مع بداية عام جديد، يبدو الشرق الأوسط أكثر تعقيدًا مما كان عليه منذ عام، في ظل استحواذ الميليشيات الشيعية التي تدعمها إيران على مزيد من الأراضي في سوريا واستعداد إيران للانتخابات في العراق وتقوية نفوذها في لبنان وإشعالها أزمة في اليمن. وفي حين يبدو أن ميزان القوى في المنطقة يميل لصالح إيران، ربما يحقق العام الجديد بعض التطورات التي قد تتصدى لإيران وعملائها، وتفتح الشرق الأوسط على سيناريوهات مختلفة. ولكن يعتمد الأمر كله على كيف ستضع الولايات المتحدة استراتيجيتها تجاه إيران وكيف ستنفذها.
أثارت السعودية مخاوف صحيحة فيما يتعلق بهيمنة إيران الإقليمية منذ أن قرر الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما تقديم الاتفاق النووي الإيراني في الأولوية على انعدام استقرار المنطقة مما سمح لإيران بإثارة الفوضى في العراق وسوريا واليمن. لم تتوافق إدارة أوباما مع السعودية حول خطط إيران الإقليمية. ولكن كشفت التطورات الأخيرة - مثل خبر «بوليتيكو» العاجل عن مشروع كاسندرا – أن أوباما عرقل جهود إدارة مكافحة المخدرات التي استهدفت إضعاف «حزب الله».
ترى الإدارة الأميركية الجديدة إيران بمنظور مختلف. على الرغم من أن إيران لا تزال تتحرك بلا قيد في المنطقة، يعلم النظام الإيراني أن الامتيازات التي تمتع بها في ظل إدارة أوباما قد انتهت، وأن الرغبة في إيقاف إيران في المنطقة متوفرة في كل من الولايات المتحدة والشرق الأوسط، الذي أصبح لإيران فيه اليوم أعداء أكثر من ذي قبل.
سوف تسعى طهران إلى التحرك سريعا لتأمين أهدافها، لكي تصبح قوة رئيسية في الخليج، ثم تسيطر على العالم العربي من الخليج إلى البحر المتوسط. في عام 2018. سوف تحاول إيران تعزيز قوتها بالحصول على اعتراف دولي، غربي في الأساس. ولكن ستكون هناك تحديات.
في لبنان، على الرغم من أن السعودية سمحت لقوى دولية بإعادة رئيس الوزراء سعد الحريري إلى لبنان، حيث تراجع عن استقالته، لا يعني ذلك أن السعوديين لم يعودوا مهتمين بانزلاق لبنان تحت مظلة إيران. عاد الحريري بصورة واضحة بشأن ما ترغب السعودية في رؤيته في لبنان. تدخل الفرنسيون لإيقاف أي إجراءات انتقامية من السعودية في الوقت الحالي، ولكن لا يعني ذلك أنه لن يحدث أي ضرر. إذا أسفرت الانتخابات البرلمانية المقبلة عن أغلبية يقودها «حزب الله» في البرلمان القادم، فربما يتوقف الدعم السياسي والمالي السعودي إلى لبنان.
ربما يتزامن ذلك مع استراتيجية أميركية محددة جيدًا تجاه إيران قد تثمر احتواء فعلياً لعملاء إيران في المنطقة. وربما تتم ترجمة الأحاديث عن إحياء مشروع كاسندرا إلى أفعال، وربما يتم اتخاذ إجراءات عقابية أكبر ضد «حزب الله».
في عام 2018، قد يفوز «حزب الله» في لبنان ديمقراطيًا، ولكنه أيضا قد يواجه مزيدًا من التحديات.
المشهد أكثر تعقيدًا في سوريا. استولت إيران على الأرض، واستطاعت إنقاذ نظام بشار الأسد، وأقامت جسرًا بريًا يربط بين العراق وسوريا عبر البوكمال في دير الزور، وتوشك أن تنتهي من عملية تطهير عرقي لجيوب المعارضة في ضواحي دمشق وما حولها. ومع اقتراب نهاية الحرب، تتعرض إيران لضغوط لسحب ميليشياتها من سوريا، وهو ما لن تفعله بعد أن استثمرت الكثير للغاية من الموارد والمقاتلين. وسوف تجد روسيا ذاتها في موقف سيئ حيث لن يظل تحالفها مع إيران كما هو في أثناء محادثات السلام. يقود فلاديمير بوتين نسخته من محادثات السلام بعد إخفاق جنيف، ولا يرغب في أن تستمر الحرب في سوريا.
تحت وطأة ضغوط دولية كبيرة، يفضل بوتين خروج إيران من سوريا، وتحديدا من المناطق المذكورة في اتفاقيات تخفيف حدة النزاع. وفي ظل شن إسرائيل هجومًا على إيران بصفة يومية في سوريا، ربما تجد روسيا ذاتها تمارس ضغطًا أكبر على إيران إذا لم تكن ترغب في اندلاع حرب إسرائيلية إيرانية في سوريا.
لم تستثمر السعودية بكثافة في سوريا كما اعتادت، ولكن لا يزال في إمكانها استخدام نفوذها لممارسة ضغط أكبر على روسيا. من غير المرجح أن تسحب الولايات المتحدة قواتها من سوريا، ويمكن أن يعد ذلك أيضا نفوذا قابلا للاستخدام بهدف الضغط على كل من روسيا وإيران. بمجرد أن تكتمل استراتيجية إيران وتصبح معدة للتنفيذ، يمكن أن تصبح هذه القوات والقواعد العسكرية الأميركية ذات فائدة عظيمة في ذلك الاتجاه.
في العراق، تبدو اللعبة دبلوماسية أكثر من بقية أنحاء المنطقة لسببين. أولا: استثمرت السعودية بالفعل في الدبلوماسية الناعمة على المشهد السياسي العراقي. ثانيا: ترتفع حدة مشاعر كراهية إيران، خاصة بين الشيعة في العراق أكثر من أي مكان آخر في المنطقة.
دعت السعودية بالفعل عددا من الشخصيات السياسية الشيعية المعارضة لإيران مثل رئيس الوزراء حيدر العبادي، والزعيم السياسي الشعبي مقتدى الصدر. وأيد زعماء النجف طلب العبادي بنزع سلاح الميليشيات الشيعية التي تدعمها إيران أو عدم ترشحها في الانتخابات المقبلة المقرر عقدها في أبريل (نيسان) 2018.
ترغب إيران من الأحزاب الشيعية العراقية خوض الانتخابات كوحدة واحدة تحت شعار التحالف الوطني. في سبتمبر (أيلول)، بعد سلسلة من زيارات المسؤولين العراقيين إلى السعودية، أرسلت طهران رئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام آية الله محمود هاشمي الشاهرودي إلى بغداد، وقد أراد لقاء قادة الشيعة في محاولة لتوحيدهم قبل الانتخابات. واجتمع في الحقيقة مع الكثير منهم، من بينهم رئيس الوزراء حيدر العبادي، وزعيم الدعوة الإسلامية نوري المالكي، وعمار الحكيم الذي انشق عن المجلس الأعلى الإسلامي العراقي الذي تدعمه إيران ليرأس تيار الحكمة الوطني الجديد.
ولكن الشاهرودي لم يكن مرحبًا به في النجف؛ ولم يتمكن من ترتيب لقاءات مع أي من المرجعيات الدينية الأربع الكبرى هناك. كذلك رفض رجل الدين الشيعي البارز مقتدى الصدر لقاءه. ربما تكون إيران أكثر ثقة في قدرتها على التأثير على الانتخابات البرلمانية اللبنانية المقررة في مايو (أيار) 2018، ولكن قد يكون تأثيرها على انتخابات العراق في أبريل 2018 أكثر صعوبة. تغير أيضا خطاب السيستاني في الفترة الأخيرة، بينما أعرب كل من العبادي والصدر والحكيم اهتمامهم بإبعاد بلادهم عن إيران والتأكيد على الهوية الوطنية العراقية بدلا من الهوية الشيعية في حملاتهم الانتخابية. ويتفق علماء النجف مع هذه الرؤية وعلى الأرجح أنهم سيشجعون أي تحالف يتخذ المسلك الوطني العراقي.
وفي حين تدعم حكومة ترمب العبادي وحملته الانتخابية، تستطيع السعودية المساعدة على تشجيع إقامة تحالف سياسي عراقي يمكنه مواجهة المرشحين المدعومين من إيران؛ وتمكين العبادي ومؤسسات الدولة؛ ودعم النجف؛ والدعوة إلى مزيد من التعاون بين الطائفتين.
المشهد أكثر دموية في اليمن، ويبدو أن الحرب ستستعر عن آخرها على الأقل في النصف الأول من عام 2018. ولكن بدأ الحوثيون يفقدون الدعم الشعبي خاصة بعد مقتل الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح. ويبدو أن الحرب كشفت عن صلة بين الحوثيين وفيلق القدس التابع لقوات الحرس الثوري الإيراني. وكانت الصواريخ التي سقطت على السعودية دليلاً على هذه الصلة، ويبدو أن المجتمع الدولي أصبح أكثر دراية بها. وإذا كانت استراتيجية إيران التي سيتم تنفيذها تعنى باحتواء الأنشطة الإقليمية لفيلق القدس، فعلى الأرجح أن الحوثيين سيكونون جزءًا من ذلك.
يبدو أن إدارة ترمب والسعودية لديهما الأمور الكثيرة المشتركة فيما يتعلق بإدراك التهديدات والفرص في الشرق الأوسط. ما نفقده هو ترجمة هذا الإدراك إلى فعل يمكنه احتواء إيران. وإذا شهد عام 2018 صدور استراتيجية أميركية صارمة تجاه إيران، قد نبدأ في رؤية سيناريوهات جديدة. وإذا لم يحدث ذلك سوف تربح إيران عامًا جديدًا.