* تسوية فرنسية تنزع الألغام لتشكيل الحكومة... وماكرون يخيّر زعماء لبنان بين الإصلاحات أو العقوبات!
* ماكرون يرسم المسار ويضع الطبقة السياسية أمام خيار الفرصة الأخيرة
* مسؤولو لبنان أمام اختبار: حكومة في 15 يوماً وإصلاح في 8 أسابيع وإلّا العصا الفرنسية!
* «لوفيغارو»: ماكرون هدد بالتنسيق مع ترامب بعقوبات تشمل باسيل وبري والحريري وبنات الرئيس عون
* الطبش: من غير المسموح أن تكون حكومة أديب توأم حكومة دياب، والعبرة في خطة إنقاذية حقيقية لا تعتمد على الكيدية السياسية
* قاطيشا: ضغوطات فرنسية مورست على القوات للمضي بتسمية أديب، ولكنها رفضت
* منيّر: تقاطع فرنسي- إيراني وموافقة أميركية ضمنياً على تسوية الوضع اللبناني
بيروت: هي مرحلة جديدة دخلها لبنان بعد تكليف السفير اللبناني لدى ألمانيا، مصطفى أديب، لتشكيل حكومة جديدة، مرحلة رسم معالمها وشروطها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، مستخدما الجزرة والعصا في آن معاً، فمن جهة يُبدي تفهّما وتعاونا وإيجابية، ويلوّح من جهة ثانية بالتشدد والعقوبات وحجب المساعدات في حال لم تقدم الحكومة العتيدة على الإصلاحات المطلوبة، محددا مهلة 3 أشهر للتغيير الحقيقي في لبنان، وإلا سيسحب يده ومبادرته ووساطته ويترك لبنان لمصيره في حال لم تتعاون القوى السياسية على إخراج لبنان من ورطته.
العصا الفرنسية
لعلّ المفارقة الكبيرة التي تجلّت يوم الثلاثاء الفائت، هي إمعان الطبقة السياسية في إذلال «لبنان الكبير»في مئويته الأولى أمام الرئيس الفرنسي، الذي بدا حريصا على حاضر ومستقبل هذه الدولة وشعبها أكثر من المسؤولين الذين جلسوا على طاولة بعبدا يستمعون إلى تعليماته وتأنيبه. فيما المؤكد أن هذه الطبقة الحاكمة لما كانت ستتحرك بهذه السرعة القياسية للتوافق على اسم الرئيس المكلف قبيل 48 ساعة من وصول ماكرون إلى بيروت في زيارته الثانية بعد كارثة انفجار المرفأ وانتهاء المهلة الزمنية التي حددها لهم، وهو ما ترجم بولادة قيصرية للاستشارات النيابية التي انتهت إلى تكليف الدبلوماسي والأكاديمي مصطفى أديب الذي سُمّي الاثنين الفائت بغالبية 90 صوتاً من أصل 121 نائباً (بدلا من 128 بسبب استقالة 7 نواب إثر انفجار مرفأ بيروت)، وذلك بموجب تسوية سياسية، دفع باتجاهها الرئيس الفرنسي.
وفيما أمهل ماكرون القوى السياسية أسبوعين لتأليف الحكومة و8 أسابيع لتنفيذ خارطة الطريق التي رسمها أمامهم قبل عودته مجددا إلى لبنان في ديسمبر (كانون الأول) المقبل، عبر تشكيل حكومة غير تقليدية تكون قادرة على مواجهة الأزمة الاستثنائية التي يمر بها لبنان من خلال تشكيلة تضمّ اختصاصيين وأصحاب خبرات وكفاءات، بعيداً عن المحاصصة المعهودة، هل ستنجح القوى السياسية في هذا الاختبار؟
بالطبع الأيام المقبلة ستثبت مدى التزام هذه الطبقة السياسية بوعودها من عدمه، وقدرة الرئيس المكلف مصطفى أديب على تشكيل حكومة من دون تدخُّل القوى السياسية، وتحاصص الحقائب كما جرت العادة، فيما يجري الحديث عن تشكيل سريع للحكومة، لا سيما مع بدء استشارات التأليف يوم الأربعاء.
تسوية فرنسية- إيرانية؟
في جوهر التكليف، ثمة علامات ومفارقات في عملية التكليف، لعلّ أبرزها داخلياً التغطية السنية التي حظي بها الرئيس المكلف الجديد، وخارجياً الغطاء الفرنسي الذي مُنح لتكليفه، إلى حد اعتبار تسميته «حصلت في قصر الإليزيه وما حصل في قصر بعبدا كان مجرد (بصم) على هذه التسمية، في ظل الحديث عن تسوية فرنسية- إيرانية، نظرا لتقاطع مصالح البلدين عبر إعادة تنظيم تحالفات الشرق الأوسط بمواجهة تركيا وسط الصراع الحاصل حول مسألة أنابيب الغاز في شرق البحر المتوسط، والذي حث على حلحلة الملف الحكومي، ومن ثم انبرت الكتل النيابية إلى تأييد خيار رؤساء الحكومات السابقين الذين قرروا في لحظة معينة تسمية أديب، مرشحا شبه وحيد لدخول السرايا.
وفي هذا السياق، استبعدت عضوة كتلة المستقبل النيابية، النائبة رلى طبش ما يشاع عن تسوية فرنسية- إيرانية، وقالت لـ«المجلة»:«لا أعتقد أن الغليان الحاصل في المنطقة والتغيرات الإقليمية الكبيرة، والشحن الحاصل بين عدة محاور، يسمح بتسويات شاملة أو جزئية، خصوصاً وأن فرنسا كانت شبه غائبة عن خريطة شرق المتوسط، اللهم عبر انخراطات ثقافية تارة أو اقتصادية، أضف إلى أن المنطقة، وللأسف، تضجّ باللاعبين المؤثرين، إقليمياً ودولياً»، مضيفة: «لا أعتقد أن تسوية فرنسية- إيرانية قد تبصر النور في ظل هذه الظروف، أضف إلى أنها لو حصلت، فلن تكون نتائجها تكليف رئيس حكومة في لبنان، بل ستظهر على مستويات أو مناطق أخرى»، مشيرة إلى أن «هذا لا يعني أن الرئيس المكلف هو غريب عن (النَفّسْ) الأوروبي، بل هو مدرك لكل السياسات الأوروبية، استناداً لموقعه الدبلوماسي السابق».
وعن سبب مضي كتلة المستقبل باسم أديب، أشارت الطبش إلى أن «الرئيس سعد الحريري أكد أكثر من مرة، أنه لن يترأس حكومة خلال ما تبقّى من العهد الحالي، ولأسباب صارت معروفة من الجميع، كما أنه لن يُسمّي أحداً من فريقه السياسي أو من القريبين منه»، وتابعت: «ولأن المرحلة الحالية، وأمام كل التحديات على كل المستويات، تقتضي تشكيل حكومة إنقاذ بعيداً عن المحاصصات الحزبية أو الطائفية، ولا تكون على شاكلة سابقتها، على أن تضع نصب أعينها برنامجاً إنقاذياً فورياً، فقد تم استعراض عدة أسماء تتوافق وشروط المرحلة، ومن ضمنها اسم الرئيس المكلف، وعلى أثر اجتماع رؤساء الحكومات السابقين حيث تمت فيه قراءة الأمر من كل جوانبه، استقر الرأي على الدكتور أديب، فتم رفع الاقتراح ومن ثم التسمية».
أما عن مدى قدرة أديب على تشكيل حكومة إنقاذية من مستقلين، قالت الطبش:«نحن نسعى، إلى أن تكون الحكومة العتيدة نسخة غير مطابقة لسابقتها، السيئة الذكر»، ولفتت: «من هنا سنقدم كل التسهيلات والدعم، نحو تشكيلة موضوعية تستند على الكفاءة معياراً، خصوصاً وأن الوقت يسير بما لا يتوافق والمصلحة اللبنانية، فترف الوقت قد فقدناه منذ زمن»، وأضافت: «الدعوة إلى كل الأفرقاء السياسيين للمشاركة في ردم الهوة الحاصلة مع الرأي العام، المحلي والدولي، لأن مصير البلد بين أيدينا جميعاً».
إلى ذلك، شددت الطبش على أنه «من غير المسموح أن تكون حكومة أديب توأم حكومة دياب، والعبرة في خطة إنقاذية حقيقية لا تعتمد على الكيدية ولا تعتمد الانتقام السياسي، كما كان يحصل سابقاً. والأهم، توقف البكاء على الأطلال والنحيب، وتكرار لازمة (ما خلونا). وليبادروا إلى العمل بدل رمي الاتهامات».
وفيما يتعلق بالاتهامات التي وجهت لرؤساء الحكومات بطعنهم اتفاق الطائف، قالت الطبش: «هذا كلام مرفوض، خصوصاً وأن رؤساء الحكومات السابقين قد صححوا الاعوجاج الذي كان حاصلاً من قبل، حيث كانت البدع الدستورية والتي كانت تخرج من الغرف السوداء في القصر، تدفع باتجاه التشكيل والاتفاق على البيان الوزاري وغيره، قبل إتمام التكليف».
وأكدت الطبش: «هذا ما قام به رؤساء الحكومات السابقون الذين حرصوا على احترام الأحكام والمراحل الدستورية التي فرضت التكليف قبل التشكيل. وبالنهاية، فإنهم قد اقترحوا التسمية، ولم يفرضوها».
بين الضغوطات الفرنسية والقوى السياسية المعارضة
من جهة ثانية، تمايزت كتلة «الجمهورية القوية» يوم الاستشارات النيابية عبر الإصرار على تسمية السفير السابق نواف سلام، واستوقف أوساطا سياسية متابعة في يوم الاستشارات تَرَدُّد كتلة «اللقاء الديمقراطي»للنائب السابق وليد جنبلاط التي ورغم تسميتها أديب إلا أنها أبدت «عدم حماسة» للتسوية التي أفضت إلى هذا الخيار مع تشكيك في قدرتها على تحقيق المرجو لجهة مقاربة جدية للإصلاحات وتغيير الذهنية لفريق العهد خصوصاً، فيما ذهبت «القوات اللبنانية»إلى تسمية سلام رغم اتصال ماكرون برئيسه سمير جعجع، وهو ما أكده عضو كتلة «الجمهورية القوية»النائب وهبي قاطيشا الذي تحدث لـ«المجلة»عن ضغوطات فرنسية مورست على القوات للمضي بتسمية أديب، ولكنها رفضت، وردت بالتأكيد على أنه في القضايا الداخلية لا يمكن للحزب إلا أن يكون منسجما مع مبادئه.
وأكد قاطيشا أن تسمية سلام تمت «لأننا نعلم استقلاليته ونظرته السيادية وعلاقاته الدولية، وحان الوقت لأن يكون مَن يكلّف هو المسؤول، وليس واجهة لغيره أو لتسويات اللحظة الأخيرة».
وأشار قاطيشا إلى أن طرح «القوات اللبنانية»واضح منذ البداية عبر تشكيل حكومة إنقاذ من اختصاصيين ومستقلين بدءا من رئيسها إلى كافة وزرائها لا علاقة لهم بالأحزاب وبالتالي المحاور الخارجية، مشيرا إلى أنه «قبل ذلك على الأقطاب السياسية أن تقر وتعترف بأنها فشلت في إدارة هذا البلد حتى أوصلته إلى هذا الدرك، وأن تترك المجال إلى أشخاص آخرين لإعادة وضع البلاد على السكة الصحيحة».
ولفت قاطيشا إلى أنه في ظل الحديث عن تسوية فرنسية- إيرانية، هذا يعني أنه لم يتغير شيء، وبالتالي تكرار جميع العناصر التي أدت إلى فشل هذه الدولة وكذلك السيطرة عليها، مشيرا إلى أنه «في الذكرى المئوية لتأسيس لبنان الكبير، اتخذت فرنسا مبادرة عبر منح غطاء لهذه القوى السياسية وإعطائهم فرصة للتغيير ويبقى الرهان على نجاح هذه المبادرة أو فشلها، لأنه في النهاية ليست فرنسا من ستشكل الحكومة وسوف تنجز الإصلاحات»، وتابع: «فرنسا تطلب فقط وهذه المطالبات موجودة منذ سنوات ولكن لا أحد يستجيب، أما اليوم فقد اختلف الوضع من حيث التشدد الذي تبرزه فرنسا في هذا السياق».
وأشار قاطيشا إلى أن «ماكرون يجبر القوى السياسية على الالتزام بتنفيذ الإصلاحات بالعصا، عبر تهديدهم بفرض العقوبات، وتابع «لكن يبقى السؤال عن مدى نجاح هذه المبادرة لأن ثمة أكثر من جهة تعطل المسار الإنقاذي، فهناك تجمع أحزاب يسيطر عليه الفساد، وقسم آخر لديه سلاح ويغطيه الفساد».
وعن مدى قدرة أديب على تشكيل حكومة إنقاذية تستجيب للمطالب الدولية، قال قاطيشا إنه «بعد تجربة الرئيس السابق حسان دياب الذي وعد بتشكيل حكومة اختصاصيين إلا أن النتيجة كانت حكومة مستشارين، واليوم نرى الوعود نفسها، لكن يبقى الرهان على قدرة الضغط الفرنسي بتطويع هذه القوى السياسية والأحزاب».
الدور الأميركي من المبادرة الفرنسية
وفي السياق، رأى الكاتب والمحلل السياسي جوني منيّر، في حديث لـ«المجلة»أن كلمة تسوية هي كلمة كبيرة، أما الحاصل فهو تقاطعات فرنسية- إيرانية، مشيرا إلى «العلاقات الفرنسية لأديب ومساعدة رئيس الاستخبارات الخارجية الفرنسية برنار إيمييه في استيلاد اسمه لترؤس الحكومة المقبلة، وكذلك موافقة حزب الله بشكل أساسي على أديب لجهة العلاقات الجيدة التي تربطه مع الفريق (الشيعي)».
ولفت منيّر إلى أن «التقاطع الفرنسي- الإيراني أيضا يعمل على تسهيل عمل الحكومة والتفاهم على برنامج عملها، مشيرا إلى أن الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله كان مسهلا في هذا الإطار، إذ تحدث في خطابه الأخير بإيجابية عن تشكيل الحكومة المقبلة وعملها في المستقبل، وبالتالي لا يمكن فصل لقاء ماكرون بممثل حزب الله النائب محمد رعد في زيارتيه إلى لبنان عن هذا المسار»، مؤكدا «ثمة تقاطعات فرنسية مع حزب الله وبالتالي مع إيران، إذ قال ماكرون إنه تواصل مع الأخيرة بشأن لبنان».
وأوضح منيّر سبب هذا الاهتمام الفرنسي بلبنان وتقاطع المصالح مع إيران، متحدثا عن ثلاثة أسباب «أولا، ماكرون لديه مصلحة انتخابية بالتطلع إلى الوضع اللبناني، لأن لبنان لديه عطف فرنسي قوي لا سيما بعد انفجار المرفأ وهو لعله ما يترجم زيارة لبنان مباشرة بعد الكارثة وزيارة المناطق المتضررة وزيارة فيروز وغرس أرزة، وجميع هذه المبادرات تحرك الوجدان الفرنسي، وبالتالي تفيده انتخابيا لأن وضعه الانتخابي لم يكن جيداً، وثانيا، واضح أن ثمة مصلحة فرنسية كبيرة بموضوع إعادة تنظيم تحالفات شرق المتوسط بمواجهة تركيا وسط الصراع الحاصل حول مسألة أنابيب الغاز في شرق البحر المتوسط، وثالثا الواقع اللبناني هو بالنسبة لفرنسا آخر موطئ قدم لما تبقى لها من نفوذ في منطقة الشرق الأوسط، وبالتالي يعيد إحياء هذا الدور انطلاقا من الواقع اللبناني ولكن من خلال التفاهم مع الأميركيين والإيرانيين».
وعن الموقف الأميركي من هذه التسوية، قال منيّر إنه «لا شك أن الولايات المتحدة الأميركية تنتهج أسلوبا آخر وأكثر تشدداً في هذا الإطار»، مشيرا إلى أن «الإدارة الأميركية ضمنا ليست ضد الحركة الفرنسية، أو أنها لا تعطي إشارات كبيرة باعتماد مبادرة باريس أي إنه دعم دون تبنٍ، تاركة هامشا لها يسمح لهم فيما بعد برفع السقف في حال دعت الحاجة»، وتابع أن «المؤكد لا صدام أميركيا- فرنسيا، وإلا لما شارك الرئيس ترامب في مؤتمر دعم لبنان».
إلى ذلك، لفت منيّر إلى تهديدات ماكرون للطبقة السياسية بعقوبات قاسية، وقد تمت تسمية من ستشملهم العقوبات في صحيفة «لوفيغارو»وبينهم رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، وكذلك بنات رئيس الجمهورية ميشال عون، والوزير السابق سليم جريصاتي لتفادي المشاكل التي قد يفتعلها باسيل أثناء عملية التأليف الحكومي، إضافة إلى رئيس مجلس النواب نبيه بري والرئيس السابق سعد الحريري الذي ربما سمي بدافع التوازن الطائفي، وكل هذا للقول بأنهم جادون في هذه المبادرة، وبالتالي هذا ما يفسر اندفاعة القوى السياسية ودعوة عون للاستشارات قبيل مجيء ماكرون، وهذا ما سيترجم لاحقا عدم التصلب في الملف الحكومي وسحب وزارتي الطاقة والخارجية من يد باسيل إضافة إلى وزارة الاتصالات، وهي الحقائب التي بحاجة للإصلاحات».
وعن شكل الحكومة المقبلة، قال منير إن «التأليف سيكون سريعا لأنه ثمة عصا فرنسية»، مشيرا إلى أن الحكومة لن تكون مستقلة بقدر ما ستكون مؤلفة من اختصاصيين وتقنيين ويمكن أن يكون فيها وزراء ملونون سياسيا ولكن ليس بالحقائب الأساسية».