بيروت: فايزة دياب
* الحمرا لم يصمد بوجه الجيوش والميليشيات التي دخلت بيروت وحاولت تهجير أهله، وسلخ الشارع عن روّاده.
* يعيش شارع الحمرا حاليًا على النخب الثقافية والفنية التي تشكل نوعاً من الجاذبية للجيل الجديد.
* أبرز أدباء وشعراء شارع الحمرا: محمد الماغوط ومحمود درويش وعمر أبو ريشة وأنسي الحاج ومحمد الفيتوري ونزار قباني وبلند الحيدري.
* بين الثقافة والفن والحضارة والتجارة والتسوّل والماضي والحاضر، يعيش شارع الحمرا الذي يأبى أن يموت.
من قلب بيروت النابض بالحياة، ومن أحد أزقتها التي تحكي كلٌ منها حكاية تاريخ متنوع مليء بالحضارة والأحداث والكوارث والحروب والسحر، أطلّ شارع الحمرا في أربعينات القرن الماضي ليكون منارة بيروت وروحها النابضة ومقرًا للنخب اللبنانية والعربية في آن، حتى ذاع صيته في العالم أجمع.
شارع الحمرا الذي يعكس صورة بيروت كما أحبّها اللبنانيون والعرب، ويجسّد معاني عبارات حفرت في وجدان اللبنانيين منذ ولادتهم عن مدينتهم التي لا تموت وسويسرا الشرق وجوهرته على الرغم من الحروب والكوارث التي شهدتها، فإنّها تنتفض فتنفض غبار المآسي وتنهض مجددا لتعود ملتقى الثقافات والأديان والأجيال والثورات.
في شارع الحمرا كانت البداية، بداية الفنّ والمسرح والسينما والتلفزيون اللبناني، وفي مقاهي الرصيف ومطاعمها كانت تحاك العلاقات الاجتماعية وتولد عناوين الصحف السياسية والفنية، إنه نتاج للثقافات المتناقضة والأفكار السياسية. هو الشارع الذي عرف بداية باسم «زقاق الحمرا» في العام 1898 بعد أن كان اسمه «خندق ديبو» ويسكنه مزارعون وصيادو أسماك، مكتسبًا اسمه من عائلة الحمرا التي استوطنت المنطقة منذ مطلع القرن الخامس عشر، وبحسب المؤرخين فإنّ سكان هذا الشارع كانوا قبل العام 1918 يهتمون بالأشجار ويعملون على اصطياد العصافير وبيعها كمصدر عيش لهم، إلى أن أصبح أحد أهم شوارع بيروت بعد أن تأسست الجامعة الأميركية عام 1866 والتي ساهمت بارتفاع وتيرة نموه، إضافة إلى مقاهي المثقفين التي أعطته هوية لا تموت.
«الهورس شو» ماضي الحمرا الجميل
في رحلة إلى زمن شارع الحمرا الجميل مع من عاصروا ذاك الماضي يكون لمقهى «الهورس شو» الحصة الأكبر في الحديث عن ذكريات طويت مع إعلان منح الدبغي قرار إطفاء الأنوار في مقهاه ذي الشهرة المدوية في النصف الثاني من ثمانينات القرن الماضي. انطلق «هورس شو» عام 1959 كأول مقهى رصيف في الشارع وتحول إلى أهم ملتقى للمثقفين اللبنانيين والعرب على اختلاف مشاربهم وعقائدهم وأحلامهم.
يستذكر الصحافي والكاتب السياسي الدكتور داود الصايغ في حديث مع «المجلة» ذكرياته مع شارع الحمرا وتحديدًا مقهى «الهورس شو» ويقول: «كانت محطتي اليومية بعد انتهاء عملي في الصحيفة التي كنت أعمل فيها آنذاك، كان أشهر مقاهي الحمرا، خصوصا أنّ روّاده هم من الصحافيين والفنانين والمفكرين والشعراء وسيدات المجتمع وأشهرهم سيّدة المسرح الأرستقراطي ومقدمة البرنامج الفكاهي على تلفزيون لبنان إيفيت سرسق ابنة العائلة الأرستقراطية البيروتية الأصيلة. أغلب علاقاتي الاجتماعية والعملية نسجتها في (الهورس شو)، خصوصا أنّ رواده ليسوا لبنانيين فقط بل كانوا عربًا يأتون إلى لبنان خصيصًا لزيارته، ليس مبالغة إن قلت إنّه كان أشهر مقهى في الشرق الأوسط».
ويتابع الصايغ ذكريات مضت عن شارع كان يضجّ بالحياة «شارع الحمرا كان عالما بحد ذاته، كان روح المدينة، ومحطة التقاء للسياسيين والمثقفين والفنانين والصحافيين والشعراء العرب واللبنانيين، ففي هذا الشارع كان كلّ شيء موجودا ولا يحتاج السائح مثلا أو المقيم فيه أن يخرج إلى مكان آخر لكي يلبي حاجاته، ففيه الفنادق والمسارح وأكثر من 7 دور السينما، ومطاعم ومقاهٍ ومحال تجارية بأنواعها ومستشفى الجامعة الأميركية والجامعة الأميركية مثله مثل بعض شوارع باريس، وهذا ما كان يميّز هذا الشارع عن سواه من شوارع بيروت».
ولكن ماذا عن شارع الحمرا اليوم؟ يقول الصايغ: «كان معلمًا يجدر الحفاظ عليه، ولكنّ الحمرا لم تصمد بوجه الجيوش والميليشيات التي دخلت بيروت وحاولت تهجير أهلها، وسلخ شارع الحمرا عن روّاده اللبنانيين والعرب. الحرب الأهلية التي اجتاحت لبنان قسّمت بيروت بالقوّة إلى غربية وشرقية، فأصبح شارع الحمرا الذي يقع في بيروت الغربية معمّدا بالنار، ومحرمًا على أبناء بيروت الشرقية الذين كانوا من روّاده بسبب خط التماس والنار الذي قسّم المدينة، فبتنا عاجزين عن عبور الحواجز لنأتي إلى مقرّنا المعتاد في الحمرا، ولكي نستمتع بما توفره من دور سينما ومسارح وعلاقات اجتماعية... الحرب الأهلية التي دمّرت المدينة قضت على فكرة السياسة القديمة ومعالم الالتقاء فيه، وعلى الرغم من محاولات روّاد (الهورس شو) من أبناء بيروت الشرقية التلاقي في أماكن أخرى بعد أن شتتتهم الحرب، فكانت مقاهي الكسليك مقرًا جديدا لهم إلا أنّهم لم يستطيعوا أن ينقلوا روح المدينة معهم والجو الذي كان يوفره (الهورس شو) لروّاده، فهم لم يستطيعوا أن يجمعوا هذا الكم من المثقفين والصحافيين والسياسيين والرسامين والشعراء والكتاب... الذين ينتمون إلى ثقافات مختلفة. وحتى مع انتهاء الحرب الأهلية لم تعد الحمرا كما كانت».
أبرز أدباء وشعراء العالم العربي كان شارع الحمرا مقرا لهم، أبرزهم محمد الماغوط ومحمود درويش وعمر أبو ريشة وأنسي الحاج ومحمد الفيتوري ونزار قباني وبلند الحيدري وغيرهم المئات من الكتاب والشعراء والأدباء اللبنانيين والعرب، و«الهورس شو» كان يؤمّن المناخ الملائم للكثير منهم، فالطابع الذي سيطر على المقهى هو الطابع الثقافي والمسرحي والفني أكثر من الطابع السياسي، وانعكس ذلك على طبيعة روّاده الذين كانوا بغالبيتهم من الشعراء والكتاب والممثلين الذين استوطنوا المقهى الذي ولد من على طاولاته الكثير من المسرحيات والشعراء والممثلين.
هشام صالح مسرحي قديم لم يستطع الانسلاخ عن ماضيه فعاد إلى الحمرا بعد انتهاء الحرب الأهلية، واتخذ من مقّره القديم مقرًا جديدًا له، فاختار مقهى «الكوستا» الذي حلّ محلّ «الهورس شو»، ولكن «للماضي طعمٌ آخر» يقول صالح. ويضيف في حديثه لـ«المجلة»: «فرق كبير بين بيروت السبعينات وبيروت الآن، بيروت السبعينات هي لؤلؤة الشرق وعاصمته الثقافية والسياسية وملتقى النخب العربية، لكن بيروت لم تعد مدينة اللبنانيين والعرب بعد أن قتلتها الحرب الأهلية، شارع الحمراء كان ملتقى اللبنانيين من جميع المناطق، والطوائف... في هذا المقهى وفي هذا المكان ذكريات هائلة للحركة المسرحية والفنية والتشكيلية التي انطلقت في بيروت والتي كانت في أوّج ازدهارها آنذاك، كان يتردد إلى هنا أبرز الكتاب والمسرحيين كأنطوان منتهى وأديب منتهى وجلال خوري ومادونا غازي وروجي عساف وأنطوان كرباج. وهنا كان قلب الصحافة اللبنانية، حيث كانت جريدة (النهار) على بعد 200 متر من (الهورس شو)، ولكن مطبخها التحريري كان يتّم بين (النهار) و(الهورس شو) التي كانت مقرّا يوميًا لغسان التويني، وبعض السياسيين العرب الذي حاكوا المؤامرات والانقلابات ضدّ بعض الأنظمة العربية».
ويضيف صالح: «كان هذا الشارع يكتظ بالروّاد ليلاً ونهارًا، هو شارع لا ينام، كان خلية نحل، تنسج فيه أبرز شبكات العلاقات الاجتماعية، وعلى الرغم من كلّ ما مرّت به بيروت فإنّ لشارع الحمرا نكهته الخاصة، فشارع الحمرا ورأس بيروت لا يزالان روح المدينة، فلا يوجد أي مكان آخر في المدينة يجمع جميع اللبنانيين من مختلف طوائفهم ومذاهبهم، وروّاده من مختلف الجنسيات كشارع الحمرا. لذلك الحنين يعيدنا إليه دائما، وهو يعيش حاليًا على النخبة الثقافية والفنية الباقية من الماضي، والذين يشكلون نوعا من الجاذبية للجيل الجديد، خصوصا بعدما قرّر الكثير من روّاد هذا الشارع هجره، ورحيل الكثير منهم أيضًا، لتبقى قلة من روّاد الماضي يترددون بشكل يومي إليه».
ويتابع صالح: «انقطعت عن الحمرا خلال سفري إلى فرنسا وبعد العودة وجدت عالما آخر لا يشبهني، لولا حنيني ومحبتي لبيروت لا أعود إلى هنا. في الماضي كان هذا المكان وكأنّه بيتنا الكبير، أو قريتنا الصغيرة، كلّ من فيه من معارفي، فعند الوصول إلى المقهى أو الشارع أمضي أكثر من نصف الوقت في إلقاء التحيات وأتبادل الأحاديث مع الجالسين، أمّا الحيرة فإلى أي طاولة سأنضم، لكن اليوم آتي إلى هنا أحيانًا لا أجد من أجلس معه أو ألقي عليه السلام».
كذلك الصحافي حسين حسون الذي يجلس في أحد مقاهي الرصيف في شارع الحمرا يتحدث بشغف لـ«المجلة» عن الزمن الذهبي الجميل و«أيام العزّ» في شارع الحمرا: «هنا ترعرعت، وهنا مراهقتي وشبابي ورجولتي، لا أستطيع الانقطاع عن هذا المكان، لا زلت أقصده يوميا في الصباح، ألتقي أنا وأصدقائي هنا نحتسي القهوة ونقرأ الصحف»، وعن «أيام العزّ» يقول: «كان شارعا يجمع بين الشعبي والأرستقراطي، خليط من البشر كانوا يأتون بشكل يومي إلى هنا، كان أبرز شارع باعتباره مركزا تجاريا وثقافيا، ومركزا لأهم دور السينما في لبنان، هنا كان أكثر من سبع دور للسينما لم يتبق منها سوى يافطة معلّقة تذكّر بأن السينما بدأت من هنا، فمن ينسى سينما الحمرا وسينما إلدورادو، وأيضا مسرح البكاديلي، ومسرح بيروت، ومسرح بعلبك، وغيرها، كان هذا الشارع متنفسا للناس».
ويرى حسون أنّ «الهورس شو» كان من العلامات الفارقة في شارع الحمرا، كان مقهى يجمع المثقفين والصحافيين بشكل عام. كنا نلتقي جميعا في الهورس شو بعد انتهاء عملنا، نتناقش ونتبادل الأفكار ونتحدث بهموم البلد، وأيضا أخذت «مودكا»، و«كافيه دو باريس» جزءا من العزّ في الماضي، خصوصًا أنّ المقهى هو نافذة تطل على المدينة، وأهمية مقاهي الرصيف التي احتضنها شارع الحمراء أنها جزء من الشارع والناس، كان هذا الشارع من أهم شوارع بيروت ولا يزال، ولكن ما تغير أنّ هموم الناس قد زادت، وشكل المدينة تغيّر، بيروت أصبحت مدينة لا أحد يهتم بها، فملامحها تغيرت بعد الحرب، التي تركت آثارها على المدينة وعلى شارع الحمرا الذي تحوّل إلى شارع أشباح يجوبه المسلحون والإهمال».
وختم حسون: «شارع الحمراء هو جزء من تاريخي، أهم سنوات عمري عشتها هنا، أصبح هذا الشارع ملازما لحقبة تاريخية تتعلق بي شخصيا، أحب هذا الشارع بعزّه وبشكله المهمل، أختزل فيه الكثير من ذكرياتي، كونت معظم صداقاتي هنا في هذا الشارع، ولا زلنا نلتقي في شارع الحمراء يوميًا، مجموعة شعراء وصحافيين ومثقفين، حتى توقيع الكتاب الذي ألفته قررت أن يكون حفل توقيعه هنا في أحد مقاهي رصيف الحمرا الذي يملأه ضجيج المدينة وصخبها، على الرغم من وتيرة التغير التي دخلت عليه فإنّه يبقى جزءا من حياتي المهنية والاجتماعية».
لأنّ هذا «الهورس شو» كان له أهمية كبيرة لدى المثقفين والصحافيين والنخب، طالبوا صاحبه بافتتاح مقهى آخر، ليعيد جمع ما فرقه إقفال المقهى والحرب معًا، وهذا ما حصل؛ افتتح منح الدبغي الذي توفي من نحو الشهر تقريبًا في أواخر تسعينات القرن الماضي مقهى «سيتي كافيه» في شارع السادات في الحمرا، ولكن بحسب كثيرين لم يستطع إحياء ماضي «الهورس شو» الجميل، ولكنه لعب دورًا مشابهًا حيث جمع الكثير من النخب والمثقفين الذين كان لديهم حنين إلى «الهورس شو».
أحد أصحاب المحال التجارية المحاذي «للسيتي كافيه» الذي تحوّل إلى مقر لبنك بيروت، يقول لـ«المجلة» إنّ «المقهى الذي أقفل منذ عشر سنوات تقريبًا أعطى المنطقة بوجوده طابعًا خاصًا، حتى حركة الزبائن في الشارع كانت أفضل، فالمقهى كان مزيجا بين المقهى الشعبية والمقهى الأرستقراطية، روادها كانوا من مختلف الطبقات الاجتماعية، كانت مشهورة جدا فأسعارها كانت تناسب الجميع، ومقرا للكثير من الصحافيين الذي يشربون قهوتهم الصباحية ويقرأون الصحف فيها، قبل ذهابهم إلى عملهم، لم يكن أي مقهى ينافسها في هذه الحقبة من حيث نوعية الناس التي كانت تقصدها يوميا، وكان من أبرز روّادها الرئيس الشهيد رفيق الحريري، فهي كانت قريبة من قصر قريطم، كان يجمع حوله الصحافيين والمثقفين والسياسيين يوميًا».
إذن بحسب الكثيرين وعلى الرغم من العزّ الذي عاشته «السيتي كافيه» فإنّها لم تستطع أن تنقل روح «الهورس شو» على الرغم من أنّ صاحبهما واحد، حتى هو لم يستطع أن ينسى «الهورس شو» فكان يمرّ يوميًا وهو يتكئ على عكازه من أمام «الكوستا» الذي حلّ محلّ زمنه الجميل. وفي المقلب الآخر من رأس بيروت وتحديدا في «شارع بلس» على بعد أمتار من شارع الحمرا الرئيسي، مطعم فيصل الذي أنشئ في أوائل الأربعينات قبالة المدخل الرئيسي للجامعة الأميركية في بيروت، إلا أنّ هذا المعلم التاريخي أقفل في النصف الثاني من عقد الثمانينات وأقفلت معه سجالات وحوارات معمّقة كانت تدور على طاولاته يوميًا.
يروي فيليب إلياس سفر الرجل السبعيني وأحد أبناء هذا الشارع لـ«المجلة» قصص بطولات ورجالات مرّت على هذا المطعم الذي «كان مقرا لطلاب وأساتذة الجامعة الأميركية، وكان يقدّم لهم في الصباح «ترويقة» الفطور فول وحمص، أمّا وجبة الغداء فكانت صحناً يومياً من الأكلات اللبنانية فاصولياء وأرز، مجدّرة، وغيرها من الأطباق، وكذلك كانت مقرا للشباب الذين يريدون احتساء القهوة المميزة، كان يقف النادل في وسط المطعم وهو يحمل ركوة القهوة وينادي بأعلى صوته من يريد قهوة سادة، فيصب لمن يريد ومن ثم يهزّ الركوة بشكل خفيف وينادي من يريد قهوة وسط، ومن ثم يهزّ الركوة بقوة ويصبّ القهوة لمن يريدها حلوة».
ولكن هذا ليس كلّ ما ميّز هذا المطعم، فبحسب سفر: «عرف مطعم فيصل الذي حمل اسم صاحبه، بطابعه الفكري – الجامعي كون مركزه مقابل الجامعة الأميركية في بيروت، وكان روّاده أساتذة الجامعة الأميركية وأبرزهم المفكر والكاتب اللبناني والعربي الراحل منح الصلح، ولأنّ الجامعة الأميركية في بيروت كانت آنذاك من أهم الجامعات في الشرق الأوسط ومنها تخرّج قادة ومفكرون وسياسيون عرب، فكان المطعم مقرا للبنانيين وعرب أساتذة وطلابا، طرحوا وناقشوا أهمّ أفكارهم داخله، خصوصا أنّ بيروت كانت رمزا للحرية الفكرية التي لم تكن موجودة في أي بلد آخر... عام 1948 أثناء نكبة فلسطين، كان الحديث الأبرز في المطعم هو أخبار فلسطين والنكبة، خصوصًا مع وجود عدد كبير من الطلاب في الجامعة الأميركية من الفلسطينيين، ومن بين هؤلاء الشباب كان الدكتور جورج حبش الذي كان يدرس الطب في الجامعة الأميركية في بيروت، وجورج حبش هو مناضل فلسطيني ولد في مدينة اللد، يعتبر مؤسس الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وأحد أبرز الشخصيات الوطنية الفلسطينية يلقبه أنصاره بالحكيم (لكل ثورة حكيم ولثورتنا الفلسطينية حكيم واحد وهو جورج حبش)، شغل منصب الأمين العام للجبهة الشعبية حتى عام 2000. وهو المؤسس لحركة القوميين العرب».
ويتابع فيليب: «ليس من المبالغة إن قلنا إنّ من هذا المطعم انطلقت منظمة التحرير الفلسطينية، ومنه أيضا فكرة القومية العربية، وقد ذاع صيته عربيًا ودوليًا إلى درجة أنّه عندما كان يريد بعض الأهالي مراسلة أبنائهم الذين يدرسون في الجامعة الأميركية، كانوا يضعون اسم مطعم فيصل كدلالة على عنوان الجامعة الأميركية التي تقع مقابل المطعم».
ذات يوم غنّى خالد الهبر لشارع الحمرا وهي ليست الأغنية الأولى التي تحمل اسم الحمرا ولن تكون الأخيرة، ولكنّها أكثر أغنية استطاعت أن تصف المزيج الثقافي والاجتماعي الذي يطغى على هذا الشارع: «يا شارع الحمرا يا شارع الألوان، يا مصيدة القلوب، يا خسارة الجوعان، يا شارع الثقافي، التجار، البياعين، كيلو بخمسة البطاطا، وبتلاتي الفنانين، عربية عليها كوسى، بقدونس، وفساتين، وشرايط وأساور ملفوف وجزادين، صوت العربية واصل لآخر الحمرا... بياعين العلكة فقرا ومساكين حبة كرمال الله بحبة وحدة راضيين».
بين الثقافة والفن والحضارة والتجارة والتسوّل والماضي والحاضر، يعيش شارع الحمرا الذي يأبى أن يموت فيبقى منارة في دنيا اللبنانيين والعرب. يحيا دائمًا من الركود وينتفض على واقع مرير يمرّ بلبنان وبيروت، ليجمع دائما في مقاهيه وحاناته ومتاجره عربًا وعجمًا وصلت لهم أخبار الحمرا «الجميلة والفريدة»، أمّا أجيال الماضي من اللبنانيين فقرروا توريث أولادهم وأحفادهم مجد هذا الشارع وذكرياته لتصبح زيارته شغفًا ممزوجًا بالحنين إلى ماضٍ جميل.