فضائح تلاحق منظمات المساعدات الخارجية

بين شح الموارد وفساد الأنظمة القمعية

فضائح تلاحق منظمات المساعدات الخارجية

[caption id="attachment_55264375" align="aligncenter" width="5184"]عضو حزب المحافظين البريطاني في البرلمان يعقوب ريس  يقدم التماسا ضد تقديم المساعدات الخارجية بمقر الحكومة البريطانية  في 10 داونينج ستريت في لندن - 8 فبراير 2018. (غيتي) عضو حزب المحافظين البريطاني في البرلمان يعقوب ريس يقدم التماسا ضد تقديم المساعدات الخارجية بمقر الحكومة البريطانية في 10 داونينج ستريت في لندن - 8 فبراير 2018. (غيتي)[/caption]

لندن – ياسمين الجريسي

* هناك اتفاق واسع النطاق على أن برامج المساعدات الصحية أنقذت ملايين الأرواح.
* يمكن بالفعل أن يخرج الناس من حالة الفقر، ولكن البلدان الغنية ببساطة لا تعطيهم ما يكفي.
* رغم تحسن برامج المساعدات فإنها أبعد ما تكون عن الكمال. ولكن الكثير من هذه البرامج جيد بالفعل.



يدافع مؤيدو المساعدات الخارجية دائمًا عن هذا العمل الذي يشكك كثير من الآيديولوجيين في فعاليته. ودائمًا ما يتساءلون عما إذا كان ينفع وإذا ما كان عملاً سيئًا أو جيدًا. وفي غياب أي حوار نقدي حاسم حول المساعدات أصبحت هذه المناقشة المهمة والمعقدة مجرد موضوع بسيط يتم اختصاره بإما أن يكون الفرد مع وإما ضد تقديم المساعدات الخارجية.

دعونا نبدأ بالإشارة إلى ما هو واضح؛ فبعض مشاريع المساعدات تفشل تمامًا، ولا تشير كل الأدلة إلى نتائج إيجابية، تماما كما تفشل بعض التدخلات العسكرية ولا تحقق كل الجهود الدبلوماسية مبتغاها. ولكنّ هناك قدرًا كبيرًا من النجاح أيضًا. وبالنسبة للمبتدئين، فثمة اتفاق واسع النطاق على أن برامج المساعدات الصحية قد أنقذت ملايين الأرواح. وكانت خطة الطوارئ التي وضعها الرئيس بوش للإغاثة من داء الإيدز، والتي توفر العلاج المضاد للفيروسات القهرية لنحو 11.5 مليون نسمة، سببا رئيسيًا لانخفاض الوفيات العالمية الناجمة عن هذا المرض إلى النصف تقريبًا منذ عام 2005. وفي الوقت نفسه، انخفضت نسبة الوفيات بسبب الملاريا 50 في المائة تقريبا منذ عام 2000 - مما أدى إلى إنقاذ ما يقرب من 7 ملايين شخص - وذلك جزئيًا بسبب الجهود التي تبذلها مبادرة الرئيس الأميركي لمكافحة الملاريا - وكالة التنمية الدولية التابعة للولايات المتحدة. وانخفضت حالات الإصابة بالسل بنسبة 25 في المائة، والعالم على وشك القضاء على مرض شلل الأطفال، وانخفض عدد وفيات الأطفال بسبب أمراض الإسهال بما يعادل تقريبًا 4 ملايين طفل كل عام، مقارنة بعدد الأطفال الذين كانوا يموتون من هذا المرض منذ ثلاثة عقود مضت. ويعود الفضل إلى القيادة والعمل الشاق في البلدان النامية، ولكن لا شك في أن المعونة كانت قوة رئيسية لإنقاذ هذه الأرواح. (معهد بروكينغز)

وقد تركزت أكبر المناقشات عن فعالية المساعدات حول النمو الاقتصادي والاتكالية. ويرى النقاد أن المساعدات تضر بمتلقيها من خلال دعم الأنظمة القمعية أو غير الكفؤة ورقع قيمة عملات البلدان الفقيرة، مما يقوض القدرة التنافسية لصادراتها. ويضيف النقاد أنه إذا ما كانت هذه المساعدات تفيد متلقيها فإن أفقر البلدان كانت ستصبح أكثر ثراء على مر العقود، وهذا لم يحصل. ويرى أولئك الذين يؤيدون تقديم المساعدات أنه يمكن بالفعل أن يخرج الناس من حالة الفقر، ولكن البلدان الغنية ببساطة لا تعطيهم ما يكفي.

المساعدات والنمو الاقتصادي



أنفق المانحون الغربيون على مدى العقود الخمسة الماضية 4.14 تريليون دولار للمساعدة الإنمائية الرسمية - أي ما يعادل أكثر من سبعة أضعاف الناتج المحلي الإجمالي لعام 2014 في نيجيريا. وتتجلى هذه التدفقات بدعمٍ من المنظمات غير الحكومية وغيرها من الجمعيات الخيرية الخاصة وما يسمى البلدان المانحة الجديدة. ومع ذلك، لا يزال الفقر مدقعًا في كثيرٍ من البلدان النامية التي تتلقى المعونة، ولا يزال التخلف قائمًا.
وعلى الرغم من نشر عدد كبير من المقالات الأكاديمية، فإن الباحثين لم يستطيعوا التوصل إلى توافق في الآراء. ويبدو أنهم منقسمون إلى معسكرين آيديولوجيين، أحدهما يؤيد تقديم المساعدات والمعسكر الآخر يرى ضعفا في النتائج.
ويعد الاقتصادي الاسكتلندي الأميركي الحاصل على جائزة نوبل أنجوس ديتون من أكثر المعارضين لتقديم المساعدات الخارجية إقناعًا. ويعتقد أن المساعدة الخارجية – التي تقدم لأغراض التنمية، وليس لتفادي الكوارث الصحية الإنسانية أو غيرها من حالات الطوارئ - تضر أكثر مما تنفع الفقراء.

والسيد ديتون أستاذ كرسي آيزنهاور للشؤون الدولية والاقتصاد في جامعة برينستون، الذي أمضى عقودًا يعمل مع البنك الدولي لوضع معايير أساسية لقياس نسبة الفقر العالمي وعمل مع منظمة غالوب لوضع تدابير قائمة على الدراسات الاستقصائية للرفاه. ووفقًا لديتون، والاقتصاديين الذين يتفقون معه، فإن معظم مبلغ الـ135 مليار دولار الذي أنفقته معظم الدول المتقدمة في العالم على المساعدات الرسمية عام 2014 ربما لم يستخدم لمساعدة الفقراء.
وقد كانت نسبة الفقر بين سكان أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى 54 في المائة عام 1990 وانخفضت إلى 41 في المائة عام 2013. ونظرًا للنمو السكاني الهائل في أفريقيا، ارتفع عدد الفقراء بالفعل بمقدار 113 مليون نسمة وأكثر من ربع البلدان أفقر مما كانت عليه في 1960، دون وجود أي إشارة تدل على أن المساعدات الخارجية ستنهي حالة الفقر هناك.
وحتى مع ارتفاع مستوى المساعدات الخارجية إلى أفريقيا خلال فترة الثمانينات والتسعينات، كانت الأوضاع الاقتصادية في أفريقيا تتدهور أكثر من أي وقتٍ مضى، كما يظهر الرسم البياني أدناه، من بحث كتبه الخبير الاقتصادي بيل إيسترلي من جامعة نيويورك.

ولم يقتصر التأثير على أفريقيا. فقد لاحظ بعض الاقتصاديين أن تدفق المساعدات الخارجية لا يبدو أنه يحقق نموًا اقتصاديا في بلدان العالم أجمع. وبدلاً من ذلك، بدا أن تدفق المساعدات الخارجية ارتبط بانخفاض أكثر في النمو الاقتصادي، كما يُظهر هذا الرسم البياني من بحث كتبه راغورام راجان وأرفيند سوبرامانيان، وهو الآن المستشار الاقتصادي لرئيس الوزراء الهندي نارندرا مودي.
وفي ورقة بحث نشرت عام 2011، قال ماركوس بروكنر الذي كان في جامعة أديلايد إنه قدّر تأثير المساعدات على 47 بلدًا بين عامي 1960 و2000. ولاحظ أن المانحين يميلون إلى تقديم مساعدات أقل للبلدان التي ينمو اقتصادها أسرع من غيرها، وهو ما يمكن أن تنتج عنه علاقة سلبية بين النمو والمساعدة. وبالنظر إلى الفترات التي أثرت فيها التحولات الهائلة في أسعار السلع الأساسية على النمو، حدد السيد بروكنر تباينات في المساعدات الخارجية التي لم تكن تدفع بسبب التغيرات في دخل كل شخص. ووجد أن زيادة بنسبة 1 في المائة في المساعدات الخارجية رفعت نمو الدخل لكل شخص بنحو 0.1 نقطة مئوية.

في كتاب مؤثر يتناول محنة أفقر الفقراء: «المليار الأدنى: لماذا تفشل البلدان الأكثر فقرًا وما يمكن عمله حيال هذا الموضوع»، قال كوليير إن النقاد والمؤيدين بشدة للمساعدات الرسمية قد بالغوا كثيرًا في المطالبات وشوهوا السجلات التجريبية والتاريخية. وأوضحت قراءة كوليير للأدلة أن المعونات الرسمية قد ساعدت على مدى السنوات الثلاثين الماضية في تسريع نمو الناتج المحلي الإجمالي بين أفقر الدول في العالم - ومعظمها في أفريقيا - بنسبة 1 في المائة سنويًا تقريبًا. وهذا الرقم لا يذكر، ولا سيما عندما يرى المرء أن أفقر البلدان لم تحقق أي معدل نمو إجمالي للفرد خلال هذه الفترة. أي أنه في غياب المساعدات الرسمية، فإن مليار شخص يعيشون في هذه الدول - ما يسمى «المليار الأدنى» - سيشهدون انخفاضا في دخلهم عامًا تلو الآخر.

ويناقش جوزيف ستيغليتز حائز جائزة نوبل بأن «المساعدات الخارجية... بكل سيئاتها، ما زالت تعود بالفائدة على الملايين، في كثيرٍ من الأحيان بطرق لم تتم ملاحظتها». وخلص مارتن رافاليون والاقتصادي الأسترالي والمدير السابق لقسم البحوث في البنك الدولي إلى أن «الأدلة الكلية الأخيرة تتناسب أكثر مع الادعاء بأن الالتزام المستمر بالمساعدات المقدمة إلى البلدان الفقيرة أمر جيد لنموها الاقتصادي على المدى الطويل».
وبالنسبة لعدد متزايد من الاقتصاديين، فإن مسألة فعالية المساعدات الخارجية المقدمة للبلدان الفقيرة لا تفسر على أنها سوداء أو بيضاء. والواقع أن عددًا من المؤلفين اتخذوا مواقف متوسطة. وفي كتاب «الاقتصاد الفقير: إعادة النظر الراديكالي في الطريق لمكافحة الفقر العالمي»، يوافق بانيرجي ودوفلو مجموعة متزايدة من الباحثين في القول بأن هذا الجدل لا يمكن حله بتجرّد، وذلك باستخدام البيانات المجمعة والارتدادات عبر البلاد. وهم يرون أن هناك حاجة إلى «إعادة التفكير الجذري في طريقة محاربة الفقر». ومن وجهة نظرهم، فإن الدليل بسيط جدًا، فبعض المشاريع التي تمولها أعمال المساعدات الرسمية فعالة في الحد من الفقر وإيصال السكان المحليين إلى مرحلة الاكتفاء الذاتي والازدهار، في حين تحقق مشاريع وبرامج أخرى فشلاً ذريعًا. والسؤال لا يكمن في كيفية تحقيق برامج المساعدات الإجمالية في الماضي، بل في كيفية تقييم ما إذا كانت البرامج المحددة فعالة.

المساعدات والاتكالية



يرى منتقدو المساعدات الخارجية أن ثقافة الاعتماد علىيها أدت إلى وضعٍ تفقد فيه الحكومات الأفريقية الحافز لتنفيذ الإصلاحات السياسية الضرورية التي من شأنها معالجة هذه المشاكل.
وفي مقال تم نشره، قال ديتون: «برز ذلك في البلدان - غالبًا أفريقيا - حيث تتلقى الحكومة مساعدات مباشرة وتدفقات كبيرة من المساعدات بالنسبة للنفقات المالية (غالبا ما يكون أكثر من نصف المجموع). ولا تحتاج هذه الحكومات إلى إبرام عقود مع مواطنيها ولا إلى البرلمان ولا حتى إلى وجود نظام لجمع الضرائب. وهم في هذه الحالة مسؤولون تجاه المانحين. ولكن حتى ذلك يفشل في الممارسة، لأن الجهات المانحة، وتحت ضغط من مواطنيها (الذين يريدون فعلاً مساعدة الفقراء)، تحتاج إلى صرف الأموال بقدر ما تحتاج حكومات البلدان الفقيرة للحصول عليها، إن لم يكن أكثر من ذلك».

وعلاوة على ذلك، يجادل ديتون بأن فكرة أننا إذا قدمنا المزيد من المساعدات فإن النتائج ستكون أفضل، تتجاهل حقيقة أن الأموال غالبًا ما تكون قابلة للاستبدال. حتى لو كانت المساعدات مقدمة مثلاً إلى قطاعي الغذاء أو الصحة، فيمكن للحكومة ببساطة أن تقتصد في الإنفاق وتعيد توجيهها في أماكن أخرى، على سبيل المثال، للجيش.
ولكن مرة أخرى، تشير البحوث الأخرى الأخيرة إلى خلاف ذلك؛ فقد وجد ثاد دونينغ من جامعة كاليفورنيا في بيركلي أن المساعدات كان لها تأثير إيجابي على الديمقراطية في أفريقيا بعد الحرب الباردة. ورأت سارة بيرميو من جامعة ديوك أنه بعد عام 1992 زادت المساعدات الخارجية من المانحين الديمقراطيين من احتمال التحول الديمقراطي. (والمساعدات من المانحين غير الديمقراطيين - مثل الصين - لم يكن لها هذا التأثير).
وكمثال حديث، كان لضغط المانحين في السنغال - دعمًا لأغلبية الأصوات المحلية - تأثير كبير في إحباط خطة الرئيس السنغالي السابق عبد الله واد لتغيير الدستور والسعي للحصول على ولاية ثالثة في منصبه عام 2012. وبعيدًا عن دعم الديكتاتورية، ساعد ضغط المانحين مواطني السنغال على إجراء انتخابات رئاسية جديدة مفتوحة ونزيهة. وترى رئيسة ليبيريا إلين جونسون سيرليف وجود صلة قوية بين المساعدات ومنع تكرار الحرب الأهلية الطويلة في بلدها. وقالت: «لولا الدعم الدولي لما استطاعت ليبيريا أن تحقق تقدمًا كبيرًا، وربما كانت ستكون غارقة في الصراع مرة أخرى».

وقبل عقد من الزمن كان العلاج الموافق عليه للتجزئة هو أن يدفع المانحون المساعدات مباشرة إلى البلدان الفقيرة لاستخدامها كما يحلو لهم. ولم يعد ذلك يحصل اليوم. إذ يشعر المانح الذي يمول حكومة البلد الفقير بأنه مسؤول عن كل ما تفعله هذه الحكومة بالمساعدات. ويكره دافعو الضرائب في البلدان الغنية أن يروا أموالهم تنفق على السيارات الفخمة. ولذلك تسعى الجهات المانحة إلى إرسال النوع المناسب من المساعدات إلى الأماكن والقطاعات التي تحتاج إليها. ولكن حتى لو أرسلت الدول الغربية إشارات واضحة ومتسقة، فقد تكافح ليتم الإصغاء لها. وتناقش مجلة «ذي إيكونوميست» الأسبوعية بأن المساعدات أصبحت أقل أهمية بالنسبة للكثير من البلدان الفقيرة مقارنة بالاستثمارات الأجنبية أو التحويلات المالية. وأصبح المانحون أكثر تنوعًا. ووفقًا لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية «فإن الكثير من البلدان التي كانت تتلقى المساعدات تقدمها اليوم؛ وعدد قليل من البلدان، بما فيهم الهند وتركيا، تقدم وتتلقى المساعدات على حدٍ سواء، وقد وزعت الصين ما يقرب من 3.4 مليار دولار العام الماضي. وعلى الرغم من أن هذا المبلغ يبدو زهيدًا مقارنة بما تقدمه الولايات المتحدة أو بريطانيا، فإن الصين مهمة لأنها تستطيع أن تكون بمثابة الممتص للصدمات. وبالنسبة للديكتاتوريين الفاسدين، فإن المساعدات الصينية أفضل من تلك الغربية. فالصين لا تميل إلى الاهتمام كثيرًا بالديمقراطية، ونادرًا ما تعترض على القروض التي تنفق على المشاريع الكبرى التي لا فائدة منها، فهي نفسها تنفذ الكثير من تلك المشاريع».

المضي قدمًا



لقد تم إجراء الكثير من البحوث التي تم نشرها وأصبحت متاحة للقراءة. ورغم تحسن برامج المساعدات فإنها أبعد ما تكون عن الكمال. ولكن الكثير من هذه البرامج جيد بالفعل، وينبغي أن يعرف الناس ذلك لأنهم يستطيعون القيام بالكثير من الأمور لتعزيز تأثيرها. وقد بدأ المانحون القيام بذلك في السنوات الأخيرة عن طريق الحد من المشروطية والتركيز أكثر على قياس النتائج والتشديد على النتائج بدلاً من المدخلات واستخدام المساعدات لتشجيع الاستثمارات في القطاع الخاص وغيرها من التحسينات. ويكمن السبيل الصحيح للمضي قدمًا في التركيز على سبل مواصلة تعزيز المساعدات في المستقبل والاستفادة من نجاحاتها، ولكن التصريحات الواسعة بشأن المساعدات وغير المدعومة بأدلة لا تساعد على جعل جدول الأعمال هذا يخطو أي خطوة إلى الأمام.




font change