* محاضر فلسطيني في جامعة تل أبيب: المجتمع الفلسطيني داخل إسرائيل يريد علاقة مع العالم العربي وأن هذا هدف استراتيجي... وكل عربي يتمتع بثقافة عالية ومهارات كبيرة يرغب في الاندماج في السوق في أبوظبي أو دبي
* وزير الاستخبارات الإسرائيلي: كثير من الشركات التجارية الإسرائيلية بدأت تترجم نصوصها إلى اللغة العربية وتجهّز رجال اتصال كي يتوجهوا إلى هناك
* دخلت دبي إلى قائمة الدول للسفريات المنظمة خلال شهر سبتمبر الحالي وبأسعار تفوق أية دولة أخرى في مثل هذا الشهر... 1767 دولارا لستة أيام لكل فرد في غرفة زوجية
* سيكون نجاح الإسرائيليين كبيراً جداً من حيث عقد الصفقات الكبيرة والمتنوعة، فيما فلسطينيو 48، والكثير من بين الراغبين في توثيق العلاقات التجارية وإقامة المصالح المشتركة، يواجهون بعض الصعوبات في تحقيق آمالهم
* في سياق مقابلات«المجلة» مع داعمي الاتفاق، هناك من اعتبر أن فلسطينيي 48 خسروا فرصاً كثيرة في أن يكونوا الجسر الذي يصل بين إسرائيل والعالم العربي. وعليهم اليوم عدم فقدان الفرصة الجديدة في الدخول إلى سوق المنافسة
تل أبيب: لم ينتظر الإسرائيليون عودة الطائرة الأولى التي أقلعت إلى أبوظبي كمرحلة تمهيدية لتوقيع اتفاقية السلام بين إسرائيل والإمارات، حتى بدأت التداولات حول سبل تطوير العلاقات التجارية والمجالات الأكثر ربحا وإنعاشا للمستثمرين ورجال الأعمال لتحتل السياحة المكانة الأولى، في هذه المرحلة على الأقل.
سعادة لم يخفها الإسرائيليون إزاء ما اعتبروه تقدما سريعا للتوقيع على اتفاقية السلام وبدء تطبيقها على أرض الواقع. صحيح أن الاحتفالات لم تخرج إلى الشوارع ولم تظهر للعيان، ولم يعبر الإسرائيليون عن فرحة عارمة بهذا الاتفاق، لكنهم من دون أدنى شك متحمسون وعلى صعيد الشارع الإسرائيليون يتوقون إلى زيارة أبوظبي ودبي بشكل خاص.
المشاهد التي انعكست في إسرائيل بعد توقيع اتفاقيتي السلام مع مصر والأردن غابت عن حدث الاتفاقية مع الإمارات، ليس فقط لأن الاتفاقيتين السابقتين من دولتين خاضتا حربا مع إسرائيل وقريبتين من حدودها والسلام معهما جاء، أولا وقبل كل شيء، لضمان الأمن والأمان لإسرائيل والإسرائيليين، بل لأن هاتين الاتفاقيتين قادتا إسرائيل إلى خطوات لم تكن واردة على جدول الأعمال، بل كانت مدرجة ضمن المخاطر المحدقة بإسرائيل مثل الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية ومن ثم اتفاقية أوسلو وضمان أمن الحدود الشرقية وفي سيناء وغيرها.
هذه المرة، على الرغم من أن رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو سيسجلها إنجازا كبيرا في إرث تاريخه السياسي، مع دولة من شأنها أن تحقق لإسرائيل سلسلة اتفاقيات أخرى مع دول عربية، حلم بها رؤساء حكومات إسرائيل منذ أربعين سنة، على الأقل.
فعندما أقلعت الطائرة الإسرائيلية نحو أبوظبي كانت الشوارع الإسرائيلية، وبدل أن تمتلئ بمظاهر الفرح والاحتفالات تضج بالمتظاهرين الداعين إلى انقاذ إسرائيل من أزمتها السياسية والاقتصادية والصارخين ضد رئيس حكومتها.
نيويورك العرب
الإسرائيليون، وبعد نجاح مهمة أول وفد هبطت طائرته في أبوظبي مطمئنون ومتحمسون لهذا السلام والانطباعات الإيجابية التي تصلهم عبر الصحافيين الإسرائيليين، الذين رافقوا الوفد، أو الذين يتواجدون في الإمارات منذ الإعلان عن الاتفاقية ويزودون الرأي العام، يوميا، بمعلومات جديدة.
واذا كانت الانطباعات الإيجابية التي تصل لإسرائيل عبر وسائل الإعلام تقتصر على فتح آفاق التعاون الاقتصادي والسياحي بين البلدين، فإن المسؤولين في الوفد الإسرائيلي الرسمي نجحوا في إظهار عصر حديث بانتظار إسرائيل بعد هذه الاتفاقية. واختاروا الجوانب الأكثر جاذبية لعكس أهمية هذه الاتفاقية وأبعادها. وعندما يصف المدير العام لوزارة الخارجية، ألون أوشفيز، دبي بـ«نيويورك العرب»، فهذا لوحده كان كافيا ليعكس الآفاق الإسرائيلية ونظرتهم إلى هذا السلام.
«نيويورك العرب» يعني الجمال والتطور والازدهار والمشاهد والحياة التي يتوق إليها الإسرائيليون. مثل هذا الوصف كان بمثابة حملة دعائية لمكاتب السياحة، ففي اليوم التالي دخلت دبي إلى قائمة الدول للسفريات المنظمة خلال شهر سبتمبر (أيلول) وبأسعار تفوق أية دولة أخرى في مثل هذا الشهر، 1767 دولارا لستة أيام لكل فرد في غرفة زوجية. ومن بعدها ارتفع النشر والترويج لهذه السفريات.
ولكن في مقابل هذا هناك جانب آخر لمن بدأ يحزم حقائبه للسفر إلى دبي. فقد جاء ضمن أحد التقارير الذي اهتم بكشف جوانب غير مرئية من هذه الاتفاقية «على الإسرائيليين أن يعدوا فروضهم البيتية قبيل الزيارة إلى الإمارات. فرغم الحر الشديد، لن يسير الرجال ببناطيل قصيرة وبأحذية منزلية، وستكون النساء مطالبات، برقة، بالامتناع عن التنانير القصيرة وعن كشف أجسادهن بشكل كبير. كما ينبغي أن نتعلم آداب الضيافة. كل شيء بمعيار، كل شيء ببطء أشد. بادئ ذي بدء فلنكسب ثقة الإماراتيين الذين في معظمهم لم يروا الإسرائيليين حتى الان».
لا حاجة للانخراط
في مقابل ما يراه هذا التقرير الإسرائيلي، هناك من أسهب في الحديث عن كيفية التعامل مع بدء وصول الإسرائيليين إلى الإمارات. دان شيفتين، الذي خصص نقاشه للموضوع حول نظرة العرب عموما، والإماراتيين بشكل خاص للإسرائيليين تناول الموضوع من أكثر من جانب فقال: «العرب كأفراد يمكن ان يكونوا مثيرين للانطباع، ولكن في التيار المركزي للمجتمعات العربية، التي فشلت في التصدي لتحديات القرن الحادي والعشرين، ليس للمجتمع الذي نجح في ذلك التحدي ما يبحث في العالم العربي عنه. ليس صدفة أن قلة في إسرائيل فقط يريدون أن يتعلموا العربية ومعظمهم ينسونها بسرعة، ولا يستخدمون اللغة»، ويضيف شيفتين «الإمارات تعرض على إسرائيل صيغة أخرى: لا الانخراط، بل مصالح مشتركة، استراتيجية واقتصادية، وإشباع لحب الاستطلاع المتبادل، مع مجتمع يحاول الانخراط في العالم الحديث، في ظل الحفاظ على قيمه. هذا صحي وطبيعي».
وفي تحذير من جانب آخر بعد الاندفاع الإسرائيلي نحو الاستعداد للسفر إلى الإمارات «تطبيع التقاء المصالح. نعم، بسرور. دون انخراط لا يريده أحد حقا، ودون تشويشات عقول عن (أخوة الشعوب). دون مشاعر سطحية، دون حمائم سلام تطير على أنغام قصائد الغزل وغيرها».
نتنياهو في بث مباشر
بنيامين نتنياهو، كعادته نجح في جذب الأنظار إليه عندما خرج في بث مباشر للإسرائيليين وهو يتحدث مع الوفد لحظة هبوط الطائرة في الإمارات، بفرح عارم، وطمأن التواقين لبدء تنفيذ هذا السلام على الأرض من الإسرائيليين بأن الطائرة الإماراتية ستهبط قريبا في تل أبيب والبساط الأحمر سيمتد لاستقبالهم.
ولكن الأهم من هذا بالنسبة لنتنياهو أن وصول أول وفد إلى الإمارات سيسرع وصوله إلى واشنطن للتوقيع على اتفاقية السلام «سيكون سلاما حارا. ليس لأنه حار هناك بل لأن السلام يقوم على أساس التعاون في المجال الاقتصادي. يوجد في الإمارات اقتصاد عظيم يبحث عن آفاق استثمار. هذا سلام يخلق فرص عمل، يشجع المبادرات الاقتصادية ويوسع اقتصادنا».
قافلة جوية تحمل إسرائيليين
في ذورة النشوة الإسرائيلية في أعقاب فتح الأجواء للطيران بين البلدين، بعد هبوط أول طائرة إسرائيلية في أبوظبي، تعجل وزير الاستخبارات، إيلي كوهين، للتعبير عن فرحته، قائلا: «يوجد تأثر كبير جدا. وبرأيي، لو كان مطار بن غوريون مفتوحا، لسارت قافلة جوية تحمل إسرائيليين من هنا إلى دبي، وكنا سنعود إلى عهد (سفر الإسرائيليين المكثف إلى) تركيا. هناك استعداد كبير جدا في أوساط رجال الأعمال، وهم يرون إمكانيات كبيرة جدا. فنحن نتحدث عن دولة هي الاقتصاد الثلاثين الأكبر في العالم».
واستكمالا لمشاعر إنجازات إسرائيل من هذه الاتفاقية، أضاف كوهين: «التوقعات أن يكون حجم التبادل التجاري بين إسرائيل والإمارات ملياري دولار في كل اتجاه، وتوفير 15 ألف فرصة عمل، إضافة إلى الاستثمارات بين الدولتين. لا شك أننا سنرى هنا إماراتيين يأتون من أجل الاستثمار في إسرائيل، وإسرائيليين يخططون للاستثمار في أبو ظبي ودبي. ولذلك، نحن لا نتحدث فقط عن اتفاق سلام وسفارات، وإنما عن اتفاق هام مع أعمال وسياحة وعلاقات».
وأشار الوزير الإسرائيلي إلى أن العديد من الشركات التجارية بدأت تترجم نصوصها إلى اللغة العربية وتجهزّ رجال اتصال كي يتوجهوا إلى هناك.
فلسطينيو 48... ما بين قضية شعبهم ودمجهم في السوق التجارية
في الوقت الذي أظهر التقدم نحو توقيع اتفاقية السلام مع الإمارات، بعد هبوط طائرة الوفد الإسرائيلي في أبوظبي، دعما إسرائيليا واسعا للاتفاقية، بدت المواقف مختلفة بين فلسطينيي 48، الذين يشكلون 20 في المائة من سكان إسرائيل.
وجميعهم من مؤيدين ومعارضين للاتفاقية، سافروا إلى مصر والأردن، على الرغم من أن الشارعين الأردني والمصري رفضا في المجمل اتفاقية السلام بين بلده وإسرائيل.
المؤيدون والمعارضون، لم يسافروا فقط لمجرد التنزه في الأردن ومصر، بل شاركوا في مؤتمرات ولهم علاقات وثيقة مع المستوى السياسي لكل من البلدين العربيين، ويدرس في الجامعات الأردنية آلاف الطلاب من فلسطينيي 48، بل إن الأحزاب العربية الوطنية تحصل على منح تعليمية من الحكومة الأردنية في عدد من المجالات الأكاديمية.
هذا الوضع يعكس موقفا يؤكد أن تعامل أي اتفاقية سلام مع القضية الفلسطينية هو الذي سيحسم موقف هذه الشريحة الفلسطينية، التي تعتبر نفسها جزءا لا يتجزأ من الشعب الفلسطيني. أما موضوع تعهد إسرائيل بوقف الضم فهذا جانب لم يقنع الغالبية العظمى منهم.
محمد بركة، رئيس لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية، يؤكد أن المطلب المركزي لمعظم الجماهير العربية هو الالتزام بالمبادرة العربية للسلام؛ «القضية الفلسطينية هي قضية الشعب الفلسطيني. لا نطلب من أحد أن يناضل مكاننا ولكن نتوقع أن يكون العالم العربي، على الأقل، ملتزما بالمبادرة العربية للسلام»، بحسب بركة.
الإسرائيليون يدركون هذا الموقف جيدا ولكن في تغطيتهم الإعلامية، بعد هبوط أول طائرة إسرائيلية في أبوظبي، حرصوا على تناول موقف هذه الشريحة الفلسطينية بالتركيز على الداعمين من بينهم للاتفاقية.
أما المعارضون فاكتفوا بمواقف شباب غير منتمين لأحزاب سياسية.
أحد التقارير أبرز في مقابلات مع شباب وشابات من بين فلسطينيي 48 موقفهم من أن هذه الاتفاقية لن تجلب شيئا جديدا للشعب الفلسطيني. وهناك من تحدث عن انتماء وطني وقضية فلسطينية عادلة.
أما الجانب الآخر والأبرز في التقرير فركز على داعمي هذه الاتفاقية:
- سامي ميعاري، محاضر في جامعة تل أبيب، يرى أن المجتمع الفلسطيني داخل إسرائيل يريد علاقة مع العالم العربي وأن هذا هدف استراتيجي. وبرأيه «كل عربي يتمتع بثقافة عالية ومهارات كبيرة يرغب في الاندماج في السوق في أبوظبي أو دبي». وأضاف يقول: «التحديات التي نتحدث عنها في الإمارات، عمليا، أقل من التحديات الموجودة في إسرائيل».
عندما سأله المراسل الإسرائيلي: كيف ينظرون إليك في الخليج، كأحد الإسرائيليين الذين يحملون هوية إسرائيلية، ومن جهة ثانية فلسطيني عربي ويتحدث العربية. كيف يستوعبونك؟
فرد قائلا: «منذ عام 94 حيث شوهدت قنوات (الجزيرة) و(إم بي سي) بات واضحا هناك من نحن. يعرفون عنا الكثير ولدى العالم العربي معلومات كثيرة عن العرب الفلسطينيين، الذين يعيشون في إسرائيل (فلسطينيي 48) وعن الواقع الذي يعيشونه. أعتقد أنهم ينظرون إلينا كجزء من العالم العربي».
في سياق المقابلات مع داعمي الاتفاق، هناك من اعتبر أن فلسطينيي 48 خسروا فرصاً كثيرة في أن يكونوا الجسر الذي يصل بين إسرائيل والعالم العربي. وعليهم اليوم عدم فقدان الفرصة الجديدة في الدخول إلى سوق المنافسة «نحن ندخل إلى سوق منافسة مع إمكانيات كثيرة. هناك طلب مستمر لمجالات عدة يمكننا المنافسة بها مثل المجال التكنولوجي، هندسة وتطوير البرامج، تطوير الأجهزة».
من جهة أخرى يرون أن فلسطينيي 48 خسروا لعدم الحسم في النقاش حول المواطنة من جهة والقومية من جهة ثانية، وهو ما أبقى هذه الشريحة الفلسطينية مهمشة، بغض النظر عن نسبة المؤيدين والمعارضين بين الإسرائيليين، وبغض النظر عن نسبة المؤيدين والمعارضين بين فلسطينييي 48.
الواضح أن هذه الاتفاقية في طريقها للتوقيع خلال وقت قصير، وستفتح آفاقا اقتصادية وتجارية بين البلدين، سيكون نجاح الإسرائيليين كبيرا جدا من حيث عقد الصفقات الكبيرة والمتنوعة، فيما فلسطينيو 48، والكثير من بين الراغبين في توثيق العلاقات التجارية وإقامة المصالح المشتركة، يواجهون بعض الصعوبات في تحقيق آمالهم.