لم تكن البداية سهلة ولم يكن المشوار كله كما أراده الناشر أو هيئات التحرير المتعاقبة على واحدة من أشهر المجلات العربية التي تعاقب على رئاستها نخبة من أبرز الإعلاميين السعوديين والعرب من بينهم عبد الكريم أبو النصر، الذي بدأ المشوار وقاد الانطلاقة باقتدار، وعثمان العمير وعبدالرحمن الراشد وهاني نقشبندي وعماد الدين أديب وعبد العزيز الخضر وعبدالوهاب الفايز وعادل الطريفي.
"المجلة" كانت أيضا محطة مهمة في المسيرة الصحافية لكتاب عرب أصبحوا من رموز الإعلام العربي من بينهم صالح القلاب وسمير عطا الله وفهمي هويدي وعبد اللطيف المناوي و أيمن الصياد ولطيفة الشعلان وجعفر عباس وعلي العميم وإلياس حرفوش وغيرهم كثر.
كما تشرفت "المجلة" أن أدباء كبارا كتبوا فيها فأثروها من بينهم نجيب محفوظ وإحسان عبد القدوس وبلند الحيدري والطيب صالح وأحلام مستغانمي.
معضلة إسم
16 فبراير 1980 لم يكن يوما عاديا.. كان يوم ميلاد ثامن الصحف والمطبوعات التابعة للشركة السعودية للأبحاث والتسويق.. اختير لها من الأسماء "المجلة".. لم يكن اختيار الإسم قرارا فوقيا من هشام ومحمد علي حافظ المؤسسين والناشرين لمجلة العرب الدولية، لكن كما كانت العادة عندما يتقرر إصدار مطبوعة جديدة يقوم جميع العاملين بإعداد قائمة بالأسماء المقترحة حتى يتم اختيار الاسم المناسب.
في أوائل العام 1979 وقع الاختيار على اسم "مجلة الشرق الأوسط" عن طريق الاقتراع السري، وعلى الرغم من بعض التحفظات على طول الاسم كونه يتضمن ثلاث كلمات إلا أن الإسم كانت أيضا له ميزات أهمها انه اسم اشتهر وأصبح له وقع في كل مكان من العالم، ما سوف يساعد على سرعة الانتشار وبالتالي الحصول على الإعلانات.
في يونيو من نفس العام وعندما تم إعلام مدير عام "تهامة" بقرار الشركة السعودية للأبحاث والتسويق إصدار مجلة أسبوعية سياسية إخبارية باسم "مجلة الشرق الأوسط"، كان الرفض قطعيا بسبب رفض "تهامة"، وهي صاحبة الامتياز لإعلانات جريدة "الشرق الأوسط" اليومية، صدور مطبوعة أخرى بنفس الاسم ومن ذات دار النشر.
عبدالكريم أبو النصر رئيس تحرير "المجلة" كان الوحيد الذي احتفظ بقائمة الأسماء المقترحة، قدمها هذه المرة من دون "اقتراع سري" بل مع اقتراح بحل وسط يرضي الناشر والمعلن. كان حلا "سحريا" وافق عليه الجميع. اقترح أبو النصر حذف الكلمة الأولى والأخيرة من الإسم ليصبح اسم المجلة "الشرق" مع الاحتفاظ بشعارها "مجلة العرب الدولية".
في أواخر شهر سبتمبر، اي بعد شهرين، من اعتماد الإسم صدرت في المنطقة الشرقية من المملكة العربية السعودية مجلة أسبوعية تحمل نفس الإسم "الشرق". كان لا بد من تغيير الإسم حتى لا يحدث ارتباك في التوزيع والاشتراكات في المملكة وتختلط الأمور على القراء.
كان أول رئيس تحرير للمجلة عبد الكريم أبو النصر مصرا على صدور المولود الجديد في أوائل عام 1980 كما كان مبرمجا وكان لا بد من حل. وجاء الحل بسيطا وعبقريا في آن.. اقترح هشام علي حافظ أن يتم إضافة ألف ولام التعريف ليصبح اسمها النهائي "المجلة"... وكانت تلك قصة البداية.
كانت الولادة صعبة ومكلفة، فلشهور عدة ظلت "جوف سكوير" حيث تقع مكاتب الشركة السعودية للأبحاث والتسويق بفليت ستريت في لندن تزخر بالحركة والنشاط. كانت هناك مجموعتا عمل، مهمة الأولى مواصلة إصدار جريدة "الشرق الأوسط" وتدقيمها للقراء العرب في كل مكان بأقل قدر من التوقف، أما مهمة المجموعة الثانية فكانت الاستعداد لإصدار "المجلة".
أكثر من ستة أشهر بالكمال والتمام، أي من أغسطس 1979 وحتى فبراير 1980، كان أبو النصر ومجموعته المختارة من الصحفيين سواء في لندن أو حول العالم يعملون بحماس وحيوية استعدادا للصدور الذي كان تحدد في البداية ليوم السبت 1 ربيع الأول 1400 هجرية الموافق 19 يناير 1980 ميلادية.
بعد "معضلة" الإسم تأخر الصدور شهرا كاملا. التأخير لم يكن للتحرير دخل فيه فقد كانت مواد العدد صفر الذي تم طبعه أكثر من جيدة بل ممتازة. كان الجميع مطمئنا على أن أجهزة التحرير في المركز الرئيس بلندن والمكاتب والمشاركين في شتى أنحاء العالم قادرة على تقديم "وجبة" أسبوعية مستمرة وجيدة ومفيدة.
من أسباب التأخير أن طباعة "المجلة" كانت في بريطانيا التي تعاظمت فيها في تلك الحقبة المشاكل التي تثيرها نقابات العمال في وجه الصناعات البريطانية وبينها مجال الطباعة. كان العدد صفر "الانجليزي" الطباعة كارثيا ولم تتردد الشركة في إعدامه. أعلنت "حالة الطوارئ" في مكاتب الشركة بلندن بحثا عن مطبعة داخل لندن أو حتى تبعد عنها مئات الأميال. كان الهدف في الأول تأمين الصدور الأسبوعي للمجلة في فترة كانت الاضرابات العمالية تعصف ببريطانيا لكن كان لا بد أيضا من الأخذ في الاعتبار جودة الطباعة وهذا ما تم فعلا بعد بحث وعناء.
بعد هذا المخاض العسير صدرت "المجلة" وقد استغرق الإعداد لها، تحريريا وفنيا وإداريا، أكثر من سنة وتمت طباعة أربعة أعداد تجريبية، وقد توفرت لها في حينها شبكة توزيع لم تتوفر قط لأية مجلة أو مطبوعة عربية، فمنذ اليوم الأول لصدورها كانت متواجدة في 35 دولة من دول العالم معتمدة سياسة تسير عليها كل مطبوعات الشركة... الاعتدال والبعد عن التطرف والوسطية.
خلال أعوامها الأولى واجهت "المجلة" حربا غير شريفة ومنذ اليوم الأول لصدورها. لكنها صمدت واستمرت حتى استطاعت أن تكسب ثقة غالبية قراء المجلات في البلاد العربية.
.. وتتواصل المسيرة
2013.. "المجلة" ما زالت على العهد وفية لقرائها، تطل عليهم ورقيا أول كل شهر في عدد حرصنا على أن يضم أبرز الكتاب عبر التحليلات العميقة والهادفة.
ولأن الزمن غير الزمن، أصبح للمجلة موقع إلكتروني بثلاث لغات هي العربية والانجليزية والفارسية.
ولأن القارئ غير القارئ اقتحمت المجلة عالم التقنيات والتكنولوجيات الحديثة فصار لها وجود بارز على الفايس بوك وتويتر. وهي مع كل ذلك تسعى أن تستمر على العهد.. عهد من أسس ومن قاد ومن ثبّت بجهده إسم "المجلة" لعقود من الزمن مرّت ومن يعمل اليوم لتستمر المسيرة لسنوات قادمة.
وكما قال الناشران هشام ومحمد علي حافظ في رسالتهما بمناسبة الذكرى الرابعة لصدور المجلة (فبراير 1983): "أنتم، أعزاءنا القراء، الأبطال الحقيقيون الذين كنتم وراء نجاح "المجلة" وصمودها واستمرارها وريادتها، فالقارئ في "المجلة" هو الأول دائما..".
وبعد أكثر من ثلث قرن نقول ما قاله المؤسسون من قبلنا: "القارئ في "المجلة" كان وسيبقى هو الأول دائما".