* النقطة الأهم مع تنامي فكرة السلام وتعميمها، تكمن في قبول فكرة دولة إسرائيل من قبل محيطها، لتضعف مع الوقت مشاعر الكراهية بين اليهود ومحيطهم، وتنخفض بالتالي المشاعر المعادية للسامية لتنتشر مكانها أفكار التعاون والسلام
ربما أكثر ما ضر القضية الفلسطينية كان تعريبها، وجعلها قضية دينية بامتياز. أما تعريبها فجعل منها رهينة الانقسامات العربية وتجاذبات قادتها، بينما إلباسها زياً دينياً فجعلها رهينة النظام الإيراني وميليشياته في المنطقة. سعت بعض الأنظمة العربية منذ عام «النكبة»إلى السيطرة على القرار الفلسطيني، إذ رأت فرصة لتعزيز دورها الإقليمي والتفاوض باسم الفلسطينيين وفرض خياراتهم على شعوبها المشتتة في مخيمات بعض تلك البلدان. في البال سوريا حافظ الأسد، وليبيا معمر القذافي، وعراق صدام حسين.
أما إيران فجعلت من القضية الفلسطينية قضية دينية وقضية مواجهة بين الإسلام واليهود؛ ليصبح عنوان الصراع الصلاة في القدس وتدمير إسرائيل... إطلاق يوم القدس في إيران مثلا لم يكن سوى شعار من دون أية تداعيات عملية في اتجاه تدمير إسرائيل، أو تحرير القدس، بينما النظام كان يعمل على تسليح ميليشياته في البلدان ذات الوجود الشيعي، تمهيدا للسيطرة عليها. لبنان قد يكون أنجح اختبارات للقيادة الإيرانية يليه العراق وجزء من سوريا اليوم في جمع الشيعة أو أغلبيتهم تحت لواء ولاية الفقيه من خلال تقديم تحفيزات ومساعدات على خلفية آيديولوجية خدمة لاستراتيجية إيران التوسعية.
طبعا هذا الاستغلال للقضية الفلسطينية لم يكن ممكنا لولا إضعافها بشكل أساسي في ثمانينات القرن الماضي من قبل من استغلها لمصلحته الشخصية ولولا فشل اتفاق أوسلو لاحقا.
مع سقوط الأنظمة العربية؛ كما في سوريا مثلا، والعراق، أصبح استغلال تلك الأنظمة للقضية ضعيفا جدا لانشغالاتها في صراعاتها الداخلية، ولكن هذا أعطى إيران تقريبا الحصرية في «الدفاع»عن القضية الفلسطينية نيابة عن الفلسطينيين وبأكثر من لسان عربي بينهم حماس طبعا وحزب الله الذي صار معه الصراع العربي الإسرائيلي وتحرير القدس محوريا. إيران وميليشياتها استعملت القضية الفلسطينية لمهاجمة الدول العربية واتهامها بالتقاعس في الدفاع عن حقوق «الأمة»وشرعت في تمويل القوى المعادية لحكام الخليج لاسيما تلك الراديكالية.
ترافقت هذه الاحداث مع انتخاب ترامب وإعادة التوازن إلى علاقات أميركا بحلفائها التقليديين كإسرائيل والمملكة العربية السعودية والإمارات. ولكن مع استعارة مواجهة إيران المفتوحة مع دول الخليج. أصبح للأشياء معانٍ أخر. اقتصاد دول الخليج أصبح في خطر، خاصة بعد مهاجمة مصافي أرامكو وتهديد الملاحة في مضيق هرمز ودعم الملالي للحوثيين، وبالتالي أصبحت حمايته أولوية مطلقة. هذا كله لعب دوراً في التقارب الإسرائيلي الإماراتي وصولا إلى السلام بين البلدين وما ستليه من اتفاقات مع البحرين وعمان والسودان وربما المملكة العربية السعودية.
ستترتب على هذا الاتفاق التاريخي نتائج على المنطقة، طبعا منها وضع إسرائيل على حدود إيران، خاصة وأن التعاون العسكري بين البلدين الذي بدأ مع الحرب في اليمن سيتواصل حتما لحماية أمن البلدين الاستراتيجي من الخطر الإيراني الذي ما إن أعلن عن توقيع الاتفاق بين إسرائيل والإمارات حتى وقع في فخ تهديد الإمارات بعواقب سيئة. هذا من المؤكد سيسرع من وتيرة التعاون الأمني والعسكري بين البلدين. وهذا الأمر سينسحب طبعا على الدول المتوقع أن تحذو حذو الإمارات كالبحرين وعمان. إذن إيران محاصرة.
ثانيا: ستكون لهذا الاتفاق نتائج اقتصادية، خاصة في مجال التكنولوجيا. فالمعروف أن الإمارات تستثمر في هذا المجال، وكان آخر إنجازاتها انطلاق أول مهمة فضائية عربية مع مسبار «الأمل»لاستكشاف كوكب المريخ، وإسرائيل تعتبر رائدة هي الأخرى في مجال التكنولوجيا، مما سيفتح آفاقا وسوقاً جديدة للبلدين.
أما النقطة الأهم مع تنامي فكرة السلام وتعميمها، فتكمن في قبول فكرة دولة إسرائيل من قبل محيطها لتضعف مع الوقت مشاعر الكراهية بين اليهود ومحيطهم وتنخفض بالتالي المشاعر المعادية للسامية لتنتشر مكانها أفكار التعاون والسلام، وبذلك تخسر القضية الدينية من زخمها ويخسر أنصار الحروب والقتل من زخمهم، لتعود القضية الفلسطينية قضية سياسية بين شعبين وبلدين. ربما ساعتها يمكن التوصل إلى اتفاق سلام عادل للفلسطينيين كما يرونه ويريدونه من دون تدخل إلهي آت من إيران.