«دليفري» الإرهابيين

رواج تجارة السلاح عبر الإنترنت في منطقة الشرق الأوسط

«دليفري» الإرهابيين

[caption id="attachment_55262394" align="aligncenter" width="1455"]مسؤول بمركز التحقيقات الجنائية (بكا) يقدم تقرير الحالة الفيدرالية بشأن الأسلحة المصادرة التي تم شراؤها عبر مواقع التواصل (غيتي) مسؤول بمركز التحقيقات الجنائية (بكا) يقدم تقرير الحالة الفيدرالية بشأن الأسلحة المصادرة التي تم شراؤها عبر مواقع التواصل (غيتي) [/caption]

مهربو السلاح ومروجوه يدشنون«أوكارا إلكترونية» لعقد الصفقات مع جماعات التطرف ويستخدمون لغة مشفرة لعدم لفت الانتباه




أنقرة - محمد عبد القادر خليل*


* مسؤول بريطاني: العديد من شحنات الأسلحة التي عقدت عبر مواقع التواصل شملت شحنات الصواريخ الحرارية والصواريخ المضادة للطائرات
* أكثر 6000 صفقة لبيع السلاح عقدت عبر موقع «فيسبوك» في منطقة الشرق الأوسط هذا العام
* أشارت تقديرات غربية إلى تزايد نزوع الجماعات المسلحة والإرهابيين إلى استخدام شبكات التواصل الاجتماعي لنقل أسلحة.
* يحاول مهربو السلاح ومروجوه صنع «أوكار إلكترونية» تستهدف عقد الصفقات، وغالبا ما تُوظف لغة مشفرة لعدم لفت الانتباه.
* أسواق الأسلحة عبر موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك» في العراق تثير الجدل حول فاعلية برامج التدريب والتسليح الأميركي.
* حظر موقع «فيسبوك» في عام 2016 تنسيق المبيعات الخاصة بالأسلحة النارية بين مستخدميه حول العالم.




تحولات عديدة وتغيرات طارئة باتت تشهدها تجارة السلاح في منطقة الشرق الأوسط، ليتنوع أطرافها وتتعدد أنماطها ودوافع رواجها، على النحو الذي خلق زبائن جددا، وبائعين مختلفين، ووسائط مغايرة لتغدو مواقع الإنترنت أحد محركات شيوع هذه التجارة، التي جعلت في متناول الأفراد، في أغلب بلدان الإقليم، الحصول على السلاح بتكلفة مركبة، نظير وصولها حيثما يوجد المشترى. وقد باتت مواقع السوشيال ميديا تتضمن العديد من الصفحات المخصصة للترويج لهذه التجارة المحظورة، وفق قاعدة «العرض يخلق الطلب». ومع انتشار ظاهرة «الحدود الرخوة» في العديد من دول الإقليم التي تعاني من فوضي أمنية، وغياب لسلطة القانون وهيبة الدولة، وفي ظل تزايد حضور الجماعات الجهادية، وتصاعد أدوار الفواعل من دون الدول، سيما التنظيمات الإرهابية، فقد باتت شحنات السلاح «دليفري الإرهابيين» المفضلة.
يرتبط ذلك بتنوع العناصر والمجموعات التي تتعاقد على شراء السلاح عبر مواقع الإنترنت، وتعقد شبكة موردي الأسلحة على مستوى الإقليم. وقد أوضح ذلك تقرير لمنظمة Small Arms Survey،حيث أشار إلى أن بعض بلدان الإقليم أضحت «نقاطا ساخنة» لبيع الأسلحة غير المشروعة عبر الإنترنت. ولفت الموقع إلى أن عمليات تتبُع 1346 محاولة بيع لأسلحة عبر شبكة الإنترنت أظهرت أن تجارة قطع الأسلحة تتم بواسطة تطبيقات الهواتف المحمولة، ومواقع التواصل الاجتماعي. وأوضح أنه تم العثور على أسلحة من 26 دولة، من بينها الولايات المتحدة، والصين، وبلجيكا، وتركيا ضمن عروض البيع التي تتبعت مصدرها وحددت مسارات تحركها.
وكانت تقديرات غربية قد أشارت كذلك إلى أن ثمة تزايداً في نزوع الجماعات المسلحة والإرهابيين إلى استخدام شبكات التواصل الاجتماعي لنقل أسلحة، والتي تتنوع أنماطها من القطع الصغيرة إلى الصواريخ المضادة للطائرات، وذلك في بلدان، مثل ليبيا، والعراق، وسوريا، واليمن، هذا على الرغم من أن أغلب هذه المواقع تحظر مبيعات السلاح غير المرخص، سيما إلى الجماعات الإرهابية، لتتجه إلى طلب من المستخدمين بضرورة الإبلاغ عن الصفحات ذات الصلة بهذه التجارة غير المشروعة. بيد أن القدرة على النفاذ والتخفي في مواجهة هذه الدعوات اللينة لا تزال السمة السائدة، تأسيساً على أن العديد من المجموعات الإرهابية لديها تكتيكات مجابهة، وتنشأ في الغالب «مجموعات مغلقة» في صفحات تجمع الآلاف من الأعضاء، وتعمل لمدة محدودة قبل أن يتم إغلاقها.



«أوكار إلكترونية»... لتجارة السلاح المحظورة




يحاول مهربو السلاح ومروجوه صنع «أوكار إلكترونية» تستهدف عقد الصفقات، وغالبا ما تُوظف لغة مشفرة أو شفرات غير مفهومة تستهدف عدم لفت الانتباه أو تضليل غير المعنيين. وقد أشارت تقارير عديدة إلى بعض مفردات وعبارات «اللغة التجارية» الرائجة، مشيرة إلى أن ثمة مصطلحات شائعة، مثل «جيب البيض»، أي «لا تنس الرصاص»، و«خروفك جاهز»، أي «سلاحك وصل»، وغير ذلك من المصطلحات المنتشرة في هذا العالم الافتراضي الواسع، بما يشير إلى عالم غامض له قوانينه، وصياغاته وتعبيراته الدارجة بين عصابات مافيا وتنظيمات إجرامية وجماعات إرهابية، وتجار أسلحة متنوعين ما بين عناصر فردية، ومجموعات إرهابية، وتجار كبار (تجار جملة)، وينتشر في هذا المجال الوسطاء أو السماسرة.
وربما يوضح ذلك أن عالم تجارة السلاح عبر الإنترنت بواسطة الجماعات الإرهابية مليء بالخبايا والكواليس، والتي لا يزال لم يكشف كامل سترها، وحقيقة ما يحدث ويحيط بها، بحسبانها تمثل تجارة غير مشروعة ومجرَّمة قانوناً في مختلف المواثيق والقوانين الدولية. وقد أشارت تقديرات مصرية خلال السنوات الأخيرة إلى أن الفوضى الأمنية التي كانت قد عانت منها مصر بعد عام 2011، كانت قد أفضت إلى اتضاح بعض ملامح وشبكات هذا العالم السري، حيث انتشرت بعض الصفحات على موقع «فيسبوك» تحت عنوان «أسلحة للبيع»، وشملت العديد من الأشكال والأنواع المختلفة، وكذلك العديد من «الكومنتات» بين أشخاص حملوا أسماء مزيفة، وقد أسهم ذلك في تعزيز قدرة الحركات الشبابية المتطرفة التي توجهت إلى العمل الإرهابي خلال السنوات الأخيرة.
كما أشارت تحقيقات إلى أن شخصيات داخل العديد من البلدان المجاورة للمنطقة العربية قامت بعقد صفقات لتسليح جماعات إرهابية داخل البلدان العربية التي عانت من تنامي حدة الاختلالات الأمنية خلال السنوات الخالية. ترتب على ذلك أن تعددت الأكونتات والحسابات على مواقع التواصل الاجتماعي، والتي تعرض أنواعا مختلفة من الأسلحة متضمنة أسماء السلاح ومكان تصنيعه، بما جعل من هذه المواقع أقرب ما تكون إلى «كتالوجات» مصورة متاحة لكل مهتم باقتناء السلاح وشرائه. ويعد تطبيق «أنستغرام» أحد أهم محركات رواج هذا النشاط، بالنظر إلى طبيعة البرنامج التي تساعد في عرض صورة السلاح، والتعليق عليها بمواصفاته، والتواصل عبره مع الزبائن.



بيم «الإنترنت المظلم»... تجارة الكلاشنيكوف الإلكترونية




أشارت العديد من التقديرات الأكاديمية إلى تنامي مخاطر ما يطلق عليه ظاهرة «الإنترنت المظلم»، أو ما يسمى عالميا «The Dark Web»، والذي بات يعد بمنزلة سوق البضاعة غير القانونية عبر العالم، حيث يتمكن مستخدموه من شراء وبيع أنواع مختلفة من البضائع غير الشرعية، دون الكشف عن هوياتهم الحقيقية، وقد غدا ذلك أحد الروافد الأساسية التي يعتمد عليها العديد من المجموعات الإرهابية. وفي هذا السياق، أعدت منظمة «راند يوروب»، عبر دراسة جوديث ألدريدج، أستاذ علم الجريمة فى جامعة مانشستر، والذي كتب بحثاً أكاديمياً اهتم بكشف حجم ونطاق الاتجار غير المشروع بالأسلحة النارية والمتفجرات والذخيرة على شبكة الإنترنت. وقد شملت الدراسة جمع البيانات على شبكة الإنترنت، وغطت 12 كريبتوماركيتس - يمثل نوعاً من سوق الإنترنت المظلم الذى يجمع بين البائعين المتعددين، ويدار من جانب المسؤولين فى السوق- حيث تم تحديد 811 قائمة ذات صلة بهذا الغرض.
وذكرت الدراسة أن الولايات المتحدة تعد مصدر 60 في المائة من الأسلحة المعروضة للبيع على شبكة الإنترنت السوداء، فيما تمثل أوروبا مصدر نحو 25 في المائة من الأسلحة. ومع ذلك، فإن صفقات الأسلحة التى تباع للعملاء الأوروبيين على شبكة الإنترنت ينتج عنها إيرادات تقدر بنحو 5 أضعاف تلك التي تباع للعملاء الأميركيين. وأشارت النتائج إلى أن شبكة الإنترنت المظلمة تزيد من فرص توافر الأسلحة النارية ذات الأداء الأفضل والأحدث بنفس السعر أو أقل، مما هو متاح فى سوق السلاح السوداء، من ثم فهي تعد أفضل وسيلة للإرهابيين والعصابات الإجرامية للحصول على الأسلحة والذخائر.
ويشير نيك جينزنجونز، مدير خدمات بحوث التسلح، إلى أنه «بينما يبدو أن التجارة عبر الإنترنت لا تمثل سوى جزء صغير من تجارة الأسلحة غير المشروعة في العديد من بلدان الشرق الأوسط، مثل ليبيا والعراق، فإن هناك العديد من العوائق التي من المرجح أن تشكل تحديات حقيقية لعمليات إنفاذ القانون ومراقبة الحظر». وكان تقرير لـSmall Arms Survey قد كشف أن الجماعات التي تنتهج تجارة السلاح لا تحاول التستر وإخفاء نواياها في صفحاتها، وهي تستخدم صور الأسلحة وتسميات، من قبيل «سوق الأسلحة النارية الليبية» التي تم حذفها في الوقت الراهن، موضحاً أنه بمجرد إغلاق مثل هذه المجموعات، فإن أعضاءها في الغالب يؤسسون صفحة جديدة ويسارعون إلى استئناف نشاطهم.


[caption id="attachment_55262395" align="aligncenter" width="2500"]عناصر ليبية مسلحة وقالت تقارير بريطانية إن أغلب من يشتري السلاح عبر الإنترنت يتركز في مدن طرابلس ومصراته وبنغازي من الفئة العمرية بين العشرين والثلاثين عاماً عناصر ليبية مسلحة وقالت تقارير بريطانية إن أغلب من يشتري السلاح عبر الإنترنت يتركز في مدن طرابلس ومصراته وبنغازي من الفئة العمرية بين العشرين والثلاثين عاماً[/caption]



أما بشأن سوق الصفقات الإلكتروني، فالتقرير الصادر عن «راند يوروب» يشير إلى أن ثمة باعة أفرادا يتولونها، إلا أنه يكشف أن بعض هؤلاء يمثلون «امتداداً إلكترونياً» لسوق أسلحة ضخم ينتشر في العديد من بلدان المنطقة، سيما في ليبيا. ولفت إلى أن أعمار أغلب الباعة في هذه السوق لم تتجاوز 35 عاما، وقد لجأ أغلبهم إلى تجارة الأسلحة كمصدر إضافي للدخل، ولتلبية تنامي حاجات الجماعات الإرهابية للسلاح.
وأشار التقرير أيضا إلى أن الأسلحة يسهل الحصول عليها أيضا من دون اللجوء إلى الإنترنت والسوق الإلكترونية، مضيفا أنه من خلال عدد قليل من المكالمات الهاتفية، يمكنك الحصول على سلاح ناري، بدءاً من 9 ملم (مسدس بلجيكي) إلى بندقية كلاشنيكوف، التي تمثل نسبتها أكثر من 60 في المائة من هذه السوق، في حين حازت بندقية فال البلجيكية على 14 في المائة، إلا أن التقرير أشار أيضا إلى رصد عرض 3 صواريخ مضادة للدروع من طراز ميلان الفرنسي، وبنادق هكلر آند كوخ جي 36 الألمانية.
ويبدو أن أحد محركات انتشار هذه التجارة، التي استفادت منها الجماعات الإرهابية على مسرح عمليات الإقليم، يرتبط بعمليات النهب المنظم التي تعرضت لها مخازن الجيوش النظامية والقوات الأمنية الرسمية عقب الثورات التي شهدتها أكثر من بلد عربي، على النحو الذي أتاح وصول أنماط متنوعة من الأسلحة إلى أيدي الجماعات الإرهابية (أبرزها تنظيم داعش الإرهابي)، وهو ما دفع العديد من اللاعبين في هذه السوق إلى استخدام تقنيات وأدوات حديثة لترويج بضائعهم، حيث أصبح البيع أون لاين عبر الشبكات الاجتماعية واحدًا من أهم الوسائل. ووفقا للبيانات المتاحة، هناك أكثر 6000 صفقة عقدت لبيع السلاح عبر موقع «فيسبوك» في منطقة الشرق الأوسط هذا العام، بل ومن المُحتمل أن يكون العدد أكبر من ذلك بكثير.
وقد انتشرت ظاهرة التجارة بالسلاح في سوريا أيضا عبر الإنترنت، من خلال تطبيقات الهواتف الذكية مثل «واتساب»، وظهرت صفحات على «فيسبوك»، كـ«سوق إدلب»، و«سوق سرمدا»، و«سوق الدانا»، في شمال سوريا. وهي صفحات تعرض الأسلحة الخفيفة، أما المتوسطة فمشتروها معروفون من قادة الفصائل الكبرى والجماعات المتطرفة. وقد أشارت تقديرات بريطانية على موقع mirror، إلى أن العديد من شحنات الأسلحة التي يجري التعاقد عليها عبر السوشيال ميديا شملت في كثير من الأحيان شحنات الصواريخ الحرارية، والصواريخ المضادة للطائرات.
وأشار الموقع إلى أنه بسبب التكالب على شراء السلاح عبر الإنترنت في سوريا، فقد أجريت العديد من العطاءات العلنية على بعض المواقع بين الجماعات المتطرفة. وفي ليبيا، فإن أغلب من يشتري السلاح عبر الإنترنت يتركز في مدن طرابلس، ومصراته، وبنغازي، وهم في الغالب من الشباب من الفئة العمرية بين العشرين والثلاثين عاماً، وبعض عمليات البيع على الإنترنت تأتي من قبل جماعات تريد بيع ما تمتلكه من سلاح لم تعد في حاجة إليه، أو ترغب في الانتقال إلى أماكن أخرى من دونه. ويتراوح متابعو بعض الصفحات المخصصة لهذا الإطار ما بين 400 إلى نحو 14 ألف عضو.
وينطبق الأمر ذاته على صفحات بيع الأسلحة في العراق، والتي يتخذ معظمها أسماءً رمزية، مثل أبوشمس، والشبل الأبيض، وقناص عراقي، وأسماء أخرى شائعة، وألقاب ذات مرجعيات قبلية أو جغرافية. وهناك أيضا «سوق مريدي» لبيع وشراء السلاح في بغداد، و«سوق السلاح في بغداد»، وهي مجموعات ضمن عشرات أخرى يزخر بها «فيسبوك»، فيما يشبه سوقاً افتراضية متكاملة تحوي صفحاتها مئات الأسلحة المتنوعة، بدءًا من المسدسات الخفيفة، مرورًا بالبنادق والأسلحة الرشاشة بأنواعها، وحتى القنابل اليدوية، وقاذفات الصواريخ.
وتثير أسواق الأسلحة عبر موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك» في العراق الجدل حول مدى فشل برامج التدريب والتسليح الأميركي، حيث يعرض تجار السلاح تشكيلة كبيرة من الأسلحة التي قدمتها وزارة الدفاع الأميركية للقوات الحكومية، وتشمل هذه الأسلحة البنادق الصغيرة M4، M249، M16، MP5. وتوافر الأسلحة في الأسواق الافتراضية على الإنترنت قد يعكس احتياجات الجماعات المُسلحة في العديد من البلدان العربية، حيث تشير الدلائل إلى أن بعض المشترين والبائعين لديهم علاقات بالجماعات المسلحة، وأن مشترياتهم ذات صلة باحتياجات هذه الجماعات، بينما البعض الآخر يتألف من أفراد مدنيين يقومون بشراء الأسلحة من أجل الدفاع عن النفس، وحماية السيارات من السرقة.
وتتراوح أنواع الأسلحة المتداولة على الإنترنت ما بين مسدسات، وقنابل يدوية، وبنادق آلية ثقيلة، والصواريخ التي تطلق من الكتف، ويتم تنسيق المبيعات بعد قيام مستخدمي «فيسبوك» بنشر الصور في مجموعات مغلقة وسرية، كإعلانات رقمية مبوبة على لوحات محددة الأسلحة. وقد تم رصد قيام بعض الباعة الليبيين بعرض مجموعة من أنظمة SA-7 ستريلا المحمولة على الكتف، وتشكل هذه الأنظمة تهديدا أكبر لطائرات الهليكوبتر والطائرات التجارية، وذلك بالمقارنة مع الطائرات العسكرية الحديثة، هذا بالإضافة إلى انتشار بنادق «FA FAL»، والتي تستخدم من قبل العديد من المُسلحين في المنطقة.
في الوقت نفسه، تتضمن العناصر المعروضة للبيع على «فيسبوك» بعض الأدوات الأخرى التي تحتاج إليها الميليشيات والجماعات الإرهابية في تنفيذ عملياتهم، مثل السترات الواقية من الرصاص، والزى الرسمي (بما في ذلك زى الشرطة)، وكاميرات الأشعة تحت الحمراء التي تستخدم للتصوير ليلا، وغيرها من الأدوات.



«السلاح الإلكتروني»... استنساخ للتجربة الغربية



[caption id="attachment_55262396" align="alignright" width="300"]تدريبات لعملية حلف الناتو للتشغيل البيني في مركز تدريب جفتك المتعلقة بالحرب الإلكترونية والأمن التابعة لمنظمة حلف شمال الأطلسي (غيتي) تدريبات لعملية حلف الناتو للتشغيل البيني في مركز تدريب جفتك المتعلقة بالحرب الإلكترونية والأمن التابعة لمنظمة حلف شمال الأطلسي (غيتي)[/caption]

يبدو أن أحد محركات انتشار هذه الظاهرة يرتبط بمحاولة استنساخ ظاهرة سادت المجتمع الأميركي الذي يعاني فوضى التسلح، على النحو الذي أنتج مئات الصفحات والمواقع المتخصصة في بيع السلاح، وذلك ضمن سياسات الترويج والدعاية التي يتبعها تجار الأسلحة لتعزيز مبيعاتهم. وفي هذا الإطار انضمت قناة Gun TV إلى المشهد التلفزيوني الأميركي الذي اخترقته ثقافة اقتناء السلاح، من خلال سلسلة من الأفلام والمواد البصرية، لتتخصص في بيع الأسلحة النارية التي تتيح للمشاهدين شراء الأسلحة ولوازمها عبر الهواتف أو الإنترنت، لتغدو بذلك القناة الأولى من نوعها، ليس وحسب، في الولايات المتحدة، بل في العالم أيضاً.
وتعاني الولايات المتحدة الأميركية خلال الفترة الأخيرة من الارتدادات السلبية لانتشار هذه الظاهرة، حيث غدت مشاهد إطلاق النار العشوائي اعتيادية، مع رواج ثقافة امتلاك الأسلحة النارية بين المواطنين التي يكرّسها القانون الأميركي. وبحسب موقع Gun Violence Archive، وصل عدد حوادث إطلاق النار العشوائية في عام 2015، 461 حادثة، عدا حوادث إطلاق النار الفردية. وبالمقارنة مع باقي البلدان، فإن الولايات المتحدة تشكل 4 في المائة من سكان العالم، غير أن مواطنيها المدنيين يمتلكون نحو 40 في المائة من الأسلحة الفردية عبر العالم. وفي فيديو ترويجي على موقع «يوتيوب»، تفتخر قناة Gun TV بتأكيد هذه الأرقام الضخمة عبر تبيانها وجود 89 سلاحاً فردياً بين كل 100 مواطن، وامتلاك 4 منازل من أصل 10 لسلاح واحد على الأقل.
وقد أشارت تقديرات أمنية غربية إلى أن مستخدمَي السلاح في حوادث إطلاق النار في ميونيخ عام 2016، وفي اعتداء باريس الإرهابي عام 2015، قد حصلوا عليها من خلال «الإنترنت المظلم». وقد كشف تقرير لمنظمة «راند كوروبريشن» أن ثمة أسلحة، وقطع غيار، وذخيرة ومتفجرات بقيمة 80 ألف دولار في الأسواق الإلكترونية قد تم بيعها في شهر واحد في عام 2016، وأغلب العائدات كانت من مبيعات المسدسات. ويبين تقرير «راند» كيف أن القوانين الأوروبية يمكن التحايل عليها، في حال بيعت الأسلحة بطريقة قانونية في أي دولة يوجد بها إنترنت وخدمة بريدية جيدة، وذلك على نحو يتيح لأي إنسان، يمتلك حاسوبا، المشاركة في تجارة الأسلحة العالمية.
وفي خطوة مثيرة للجدل، قام الموقع الشهير Nucleus – أحد أهم أسواق الاتجار في الممنوعات على الإنترنت - في أواخر عام 2015، وبالتحديد عقب سلسلة الهجمات الإرهابية التي هزت العاصمة الفرنسية باريس، بالإعلان عن إيقاف نشاط بيع الأسلحة، وإغلاق القسم المُخصص لذلك على الموقع، الأمر الذي أثار شكوكاً حول احتمالية استغلال التنظيمات الإرهابية للسوق السوداء على الإنترنت والمواقع المتخصصة في تجارة السلاح بشكل غير شرعي، ولعل ما أثبت ذلك أن نوع السلاح الذي استخدمه تنظيم داعش في هذه الهجمات كان «كلاشينكوف AK-47s»، وهو نفسه السلاح المتاح على المواقع بسعر 1500 يورو.
ومن اللافت للانتباه أيضًا، قيام موقع Agora، الذي يندرج ضمن المواقع غير المشروعة على شبكة الإنترنت، باتخاذ نفس القرار، تخوفاً من اتهام القائمين عليه بالتواطؤ مع التنظيمات الإرهابية. وتعتبر هذه المواقع وسيلة رئيسية للتنظيمات الإرهابية للحصول علي السلاح، كونها تخفي هوية المستخدمين، كما أن عمليات البيع والشراء تتم باستخدام العملة الافتراضية «بيتكوين Bitcoin»، وذلك بدلا من الحسابات البنكية التي يمكن تتبعها من قبل وكالات إنفاذ القانون.
وعلى الرغم من سعي العديد من مواقع الإنترنت ومنصات السوشيال ميديا إلى تحديث السياسات المُنظمة لعمليات بيع وشراء البضائع غير المشروعة، غير أن ثمة تحديات لا تزال تواجه هذه السياسات. فعلي سبيل المثال، أقدم موقع «فيسبوك» في عام 2016 على حظر تنسيق المبيعات الخاصة بالأسلحة النارية بين مستخدميه حول العالم، وخدمة تبادل الصور التابعة له على انستغرام، بهدف التضييق على هذه المعاملات غير القانونية.
بيد أنه بعد مرور عدة أشهر، بدا أن هذا القرار غير فعال، ربما بسبب اعتماده على بلاغات المستخدمين بشأن أي انتهاك لإجراءاته، على أن يقوم الموقع بفحص هذه البلاغات، وإزالة المحتوى المخالف، ليبدو من ذلك أن هذه القضية متشابكة ومعقدة، وتحتاج إلى جهود دولية مركبة تربط بين سياسات مكافحة هذه العمليات الإجرامية عبر الإنترنت، بالتوازي مع إيجاد بيئة سياسية وقانونية تسمح بالتعاطي الجاد مع هذه الظاهرة التي أضحت تثير تهديدات للعديد من المجتمعات والدول، ليس وحسب على مستوى الشرق الأوسط، وإنما عبر أقاليم العالم المختلفة.




font change