«حزب الله» ليس بحاجة إلى ذريعة لبقائه

هل ينطبق النموذج العراقي على لبنان باندماج «حزب الله» بـ«الشرعية»؟

«حزب الله» ليس بحاجة إلى ذريعة لبقائه

[caption id="attachment_55262949" align="aligncenter" width="1354"]صورة القيادي الشيعي وزعيم التيار الصدري في العراق مقتدى الصدر(غيتي) صورة القيادي الشيعي وزعيم التيار الصدري في العراق مقتدى الصدر(غيتي)[/caption]

بيروت - فايزة دياب:


* بمسعى دولي وقرار محلي ستنتهي أسطورة ميليشيا «الحشد الشعبي» التي شكلت جيشاً رديفاً للجيش النظامي، ينفذ أهدافا إيرانية بتأجيج الصراع المذهبي.
* التجربة العراقية مع الحشد الشعبي يمكن أن تكون مصدر إلهام أو على الأقل مقارنات للتعاطي مع «حزب الله».
* هذا التعمق والتشدد الذي أرساه «حزب الله» يحتاج إلى عقود لعودة الاندماج في المجتمع اللبناني، بعد أن يندمج السلاح الميليشياوي بالسلاح الشرعي.




على الرغم من أنّ الأطماع الإيرانية ليست وليدة اللحظة، وأنّ عقيدة التمدد الصفوي - الفارسي هي حلمٌ يعود إلى عقود خلت، فإنّ الربيع العربي الذي مرّ بسوريا، وحرب العراق وأزمة اليمن والصراع العربي – الإسرائيلي كشف الاستراتيجية التوسعية التي تعتمدها طهران لتثبيت نفوذها في العراق وسوريا ولبنان واليمن، ليس من خلال إبرام التحالفات مع أحزاب ونافذين فقط، بل عن طريق تمويل وتدريب وتسليح القوى العسكرية التابعة مباشرة للحرس الثوري الإيراني وبرعاية المرشد الأعلى علي خامنئي.
لا شكّ أنّ العنصر المذهبي لعب دوراً أساسيًا في نجاح إيران بتجييش وتجنيد عناصر يأتمرون بأوامر المرشد الأعلى، ويخوضون المعارك التوسعية وينفذون الأجندة المهندسة لهم في طهران، و«حزب الله» اللبناني أبرز الأمثلة على التنظيمات العربية التابعة بشكل كلّي إلى «دولة الفقيه» في ايران باعترافات قيادييها.
نجاح نموذج «حزب الله» في لبنان جعله يتمدد عربياً بهدف واضح ومحدد وهو الحفاظ والدفاع عن المصالح الإيرانية في الشرق الأوسط، حتى بات «حزب الله» يورّد خبراته العسكرية إلى تنظيمات موالية لإيران تحظى بدعم مالي وعسكري أسوة بـ«حزب الله» لخوض حروب الدفاع عن «إمبراطورية فارس».
«الحشد الشعبي العراقي» أحد أبرز الميليشيات المذهبية الذي ولد في أوائل يونيو (حزيران) من عام 2014 تحت ذريعة محاربة تنظيم داعش الذي سيطر على عدة مدن عراقية آنذاك، حيث أصدر المرجع الديني الشيعي آية الله علي السيستاني فتوى تدعو كل من يستطيع حمل السلاح إلى التطوع في القوات الأمنية لقتال مسلحي تنظيم داعش وتجيز التعبئة الشعبية لدرء خطر هذا التنظيم، وهو ما وصف فقهيا بـ«الجهاد الكفائي». وأسست إثر ذلك لجنة لـ«وحدات الحشد الشعبي».
وشارك «الحشد الشعبي» الذي يتألف من نحو 45 فصيلاً إلى جانب الجيش العراقي النظامي والتحالف الدولي في أغلب المعارك التي خيضت ضدّ تنظيم داعش، منذ تأسيسه بدعم مالي وعسكري ولوجيستي من إيران، إلاّ أنه اتهم في مرات عدة بارتكاب انتهاكات ذات صبغة طائفية، وارتكاب مجازر بحق «سنّة» العراق في تكريت والموصل والفلوجة وغيرها من المدن، بحسب منظمات حقوق الانسان ومنظمات دولية، إضافة إلى اتهامهم بأعمال سلب ونهب.

وكان واضحاً في الأشهر الماضية الأهمية التي حاول الموالون لإيران إظهارها في دور «الحشد» في المعركة ضد داعش، فقد اعتبر أمين عام «حزب الله» حسن نصر الله في تصريح سابق له أنّ الحشد الشعبي لعب الدول الرئيسي في استئصال تنظيم داعش من العراق. وقد سبق أن حذر المرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي أثناء زيارة الأخير للعاصمة طهران، من اتّخاذ أي إجراء يمكن أن يؤدي إلى إضعاف الحشد الشعبي المدعوم من إيران، قائلا إن مثل هذه التصرفات قد تعرض استقرار بغداد للخطر.
ولكن مع نهاية المعركة ضدّ تنظيم داعش في العراق حث وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون «الميليشيات الإيرانية» الموجودة في العراق على العودة لديارها مع اقتراب حسم المعركة ضد تنظيم داعش هناك.
كذلك برز تصريح للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون دعا فيه حكومة العراق، إلى حلّ كل الميليشيات بما فيها الحشد الشعبي، وتسليم سلاحها إلى السلطة الرسمية.
تصريح تيلرسون وماكرون يؤكدان أنّ هناك مساعي دولية لجعل العراق بلداً خالياً من الميليشيات، ويبدو أنّ مساعي الدول الغربية وجدت صدى من المرجع المؤسس في العراق.
ففي تصريح لافت منذ أيام، دعا المرجع الديني العراقي علي السيستاني، إلى حصر السلاح بيد الدولة، مشدداً على ضرورة دمج المتطوعين الذين قاتلوا تنظيم داعش الإرهابي، في المؤسسات الأمنية للدولة العراقية.
ويبدو أنّ هذا ما اعتبره رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي ضوءاً أخضر بإعادة النظر بملف «الحشد الشعبي» والمليشيات العراقية بالكامل، معلناً ترحيبَ الحكومة بالدعوة، لعدم «استغلال» المتطوعين والمقاتلين، في «الحشد» سياسياً. وأوضح المكتب الإعلامي للعبادي، أنه بدأ بإجراءات جمع الأسلحة من فصائل «الحشد» بأصنافها الثقيلة والمتوسطة وتشكيِل لجان مختصة تتكفل بدمج عناصرها المسلحة ضمن مؤسسات الدولة العسكرية والأمنية لتحقيق السلم المجتمعي والتوجه لمحاربة الفساد المستشري في البلاد.




إذن بمسعى دولي وقرار محلي ستنتهي أسطورة ميليشيا «الحشد الشعبي» التي شكلت على مدى الثلاث سنوات الماضية جيشاً رديفاً للجيش النظامي، ينفذ أهدافا إيرانية بتأجيج الصراع المذهبي بين أبناء البلد الواحد عبر ارتكابه أشنع المجازر بحق سنّة عراقيين، إضافة إلى النهب والسرقات، أما أبرز الأهداف فيأتي عبر ترسيخ النفوذ الإيراني في العباد والبلاد، وعلى الرغم من المحاولات الإيرانية بالتمسك والتشدّد بدور «الحشد» لحمايته ولكن يبدو أنّ القرار قد اتخذ، فهل سيأتي دور «حزب الله» أكبر تنظيم تابع لإيران في المنطقة في ظل الحراك الدولي الذي يسعى لحصار «حزب الله»، والتلويح بإمكانية لجوء بعض الدول إلى مجلس الأمن، تحت الفصل السابع، لإعادة إصدار قرار دولي يتعلّق بـ«حزب الله» وسلاحه، على غرار القرار 1559؟
«يظهر (حزب الله) من خلال تصريحات قيادييه وممارساته داخل لبنان وخارجه، على أن لا أحد قادر حتى الآن على التأثير عليه أو تغيير مجريات الأمور، ففي لبنان يعد المعسكر الطاغي داخل الطائفة الشيعية لـ(حزب الله)، فعلى الرغم من وجود ثنائية شيعية سياسية، فإنّ حركة أمل تنادي بأهمية دور سلاح المقاومة وضرورة المحافظة عليه، إذن لا توازن قوى في الطائفة الشيعية في لبنان بعكس التوازن الواضح داخل المعسكر الشيعي في العراق»، وذلك بحسب الأستاذ في العلاقات الدولية الدكتور سامي نادر في حديثه مع «المجلة».
ورأى نادر أنّ «الحشد الشعبي في العراق يحظى بتأييد شامل من المكون الشيعي ولكن هناك أصوات تختلف حول ضرورة بقائه وكيفية دمجه بالجيش، خصوصاً بعد انتفاء سبب وجوده، فمثلا منظمة بدر والمالكي يريدان الاستمرار بالحشد الشعبي ككيان مستقل غير مندمج بالجيش لا سيما أنه تم تشريع وجودهما من قبل البرلمان في نوفمبر 2016، فإيران التي دعمت أهم الفصائل المنضوية تحت عباءة الحشد الشعبي لا تريد إنهاء هذه الميليشيا. أما العبادي فلم يحسم قرار انخراط الحشد بالجيش النظامي، خصوصاً أنّ تصريحه كان بكلام عام، فهل سيذوب عناصر الحشد الشعبي بالجيش العراقي، أم سيبقى منظومة مستقلة داخل الجيش. إذن الأمور جميعها مفتوحة وغير واضحة تماماً ولكن وجود وسلاح الحشد الشعبي هو مسألة خلاف وحوار بين العراقيين المقدمين على بداية حوار لحلّ الأزمات المحلية».
أما في لبنان بحسب نادر فإن «سلاح (حزب الله) ليس مادة للبحث بالنسبة للإيرانيين، وهذا الكلام كان واضحاً في تصريح أخير لمسؤول إيراني قال إنّ نزع سلاح (حزب الله) غير قابل للتفاوض»، بل إنّ إيران تعتبر أنّ «حزب الله» نموذج يجب تعميمه، «فالحزب لا ينكر ارتباطه مع الإيرانيين بل يتباهى بهذا الارتباط، ويقول إنه جزء لا يتجزأ من الحرس الثوري الإيراني، ودخل المستنقع العربي من أجل الحفاظ عن المصالح الايرانية» ختم نادر.

يتفق المحلل والكاتب السياسي وسام سعادة مع نادر بأنّ حالة «حزب الله» تختلف عن الحشد الشعبي، ولكنه رأى في حديث لـ«المجلة» أنّ «التجربة العراقية مع الحشد الشعبي يمكن أن تكون مصدر إلهام أو على الأقل مقارنات للتعاطي مع تنظيم (حزب الله) في المرحلة المقبلة، على الرغم من الاختلاف الكبير بين الحالة اللبنانية والعراقية».
وأضاف سعادة: «في العراق الحشد الشعبي تأسس نتيجة مبادرة من السيد السيستاني أي المرجعية الشيعية، وهو مجموعة فسيفسائية من تنظيمات مختلفة، منها القريب من إيران كعصائب أهل الحق، ومنها البعيد عن إيران وتفرعاتها من الأحزاب الشيعية في العراق، إضافة إلى أقليات من السنة والآشوريين وغيرهما، بخلاف تجربة (حزب الله) فهو تنظيم حديدي تراتبي منظم، بقيادة واحدة، ومجموعة واحدة».
وشرح سعادة كيف تغلغل «حزب الله» في الساحة اللبنانية سياسياً وشعبياً، حيث «استبقى (حزب الله) على سلاحه بعد انتهاء الحرب الأهلية اللبنانية تحت ذريعة تحرير الجنوب اللبناني ومقاومة إسرائيل، وبعد التحرير في العام 2000 اعتبر (حزب الله) أنّ هذا التحرير ليس كاملاً فمزارع شبعا وتلال كفرشوبا لا تزال محتلة من إسرائيل، ومن ثمّ اعتبر أنّ هناك سببا آخر لعدم تسليم سلاحه وهو غياب الدولة القوية والقادرة التي تستطيع أن تحل مكان المقاومة وتحمي لبنان من الأطماع الإسرائيلية، فقرر الاحتفاظ بسلاحه إلى حين قيام هذه الدولة».
وتابع سعادة: «المفارقة أنّ (حزب الله) قبل عام 2005 لم يكن مشاركاً في الحكومات المتعاقبة، ففي الوقت الذي أصرّ فيه على الاحتفاظ بسلاحه تحت عنوان (المقاومة)، أصرّ أيضا وأصبح قادرا بعد الانسحاب السوري على المشاركة بالحكومات إضافة إلى وجوده بالمجلس النيابي».
وفي عام 2006 قبل حرب تموز كان «حزب الله» قابلا للبحث غير المباشر ببند سلاحه وذلك من خلال بحث الاستراتيجية الدفاعية على طاولة الحوار، وهو كان الأمل الوحيد الموجود لحلّ هذا السلاح لأن النقاش به مرتبط ببحث الاستراتيجية الدفاعية.

ولكن بعد حرب تموز أصبح الواقع كالتالي، منع النقاش حول الاستراتيجية الدفاعية وفي الوقت نفسه باتت المشكلة مع سلاح «حزب الله» لا تقتصر على الاستراتيجية الدفاعية خصوصاً أن بعد حرب تموز أصبح هامش التحرك ضد إسرائيل أقل عما قبل الحرب، وذلك بسبب ما فرضه القرار الدولي 1701 من عدم ظهور «حزب الله» بشكل علني في مناطق جنوب الليطاني. وهنا أصبحت المشكلة مع «حزب الله» بتمدد سلاحه واستدارته للداخل اللبناني، من خلال المخيم ذي الطبيعة الأمنية الذي فرضه «حزب الله» في وسط بيروت لمدة سنتين ونصف تحت عنوان «إسقاط حكومة الرئيس السنيورة آنذاك»، وأيضاً من خلال 7 أيار الذي اجتاح خلاله الحزب مدينة بيروت والجبل وأرهب أهلهما، إضافة إلى تأسيس وتسليح ما يسمى «سرايا المقاومة» في مناطق خارج نفوذه وذات أغلبية سنية، وصولاً إلى المشاركة بالحرب بسوريا واتهامه على الأقل بالمشاركة بحرب اليمن وأنشطته الأخرى في بلدان الخليج...
ورأى سعادة أنّ «كل هذه الممارسات وغيرها تظهر الاختلاف مع الحالة العراقية، فالحكومة العراقية من الأساس حاولت إيجاد الطرق لمأسسة الحشد الشعبي على الرغم من صبغته المذهبية، لأنّ مأسسته ضرورة لعدم انفجار الوضع داخل فصائل الحشد الشعبي لأسباب سياسية وصراعات داخلية.
وعلى الرغم من الاختلاف بين الحالة العراقية واللبنانية فإن دمج الحشد الشعبي بالجيش العراقي ليس بالأمر السهل «فـ(حزب الله) اللبناني والحرس الثوري الإيراني لديهما مجموعات ضمن الحشد الشعبي العراقي، وهذه المجموعات ليست من المجموعات التي تسعى لتسهيل الأمور أمام الحكومة العراقية لمأسسة الحشد الشعبي، وتحويله لمنظمة رديفة للجيش العراقي النظامي، فهم يحاولون العرقلة عبر المنظومة التي يقودها قاسم سليماني داخل الحشد الشعبي».

وبرأي سعادة فإنّ «حزب الله» ليس بحاجة إلى ذريعة لبقائه، «فطالما الدولة القوية بنظره لم تتكون بعد في لبنان، والصراع العربي - الإسرائيلي مستمر إلى هذه اللحظة فسلاح الحزب خارج دائرة التفاوض، خصوصاً أنّ (حزب الله) ينظر بآيديولوجيته وعقيدته أنّ هذه المرحلة هي بداية لزوال إسرائيل.
بالنسبة لـ(حزب الله) زوال إسرائيل ليس كلاما شعبويا وللتجييش، فالمنظمات الشيعية في المنطقة برأيه أخذت راية الصراع وهي بداية لتغيير كبير سينهي وجود إسرائيل برأيهم، والسلاح مستمر إلى حين زوالها وبحسب ما قال نصر الله نهاية إسرائيل قريبة جداً ويجب أن يتعاظم هذا السلاح لكي يشارك في هذه النهاية، وهو دعا في خطاب عاشورائي يهود إسرائيل الى الهجرة من إسرائيل وهذا الكلام ليس للتعبئة أو لحماسة الجمهور، تكرار هذا الكلام يؤكد أن هؤلاء بفكرهم وتخطيطهم يعملون على مبدأ أنّ الحرب قريبة جداً ويجب أن يكونوا مستعدين لها دائماً».
وختم سعادة بموازاة فكر «حزب الله» ومخططاته «هناك محاولة فرنسية ومصرية ودولية لإعطاء مبدأ (النأي بالنفس) الذي أقرته الحكومة مشروعية ودعماً دولياً، ومع استمرار الدعم الفرنسي والغربي للجيش اللبناني والمؤسسات الشرعية ينهض واقع لبناني جديد يهمش الحركة المطلقة لسلاح «حزب الله» في لبنان والإقليم».
قبل 35 عاماً خرج من رحم الطائفة الشيعية في لبنان حزب إيراني، جاهر بانتمائه «لولاية الفقيه» وبإيمانه بمبادئها وأهدافها، تباهى بأنّ أمواله وسلاحه وتعاليمه إيرانية المنشأ، واستطاع التوغل بين أبناء طائفة بات شبابها ورجالها جنودا في الحرس الثوري الإيراني، يقتلون في ساحات بعيدة عن ساحاتهم وتحت رايات لا تشبه رايتهم الأم، أمّا عن نساء وأطفال هذه الطائفة فترسخت بنفوسهم تعاليم هذه الولاية بعدما كانت بيئتهم رمز الاعتدال والانفتاح، وبات شعارهم الدائم «السلاح زينة الرجال». هذا التعمق والتشدد الذي أرساه «حزب الله» الإيراني، داخل الطائفة الشيعية يحتاج إلى سنين وعقود لعودة الاندماج في المجتمع اللبناني، بعد أن يندمج السلاح الميليشياوي بالسلاح الشرعي عاجلاً أم آجلاً.
font change