ربما تسببت الظروف السياسية أن يختلف رئيس لجنة الحوار الرئاسي ونائب رئيس الجمهورية السابق المستشار محمود مكي، عن من سلفه في تولي رئاسة البعثة الدبلوماسية لمصر في دولة الفاتيكان، حتى باتت هوية سفير مصر المقبل في أصغر دولة في العالم، محط أنظار كل القوى السياسية، ووسائل الإعلام كافة، وكانت ترشيحات رئيس الجمهورية للسفراء في ما مضى، تجري في سرية تامة قبل الاعلان عن أسماء السفراء الجدد في الصحف الرسمية، ولكن مع قيام 25 ثورة يناير، لم يكن من الغريب أن تتغير كل قواعد اللعبة السياسية في مصر، مادام كل شيء يدور في فلك الديمقراطية.
أصغر دولة في العالم
أصدرت رئاسة الجمهورية قرارا الخميس الماضي بترشيح المستشار محمود مكي نائب رئيس الجمهورية السابق، سفيرا لمصر لدى الفاتيكان التي تبلغ مساحتها 0.44 كم مربع، ويقارب عدد سكانها 800 نسمة فقط. وسبق للرئيس مرسي ترشيح النائب العام السابق عبد المجيد محمود للمنصب ذاته قبل أن يعتذر عنه، كما أن الخارجية سبق لها أن رشحت السفير اسماعيل خيرت، إلا ان الفاتيكان رفضت الترشيح.
وقال السفير أحمد البديوي مساعد وزير الخارجية مدير إدارة السلك الدبلوماسي في تصريح له "إن القانون يعطي لرئيس الجمهورية الحق في ترشيح من يراه للعمل كسفير لمصر بالخارج، حتى لو لم يكن من أعضاء السلك الدبلوماسي "منوها بأن الخارجية تلقت خطابا بذلك، وأنها تجهز حاليا ملفا كاملا يضم أوراق ترشيح المستشار مكي لإرساله للفاتيكان.
أخونة الخارجية
وأعلنت قوى سياسية وشخصيات عامة عبر وسائل الاعلام التقليدية ومواقع التواصل الاجتماعي، عن رفضها التام أن يكون منصب السفير من خارج أعضاء السلك الدبلوماسي، وحذرت من الزج باسماء للمجاملة وتغير هيكلة الدبلوماسية المصرية وأخونتها.
وسخرت بعض الشخصيات العامة من ترشيح الرئيس مرسي للمستشار مكي لمنصب السفير، حيث تساءل الدكتور عز الدين شكري فشير، أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الأميركية، قائلاً: «لماذا عُين مكي سفيرًا؟، ألديه ما يؤهله لعمل السفير، أم أن الرئاسة ترى في هذا الموقع محض مكافأة؟ وإن كان هكذا أليس الشعب أولى بأمواله؟». وقال حافظ أبوسعدة، رئيس المنظمة المصرية لحقوق الإنسان، إن نائب الرئيس سفيرنا في الفاتيكان، "السؤال هو ليه التعيين في المناصب للمجاملة والأهل والعشيرة".
واعتبر الناشط السياسي، الدكتور ممدوح حمزة، في تغريدة على تويتر تعيين مكي بداية لأخونة دولة الفاتيكان، مبينا "بدء أخونة الفاتيكان، بتعيين المستشار محمود مكى سفيرًا هناك". فيما سخر حسام بهجت، رئيس المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، من تعيين مكي، في تغريدة قائلًا: "محمود مكي، زي عبد المجيد محمود، مبيعرفوش أنجليزي ولا إيطالي، أنا لو مكان البابا أقطع العلاقات"، ورفض القيادي السابق بحركة 6 أبريل، عبد الرحمن عز، تعيين المستشار مكي، سفيرًا بالفاتيكان، مؤكدًا أن مصر تحتاج لأمثاله في ذلك الوقت.
[caption id="attachment_55241854" align="alignleft" width="300"] المستشار مكي يؤدي الصلاة الى جوار الرئيس مرسي وهشام قنديل رئيس الحكومة[/caption]
من جهة ثانية يجمع قطاع كبير من الشعب المصري على أن المستشار محمود مكي يتمتع بالنزاهة والحيادية مما جعله يحظى بشعبية وثقة لدى الشعب، حتى أن مظاهرات طالبت بعد ثورة 25 يناير بتعيينه محافظًا للإسكندرية، وقال المحتجون إن هذا الرجل شخصية مستقلة وتاريخه غير ملوث. كما أن صحفا مصرية لم تتردد في وصفه بعد أن اختاره الرئيس مرسي نائبا له بأنه مناضل بدرجة نائب الرئيس. وتشير صحف مصرية إلى أن المستشار محمود مكي يحظى خصوصا بثقة جماعة الاخوان مؤكدة أنه رفض عرضا قدمته له الجماعة للترشح في انتخابات رئاسة الجمهورية قبل اختيار مرسي ليكون مرشحها.
أول نائب مدني
يعد المستشار محمود مكي المكلف من رئيس الجمهورية بإدارة الحوار الوطني مع قوى المعارضة حاليا، أول نائب مدني لرئيس الجمهورية قبل ان يتقدم باستقالته من منصبه ليلة التصويت النهائي على مسودة الدستور احترامًا للإرادة الشعبية التي ادلت بأصواتها على دستور لا يوجد به منصب نائب لرئيس الجمهورية - بحسب ما صرح به المتحدث الرسمي باسم رئاسة الجمهورية - بينما أرجع محمود مكي، استقالته التي اعلنها مساء السبت 22 ديسمبر(كانون الاول) 2012 إلى أنه أدرك منذ فترة أن العمل السياسي لا يناسب تكوينه كقاضٍ، مضيفًا أنه متمسك بالاستمرار في قيم الحرية والعدالة والتجرد والحيدة.
وقال المستشار مكي، في بيان إنه تقدم بالاستقالة في 7 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، غير أن الظروف لم تسمح بقبولها بسبب العدوان على غزة، ثم مؤتمر دول الثماني، ثم الإعلان الدستوري وقانون حماية الثورة الذي صدر خلال سفره في باكستان. وأضاف نائب رئيس الجمهورية السابق، أنه كان له دور كبير في إدارة جلسات الحوار الوطني، مشيرًا إلى أنه كان حريصًا على التواصل مع كافة القوى السياسية على الساحة المصرية بهدف إزالة حدة الاحتقان من المشهد السياسي الحالي، لافتًا إلى أنه قام بمعاونة رئيس الجمهورية بمراجعة وصياغة القرارات الضرورية لاتمام عملية الاستفتاء التي أكد أنها خطوة في سبيل استقرار الوطن. وقال مكي إنه دافع عن حق المواطن في أن يقول رأيه في ظل إشراف قضائي كامل لكي يعبر المواطنون عن رأيهم بشكل صحيح.
[blockquote]تولى محمود مكي منصب نائب رئيس الجمهورية في 12أغسطس من العام الماضي في نفس اليوم الذي أحال فيه المشير حسين طنطاوي وزير الدفاع، والفريق سامي عنان، رئيس أركان حرب القوات المسلحة، للتقاعد. ليصبح مكي ثاني نائب للرئيس يعين في ثلاثين عاما، حيث اضطر حسني مبارك تحت ضغط ثورة 25 يناير وقبل تنحيه إلى تعيين رئيس المخابرات العامة السابق والراحل اللواء عمر سليمان في هذا المنصب.[/blockquote]
وكان مكي - الأخ الأصغر لوزير العدل الحالي المستشار أحمد مكي- يتمتع بشعبية منذ سنوات ومن ضمن مستشارين تمت محاكمتهم بتهمة إهانة القضاة في عهد الرئيس السابق محمد حسني مبارك لقيامه بنشر قائمة قال، إنها القائمة السوداء لتزوير انتخابات لعام 2005.
سيرة ومسيرة
المستشار محمود مكي من مواليد مدينة الاسكندرية عام 1954 الإسكندرية، تخرج في أكاديمية الشرطة بالقاهرة وعمل ضابطًا بقوات الأمن المركزي، ثم حاز البكالوريوس في القانون وعمل في النيابة العامة، إلى أن تولى منصبه بمحكمة النقض المصرية.
ويعتبر مكي من أبرز الوجوه المصرية التي عارضت نظام مبارك وطالبت بالتغيير منذ البداية، إذ بدأ هذا الجهد مبكرا عندما انخرط منذ منتصف الثمانينيات مع عدد كبير من القضاة في تيار الاستقلال القضائي الذي كان ناشئاً آنذاك بقيادة رئيس نادي القضاة وقتها المستشار يحيى الرفاعي.
والمستشار مكي يعد ايضا من أوائل المشاركين بأول إضراب للقضاة المصريين عام 1992، وهو الإضراب الذي استمر 25 يوما احتجاجاً على وقف قاضيين عن العمل، ورغم كل الضغوط رفضوا فض الإضراب، إلا بعد إعادة القاضيين والالتزام بكل شروط القضاة المصريين.
وكان مكي من أبرز المنادين باستقلال القضاء ونزع تبعيته عن السلطة التنفيذية، فهو محسوب على التيار الإصلاحي، وأحيل إلى مجلس تأديبي لإطلاقه مزاعم علنية عن تجاوزات في انتخابات عام 2005، وقضت المحكمة التأديبية التي أحيل إليها يوم الخميس 18- 5 ـ 2006 ببراءته.
وشغل المستشار محمود مكى منصب نائب رئيس محكمة النقض ورئيس لجنة متابعة الانتخابات في نادي القضاة، ومنسق حركة قضاة الاستقلال، كما قاد مظاهرات استقلال القضاء عام 2006 حيث كان المستشار محمود مكى أحد منظميها والتي كانت تطالب بتعديل المادة 76 من الدستور المصري ليصبح اختيار رئيس الجمهورية بين أكثر من مرشح.
وخلال اندلاع ثورة 25 يناير التي أطاحت بمبارك، لم يغب مكي عن الساحة السياسية المصرية، وشارك فيها مع شباب الثورة وظهر في ميدان التحرير، كما انتقد الحكم الذي أصدره القضاء في يونيو/حزيران الماضي بالسجن المؤبد على الرئيس السابق في قضية قتل المتظاهرين.