تظاهرات ضخمة عمت مدن عراقية ذات أكثرية سنية، وهي مدن الفلوجة والرمادي في محافظة الأنبار وسامراء وتكريت في محافظة صلاح الدين والموصل في محافظة نينوى، رددت شعارات تطالب باطلاق سراح المعتقلين والمعتقلات والغاء المادة الرابعة من قانون مكافحة الارهاب، وايقاف العمل بقانون المساءلة والعدال، ووقف المداهمات العشوائية، والغاء قانون المخبر السري واجراء تعداد سكاني شامل باشراف الامم المتحدة،واعادة تشكيل المحكمة القضائية العليا،وتحقيق التوازن في جميع مؤسسات الدولة، واعادة مساجد اهل السنة المغتصبة الى اصحابها،وحظيت مطالب الثوار بدعم كردي،وقوى سياسية شيعية رفضت سياسة حكومة نوري المالكي في التهميش والاقصاء.
أزمة رافع العيساوي
وكانت شرارة الثورة العراقية انطلقت نهاية العام الماضي، عقب أزمة اعتقال قوة عسكرية أفراد الحرس الخاص بوزير المالية العراقي رافع العيساوي،الذي يعد ثان مسؤول بارز للسنة العراقيين يلاحقه نظام المالكي ، بعد طارق الهاشمي نائب الرئيس العراقي. وطالب وزير المالية العراقية رافع العيساوي رئيس الوزراء نوري المالكي بالاستقالة على خلفية اعتقال جميع حراسه وعددهم 150 حارسا خلال اجتماع رسمي. وكان العيساوي قد عقد مؤتمرا صحافيا انضم إليه رئيس مجلس النواب أسامة النجيفي ونائب رئيس الوزراء لشؤون الخدمات صالح المطلك وعدد من الوزراء دعا من خلاله رئيس الوزراء للاستقالة، وقال العيساوي وهو عضو في ائتلاف "العراقية" الذي يضم شخصيات سنية نافذة " ان المالكي لم يتصرف كرجل دولة، وأطالب مجلس النواب بتفعيل حجب الثقة عن حكومة لا تحترم سيادتها".
حقوق الانسان
ولاقت الدعوات المناهضة لحكومة المالكي صدى لدى المنظمات الحقوقية حيث اتهمت منظمة «هيومن رايتس ووتش» في بيان لها حكومة رئيس الوزراء العراقي بإعادة العراق إلى الحكم الشمولي بحملته على المحتجين والتحرش بالمعارضين وتعذيب المحتجزين،وأشارت المنظمة المدافعة عن حقوق الإنسان أنها اكتشفت سجونا سرية يمارس فيها التعذيب في العراق كانت الحكومة العراقية قد أعلنت في وقت سابق أنها أغلقتها، وكانت منظمات دولية حقوقية أخرى انتقدت سجل حقوق الإنسان في العراق الذي قالت أنه ما يزال يشهد الكثير من الانتهاكات في فترة ما بعد صدام حسين.
[caption id="attachment_55242254" align="alignleft" width="299"] مظاهرة عراقية حاشدة في سامراء تدعو الى إطلاق سراح السجناء والاطاحة برئيس الوزراء العراقي [/caption]
وأمام هذا الاحتقان المستمر في الشارع العراقي،شهدت التظاهرات تطورا ميدانيا لافتا من حيث العنف الذي يمارسه نظام المالكي ضدها، واتساع رقعتها ،وارتفاع سقف مطالبها الى محاولة إسقاط الشرعية عن الحكومة العراقية.
وسياسيا، صوت مجلس النواب العراقي مؤخرا على قانون يحدد ولايات الرئاسات الثلاث باثنتين، ويهدف القانون الذي أيده 170 نائبا من مجموع 325 في مجلس النواب ، إلى منع المالكي من الترشح لولاية ثالثة، وسط الاحتجاجات المنددة بسياساته والمطالبة بإصلاحات تشريعية وسياسية.
ووصف رئيس الحكومة نوري المالكي،القانون الجديد بعدم الدستورية،وقال في حوار مع قناة "العربية" إن "قانون تحديد مدة ولايتي رئيسي الوزراء والبرلمان، لن يمر لأنه مخالف للدستور". وأشار الى ان "مشرعات القوانين بحسب الدستور تُقدم للبرلمان من رئاسة الوزراء أو رئاسة الجمهورية، ومشروع قانون تحديد الولايات لم يأت منهما". وأكد أن "القانون من حيث الشكل والمضمون لن يمر من المحكمة الاتحادية". وأعلنت كتلة ائتلاف دولة القانون برئاسة المالكي رفضها القانون الجديد بحجة أن عملية التصويت لم تكن قانونية. ويتوقع أن يلجأ المالكي إلى المحكمة الدستورية للطعن في دستورية القانون. ويأتي التصويت على القانون الذي يقطع الطريق على المالكي للترشح لولاية ثالثة في ظل تصعيد أمني في مدينة الفلوجة بمحافظة الأنبار، بعد مقتل سبعة متظاهرين برصاص جنود عراقيين خلال مظاهرة حاشدة احتجاجا على سياسات المالكي.
حراك شعبي
ومن جهة اخرى طالب عشرات النواب العراقيين قبل أيام مساءلة رئيس الوزراء وهي خطوة يمكن أن تؤدي إلى سحب الثقة من حكومته في حال توفر النصاب، وقد طالبت قائمة العراقية التحالف الوطني -الذي يضم الكتل السياسية الشيعية ومن ضمنها ائتلاف دولة القانون- باستبدال المالكي وهو نفس الطلب الذي يتمسك به معارضون آخرون لرئيس الوزراء الحالي.
[caption id="attachment_55242255" align="alignright" width="150"] الصدر يؤكد رفضه ترشيح المالكي لولاية ثالثة على التوالي[/caption]
واعتبر المالكي في تصريحات لوكلة انباء عراقية ان الساعين لإسقاط حكومته التقوا على فكرة خاطئة، و أكد أنهم لا يستطيعون المضي بهذا القانون، وأشار إلى أنه غير قلق من التظاهرات،وحذر في نفس الوقت مما سماها "فتنة ماحقة حالقة" تطل برأسها على العراق.
ويواجه رئيس الحكومة نوري المالكي، مطالبات بسحب الثقة منه من قبل عدد من الكتل السياسية، أبرزها التيار الصدري والقائمة العراقية والتحالف الكردستاني، في حين يحذر نواب عن دولة القانون التي يتزعمها المالكي، من تبعات هذه الخطوة على العملية السياسية.
وتحدث المالكي للصحف العراقية عن "مؤامرات تحوكها مخابرات إقليمية وبقايا النظام السابق وتنظيم القاعدة لجر الجيش إلى مواجهة مع المتظاهرين".
وقال في تصريحات" أنه لو كان ديكتاتورا لكان بإمكانه تصفية "المتآمرين" الذين جمعوا تواقيع لإقالته "مرة واحدة"وإنهاء الأزمة".
وامام الحراك الشعبي العراقي دعا الشيخ عبدالملك السعدي أهم المراجع الدينية في العراق الجمعة الماضية، إلى انسحاب جماعي من العملية السياسية في العراق، لعزل المالكي، مؤكدا في بيان صدر من مكتبه أن الحكومة العراقية بزعامة المالكي تُنفِّذُ ضد العراقيين أمراً دبّره أسيادُها بليل، وأنها تنفذ ما هو مطلوب منها من أجندات خارجية معادية للعراق وأنها هي من يؤصل لزرع الطائفية والكراهية بين العراقيين.
تجدر الإشارة إلى أن الشيخ عبدالملك يعتبر من أهم المراجع الدينية السنية في العراق، وكان قد شارك في المظاهرات في الأنبار قبل أكثر من أسبوعين بعد العودة من عمان. ومشاركة السعدي كان لها دور كبير في استمرار تدفق الآلاف من مدن الأنبار وبقية المحافظات للمشاركة في اعتصام الرمادي.
سيرة المالكي ومسيرته
ولد نوري المالكي واسمه الحركي جواد المالكي رئيس الحكومة العراقية وزعيم حزب الدعوة -أقدم حزب شيعي في العراق - في الحلة، كبرى مدن محافظة بابل جنوب بغداد عام 1950. والمالكي متزوج وله أربع بنات وولد واحد.
حصل نوري المالكي على شهادة البكالوريوس من كلية أصول الدين في بغداد، وشهادة الماجستير في اللغة العربية من جامعة صلاح الدين في أربيل.
إنضم إلى حزب الدعوة الإسلامية في عام 1970، وأصبح عضوًا في قيادة الحزب ومسؤولًا عن تنظيمات الداخل طيلة فترة تواجده في المنفى، وتولى مسؤولية الإشراف على «صحيفة الموقف» المعارضة والتي كانت تصدر من دمشق، صدر له كتاب بعنوان «محمد حسن أبو المحاسن حياته وشعره»، وكتب العديد من المقالات في المجالين السياسي والفكري، كما تولى رئاسة «مكتب الجهاد» الذي كان مسؤولًا عن تنسيق الأنشطة داخل العراق.
غادر العراق عام 1979 بعد صدور حكم بإعدامه ولجأ إلى سوريا التي بقى بها حتى عام 1982، ثم انتقل إلى إيران، إلا إنه عاد إلى سوريا بعد ذلك انقسام حزب الدعوة إلى جناحين أحدهما مؤيد لإيران والآخر رفض الانضمام إلى الجيش الإيراني ومقاتلة الجيش العراقي خلال الحرب العراقية الإيرانية، وبقي في سوريا حتى الغزو الأمريكي للعراق.
وكان المالكي رئيسًا للهيئة المشرفة على مؤتمر المعارضة العراقية في بيروت عام 1990، كما كان عضوًا فاعلًا في جميع مؤتمرات المعارضة العراقية التي عقدت في شمال العراق وفي خارجه.
[blockquote]بعد إسقاط نظام صدام حسين في 9 أبريل من عام 2003 عاد المالكي إلى العراق بعد هجرة دامت ربع قرن، واختير كعضو مناوب في مجلس الحكم العراقي الذي أسس من قبل سلطة الائتلاف المؤقتة برئاسة بول بريمر، كما شغل منصب نائب رئيس المجلس الوطني المؤقت، وأسهم في تأسيس كتلة الائتلاف العراقي الموحد والذي كان الناطق الرسمي باسمها، وهي التي رشحته لتولي مسؤولية رئاسة لجنة الأمن والدفاع في الجمعية الوطنية. وشارك في لجنة صياغة الدستور العراقي الذي كان عضوًا فيها.[/blockquote]
أنتخب المالكي لتشكيل أول حكومة عراقية دائمة منتخبة في شهر مايو من عام 2006 وذلك بعد أن تخلى رئيس حزب الدعوة الإسلامية رئيس الحكومة إبراهيم الجعفري عن ترشيحه للمنصب بعد معارضة شديدة من الكتل السنية والكردية له. وكان الوضع الأمني في بداية ولايته قد أصبح أكثر سوء، حيث بدأت عمليات الخطف والتهجير والقتل الطائفي. فأطلق في عام 2007 خطة لفرض القانون، وكان من بين أعمال هذه الخطة عملية صولة الفرسان على ميليشيا جيش المهدي في البصرة والناصرية وبغداد وبعض المحافظات التي كانت شبه خاضعة لسيطرة الجماعات المسلحة، وعمليات أم الربيعين في الموصل وذلك لتفكيك تنظيم القاعدة، بالإضافة إلى عدة عمليات عسكرية في المناطق الساخنة. كما إنه وقع على إعدام الرئيس الأسبق صدام حسين الذي صدر من محكمة عراقية، وقام بتنفيذ الحكم بسرعة.
استطاع المالكي الفوز بمنصب رئيس الوزراء لفترة رئاسية ثانية وذلك بعد تأسيس المجلس الوطني للسياسات الاستراتيجية، وكلف رسميًا بتشكيل الحكومة في 25 نوفمبر 2010 وذلك قبل قبل يوم من انتهاء المهلة الدستورية الممنوحة لرئيس الجمهورية جلال طالباني لتكليف من يتولى رئاسة الوزراء، وإعتبر هذا التأخير بالتكليف الرسمي بهدف منحه أكبر وقت ممكن للتفاوض حول تشكيلة الحكومة وتوزيع المناصب الوزارية خلال مدة ثلاثين يومًا.
اعتاد المالكي الظهور في وسائل الإعلام ليدين بقوة أعمال العنف التي تستهدف الشيعة، خصوصا الهجمات الدامية على مساجد الطائفة في العراق، ومن اقواله:
• «أولا أنا شيعي وثانيا أنا عراقي، وثالثا أنا عربي ورابعا أنا عضو في حزب الدعوة».
• «أعتبر نفسي صديقا للولايات المتحدة، ولكنني لست رجل أمريكا في العراق».