* المناخ يتغير منذ ملايين السنين من خلال دورات طبيعية ولا دخل للنشاط الإنساني والاقتصادي بالاحتباس الحراري
* تنويع الاقتصاد ومصادر الطاقة، يقع في صلب الرؤية السعودية للمستقبل
جدة: أواسط يونيو (حزيران) من عام 2019، استضاف وادي الظهران للتقنية، وهو شركة الاقتصاد المعرفي المملوكة بالكامل لجامعة الملك فهد للبترول والمعادن بالمنطقة الشرقية، أول محطة تجريبية لتزويد السيارات بوقود الهيدروجين المستخرج من النفط بالتعاون مع شركة «أير برودكتس»الأميركية. وذكر الرئيس التنفيذي لـشركة«أرامكو السعودية»، المهندس أمين الناصر، الذي دشن المحطة أن افتتاح المحطة خطوة مهمة للتوسع في استخدامات النفط والغاز، كمصدر لاستخراج الهيدروجين، واستخدامه وقودًا في وسائل النقل والمواصلات المستدامة ذات الأثر البيئي النظيف.
وبعدها بعام تقريبًا، وبالتحديد في يوليو (تموز) الماضي، وقع تحالف «أير برودكتس»الأميركية و«أكوا باور»السعودية مع شركة نيوم، اتفاق شراكة ثلاثية بقيمة 5 مليارات دولار؛ لبناء أكبر منشأة في العالم تعمل بالطاقة المتجددة من الرياح وأشعة الشمس من أجل إنتاج وقود الهيدروجين الأخضر عبر تحويله إلى مادة الأمونيا لتسهيل شحنه ونقله وتصديره. ومن المقرر أن تستضيف منطقة نيوم، شمال غربي المملكة، المنشأة الجديدة، بطاقة إنتاجية تبلغ 650 طنًا من الهيدروجين الأخضر يوميًا.
يشكل هذان الحدثان اللذان يفصل بينهما عام واحد فقط، تحولاً سعوديًا جوهريًا في النظر إلى منظومة إنتاج الطاقة واستخداماتها عبر تبني وقود الهيدروجين، بنوعيه الأحفوري والنظيف. وفيما يتجه العالم، ومعه السعودية، نحو تبني الطاقة المتجددة لتخفيف الانبعاثات الضارة بالبيئة، هناك أصوات سعودية تتحفظ على تحميل صناعة النفط مسؤولية الاحتباس الحراري لأسباب وجيهة، أهمها وأعلاها صوت أحد أبرز محللي وصناع مشهد الطاقة السعودي، الدكتور محمد الصبان، المستشار وخبير النفط العالمي، لكنه في الوقت ذاته من مؤيدي تعزيز تنوع منظومة الطاقة السعودية بالمصادر النظيفة والمتجددة.
مصادر وقود الهيدروجين واستخداماته
يقول موقع إدارة معلومات الطاقة الأميركي إن وقود الهيدروجين يمكن استخراجه بعدة طرق عبر فصل ذرات الهيدروجين عن مصادر الطاقة الهيدروكربونية (الأحفورية) مثل النفط والغاز والفحم، وينتج لدينا هنا وقود «الهيدروجين العادي»، أو التحليل الكهربائي للماء (H2O) باستخدام مصادر متجددة للطاقة، عبر فصل ذرات الهيدروجين عن الأكسجين لينتج لدينا وقود «الهيدروجين الأخضر». وهناك طريقة أخرى تستخدم فيها الكتلة الحيوية (biomass) لاستخراج الهيدروجين من مصادر عضوية مثل النباتات وغيرها.
ويستخدم وقود الهيدروجين العادي أو الأخضر كمصدر طاقة لتشغيل وتحريك وسائل النقل عبر الهيدروجين المضغوط الموجود في محطات التزود بالوقود. ويتميز هذا الوقود بأنه نظيف، أي إنه لا يصدر غاز ثاني أكسيد الكربون. كل ما ينتج عن ذلك الوقود هو الماء فقط، وذلك عندما تتحد خلايا وقود الهيدروجين مع الأكسجين لإحداث الاحتراق اللازم لتوليد الطاقة الكهربائية اللازمة لتشغيل المحركات.
نيوم والهيدروجين الأخضر
عند السؤال عن أهمية اختيار منطقة نيوم لتكون مقر المنشأة الأكبر عالميًا لإنتاج وقود الهيدروجين الأخضر، يوضح الدكتور محمد الصبان ذلك بقوله: «كلنا يعرف أن نيوم هي مدينة جديدة، تمتلك إمكانيات كبيرة، وهي مطلة على شواطئ البحر الأحمر، ومحاذية لكل من مصر والأردن وقريبة من الأسواق العالمية».
أما مصدر التيار الكهربائي المستخدم في الإنتاج، فيشرحه بالقول: «يستدعي إنتاج وقود الهيدروجين الأخضر، استخدام الطاقة الشمسية وطاقة الرياح لتحقيق فصل الأكسجين عن الهيدروجين من ذرات الماء، وبالتالي الاستفادة من الهيدروجين كوقود نظيف».
وتتمتع منطقة نيوم بمناخ، يتيح لها وفرة في مصادر الطاقة المتجددة، بفضل إشعاعات الشمس القوية معظم أوقات العام، إلى جانب حركة نشيطة وسرعات مناسبة للرياح.
الجدوى والمكاسب
يؤكد الدكتور الصبان الفائدة الأساسية من اتفاق الاستثمار الضخم في نيوم لإنتاج الوقود الهيدروجيني الأخضر، بقوله: «إنتاج الهيدروجين الأخضر، سيؤدي إلى التوسع تدريجيًا في تعزيز منظومة الطاقة المتجددة. لذلك، فإن المملكة من خلال هذا الاستثمار ستكون رائدة، ليس فقط في تصدير النفط والغاز، وإنما أيضاً تصدير منتجات الطاقة المتجددة بعد تلبية احتياجات السوق المحلية».
ويباع الكيلوغرام الواحد من الهيدروجين حالياً في أميركا بسعر 13-16 دولارًا، فيما يتوقع المختبر الوطني للطاقة المتجددة في الولايات المتحدة أن ينخفض السعر إلى 8-10 دولارات للكيلوغرام (الكيلوغرام يزن لتراً) في غضون الأعوام الخمسة المقبلة. وعلى سبيل المقارنة، يوضح موقع وزارة الطاقة الأميركية أن الطاقة الموجودة في كيلوغرام واحد من الهيدروجين تعادل الطاقة الموجودة في جالون واحد من البنزين (نحو 3.8 لترات)، علمًا بأن الجالون الواحد يباع هذه الأيام بسعر 2.2 دولار كسعر وسطي في مختلف الولايات المتحدة الأميركية!
كما تحتاج السيارة الهيدروجينية لقطع مسافة 100 كيلومتر بين 800 غرام إلى كيلوغرام واحد. أما سيارات البنزين، فإنها تستهلك 5-6 لترات لقطع 100 كيلومتر!
وقبل 15 عامًا، كان سعر وقود الهيدروجين أغلى بنحو 70 في المائة مما هو عليه الآن. لكن، مع تزايد الأبحاث وأساليب الإنتاج، فإن التكلفة آخذة في الانخفاض.
إن ما تفعله المملكة من الدخول إلى إنتاج وقود الهيدروجين هو نوع من الاستعداد للمستقبل عبر تهيئة البنية التحتية اللازمة لهذه الصناعة والمنافسة فيها على المدى الطويل. وفي هذا السياق المستقبلي، يعلق الصبان بقوله: «الاستثمار في الهيدروجين الأخضر مجدٍ اقتصاديًا، وتخزينه في الأمونيا، سيؤدي إلى إطلاق طاقة الهيدروجين واستخدامه في قطاع النقل».
إشكالية الاحتباس الحراري
عمل الدكتور محمد الصبان في أعلى سلم الهرم النفطي السعودي لسنوات طويلة كمستشار في وزارة البترول والثروة المعدنية (قبل تحولها إلى وزارة الطاقة). كما ترأس وفد المملكة في محادثات الأمم المتحدة بشأن المناخ بمنصب كبير المفاوضين خلال العقود الماضية. ويمتلك الصبان وجهة نظر مخالفة لما يتم تداوله منذ عشرات السنين حول مسؤولية النفط المباشرة عن الاحتباس الحراري بسبب الغازات الدفيئة، بل إنه يتجاوز ذلك باعتباره تحيّزًا غربيًا تجاه الدول المنتجة للنفط بشكل رئيسي، وبخاصة المملكة.
وفي أكثر من مناسبة، وصف الصبان الاحتباس الحراري بأنه كذبة محضة، شارحًا وجهة نظره بالقول: «إن المناخ يتغير منذ ملايين السنين من خلال دورات طبيعية لا دخل للنشاط الإنساني فيها. هناك عصور جليدية مرت وهناك عصور حرارية، كلها طبيعية. ليس للنشاط الاقتصادي أو الإنساني أي دور فيها»، مؤكدًا على «عدم ثبوت مسؤولية النفط علمياً».
ويشعر أن وجهة نظره تنتصر أكثر وأكثر، مدللاً على انسحاب الولايات المتحدة من محادثات باريس للمناخ عام 2017 بسبب اقتناع الإدارة الأميركية بأضرارها الجمة على الاقتصاد وعدم صحة ما يقال حول الاحتباس الحراري، وأنه مجرد بروباغندا من الدول الصناعية المستهلكة للنفط.
كما أنه دائم التحذير من أن إجراءات مكافحة الاحتباس الحراري، تضر باقتصادات الخليج العربي، وقد تؤدي إلى تراجع الناتج الإجمالي المحلي في هذه الدول.
ويضيف الصبان: «لا بد لمفاوضينا في هذا المجال من أن يواجهوا الحجة بالحجة»، إلا أن ذلك لا يعني أبدًا عدم أهمية تنويع مصادر الطاقة المتجددة، حيث يقول: «في جميع الأحوال، العالم مقبل على مصادر الطاقة المتجددة. نأخذ في الاعتبار مجاراة العالم أو كبار الدول المستهلكة للنفط؛ لتحقيق التنوع في مصادر الطاقة وتقليص الاعتماد على مصادر الطاقة الأحفورية، وبالذات النفط، كمورد أساسي للاقتصاد».
تحيّز غربي
يعتبر خبير شؤون الطاقة الدكتور محمد الصبان أن هناك تحيّزًا غربيًا من الدول المستهلكة للنفط، وأنه انتقائي لا يشمل الفحم، مثلًا، رغم شدة تلويثه للمناخ، ويفصل ذلك بالقول: «تتبع الدول الصناعية غير النفطية، سياسات ضريبية متحيزة ضد النفط من خلال تقديم إعانات لمصادر الطاقة الأحفورية الأخرى مثل الفحم والغاز الطبيعي».
ويضيف: «الفحم يبعث غازات أكثر بكثير من تلك الصادرة عن النفط. ونظراً لتوفر الفحم في الدول المستهلكة، وبالذات الغربية منها، هناك تحيز كبير في تقديم الإعانات لتلك الدول، وابتكار ضرائب جديدة على الكربون بدعوى حماية البيئة، وكلها تتركز على المنتجات النفطية ومشتقاتها دون غيرها!».
الطاقة ورؤية المملكة 2030
تنويع الاقتصاد ومصادر الطاقة، يقع في صلب الرؤية السعودية للمستقبل. ويعطي الصبان شرحًا عن اتجاهين لتكامل منظومة الطاقة السعودية في العهد الجديد بقوله: «لدينا التكامل الرأسي، الذي تحققه أرامكو السعودية من خلال زيادة القيمة المضافة واستخدام النفط الخام لإنتاج البتروكيماويات والمزيد من المنتجات المكررة. أما الاتجاه الموازي، فهو التكامل الأفقي عبر التركيز على مصادر الطاقة المتجددة، مما يؤدي لزيادة القيمة المضافة من مصادر الطاقة النظيفة، والتنويع في مصادر الطاقة ككل».