ 44.9 في المائة عام 2016، بحسب تقرير «آثار النزاع السوري» الصادر عن المركز السوري للبحوث والسياسات، ويظهر التقرير أن معدل الفقر الإجمالي بلغ ذروته عند 89.4 في المائة نهاية عام 2016، فقد أدت الزيادة في أسعار المواد الغذائية في مناطق مختلفة إلى تدهور قدرة الناس على تلبية متطلباتها اليومية.
أمر واقع
برأي أمجد، فإن تأخير الزواج إلى ما بعد سن الثلاثين بات أمراً واقعاً «رضينا به أم لم نرضَ»، وتحكي نور: «لم يعد هناك مجال لتجاوز معوقات الزواج في هذا البلد، حتى وإن تم تجاوزها فإن فكرة تكوين عائلة وإنجاب أطفال مستحيلة، فلا وضع صحيا ولا اقتصاديا ولا تعليميا ولا أخلاقيا يسمح لنا بتربية أولاد في هذا المجتمع، لذلك وبرأيي أن نغلق باب التفكير بالمشاعر والارتباط والزواج، ونسعى إلى دراسة وعمل وتأمين فرص حياة لنا كأفراد وتقديم المساعدة لأهالينا، لأنهم أولى حالياً بالدعم. وحتى تُفرج ونغادر البلاد، سيبقى الوضع على ماهو عليه».
أما عهد فيرى أن مسؤولية البحث عن حلول يضعها المجتمع بأكملها على عاتق الشاب وحده ومتطلبات الزواج باتت صعبة للغاية، والفتيات تطالب بالكثير، «وأنا لست مصباح علاء الدين، عليها أن تخفف من أحلامها الوردية حول الزواج، فهو مشاركة وتأسيس لأسرة خطوة بخطوة. أشعر أنني مدينة ملاهي وهنالك طفلة عليّ أن ألاعبها»، وتتفق معه نور: «الحل الوحيد الذي قد يكون معقولاً هو أن نفهم أن الزواج مشاركة وأن الشاب ليس المارد السحري الذي سيحقق كافة رغباتنا، علينا أن نعمل معاً بكامل طاقتنا لنعيش حياة على الأقل مقبولة، ولا أعتقد أن هنالك مشكلة بتأخير الزواج لما بعد الخامسة والعشرين، لن يفوتنا القطار ولن تنتهي الحياة، وحتى وإن فاتنا القطار فذلك أفضل من أن يدهسنا».
تكاليف ضخمة ودخل زهيد
تتلخص تكاليف الزواج في سوريا حول ترتيبات حفل الزفاف وحفل الخطوبة والفساتين و«الجهاز وملبوس البدن»(الملابس والمستلزمات التي تحضّرها العروس لبيت الزوجية) والمهر والذهب أو الشبكة، بالإضافة إلى المسكن (يفضّل في الغالب أن يكون مملوكاً للعريس) ومرتّب ثابت، وكل ذلك حسب العادات السورية يقع على عاتق العريس.
الحصول على منزل في هذه الظروف أصبح حلماً يراود المقبلين على الزواج، كما أن المتطلبات المادية اللازمة للزواج والتي يصعب تأمينها من قبل أغلبية الشباب بمن فيهم المستقرون مادياً أدى إلى ارتفاع نسبة العنوسة في سوريا.
وفي ظل الظروف الحالية، عمدت بعض الأسر إلى التنازل عن بعض هذه المتطلبات، ودفع بناتهنّ للمشاركة في تأسيس الأسرة والحصول على عمل بدخل ثابت، كما سهّلت بعض الأسر الترتيبات كأن يستعاض عن تسلّم المهر بجعله «غير مدفوع»بحسب عقد الزواج، أما عن خاتم الخطوبة غير القابل للتفاوض فقد تصل تكلفته على بساطته إلى 180ألف ليرة سورية، وتصل تكلفة غرفة المعيشة وغرفة النوم إلى 400 ألف ليرة سورية على الأقل، حيث يتراوح سعر غرفة النوم بين 300 ألف ومليون ليرة سورية، وغرفة الجلوس بين 200 ألف و600 ألف ليرة سورية، وتتراوح تكلفة البراد أو الثلاجة ما بين 250 إلى 600 ألف ليرة، والقائمة تطول. ولفهم ضخامة هذا الرقم يكفي أن نذكر أن متوسط راتب موظف جامعي في القطاع الحكومي يصل في أفضل أحواله إلى 60 ألف ليرة سورية.
أما حفل الزفاف، فحدّث ولا حرج، حيث وصلت كلفة استئجار صالة أفراح كانت قبل بضع سنوات 100 ألف ليرة إلى ما يفوق المليون ليرة سورية اليوم، وتتراوح كلفة الشخص الواحد بين 3500 و4000 ليرة، وعن تكاليف الموسيقى وتصوير الحفل فتبدأ من 150 ألف ليرة. وهذه الأسعار لا تشمل حفل الزفاف في الفنادق الفارهة، التي تبدأ فيها تسعيرة الشخص الواحد في القاعة من 15000 ليرة، ما يعني أن تكلفة القاعة لحفل زفاف لـ100 شخص قد يتجاوز المليون ونصف المليون ليرة سورية!
يقول موسى: «الحديث عن الزواج رفاهية، كيف لي أن أتزوج في دولة تعطيني مرتباً شهريا 35 ألف ليرة سورية؟»، ويجيب المنتصر بالله: «موضوع الزواج نسيته تماماً ودست على قلبي، الوضع في سوريا سيئ، والمشاعر والحب لا تطعم خبزاً. لا نستطيع ادخار المال بسبب الغلاء الفاحش، وليس بإمكاننا التأسيس لمستقبل أفضل. الحل الوحيد هو السفر، وكل ما عداه كلام فارغ».
الحرب تركت شابات وشبابا دون زواج
في عام 2019وفي دمشق وحدها تراجعت الزيجات بنسبة 45 في المائة، حسب تقارير نشرتها وسائل إعلام النظام السوري، وأكّدها القاضي الشرعي الأول في دمشق محمود المعراوي، وبحسب تقرير مديرية النفوس في العاصمة، هنالك أكثر من نصف مليون امرأة فوق الثلاثين دون زواج.
يقول عبد الحميد: «مع الأسف الشديد، الوضع أصعب من أن يمكن تخيله. نحن نحيا بقدرة إلهية لا أدري كيف، الزواج هو آخر ما قد أفكر به»، وتحكي روان: «طالب الجامعة الذي يدرس 5 سنوات، لا يستطع إيجاد عمل بعد التخرج، وإن وجد فلن يكون العمل ضمن اختصاصه، وإن عمل في القطاع الحكومي فسيتقاضى راتباً لا يكفيه 5 أيام في الشهر، وبحاجة لعشرين سنة كي يستطيع تملك منزل، فكيف لو فكر بتأسيس عائلة؟».
عزوف عن الإنجاب
جيل كامل من السوريين مهدّد، فارتفاع سن الزواج سيؤدي إلى تأخر الإنجاب، ما يعني في حال من الأحوال تراجع إنجاب جيل بأكمله، عدا عن أن كثيرين قرّروا العزوف عن الإنجاب أصلاً، وهو ما يهدد التشكيل الديموغرافي لمعدل الأعمار الشابة في سوريا، سيما مع فقدان الآلاف حيواتهم خلال سنوات الحرب معظمهم من الأطفال والشباب.
يقول محمد: «أعتبر الزواج حالياً وإنجاب الأطفال جريمة في بلادنا، مجتمعنا لا ينقصه أطفال إطلاقاً، ومن غير المنطقي إنجاب أطفال وتعريضهم للذل والدراسة في جامعات تتذيل قائمة جامعات العالم، ومدارس غير مهيأة للأطفال، واختصار أحلامهم في الحصول على أبسط حقوقهم. إن فكرت يوماً في الزواج فذلك حتماً لن يكون في هذه البلاد، لأن الوضع سيئ، ولن يتحسن أبداً، لا أمل لأحد في هذا البلد، ولا أعتبر هذا سوداوية إنما واقعية»، وتوافقه الرأي في ذلك رهف: «لا يمكنني أن أنجبَ أطفالاً في هذا البلد، ولا أتخيّل فكرة أن يبدأ ابني بعدّ الخسائر من عمرِ السّادسة، إنني أحمل الجنسية السّورية وجواز السّفر الذي يفي بالغرض لأن أسافر مِن اللاذقية إلىٰ دمشق لا أكثر.لن أنجب أبناءً في هذا البلد ليذهب نصف عمرهم بتوقيع معاملة رسميّة. إنهم يرضعونَ الأحزان في حبلهم السّرّي... ذلك لن يكفيني بأن أعتذرَ لهم العمر كلّه.هذا البلد لم يعُد يحتمل أطفالاً في الشّوارع».
الخدمة العسكرية أيضاً
دفعت دعوات التعبئة العامة والدعوات إلى الخدمة الإلزامية مئات آلاف الشباب السوريين إلى الفرار، إما إلى خارج البلاد وإما إلى مناطق غير خاضعة لسيطرة النظام السوري، فيما لجأ شباب آخرون إلى الاختباء والتزام منازلهم خوفاً من الاعتقال، فضلاً عن الشباب الذين التزموا الخدمة إن كانت إلزامية أو احتياطية واستمر ذلك لسنوات طويلة.
يقول عمار: «الوضع المادي الحالي للشباب لا يسمح بتأمين تكاليف الزواج والمسكن والمعيشة الكريمة، والوضع النفسي لا يسمح لهم بالتفكير بالارتباط، لدينا مشكلة حقيقية مع الخدمة العسكرية، لا أحد يتوقع متى سيتم طلبه للخدمة ومتى سيتم تسريحه، وهل سيعود لأسرته أصلاً. لن يستطيع تحمّل مسؤولية الفتاة وتعذيبها معه خاصة في حال كانت خدمته العسكرية في منطقة بعيدة عن مدينته، عدا عن أنه بذلك سيخسر عمله وسيكون الراتب العسكري مصدر دخله الوحيد هو الذي لا يكفي لتغطية مصروفه وحيداً».
المساكنة... حل أم مشكلة؟
أما عن الحلول البديلة، فيطرح بعض الشباب المساكنة حلّاً، حيث لا تكلفٌ ولا واجبات اجتماعية، ولا التزامات لا رجعة عنها، ولا تكاليف ضخمة، يقول مجد: «المساكنة تحل كثيراً من المشاكل، لأن نسبة كبيرة من الناس في حال لجأت للمساكنة قد تعزف عن الزواج أصلاً، لأنها تساعد على معرفة العيوب بالطرف الآخر، أما الذين يرفضون المساكنة، فعليهم أن يكونوا أكثر مرونة في تسهيل الزواج للطرفين»، وتوافقه في ذلك نجوى: «فكرة المساكنة ليست سيئة، بشرط أن يكون الرجل واثقاً من نفسه قبل ثقته بشريكته، أي لا يستخدم مساكنتهما ورقة للضغط عليها يوماً ما، وهذه ثقافة لم يعرفها مجتمعنا بعد، يترتب عليها وأد كثير من الأفكار الموروثة عن الشرف والعار، واستبدالها بمفاهيم جديدة عن الشرف الحقيقي»، وإياس أيضاً اتفق مع الفكرة وقال: «الزواج أصبح صعب المنال بكافة المقاييس، ولذلك أنا مع المساكنة وبكامل قواي العقلية».
لم يتطرق القانون السوري لموضوع المساكنة بشكل مباشر، وبينما يسمح قانون العقوبات بالحرية الجنسية للرجل والمرأة العازبين، إلا أن القانون يعتبر الزنا جريمة ويعتبرها جنحة مخلة بآداب الأسرة. فبحسب المادة 473 من قانون العقوبات السوري، تعاقب المرأة الزانية بالحبس من ثلاثة أشهر إلى سنتين، ويقضى بالعقوبة نفسها على شريك الزانية إذا كان متزوجاً، وإلا فالحبس من شهر إلى سنة.
الزواج ليس للجميع
رغم كل هذه الأزمات والشكاوى، يلاحظ المتابع لمواقع التواصل الاجتماعي وصفحات المدونين والمدونات السوريين إقامة أعراس ضخمة وبتكاليف باهظة، وحياة فارهة مرفّهة لمجموعات بعينها وسط العاصمة دمشق، وعن ذلك يحكي جورج: «بلدنا من سيئ إلى أسوأ، أولئك المرتاحون مادياً والذين يعيشون حياتهم براحة في البلاد باتوا معروفين، وبات واضحاً كيف يتحكمون بالمواطن، حتى سياراتهم معروفة وقدرتهم على الزواج بأعلى التكاليف لا غبار عليها، بينما الشعب فقير لا يملك قوت يومه وبات حلمه بالزواج من الماضي، كان يحلم بمنزل وسيارة يوماً ما، أما اليوم فحلمه أن (يصاحب) لأنه لا قدرة لديه لا لزواج ولا لبيت ولا لسيارة. ومع الأسف هذا الواقع بات يدفعنا للتفكير بالسرقة لنكون مثلهم ونتسلم مناصب تخولنا أن نصبح (أغنياء) ويخولنا لتغيير جلدنا ونتحول إلى متنمقين ومجاملين لهذا وذاك، لنصل إلى ما وصلوا إليه بحذلقتهم. لا حل في هذه البلاد، الحل بكل تأكيد خارجها»، وتتفق معه قمر: الزواج أصبح حكراً على الشباب ذوي الطبقة الغنية، والذين أسّست لهم أًسرهم، وبالطبع يتزوجون أمثالهم، أما مواطنو الطبقة المتوسطة والفقيرة فزواجهم بات صعباً جداً ونادراً»، وبرأي فدوى فإن «أغلب من يتزوجون حالياً هم ممّن أسّس لهم أهلهم، أما البدء من الصفر حالياً فالزواج بعيد عنه».