القاهرة: حسين البطراوي
* يبرع الأثرياء في تجنب الضرائب أو التحايل عليها... و30 % من ثروات أفريقيا و22 % من ثروات أميركا اللاتينية في ملاذات ضريبة آمنة.
* الهند ألغت ضريبة الثروة... والبلدان النامية تفرض الضريبة في الدفاتر فقط. وهناك ضرورة لإنشاء وحدات داخل الإدارة الضريبية تختص بضرائب الأفراد ذوي الثروات الكبيرة.
* المسؤولية الاجتماعية لرجال الأعمال تحسن من أوضاع الفقراء في التعليم والصحة... والتحويلات إلى الفقراء من النقود ليست كافية... والأمر يتطلب المساعدة على توليد الدخل.
* السياسات التي تعزز الفرص المتاحة للفقراء والقائمة أساسا على الضرائب لا تقلل عدم المساواة، ولكنها تؤدي إلى نمو أسرع وفقر أقل ومزيد من المساواة في المستقبل.
يمتلك واحد في المائة من سكان العالم نصف الثروة العالمية حاليا، بحسب تقرير بنك «كريدي سويس»، الذي يسلط الضوء على الفجوة المتزايدة بين الأثرياء وبقية طبقات المجتمع. ويشير إلى أن قيمة أصول نصف سكان العالم، أي نحو 3.5 مليار نسمة، لا تتعدى معدل 10 آلاف دولار لكل منهم، ورغم أنهم يشكلون 70 في المائة من سكان العالم الذين بلغوا سن العمل، فإن إجمالي ثرواتهم رغم ذلك لا تتجاوز 2.7 في المائة من إجمالي الثروة العالمية، أو بمعنى آخر أن نصف سكان العالم لا يمتلكون إلا ما نسبته 6.5 في المائة من إجمالي ثروة الـ1 في المائة الذين يمثلون شريحة أثرياء العالم ويمتلكون نصف الثروة العالمية.
ويضيف التقرير فيما يطلق عليه هرم الثروة العالمية أن 36 مليون شخص حول العالم يمتلكون ثروة تقدر بمليون دولار لكل منهم.
أما على نطاق الدول، فإن سويسرا تتصدر القائمة بالنسبة للملكية الشخصية بقيمة 528 ألف فرنك سويسري، تليها أستراليا بـ402.6 ألف دولار، ثم الولايات المتحدة بـ388.6 ألف دولار، وبعدها نيوزيلندا بـ337.4 ألف دولار.
ضريبة الثروة
وبلغ عدم المساواة في توزيع الدخل مستوى مرتفعا ومتزايدا بدرجة تثير القلق في كثير من البلدان، وهو ما يؤكده تقرير الراصد المالي. غير أن عدم المساواة أكبر في توزيع الثروة منه في توزيع الدخل.
ورغم اقتراح الخبير الاقتصادي «بيكيتي» بفرض ضريبة منسقة على الثروة العالمية بنسبة 2 في المائة يدفعها الأكثر ثراءً، لكن كشف جيمس برامبي ومايكل كين، الخبيران بالبنك الدولي، أن ضرائب الثروة الصريحة المعمول بها منخفضة للغاية في الوقت الراهن، سواء في الاقتصادات النامية أو المتقدمة.
وبالنسبة لبلدان منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي التي تطبق ضريبة فعلية على الثروة، انخفض عددها من 12 بلدا إلى 4 بلدان فقط بين عامي 1985 و2007. وكثير من هذه الضرائب كانت، ولا تزال، محدودة الفعالية. وهناك عدد ضئيل من البلدان النامية يفرض ضريبة على الثروة في الدفاتر، وألغت الهند هذه الضريبة في ميزانيتها الأخيرة.
تهرب الأغنياء
[caption id="attachment_55265339" align="alignleft" width="594"] امرأة هندية تجوب الشوارع في يناير من عام 1999 على هاتفها المحمول في نيودلهي، الهند (غيتي)[/caption]
يكشف الباحثان عن أن تصميم ضرائب الثروة معَرّض لمحاولات التأثير عليه، وإمكانية منح الإعفاءات بموجبه، وهو ما يمكن أن يستغله الأثرياء. وبالإضافة إلى ذلك، أثبت الأثرياء براعة في تجنب الضرائب أو التحايل عليها عن طريق حفظ ثرواتهم في مناطق اختصاص خارجية تتسم بضرائبها المنخفضة.
وتشير التقديرات إلى أن نحو 8 في المائة من كل الثروات المالية للأسر، أي نحو 10 في المائة من إجمالي الناتج المحلي العالمي، موجود في مناطق اختصاص خارجية تطبق ضرائب منخفضة، وثلاثة أرباعه تقريبا لا يتم الإقرار به. وتصل الأرقام إلى مستويات أعلى بكثير في حالة البلدان النامية. فمن المقدر أن نحو 22 في المائة من مجموع الثروة المالية لأميركا اللاتينية موجود في الخارج، ويرتفع هذا الرقم بشدة مسجلاً 30 في المائة في حالة أفريقيا.
الضرائب... وتفاوت الثروة
يشير الباحثان إلى أن كيفية مساهمة النظم الضريبية في معالجة الزيادة المفرطة في تفاوت توزيع الثروة، ويقترحان عدة مجالات يمكن تحقيق تقدم فيها، ومنها تتبُّع المبالغ الضخمة، حيث ثبت أن المنهج القائم على المخاطر يفيد في التعامل مع الأفراد ذوي الثروات الصافية الكبيرة وفي اتخاذ إجراءات متدرجة تعتمد على أدوات التواصل والإنفاذ. فعلى مدار السنوات الأخيرة الأخيرة، زاد معدل ضريبة الدخل المطبق على الأفراد ذوي الثروات الصافية الكبيرة في شيلي من نحو 9 في المائة إلى 10.5 في المائة. وهناك عدد متزايد من البلدان بدأ يجد أنه من المفيد إنشاء وحدات داخل الإدارة الضريبية تختص بضرائب الأفراد ذوي الثروات الصافية الكبيرة.
بالإضافة إلى تصميم النظام الضريبي: حتى يكون النظام الضريبي المطبق على الأثرياء أكثر فعالية، يجب الانتباه إلى جوانب كثيرة في التصميم والتنفيذ. فعدم وجود ضريبة سنوية على الثروة، مثلاً، قد يكون ضئيل الأهمية إذا لم تكن هناك ضريبة مطبقة بالفعل على الدخل الرأسمالي الذي تدره تلك الثروة وعلى توارُثها عبر الأجيال.
وربما يكون من المنطقي استخدام طرق مختلفة في فرض الضريبة على أنواع الثروة المختلفة. فهناك ثروة كبيرة مرتبطة بالعقارات، مثلاً، مما يجعل الضرائب العقارية شكلاً قيِّما، وإن لم يكن كاملا، من أشكال ضرائب الثروة، بالإضافة إلى أن ضرائب الثروة سيئة التصميم التي تفتح الباب أمام التحايل، عن طريق الإعفاءات المفرطة، مثلاً، أو الضرائب الضعيفة على الهبات والتركات يمكن أن تسبب تشوهات كبيرة مع تحقيق القليل من الإيرادات.
المسؤولية الاجتماعية
وأشار الباحثان إلى أن بعض أصحاب الثروات الكبيرة على الأقل يدركون المنافع الاجتماعية التي يحققها إخضاعهم لضرائب أكبر، ومنهم بيل غيتس الأب، على سبيل المثال. ولذلك فقد يكون من الممكن بذل جهد أكبر لتعزيز الشعور بالمسؤولية الاجتماعية، كأن يتم ذلك بإبراز الأدلة التي تثبت الأثر التنموي للإنفاق الموجه في البلدان الفقيرة، في مجال التحصيل التعليمي على سبيل المثال. وبشكل أعم، نجد أن الأثرياء، كغيرهم من الناس، يزداد تقبلهم لدفع الضرائب، ويقل إخفاؤهم للأصول، إذا كانت الحكومة محل ثقة وذات كفاءة، وكانت حقوق الملكية مؤمَّنة.
الشركات عابرة القارات
وتشير التقارير إلى أن شركات العالم متعددة الجنسيات كانت تتحايل لكي لا تسدد مليارات الدولارات في البلدان التي تزاول العمل فيها. وقد ركزت منظمات المجتمع المدني على مسألة ضياع الإيرادات الواضح في البلدان النامية.
مديرو الثروات
من ناحية أخرى، يحرص الوسطاء الذين يساعدون في إخفاء الثروات على الاحتفاظ بسمعة جيدة، وهو ما يفتح الطريق لاستمالتهم كي يساعدوا في إصلاح النظام بأساليب ليس أقلها أن يتحولوا في بعض الحالات إلى مبلغين عن الأطراف المخالفة. ويمكن أن يتحول الشعور بالظلم الذي يصاحب الوعي العام، حتى بالممارسات القانونية، إلى أداة قوية تحفز التحرك السياسي.
الشفافية... وتبادل المعلومات
يمكن أن تعتمد زيادة الشفافية على زيادة التدقيق، ويعتبر تبادل المعلومات الضريبية بين البلدان أداة قوية للتعامل مع عدم الإقرار بالدخل والثروة، سواء في الاقتصادات النامية أو المتقدمة. ولا شك أن المبادرات التي تقودها مجموعة العشرين في هذا المجال تمثل منهجا متميزا قد ينتهي إلى إحداث تغير جذري في الضرائب التي تُفرَض على الأثرياء عبر الحدود. لكن المهم هو ضمان أن تجني السلطات الضريبية في البلدان النامية ثمار تبادل المعلومات. ويمكن أن تساعد المنظمات الدولية في جعل هذه المعايير أكثر ملاءمة للبلدان النامية، ودعم التحرك نحو زيادة المعلومات العامة عن ملكية الانتفاع والثروة الكلية المحفوظة في الخارج. ومن شأن هذا أن يحفز التدقيق الفعال ويكتسب تأييدا أكبر لمكافحة التهرب عبر الحدود.
توزيع الدخل
ومن توزيع الثروات إلى إعادة توزيع الدخل، يشير فرنسوا بورغينيون، الأستاذ الفخري في كلية باريس للاقتصاد، إلى أنه بعد سنوات من شبه الإهمال، أصبح عدم المساواة الاقتصادية محل تركيز في حوار السياسات في جميع أنحاء العالم. ففي الاقتصادات المتقدمة، هناك شواغل إزاء الأثر الملحوظ للعولمة والتغير التكنولوجي والتكاليف اللازمة لمواجهة هاتين القوتين.
[caption id="attachment_55265343" align="alignright" width="594"] أعضاء نقابة الممرضات والممرضات الممرضات الوطنيات وغيرهن من العاملين في وول ستريت احتجاجًا على الحدس المالي وعدم المساواة في 22 يونيو 2011 في مدينة نيويورك (غيتي).[/caption]
وفي الاقتصادات النامية التي يزيد فيها عدم المساواة، تتمثل المسألة فيما إذا كان عدم المساواة يشكل عائقا كبيرا أمام زيادة النمو والحد من الفقر. وفي كلتا الحالتين، يمكن لإعادة توزيع الدخل أن تحقق قدرا أكبر من المساواة، بالإضافة إلى تسريع النمو، وبالنسبة للاقتصادات النامية، فإنها يمكن أن تُسرع الحد من الفقر.
وفي البلدان التي يكون فيها النمو مرضيا، ولكنه يفيد الفقراء بقدر أقل بكثير من غير الفقراء، من الواضح أن هناك ما يدعو إلى تحويل الموارد من الأشخاص عند قمة سلم الدخل إلى الأشخاص عند قاعه.
ومن الطرق التي تساعد على الحد من عدم المساواة وتعزيز النمو والحد من الفقر في المستقبل: توفير تعليم أفضل للأطفال الفقراء وسداد تكاليفه عن طريق فرض ضرائب على الأغنياء. ويمكن أن تساعد سياسات إعادة توزيع الثروة أيضا على تضييق الفجوة بين الأغنياء والفقراء في البلدان التي يتزايد فيها عدم المساواة، أو في الحالات التي يثبت فيها أن التوترات الاجتماعية والسياسية، أو ظهور النظم الشعبوية قد يؤثر سلبا على النمو على المدى الطويل.
ومعرفة أن تزايد المساواة في توزيع الموارد قد يكون مفيدا للتنمية شيء، وامتلاك الأدوات السليمة لتنفيذه شيء آخر. وهذه الأدوات موجودة من الضرائب التصاعدية، والتحويلات النقدية، والاستثمار في رأس المال البشري إلى القواعد التنظيمية واستراتيجيات النمو الشامل للجميع. ولكنها غير مستخدمة بما فيه الكفاية في الاقتصادات النامية.
توزيع الدخل بشكل مباشر
ويقول بورغينيون إن فرض الضرائب وتحويلات الدخل إلى أشد فئات المجتمع فقرا، هما أكثر الطرق المباشرة للحد من عدم المساواة والفقر على المدى القصير. وتعتبر هذه الأدوات ملائمة عندما لا تصل منافع النمو إلى الفقراء. ولكنها تكون في معظم الأوقات صغيرة لإحداث أي تغيير ملموس. وفي المتوسط، تقل الضرائب على الدخل الشخصي والمنافع النقدية التي يحصل عليها الفقراء في البلدان النامية، كنسبة من إجمالي الناتج المحلي، عشر مرات تقريبا عن نظيرتها في الاقتصادات المتقدمة. مشيرا إلى برامج التحويلات النقدية المشروطة بأنه من الممكن تحويل النقود إلى الفقراء بطريقة فعالة في الاقتصادات النامية.
وتعطي برامج التحويلات النقدية هذه أموالا للأسر شريطة أن تمتثل لمتطلبات معينة محددة مسبقا، من قبيل الحصول على اللقاحات في الوقت المحدد أو حضور الأطفال للمدارس بشكل منتظم. ويبين انتشار مبادرات مثل «ازدهار المكسيك» المعروف سابقا باسم «التقدم»، أو «حقيبة الأسرة» في البرازيل، فضلا عن نتائج الكثير من البرامج التجريبية في البلدان الأكثر فقرا من أفريقيا جنوب الصحراء.
تكنولوجيا المعلومات
ويوكد بورغينيون ضرورة الاستمرار في تحسين هذه البرامج في المستقبل بفضل التطورات في تكنولوجيا المعلومات، ولا سيما استخدام تحويل النقود الإلكترونية المحمولة. ولكن تأثيرها الحالي على الفقر وعدم المساواة محدود. ويكمن موطن ضعفها الأساسي في حجمها الذي يشكل 0.5 في المائة من إجمالي الناتج المحلي في معظم البلدان متوسطة الدخل. وفي البلدان الأكثر فقرا، لا تزال هذه البرامج في مرحلة الاختبار. ويتطلب توسيع نطاق هذه البرامج المزيد من الموارد.
ضريبة الدخل الأعلى
ويمكن أن تساعد ضريبة الدخل الأعلى والأكثر فعالية عند قمة سلم الدخل في تحصيل الأموال اللازمة لذلك. وينبغي أن يؤدي الاستخدام المعمم للحسابات المصرفية، وبطاقات الائتمان، وبطاقات الخصم الفوري من جانب الأشخاص أصحاب الدخل العالي في معظم البلدان إلى تيسير مراقبة الدخول الشخصية والحد من التهرب الضريبي. وينبغي أن يؤدي ذلك إلى تركيز حكومات الاقتصادات النامية على فرض الضرائب المباشرة بشكل أكبر مما تفعله حاليا.
وتميل الاقتصادات النامية إلى الاعتماد بشكل أكثر نسبيا على فرض ضرائب غير مباشرة على السلع والخدمات المحلية والمستوردة مقارنة بالاقتصادات المتقدمة.
الضريبة غير المباشرة
ويشار إلى الضريبة غير المباشرة على أنها تنازلية، نظرا لأنها تُفرض على الاستهلاك وليس الدخل، ولأن الأغنياء يدخرون جزءا أكبر من دخولهم. ولكن بالإضافة إلى ذلك، فإن الضريبة غير المباشرة في الاقتصادات النامية يمكن أن تؤدي كذلك إلى زيادة الفقر، حسب هيكل المعدلات الضريبية وسلة استهلاك الأسر على مختلف درجات سلم الدخل. فخفض الضرائب على سلع مثل الأغذية التي تشكل جزءا أكبر من ميزانية الفقراء لا يحقق إلا مستوى منخفضا نسبيا من إعادة التوزيع، لأن الأغنياء يستهلكون أيضا هذه السلع، وربما تكون نسبة هذه السلع إلى ميزانياتهم أقل، ولكن قد تكون كميتها أكبر. وتنطبق نفس الحجة على الدعم المقدم لشراء السلع الأساسية مثل الخبز أو الوقود. وتكون تحويلات الدخل مفضلة على الدعم لأن تكلفتها أقل وتوجه بشكل أفضل إلى المحتاجين بحق، على النحو الذي أظهرته البرامج التجريبية بشأن الاستعاضة عن دعم الأغذية «بتحويلات المنافع المباشرة» في بعض الولايات الهندية، وبالتالي هناك دواع قوية لتوسيع نطاق عمليات إعادة توزيع الثروة في الاقتصادات النامية عندما يكون النمو مرضيا ولكن يكون الحد من الفقر بطيئا.
غير أن هناك عقبات سياسية تحول دون القيام بذلك، فضلا عن تحديات تتعلق بالقدرة الإدارية للبلد. وقد تستمر المعارضة السياسية لفترة طويلة، ولكن من المرجح أن تؤدي تكنولوجيا المعلومات الحديثة إلى تحسين القدرة الإدارية.
زيادة الفرص المتاحة للفقراء
وستؤدي إعادة توزيع الدخل إلى الحد من الفقر عن طريق الحد من عدم المساواة، إذا ما نُفذت بشكل سليم. غير أن إعادة التوزيع يمكن أن لا تسرع النمو بشكل كبير، إلا إذا كان ذلك عن طريق الحد من التوترات الاجتماعية الناشئة عن عدم المساواة والسماح للفقراء بتخصيص موارد أكثر لبناء الأصول البشرية والمادية؛ فالاستثمار بشكل مباشر في الفرص المتاحة للفقراء أمر ضروري. وينبغي أن لا تتكون التحويلات إلى الفقراء من النقود فحسب، بل ينبغي أن تساعدهم أيضا على تحسين قدرتهم على توليد الدخل، الآن وفي المستقبل. ويعتبر التعليم والتدريب فضلا عن القدرة على الحصول على الرعاية الصحية، والائتمان الصغير، والمياه، والطاقة، والمواصلات أدوات قوية.
وتعتبر المساعدة الاجتماعية بالغة الأهمية لحماية الناس من الوقوع في مصايد الفقر عند التعرض لصدمات سلبية. ومن البرامج التي تقوم بذلك على وجه التحديد برنامج المهاتما غاندي الوطني لضمان العمالة في الريف في الهند، الذي تقوم فيه الدولة بدور صاحب العمل كملاذ أخير.
تحفيز الأسر
وقد تبيّن أن التحويلات النقدية المشروطة تحفز الأسر على إرسال أطفالها إلى المدارس، وتحسين تغذيتهم، ومتابعة صحتهم. ولكن يجب توفير المرافق اللازمة لتلبية هذا الطلب الإضافي ويجب تمويله. وينطبق الأمر نفسه على البرامج الأخرى التي تركز على تحسين الفرص المتاحة للفقراء. وبالتالي، يؤدي تمويل هذه البرامج من خلال الضرائب التصاعدية إلى جانب تقديم حوافز التحويلات النقدية إلى الأسر الفقيرة إلى الحد من عدم المساواة والفقر على المدى القصير، ويساعد هذه الأسر على توليد دخل أكبر على المديين المتوسط والطويل.
ويتساءل بورغينيون: هل تزيل هذه الضرائب والتحويلات الحوافز التي لدى الناس للعمل، والادخار، وأن يصبحوا رواد أعمال؟ ويجيب: بالنظر إلى النطاق المحدود لعمليات إعادة التوزيع في الاقتصادات النامية، لا يُرجح أن يكون لها تأثير كبير على الحوافز الاقتصادية. ويمكن بالفعل فرض ضرائب تصاعدية بشكل كبير على الدخل بمعدلات ضريبة حدّية تقل بكثير عن نظيرتها في الاقتصادات المتقدمة، حيث لا تشكل إعادة التوزيع عائقا أمام النمو.
كما تؤدي الاستعاضة عن الضرائب غير المباشرة أو برامج الدعم التي تُحدث تشوهات بتحويلات الدخل إلى تحسين الكفاءة. وبالإضافة إلى ذلك، يبدو أن التحويلات النقدية المشروطة ليس لها تأثير سلبي كبير على عرض العمالة؛ بل من الممكن أن تشجع ريادة الأعمال.
[caption id="attachment_55265344" align="alignleft" width="594"] سائحات يمرون بجانب امرأة متسولة بشارع في حي سان ماركو للتسوق في فينيسيا بإيطاليا (غيتي).[/caption]
استراتيجيات المساواة
تعتمد الاستراتيجيات التي تعزز المزيد من المساواة والنمو القوي على زيادة الموارد بشكل تصاعدي وإنفاقها على البرامج التي تفيد الفئة الأكثر فقرا من السكان في هذا الجيل أو الجيل القادم. ويمكن للسياسات الأخرى التي لا تعتمد على إعادة التوزيع أن تحقق نفس الأهداف. وينبغي أن تنظر الحكومات في تعزيز استراتيجياتها المتعلقة بالنمو والمراعية لمصالح الفقراء والشاملة للجميع، ولا سيما من خلال دعم توظيف العمالة غير الماهرة، وذلك قبل النظر في إعادة التوزيع.
وهناك أيضا سياسات أخرى بجانب إعادة التوزيع المباشر. وتؤدي قوانين الحد الأدنى للأجور ـ إلى مزيد من المساواة في توزيع الأرباح. وفي الاقتصادات النامية، قد تؤدي هذه السياسات بالفعل إلى زيادة إنتاجية العمالة عن طريق تحسين الحالة المادية للعمال، على النحو الذي تتوقعه نظرية كفاءة الأجور. ويرجع جزء من الانخفاض في عدم المساواة الملحوظ في البرازيل في مطلع القرن الجديد المتزامن مع تسارع النمو في إلى الزيادة الكبيرة في الحد الأدنى للأجور.
مكافحة الفساد
يمكن أن تعزز قوانين مكافحة التمييز المساواة وتدعم النمو من خال تحسين حوافز العمل والتدريب للأقليات. وربما تكون استراتيجيات مكافحة الفساد، التي تعمل على الحد من الكسب الريعي، أفضل الخيارات المتاحة لتعزيز النمو والمساواة في الدخل، حتى وإن كان من الصعب في كثير من الأحيان ملاحظة عدم المساواة الناجم عن الفساد.
ويمكن أن تعتمد الحكومات على مجموعة من السياسات لتعزيز النمو من خلال الحد من عدم المساواة وضمان أن يؤدي النمو إلى الحد من الفقر. وستعتمد السياسات التي تقرها الحكومات على الأهمية النسبية لهذين الهدفين والأفق الزمني المتوقع أن تحقق فيه نتائج.
فالسياسات المخصصة فقط لإعادة توزيع الدخل تولد نموا في المستقبل أقل من السياسات التي توسع نطاق الفرص الاقتصادية للفقراء، ولكنها تحد من الفقر على الفور. وهي تخفف أيضا التوترات الاجتماعية وبالتالي يمكن أن تزيل القيود التي تواجه النمو في حالة عدم المساواة المفرط.
وعلى الجانب الآخر، فإن السياسات التي تعزز الفرص المتاحة للفقراء والقائمة أساسا على الضرائب لا تقلل عدم المساواة القائم حاليا بنفس القدر، ولكنها تؤدي إلى نمو أسرع وفقر أقل ومزيد من المساواة في المستقبل. وعلى الحكومات أن تختار مزيج السياسات الذي تفضله.