* نتنياهو يسجلها انتصارًا كبيرًا لجهوده ضد إيران وأبرز ما سيتضمنه إرثه التاريخي كرئيس حكومة
* اليمين يعتبرها على حساب الضم وبعض قادة المستوطنين يرحبون بتحفظ وأمل
* اتفاقية السلام الثالثة مع دولة عربية، تختلف عن سابقتيها، وبالنسبة للإسرائيليين هي اتفاقية سلام مقابل الضم وتطبيق السيادة
* إسرائيل ستبذل كل جهد لتذليل العقبات والتوصل إلى التوقيع الرسمي على اتفاقية السلام الثالثة مع دولة عربية، لم تكن يوما عدوة لها
تل أبيب:في ذروة الازمة الاقتصادية التي تمر بها إسرائيل وتراجع شعبية رئيس حكومتها وكتلة «اليمين»، وعلى وقع صرخات المتظاهرين في تل أبيب والاحتجاجات اليومية التي تطوق البلدات الإسرائيلية من أقصى الشمال وحتى أقصى الجنوب، احتجاجا على سياسة الحكومة، جاء الفرج السياسي لبنيامين نتنياهو. اتفاقية سلام ثالثة مع دولة عربية، اجتهد نتنياهو على مدار السنوات الأخيرة للتوصل إلى اتفاق معها ونجح في علاقات تجارية وأمنية.
الإسرائيليون، في معظمهم، تلقوا إعلان الاتفاق بشغف وحماس ورأوا فيه متنفسا اقتصاديا أكثر من كونه سياسيا. وتعزز هذا الشعور مع تناقل تصريحات مباشرة لمسؤولين في الإمارات للإعلام الإسرائيلي بأن العلاقات بين البلدين ستنضج لتصبح علاقات دبلوماسية كاملة، بما في ذلك إنشاء سفارات وتبادل سفراء، بعد أشهر قليلة من التوقيع، يسبقها تمكين التعاون الاقتصادي، والتكنولوجي، والسياحي، والطبي، وغيرها.
صحيح أن الإسرائيليين اندفعوا للتو في الحديث عن مكاسب هذا الاتفاق، وهيمن الحدث على كافة وسائل الإعلام والقنوات التلفزيونية وأسقط عن أجندة الإعلام العديد من الأحداث التي كانت مشتعلة مثل المظاهرات والاحتجاجات والفشل في السيطرة على انتشار كورونا، لكن في الحقيقة العلاقات بين إسرائيل والإمارات تعززت خلال السنتين الأخيرتين.
الخارجية الإسرائيلية تمارس نشاطا كبيرا في الإمارات. رجال أعمال من إسرائيل يسافرون إلى دبي وأبوظبي لعقد صفقات تجارية، منذ مطلع هذه السنة.
نتنياهو الذي يواجه، هذه الأيام، أزمة داخلية كبيرة خرج إلى الإسرائيليين في جبروت هذه الدولة، قائلا: «عملت على ترسيخ قوة إسرائيل اقتصاديا، من خلال سوق حرة وقدرة تكنولوجية، وأيضا سياسيا، من خلال الجمع بين قدراتنا الاقتصادية والعسكرية. أعتقد أن التغيير الكبير الذي طرأ على مواقف الدول العربية في الشرق الأوسط، يأتي نتيجة وقوفي ضد الاتفاقية النووية مع إيران، وضد العدوان الإيراني. لقد رأت دول كثيرة في المنطقة في إسرائيل تتحول من عدو إلى حليف حيوي».
«في الشرق الأوسط، يتم صنع السلام مع الأقوياء، وليس مع الضعفاء»، قال نتنياهو، وأضاف: «لقد عززت نقاط القوة في إسرائيل، بسياستي أصبحت إسرائيل قوية جدًا. من الناحية الاقتصادية، وقوية عسكريًا وتقنيًا، وقوة عظمى، تتمتع بمكانة دولية قوية. دولة تغازلها الدول من جميع القارات».
القضية الفلسطينية بين مصر والأردن والإمارات
ربما أصغى الإسرائيليون إلى حديث نتنياهو هذا، لكن ذلك لا يعني أنه أقنعهم بكل ما قاله عن نفسه. فاتفاقية السلام الثالثة مع دولة عربية، تختلف عن سابقتيها، وبالنسبة للإسرائيليين هي اتفاقية سلام مقابل الضم وتطبيق السيادة. وما كان يمكن أن تتقدم هذه الاتفاقية، وهي خطوة استراتيجية هامة، في ظل ضم الضفة ومباشرة تطبيق السيادة.
صحيح أن الفلسطينيين بقوا على الهامش في اتفاقيتي مصر والأردن، لكن التنسيق الأميركي– الإسرائيلي للتوصل إلى هذه الاتفاقية جاء بالتوازي مع خطة الضم وما أعقبها من خطوات حالت دون بدء تنفيذها كما خطط لها نتنياهو.
الإعلان الصريح بأن هذه الاتفاقية جاءت مقابل تأجيل الضم أثار خلافات داخلية في إسرائيل، وحتى بين المستوطنين أنفسهم. غالبية رؤساء المستوطنات لم يخفوا غضبهم على نتنياهو، وشعروا بأن رئيس حكومتهم خدعهم وخدع ناخبيه. لكن خرجت بينهم أصوات لا ترفض هذا السلام لكنها تواصل التوق لتنفيذ الضم والسيادة.
عوديد رفيف، رئيس مجلس مستوطنة إفرات، وهو أحد أبرز الداعين إلى تنفيذ خطة الضم وتوسيع المستوطنات رحب بالاتفاقية على الرغم من أنها جاءت مقابل شرط ما كان يتوقع لنفسه يوما بقبوله.لكن موقفه، هذا، يظهر بشكل واضح الأهمية الكبرى التي يراها الإسرائيليون في اتفاقية السلام مع الإمارات.
وبحسب رفيف فإن اتفاق سلام مع دولة عربية هو خطوة لا يوجد أي إسرائيلي أو يهودي لا يتمناها. ويقول: «حتى لو كان هذا يؤلمنا بعد أن شعرنا أننا قريبون جدا من تنفيذ الضم، نبارك الاتفاقية ونذهب إلى العمل صباح غد من أجل تطبيق القانون الإسرائيلي في الضفة. ليس لدينا شك في أن اتفاقية السلام ستجلب، أيضا، دفعة اقتصادية كبيرة وتفتح أمامنا سوقا جديدة. خطوة كهذه، في أيام كورونا، حيث الكثير من العاطلين عن العمل وعدم اليقين الاقتصادي، هي خطوة إيجابية وربما ضرورية للعديد من البيوت غير القادرة على إحضار قطعة خبز إلى مائدة الطعام».
«أعتقد أن تطبيق السيادة سيأتي»، قال، وشدد: «علينا العمل لتطبيقها. أعتقد أنه يتوجب علينا أن نكون منتبهين للمجتمع الإسرائيلي ولدولة إسرائيل. واجب علينا أن نكون يقظين لكل فرصة سياسية، بشكل خاص، كتلك التي تجلب معها بشرى لنا. وبشرى الاتفاق الحالي هي أن بيتي في إفرات لم يعد عقبة في طريق السلام».
حديث رفيف يعكس عدة جوانب في إسرائيل بعد اتفاقية السلام الجديدة. ويؤكد أمرين هامين: أن الجانب الاقتصادي يبقى الأبرز والأهم بالنسبة لمعظم الإسرائيليين. والثاني أن المستوطنات ستتواصل بالنمو والازدهار وربما بالتوسع.. مع إبقاء القضية الفلسطينية هامشية بالنسبة له.
وسؤال المليون في إسرائيل إذا كانت هذه الاتفاقية تعني قبول الدول العربية، التي تسعى إسرائيل إلى توقيع اتفاق معها والموقعة على المبادرة العربية للسلام، منذ عام 2002، والتنازل عن أبرز ما ورد فيها: «ستقيم الدول العربية علاقاتٍ دبلوماسية كاملة مع إسرائيل مقابل قيام دولة فلسطين على طول حدود الأراضي المحتلة منذ عام 1967».
وإذا ما عدنا قليلا إلى اتفاقيتي السلام مع مصر والأردن، نجد أن اتفاق السلام الذي وقعه مناحيم بيغن مع مصر عام 1978 تحدث عن حكم ذاتي لـ«عرب إسرائيل»، من دون ذكر كلمة فلسطينيين. والسلام الذي وقعه إسحق رابين مع الأردن عام 1994، هو الآخر تجاهل القضية الفلسطينية. وإيهود باراك كان قريبا جدا من اتفاق مع سوريا عام 2000، أيضا من خلال هدف معلن بالالتفاف على القضية الفلسطينية.
لقد كتب بروفسور مناحيم كلاين، على صفحته في «فيسيبوك»أنه منذ توقيع إسرائيل على اتفاقيات أوسلو مع منظمة التحرير، فقدت القضية الفلسطينية مركزيتها في العالم العربي وغير العربي وتحولت إلى مشكلة «إسرائيلية داخلية».
أيضا حقيقة أن الدول العربية بعد «الربيع العربي»تتجه نحو الداخل أكثر، وبالطبع خفّف ارتفاع التهديد الإيراني، تدريجيا، اهتمام الأنظمة العربية، بـ«القضية الفلسطينية».
كل هذا هو صحيح وهو دافع لعقد اتفاقيات سلام أخرى، لكن ذلك لا يعني أن الصراع مع الفلسطينيين انتهى، وأن تنفيذ كل اتفاقية سلام ستتم على طبق من الحرير. يكفي هنا الإشارة إلى كيفية تعامل الغالبية العظمى من اليمين والمستوطنات في مسألة تأجيل الضم وتطبيق السيادة.
ومن جانب آخر، صحيح أن إسرائيل تتفاخر بأنه في غضون شهرين سيكون تبادل سفراء.
قضايا كثيرة ما زالت مطروحة أمام اتفاقية السلام الثالثة مع دولة عربية في ظل العقبات التي تواجهها القضية الفلسطينية. وهناك سياسيون وحتى أمنيون لا يعتقدون أن الإنجازات التي ستحققها إسرائيل من هذه الاتفاقية ستكون أفضل بكثير مما حققته من مصر والأردن، الدولتين القريبتين من إسرائيل، ولديهما الكثير من الجوانب التي كان يمكن أن تكون مثمرة اقتصاديا لإسرائيل لكن عراقيل كثيرة وقفت أمام تنفيذها وبددت الآمال الإسرائيلية لتطوير علاقات اقتصادية، تجارية، ومواصلات وسياحة.
وأمام واقع هاتين الاتفاقيتين ينذر إسرائيليون من أن غياب التطبيع الاقتصادي، ناهيك عن الثقافي والاجتماعي، مع دول عربية مجاورة تعهدت بذلك، يملي حذرا وشكوكا تجاه النتائج العملية لاتفاق مع دولة عربية بعيدة، الإمارات، إذا ما وعندما يوقع عليها.
لكن هناك من رد على هذه الشكوك والحذر باعتبار أن اليأس المسبق من اتفاقية السلام مع الإمارات ليس في مكانه، باعتبار أنمصر والأردن غير متطورتين اقتصاديا. وليس لديهما الكثير مما يبيعانه لإسرائيل، فيما لا يوجد لتل أبيب ما تبيعه لهما سوى الغاز الطبيعي. بالمقابل، فإن الإمارات هي دولة متطورة، ومتقدمة وغنية، بالمال وبالموارد الطبيعية.
إنجاز مهم للأمن القومي الإسرائيلي
لدى كل طرح إسرائيلي لأهمية السلام مع دول عربية كانت القضية الإيرانية أبرز الجوانب التي تطرحها إسرائيل كخطر ليس عليها فقط، إنما على المنطقة ودول العالم. ومع الإعلان عن الاتفاق الجديد اعتبر رئيس معهد أبحاث الأمن القومي في تل أبيب، عاموس يدلين، أنه إنجاز مهم للأمن القومي الإسرائيلي وخطوة رائدة في الشرق الأوسط، قائلا: «هذا الاتفاق يعبر عن تعزيز هام للمعسكر المعتدل والبرغماتي أمام إيران والقوى الشيعية والراديكالية السنية في المنطقة، وبالتالي توسيع دائرة السلام الإقليمي، وتهيئة ظروف أفضل لفتح المفاوضات والتسوية الإسرائيلية- الفلسطينية في المستقبل».
اعتبار يدلين هذا الاتفاق إنجازا في مواجهة الملف الإيراني هو جانب يتفق عليه الأمنيون والعسكريون ممن يعتبرون أن مثل هذه الاتفاقيات تجلب ضمانة لأمن إسرائيل على المدى الطويل.
الدبلوماسي زلمان شوفال، الذي شغل منصب سفير إسرائيل في الولايات المتحدة ذهب إلى أبعد من ذلك:«لا يدور الحديث عن اتفاق سلام فقط، بل عن نظام جديد في الشرق الأوسط كله»، قال وأكد على ما سبق، وقيل إن الخاسرين الجغرافيين- السياسيين الأكبر هم إيران، وحزب الله، والميليشيات التابعة لإيران في العراق، والرئيس الأسد، وحماس، والجهاد الإسلامي، والحوثيون وتركيا. وأضاف شوفال: «بخلاف أوباما، الذي تبنى فكرة خلق توازن قوى بين إيران والدول العربية السُنية، وبذلك كان عمليا يدفع إلى الأمام بالتطلع الإيراني إلى الهيمنة الإقليمية، فإن اتفاق السلام الجديد يعزل إيران في الساحة، ويبعث لها رسالة باسم الدول العربية بأنها أقوى».
ويرى شوفال أن دول الخليج قرأت الخريطة جيدًا وفهمت ما لم تفهمه مثلا معظم الدول الأوروبية أو لم ترغب في أن تفهمه، بمعنى أن إلغاء الاتفاق النووي مع إيران وأعمالا مثل تصفية قاسم سليماني ليس فقط لم ترفع مستوى العداء العربي للغرب وإسرائيل بل العكس، هيأت التربة لسلام عربي– إسرائيلي آخر وإلى استقرار المنطقة، وحرص شوفال على إظهار مدى فائدة هذا الاتفاق عندما قال: «أمام كل هذا نقول شكرا لإيران».
مع هذا شدد شوفال على أن إيرانستبقى موضوعا حرجا وعاجلا على جدول الأعمال السياسي– الأمني لإسرائيل.
وفي الحوار الإسرائيلي لأهمية هذا الاتفاق في مواجهة الملف الإيراني يرى الإسرائيليون أن فتح باب الإمارات أمام إسرائيل يجعل إيران أكثر انكشافا بكثير أمام العيون والآذان الإسرائيلية، وبالتالي تضعف المحور الشيعي، بحسب الإسرائيليين، الذين اعتبروا أن الاتفاق مع الإمارات سيعظم عناصر استراتيجية تتعلق بمواجهة إسرائيل للتهديد الإيراني، باعتبار أن تواجدا إسرائيليا رسميا على أرض الإمارات، قرب الحدود الإيرانية، يخلق تهديدا إسرائيليا على إيران.