القاهرة: حسين البطراوي
* توقعات البنك الدولي بارتفاع النمو الاقتصادي العالمي إلى 3.9 % خلال العامين المقبلين.
* نذر الحرب التجارية وارتفاع الديون وتصاعد التوترات السياسية... أبرز المخاطر.
* «قروض الرفع المالي» سجلت رقماً قياسياً وصل إلى 788 مليار دولار أميركي العام الماضي.
* مع انحسار مد السيولة العالمي... يمكن أن تتراجع التدفقات الموجهة إلى الأسواق الصاعدة بنحو 60 مليار دولار سنوياً.
* ضرورة متابعة المخاطر المصاحبة لارتفاع أسعار الفائدة وزيادة تقلب الأسواق وتصاعد الحمائية.
* الفرصة لا تزال متاحة... ضرورة العمل بسرعة لإحراز التقدم على مستوى السياسات والإصلاحات لتأمين الانتعاش الحالي.
تفاؤل حذر... ورسائل إلى صناع السياسات الاقتصادية في العالم لاستغلال النمو الاقتصادي العالمي لمعالجة مواطن الضعف المالي... كانت خلاصة اجتماعات الربيع 2018، فلا يزال الاقتصاد العالمي يُبدي زخماً واسع النطاق، وعلى هذه الخلفية الإيجابية، تأتي نُذُر الصراع التجاري واسع النطاق، وتصاعد التوترات التجارية والجغرافية - السياسية، ومستويات الدين العالمي المرتفعة تاريخياً، لترسم مشهداً عالمياً مليئاً بالتناقضات... رغم ذلك فإن الفرصة ما زالت سانحة لمعالجة الضعف المالي، خلال فترة النمو الاقتصادي المتوقع أن تستمر لمدة عامين على الأقل، وسط توقعات بنمو الاقتصاد العالمي بنحو 3.9 في المائة، ليبدأ بعدها النمو الاقتصادي في الانخفاض، بحسب توقعات خبراء البنك وصندوق النقد الدوليين.
فالنمو العالمي يتزايد قوة ويزيد اتساع نطاقه في الوقت الحالي، مدفوعاً بحدوث تعاف قوي في الاستثمار والتجارة. وبينما تتسم المخاطر بدرجة كبيرة من التوازن على المدى القريب، فإن كفة التطورات السلبية هي الأرجح، وقد تؤدي العوامل الديموغرافية المعاكسة وضعف نمو الإنتاجية إلى الحد من إمكانات تحقيق نمو أعلى وأكثر احتواءً لكل شرائح المجتمع في المرحلة المقبلة.
والفرصة لا تزال متاحة وينبغي استغلالها بسرعة لإحراز التقدم على مستوى السياسات والإصلاحات التي تؤمِّن الانتعاش الجاري وتعزز الصلابة وترفع النمو متوسط الأجل لما فيه صالح الجميع.
فالوقت مناسب للاستعداد لفترات أصعب. ولا يقتصر الاستعداد على إدارة السياسة النقدية والسياسة المالية العامة بمنظور استشرافي حذر، إنما يتطلب توجيه اهتمام كبير للاستقرار المالي أيضاً. ومن الضروري أيضا تطبيق سياسات هيكلية وضريبية ترفع الناتج الممكن، بما في ذلك الاستثمار في الموارد البشرية وضمان أن يجني الجميع ثمار النمو. وبينما يستطيع كل بلد أن يفعل الكثير بمفرده، يظل التعاون متعدد الأطراف ضرورياً بشأن مجموعة من القضايا؛ تمتد من التجارة إلى تخفيض الاختلالات العالمية والأمن الإلكتروني وتغير المناخ.
وينبغي لصناع السياسات اغتنام فرصة هذه البيئة المواتية لاتخاذ خطوات تخفض المخاطر. فبالنسبة لاقتصادات الأسواق الصاعدة، يعني هذا تعزيز أساسيات الاقتصاد وهوامش الأمان التي تتيح التصدي للصدمات الخارجية؛ وبالنسبة للاقتصادات المتقدمة، يعني هذا نشر وتطوير أدواتها المستخدمة للتنظيم والسياسة المالية واستيفاء تنفيذ الخطط الموضوعة لتقوية المؤسسات المالية.
أخبار سارة... على المدى القصير
رفع البنك الدولي توقعاته للنمو العالمي إلى 3.9 في المائة في العامين الحالي والمقبل، واستند البنك في توقعاته إلى استمرار الأداء القوي في منطقة اليورو واليابان والصين والولايات المتحدة، والتي حققت نمواً فاق التوقعات في العام الماضي.
كما توقع البنك حدوث تحسن على المدى القريب في الكثير من الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية الأخرى، بما في ذلك بعض التعافي في البلدان المصدرة للسلع الأولية. وأشار البنك الدولي إلى أن الانتعاش الاقتصادي العالمي لا يزال يستمد القوة من تسارع معدلات الاستثمار، ومعدلات التجارة على وجه الخصوص. مشيراً إلى ارتفاع التوقعات لمعدلات النمو في منطقة اليورو إلى 2.4 في المائة بارتفاع 0.5 في المائة، و6.6 في المائة في الصين بارتفاع 0.1 نقطة مئوية، و2.9 في المائة في الولايات المتحدة بارتفاع 0.6 نقطة مئوية. ويدعم النمو في الولايات المتحدة دفعة التنشيط المالي التي يغلب عليها الطابع المؤقت.
وبخلاف الصين، هناك عدة أسواق صاعدة واقتصادات نامية ستحقق أداء أفضل أيضا هذا العام مقارنة بتوقعاتنا السابقة، وتشمل هذه المجموعة البرازيل والمكسيك وبلدان أوروبا الصاعدة. غير أن المكاسب الكلية لهذه المجموعة من البلدان تتأثر بالتخفيض الحاد في الآفاق المتوقعة لبضعة بلدان تحت طائلة الصراعات الأهلية، أبرزها ليبيا وفنزويلا واليمن.
تخوف على المدى الطويل
أما آفاق المدى الأطول فتمثل واقعاً أكثر مدعاة للتخوف. فمن غير المرجح للاقتصادات المتقدمة، التي تواجه مشكلات شيخوخة السكان وتراجع معدلات المشاركة في سوق العمل، وانخفاض نمو الإنتاجية، أن تتمكن من استعادة معدلات النمو للفرد التي حظيت بها قبل وقوع الأزمة المالية العالمية.
وزادت مخاطر المدى القصير التي تواجه الاستقرار المالي العالمي في الشهور الستة الأخيرة، نتيجة للارتفاع الحاد في تقلب أسواق الأسهم خلال فبراير (شباط) الماضي، واستمرار مخاوف المستثمرين بشأن تصاعد التوترات التجارية والجغرافية - السياسية. وبالنظر إلى الفترة المقبلة، تبدو احتمالات هبوط النشاط الاقتصادي مرتفعة، بل إن هناك احتمالا بسيطا بأن ينكمش الاقتصاد العالمي على المدى المتوسط.
فمن المتوقع أن يتراجع النمو العالمي بعد العامين القادمين. فبمجرد سد فجوات الناتج في معظم الاقتصادات المتقدمة، يُنتظر أن تعود معدلات النمو إلى المستوى الممكن الذي يقل كثيرا عن متوسطات ما قبل الأزمة. وسيتباطأ النمو في الولايات المتحدة إلى أقل من المستوى الممكن مع انقضاء الأثر التوسعي للتغييرات التي أدخلت على السياسة المالية العامة مؤخرا. ومن المتوقع أن يظل النمو هزيلاً في عدة أسواق صاعدة واقتصادات نامية، بما في ذلك بعض البلدان المصدرة للسلع الأولية التي لا تزال تواجه احتياجاً كبيراً للضبط المالي.
مخاطر مرتفعة
ونظرا للأوضاع المالية الحالية، فالاستقرار المالي والنمو يتعرضان لمخاطر مرتفعة على المدى المتوسط. انعكاساً للسنوات الأخيرة من أسعار الفائدة المنخفضة، التي كانت لازمة لدعم النمو الاقتصادي، والتي هيأت بيئة سمحت بتراكم مواطن الضعف. ويمكن أن تؤدي مواطن الضعف تلك إلى تفاقم الهبوط الاقتصادي القادم، ويمكن أن تجعل الطريق القادم مليئاً بالعثرات.
فزيادة الاختلالات تعني أن أي صدمة يتعرض لها النظام الاقتصادي أو المالي من شأنها أن تؤدي إلى تعديل أكثر إيلاماً. فعلى سبيل المثال، زيادة التضخم في الولايات المتحدة بسرعة أكبر من المتوقع يمكن أن تؤدي بالاحتياطي الفيدرالي وغيره من البنوك المركزية إلى سحب إجراءات التيسير النقدي بسرعة أكبر من المتوقع حالياً، وهو ما يمكن أن يهز الأسواق المالية. ومن المخاطر الأخرى اتساع نطاق التصعيد للإجراءات الحمائية، مما يمكن أن يؤثر على الأسواق المالية وكذلك على النمو. وفي الحالتين، يمكن أن يتسبب انخفاض أسعار الأصول بصورة مفاجئة إلى كشف مواطن الضعف في النظام المالي.
ثلاثة مجالات ضعيفة
ويحدد تقرير الاستقرار المالي العالمي ثلاثة مجالات يشوبها الضعف: تراجع جودة الائتمان، ومواطن الضعف المتعلقة بالدين الخارجي في الأسواق الصاعدة والبلدان منخفضة الدخل، وعدم اتساق السيولة الدولارية بين البنوك خارج الولايات المتحدة.
جودة الائتمان
ويشير التقرير إلى أن الشركات الأقل جدارة ائتمانية تستطيع الاقتراض في الأسواق المالية. وقد ارتفعت الإصدارات العالمية من القروض التي يطلق عليها اسم قروض الرفع المالي – والتي تقدم للشركات الأكثر خطراً والشركات المثقلة بأعباء الديون – حتى سجلت رقماً قياسياً وصل إلى 788 مليار دولار أميركي في العام الماضي. وهناك اتجاهات عامة مماثلة في أسواق سندات الشركات، حيث تصدر نسبة متزايدة من السندات عن الشركات الأدنى تصنيفاً في الولايات المتحدة ومنطقة اليورو.
الدين الخارجي
ومجال الضعف الثاني يتمثل في الدين الخارجي في بلدان الأسواق الصاعدة والبلدان منخفضة الدخل، فقد ظلت تدفقات رؤوس الأموال الأجنبية قوية في السنوات الأخيرة، مع استفادة عدد أكبر من الاقتصادات الصاعدة ومنخفضة الدخل من الأوضاع التمويلية المواتية. ولكن مع انحسار مد السيولة العالمي، يمكن أن تتراجع التدفقات الموجهة إلى الأسواق الصاعدة بما يصل إلى 60 مليار دولار سنوياً، أي ما يقارب الأحجام الكلية السنوية لربع عام في الفترة 2010 - 2017. وفي مثل هذا السيناريو، قد يتعرض المقترضون الأقل جدارة ائتمانية إلى خروج تدفقات أكبر نسبياً. وقد تتأثر البلدان منخفضة الدخل، لأن أكثر من 40 في المائة منها معرضة لمخاطر وصول مديونيتها إلى مستوى حرج.
السيولة الدولارية
فيما يشير التقرير إلى عدم اتساق السيولة الدولارية بين البنوك غير الأميركية، فعلى وجه العموم، أصبحت البنوك أكثر صلابة مما كانت عليه قبل الأزمة المالية العالمية. لكن البنوك غير الأميركية النشطة دولياً تعتمد في نحو 70 في المائة من تمويلها الدولاري على مصادر قصيرة الأجل أو على أساس الجملة. وبالإضافة إلى ذلك، لا تتسق هذه الالتزامات الدولارية اتساقاً تاماً في كل الأحوال مع الأصول الدولارية من حيث الحجم أو أجل الاستحقاق. ويمكن أن يؤدي ذلك إلى تعريض البنوك لمشكلات في التمويل الدولاري، إذا حدث تشديد مفاجئ في الأوضاع المالية وظهرت توترات مفاجئة في الأسواق.
وقد يتم تشديد السياسة النقدية في وقت أقرب من المتوقع إذا ظهر طلب زائد، وهو احتمال كبير في الولايات المتحدة، حيثما تحولت سياسة المالية العامة إلى الجانب التوسعي المفرط في الوقت الذي يقترب فيه الاقتصاد من مستوى التشغيل الكامل. ومن شأن التشديد المالي أن يؤدي بدوره إلى فرض ضغوط على البلدان والشركات والأسر عالية المديونية، وهو ما يشمل اقتصادات الأسواق الصاعدة.
الأصول المشفرة
أما الأصول المشفرة، فمن الممكن أن تؤدي بعض التكنولوجيات التي تقوم عليها هذه الأصول إلى تعزيز كفاءة البنى التحتية للأسواق المالية، مثل نظم الدفع. لكنها منيت أيضاً بممارسات الاحتيال والخروقات الأمنية والإخفاقات التشغيلية وارتبطت بالأنشطة غير المشروعة. وبينما يشير حجمها المحدود إلى ضآلة مخاطرها على استقرار النظام المالي في الوقت الراهن، فإن المخاطر يمكن أن تزداد إذا اتسع نطاق استخدامها دون وجود ضمانات وقائية ملائمة.
[caption id="attachment_55265407" align="alignleft" width="300"] كريستين لاغارد[/caption]
الإجراءات الانتقامية
ومن المخاطر الأخرى، تصاعدت دائرة القيود التجارية والإجراءات الانتقامية. فقد أطلقت بالفعل أولى الطلقات في حرب تجارية محتملة. وقد يحتدم الصراع إذا أدت سياسات المالية العامة في الولايات المتحدة إلى رفع عجزها التجاري إلى مستوى أعلى، دون إجراء مقابل في أوروبا وآسيا لتخفيض الفوائض. وثمة حاجة لتدعيم النظام التجاري متعدد الأطراف القائم على قواعد مستقرة، والذي تبلور بعد الحرب العالمية الثانية وكان دافعاً لما تحقق من نمو غير مسبوق في الاقتصاد العالمي. ولكنه الآن يبدو معرضاً لخطر التمزق.
وكانت تدفقات المعرفة عبر الحدود من رواد التكنولوجيا إلى البلدان الأفقر بمثابة دوافع قوية لتحقيق التقارب بين الدخول. والآن، يبشر ظهور الصين وكوريا كبلدان رائدة في بعض القطاعات بانتقال أصداء إيجابية إلى البلدان الأخرى، بما فيها البلدان عالية الدخل المستقرة منذ وقت طويل. فالتجارة والمنافسة الدوليتان يشجعان نشر المعرفة العالمية ومن ثم يمثلان قناة مهمة تتيح لجميع البلدان الاستفادة من العولمة. فالسياسات التي تفرض قيودا على التجارة لدعم قطاعات معينة في الاقتصاد من منطلق التفضيل السياسي سينتهي بها الأمر إلى الإضرار بنمو الإنتاجية.
شعبية السياسات
ومن الآثار اللاحقة للأزمة المالية وتداعياتها الممتدة، ما ظهر مؤخراً من تجدد شعبية السياسات القومية المتطرفة. فقد أدى ضعف احتمالات زيادة دخل الأسر في الاقتصادات المتقدمة، مصحوباً بالاتجاه نحو مزيد من الاستقطاب في الوظائف والدخل، إلى إشعال رد فعل سياسي واسع النطاق يناهض الطرائق السياسية التقليدية. وإذا تهاون صناع السياسات في هذا الصدد ولم يواجهوا تحدي رفع النمو طويل الأجل، يمكن أن تتكثف المخاطر السياسية، وقد تمحو بعض التقدم الذي تحقق حتى الآن في الإصلاحات الاقتصادية والاندماج الاقتصادي.
الأوضاع المالية
ومن المتوقع أن تشتد الأوضاع المالية بطبيعة الحال مع سد فجوات الناتج وعودة السياسة النقدية العادية، وسيقل زخم الإصلاح الضريبي الحالي في الولايات المتحدة اعتباراً من عام 2020 ثم يزداد تراجعاً في 2023 مع انتهاء المدة المقررة لخصم التكلفة الاستثمارية للأغراض الضريبية، ومن المتوقع أن تستأنف الصين التحول إلى معدلات نمو أقل مع انكماش النمو الائتماني والتحفيز المالي.
ويشير تحليل «النمو المعرض للخطر» إلى أن المخاطر التي تواجه النمو على المدى المتوسط، والناشئة عن الأوضاع المالية التيسيرية، لا تزال أعلى بكثير من المعايير التاريخية. وفي الولايات المتحدة، يمكن أن يأتي تشديد الأوضاع المالية بسرعة أكبر من المتوقع، وذلك مثلاً إذا عدلت الأسواق تقييمها لمسار السياسة النقدية المستقبلي، أو ارتفع التضخم المتحقق أو المتوقع في الأجور والأسعار، أو حدث اتساع مفاجئ في فروق علاوات المخاطر على الاستثمار طويل الأجل، أو كل هذه الأمور معاً.
وسيكون لتشديد الأوضاع المالية في الولايات المتحدة تداعيات على الاقتصادات الأخرى، بما في ذلك التداعيات التي تنتقل من خلال انخفاض التدفقات الرأسمالية إلى الأسواق الصاعدة. ومن المتوقع أن تتسع الاختلالات العالمية بفعل السياسة المالية العامة التوسعية للغاية في الولايات المتحدة، في وقت أصبح فيه عجز الحساب الجاري أعلى بالفعل مما تبرره أساسيات الاقتصاد، في مقابل فوائض زائدة مزمنة في الحساب الجاري لدى البلدان الأخرى.
التغير التكنولوجي والعولمة
وهناك تصاعد في مشاعر القلق إزاء التغير التكنولوجي والعولمة، وعندما يقترن هذا باتساع الاختلالات التجارية، يمكن أن يدعم التحول صوب السياسات الانغلاقية، مما يعرقل أنشطة التجارة والاستثمار. وهناك مخاوف تثيرها قيود الاستيراد التي أعلنتها الولايات المتحدة مؤخرا، وكذلك الإجراءات الانتقامية التي أعلنتها الصين، والإجراءات الانتقامية المحتملة من جانب بلدان أخرى، وهو ما ينطوي على مخاطر الإضرار بالنشاط المحلي والعالمي والمزاج السائد في الأسواق المحلية والعالمية. وبالمثل، من المتوقع أن تؤدي التغييرات في سياسات الضرائب الأميركية إلى تفاقم استقطاب الدخل، مما قد يؤثر على المناخ السياسي الذي يتم فيه اختيار السياسات في المستقبل. ويفرض تغير المناخ والتوترات الجغرافية - السياسية وخروقات الأمن الإلكتروني مخاطر إضافية على الآفاق العالمية الضعيفة على المدى المتوسط.
وفي نفس الوقت، بينما سيساعد التعافي المتوقع للاستثمار في رفع الناتج الممكن، تخضع الآفاق متوسطة الأجل في الاقتصادات المتقدمة لقيود يفرضها ضعف اتجاهات الإنتاجية وتراجع نمو القوى العاملة بسبب شيخوخة السكان.
إضافة إلى التباين في الآفاق عبر الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية. فلا تزال الآفاق مواتية في آسيا الصاعدة وأوروبا، بينما تنطوي على تحديات في أميركا اللاتينية، والشرق الأوسط، وأفريقيا جنوب الصحراء، حيث تظل آفاق النمو ضعيفة على المدى المتوسط بوجه عام في البلدان المصدرة للسلع الأولية - رغم تحقيق بعض التعافي - مع الحاجة لزيادة تنويع الاقتصاد والتكيف مع انخفاض أسعار السلع الأولية. ومن المتوقع أن يحقق أكثر من ربع الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية نمواً أقل على أساس نصيب الفرد مقارنة بالنمو في الاقتصادات المتقدمة على مدار الخمس سنوات القادمة، ومن ثم يزداد تراجع مستوياتها المعيشية أيضاً.
الصناعة التحويلية
يشير التقرير إلى تراجع نسبة التوظيف في قطاع الصناعة التحويلية على مستوى العالم، وفي الاقتصادات المتقدمة التي تبلغ فيها هذه النسبة مستويات حادة. وقد أثار هذا التحول الهيكلي المدفوع بالتقدم التكنولوجي وبالعولمة قلقاً عاماً إزاء احتمالية زيادة عدم المساواة في توزيع الدخل مع اختفاء «الوظائف الجيدة». خاصة أن البلدان الفقيرة حالياً قد تظل حبيسة مستويات دخل بعيدة عن حدود الدخل العالمية، إذا لم يتسن لها المرور بمرحلة من التنمية تتسم بكثافة التوظيف في قطاع الصناعة التحويلية. لكن التقرير يشير إلى إمكانية أن تتيح الخدمات مجالاً واسعاً لرفع الإنتاجية. وبالتالي، فإن أفضل استجابة من السياسات في هذا السياق ليست رفض قوى السوق ودعم الصناعة التحويلية، إنما استهداف رفع الإنتاجية في مختلف قطاعات الاقتصاد. ويتطلب هذا الجهد إصلاحات هيكلية، منها تخفيض الحواجز أمام التجارة في الخدمات، إلى جانب زيادة الاستثمارات في الموارد البشرية التي من شأنها تعزيز الارتباط بسوق العمل.
[caption id="attachment_55265408" align="alignright" width="300"] صورة رسمية لوزراء يمثلون 11 دولة بعد توقيع اتفاقية التجارة الشاملة والتقدمية لشراكة عبر المحيط الهادئ في سانتياغو مارس 2018. وستسمح الاتفاقية التجارية المضي قدما في التكامل الاقتصادي للدول الموقعة وهي سنغافورة ونيوزيلندا و ماليزيا وكندا واستراليا و شيلي و بروناي واليابان والمكسيك وبيرو وفيتنام. (غيتي)[/caption]
الفرصة سانحة
ويتيح التعافي الجاري فرصة للتقدم في السياسات والإصلاحات التي تؤمِّن الانتعاش الجاري وترفع النمو متوسط الأجل. لذا ينبغي أن تركز مثل هذه السياسات على تعزيز إمكانات تحقيق نمو أعلى وأكثر احتواءً لكل شرائح المجتمع، وبناء هوامش أمان للتعامل بصورة أكثر فعالية مع فترة الهبوط القادمة، وتحسين الصلابة المالية لاحتواء المخاطر السوقية والشواغل المتعلقة بالاستقرار، وتوثيق التعاون الدولي.
فالانتعاش الدوري الجاري يتيح لصناع السياسات فرصة مثالية كي يجعلوا النمو أكثر قوة وصلابة واحتواءً لكل شرائح المجتمع على المدى الأطول. ولن تدوم طويلاً فترة اليسر الحالية، لكن السياسات السليمة يمكن أن تمد فترة الانتعاش مع الحد من مخاطر انتهائها بشكل مربك.
احتواء الجميع
تمتلك كل البلدان حيزاً للإصلاحات الهيكلية والإصلاحات في سياسة المالية العامة بما يرفع الإنتاجية ويعزز النمو الاحتوائي، بتشجيع تجريب التكنولوجيات الجديدة ونشرها، وزيادة المشاركة في سوق العمل، ودعم العمالة المسرحة بسبب التغيرات الهيكلية، والاستثمار في الشباب لتعزيز فرصهم الوظيفية، على سبيل المثال.
هوامش الأمان
التقرير يؤكد ضرورة مواصلة التيسير النقدي حيثما كان التضخم ضعيفاً، لكن ذلك يجب أن تعقبه العودة إلى السياسة النقدية العادية على أساس من الإفصاح الجيد وبالاعتماد على البيانات في البلدان التي يبدو فيها التضخم في سبيل العودة إلى المستوى الذي يستهدفه البنك المركزي. وينبغي أن تبدأ سياسات المالية العامة في إعادة بناء هوامش الأمان، وإدخال إجراءات على جانب العرض لتعزيز النمو الممكن، وتشجيع النمو الاحتوائي.
وفي البلدان التي بلغت مستوى التشغيل الكامل أو كادت تصل إليه، مع عجز زائد في الحساب الجاري ومركز غير مستدام للمالية العامة، ولا سيما في الولايات المتحدة، ينبغي العمل على استقرار الدين وخفضه في نهاية المطاف، والتراجع عن الإجراءات التنشيطية المسايرة للاتجاهات الدورية والجارية بالفعل.
وسيتطلب هذا ضمان زيادة الإيرادات المستقبلية واحتواء نمو الإنفاق العام بالتدريج، مع تعديل تكوينه في اتجاه تحسين البنية التحتية، وزيادة المشاركة في سوق العمل، وتخفيض الفقر. أما البلدان ذات الفوائض الزائدة في الحساب الجاري والحيز المالي المتاح، على غرار ألمانيا، فينبغي أن تعمل على زيادة استثماراتها العامة التي ترفع النمو الممكن والطلب.
تحسين الصلابة المالية
يمكن للسياسات الاحترازية الكلية والجزئية أن تكبح الرفع المالي المتصاعد وتحتوي المخاطر التي تتعرض لها الأسواق المالية. ففي بعض الاقتصادات المتقدمة، لا تزال الحاجة قائمة لاستمرار معالجة الخلل في الميزانيات العمومية. وفي اقتصادات الأسواق الصاعدة، ينبغي أن تستمر المراقبة الدقيقة لدرجة التعرض للدين المقوم بالعملات الأجنبية. وينبغي أن تستمر الصين في كبح النمو الائتماني ومعالجة المخاطر المالية، بناء على الجهود المبذولة مؤخراً.
البلدان النامية
تحسين آفاق التقارب بالنسبة للبلدان النامية منخفضة الدخل، حتى يستمر التقدم نحو تحقيق أهداف التنمية المستدامة التي حددتها الأمم المتحدة لعام 2030. سيتعين أن تطبق البلدان النامية منخفضة الدخل سياسات تعزز مراكز ماليتها العامة، وتدعم صلابتها المالية، وتخفض الفقر، وتجعل النمو أكثر احتواءً لمختلف شرائح السكان. ومن خلال الاستثمار في مهارات القوى العاملة، وتحسين فرص الحصول على الائتمان، وتقليص ثغرات البنية التحتية، يمكن دعم التنويع الاقتصادي وتحسين القدرة على التكيف مع الصدمات المناخية حيثما تطلب الأمر ذلك.
[caption id="attachment_55265409" align="alignleft" width="300"] سيدة تحمل 100 زلوتي بولندي و 50 يورو.و من المتوقع أن تستمر أسعار العملات البولندية في الارتفاع خلال النصف الأول من العام الحالي 2018 (غيتي)[/caption]
توثيق التعاون
وينبغي إعطاء أولوية للحفاظ على زخم الإصلاحات المالية والتنظيمية والاحتفاظ بنظام تجاري مفتوح متعدد الأطراف. فالاندماج العالمي ساعد على زيادة تدفقات المعرفة عبر الحدود، ونشر الابتكار، ونمو الإنتاجية عبر البلدان؛ وهو محرك أساسي لتحسين مستويات المعيشة وتعزيز الرخاء مع مرور الوقت. ومن الضروري أيضاً أن تتعاون البلدان لمعالجة مشكلاتها المشتركة كالاختلالات الخارجية الزائدة والأمن الإلكتروني وتغير المناخ.
السياسة النقدية
لا يقتصر الاستعداد على إدارة السياسة النقدية وسياسة المالية العامة بمنظور استشرافي حذر، إنما يتطلب توجيه اهتمام كبير للاستقرار المالي أيضاً. ومن الضروري أيضاً تطبيق سياسات هيكلية وضريبية ترفع الناتج الممكن، بما في ذلك الاستثمار في الموارد البشرية وضمان أن يجني الجميع ثمار النمو. وبينما يستطيع كل بلد أن يفعل الكثير بمفرده، يظل التعاون متعدد الأطراف ضرورياً بشأن مجموعة من القضايا تمتد من التجارة إلى تخفيض الاختلالات العالمية والأمن الإلكتروني وتغير المناخ. وينبغي للبنوك المركزية أن تواصل سحب إجراءات التيسير النقدي بالتدريج، حيثما كان ذلك ملائماً، مع الإفصاح عن قراراتها بصورة واضحة.
وعلى الأجهزة التنظيمية أن تعالج مواطن الضعف المالي بتعميم وتطوير أدوات للعمل التنظيمي والسياسة المالية. وضرورة أن تبني الأسواق الصاعدة والبلدان منخفضة الدخل احتياطياتها وهوامش الأمان في ماليتها العامة لمواجهة المخاطر الخارجية.
وقد احتفظ التعافي الاقتصادي العالمي بصلابته حتى الآن في مواجهة التقلبات الكبيرة في الأسواق المالية، لكن المستثمرين وصناع السياسات ينبغي أن لا يطمئنوا كثيراً إزاء الوضع الراهن. بل ينبغي أن يتابعوا عن كثب المخاطر المصاحبة لارتفاع أسعار الفائدة، وزيادة تقلب الأسواق، وتصاعد الحمائية. فالاحتمال كبير بأن يكون الطريق القادم مليئاً بالعثرات.