القاهرة: حسين البطراوي
* الصين قوة دولية قادرة على إعادة التوازن للنظام العالمي.
* مشروع طريق الحرير الجديد يعد رؤية استراتيجية لدور الصين في النظام العالمي.
* البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية بديلاً لـ«صندوق النقد الدولي».
* الصين تحصل على حق الفيتو في صندوق النقد الدولي فيه حال استمرار التفوق على الولايات المتحدة.
* حجم التبادل التجاري بين الصين والدول العربية، بلغ 270 مليار دولار في عام 2016.
تغييرات سريعة يشهدها النظام الاقتصادي العالمي، قد تؤدي إلى عصر جديد، يمكن أن يطلق عليه «ثورة الإنتاج الرخيص»، أو «العولمة الصينية»، فالاقتصاد الصيني تمكن من إحداث ثورة في كمية الإنتاج، تمكنه من إغراق الأسواق العالمية بمنتجات رخيصة الثمن، حتى وإن كانت أقل من ناحية المكون التكنولوجي بين منافساتها، وسيصبح هو القوة الاقتصادية العالمية الأهم. وهو ما يمثل بداية لمرحلة جديدة من العولمة الاقتصادية، بعد إعادة صياغتها لتحمل اسم «العولمة الصينية»، والتي تعتمد على سيادة النسق الفكري للنموذج التنموي الصيني، القائم على كثافة الإنتاج الرخيص.
وتطرح الصين نفسها باعتبارها قوة دولية قادرة على إعادة التوازن للنظام العالمي، وتأسيس نظام عالمي جديد تحتل الصين فيه موقع الصدارة، مقارنةً بالنهج الصيني الثابت خلال العقود الماضية بادعاء انتماء الدولة الصينية للدول النامية، وعدم قدرتها على الحلول محلّ الولايات المتحدة في النظام الدولي.
وتسعى الصين إلى إعادة هيكلة النظام الدولي ليصبح أكثر عدالة وتمثيلا للمصالح المشتركة لدول العالم، باعتبار ذلك ضمن أولويات السياسة الصينية خلال المرحلة المقبلة، لا سيما إصلاح النظام الاقتصادي العالمي، وإعادة هيكلة مؤسساته الأساسية مثل: البنك الدولي، وصندوق النقد الدولي، ومنظمة التجارة العالمية.
روية إصلاحية
وتقوم الرؤية الإصلاحية الصينية على عدة أسس، أهمها: عدم إجبار الدول على اتباع سياسات الانفتاح الاقتصادي والتجارة الحرة، والعدالة في توزيع عوائد التبادل التجاري بين الدول، والتوازن بين مصالح كل أطراف التفاعلات الاقتصادية الدولية. وأكد الخبراء الصينيون أن مشروع طريق الحرير الجديد ليس مجرد مشروع اقتصادي للصين، وإنما يُعد بمثابة رؤية استراتيجية لدور الصين في النظام العالمي.
ويقوم المشروع العالمي للصين على عدة أسس، أهمها: تطوير دبلوماسية جديدة للصين ذات طابع عالمي تتناسب مع مكانتها كقوة كبرى في العالم، وتقديم الصين لنفسها كبديل في مجال التنمية الاقتصادية في مقابل تركيز الولايات المتحدة والدول الأوروبية على الأمن، ومراعاة المصالح المشتركة لدول العالم.
ولدى الصين فوائض مالية غير مستغلة يمكن استثمارها في مشروعات البنية التحتية في دول العالم، وهو ما أدى إلى تأسيس البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية، بهدف استغلال هذه الفوائض المالية في استثمارات بدول الجوار تستهدف تحقيق التنمية. وقد توازى ذلك مع توسع قطاع الخدمات في الاقتصاد الصيني، مما جعل بعض الصناعات غير جاذبة للعمالة المحلية، ودفع للتفكير في إمكانية نقل هذه الصناعات وتكنولوجيا الإنتاج للدول النامية للإفادة من هذه الصناعات، خصوصا في ظل الجدل الداخلي المتصاعد حول مستويات التلوث البيئي الذي تُسببه بعض الصناعات التحويلية والصناعات الثقيلة.
وأشار المسؤولون الصينيون إلى أن التعاون بين الدول النامية والصين في إطار طريق الحرير قد يتضمن نقل مصانع كاملة ذات تكنولوجيا متقدمة، والتركيز على الصناعات كثيفة العمالة باعتبارها الأكثر ملاءمة لتعزيز التنمية الاقتصادية واستيعاب معدلات البطالة المرتفعة. وستقوم الشراكة في التصنيع على قيام الصين بنقل المصانع والتكنولوجيا للدول النامية، ثم يقوم خبراء صينيون بتدريب الأيدي العاملة المحلية كي تتولى عملية الإنتاج والتصدير.
تطورات الاقتصاد العالمي انعكست أيضاً على صندوق النقد الدولي، فقد أعلنت كريستين لاغارد، المديرة التنفيذية لصندوق النقد الدولي في يوليو (تموز) الماضي، عن احتمال نقل مقر الصندوق من الولايات المتحدة الأميركية إلى بكين في غضون عشر سنوات، ولكنها رهنت عملية النقل باستمرت اتجاهات النمو في الصين والأسواق الناشئة الكبيرة الأخرى، وهو ما يعني انتقال مراكز الثقل الاقتصادي من الغرب إلى الشرق.
تغير موازين القوى
ويشهد الاقتصاد العالمي تراجع في مكانة القوى الاقتصادية التي سادت النظام الاقتصادي العالمي على مدى ما يقرب من سبعة عقود، لصالح قوى اقتصادية جديدة، يمثل تغيرًا فعليًّا على الأرض، ولا يمكن تجاهله، بحسب دراسة علي صالح، بمركز المستقبل للدراسات والأبحاث المتقدمة، فالاقتصاد الصيني قفز في عام 2010 إلى المرتبة الثانية عالميًّا من حيث الحجم، متغلبًا على الاقتصاد الياباني، ومن المرجّح انتقاله إلى المرتبة الأولى، متفوقًا على الاقتصاد الأميركي، بنهاية عام 2018، أو بحلول عام 2022 على أقصى تقدير. وحينذاك سيكون الاقتصاد الصيني مؤهلاً للحصول على حق استضافة «صندوق النقد الدولي»، الذي تقضي لوائحه بأن يكون موقع مكتبه الرئيسي في الدولة العضو صاحبة أكبر اقتصاد.
منذ إنشاء صندوق النقد الدولي في عام 1945 ظل مقره في الولايات المتحدة التي ظلت مسيطرة، بحكم حجم اقتصادها الأكبر عالميًّا، على نسبة قدرها 16.5 في المائة من أصوات مجلسه التنفيذي، كما أنها احتفظت طوال تلك الفترة بحق النقض (الفيتو) على قرارات الصندوق، فكان لها الدور الرئيسي في تحديد توجهه، وهو ما يمثل إحدى الآليات الأساسية لإدارة النظام الاقتصادي العالمي.
وهذا يعني أنه مع تحقق شرط التفوق الاقتصادي للصين على الولايات المتحدة، وانتقال مقر صندوق النقد الدولي من العاصمة الأميركية واشنطن إلى العاصمة الصينية بكين، فإن ذلك لا يقتصر في معناه أو مضمونه على تغيير مقر الصندوق فقط، لكنه يعني انتقال دفة توجيه هذا الصندوق إلى يد الصين، والتي ستتمكن من خلال ذلك أيضاً من قيادة النظام الاقتصادي العالمي ككل.
الصين والمستقبل
الصين ظلت طوال العقود الماضية لديها اعتراضات شديدة على منهجية عمل صندوق النقد الدولي، وآليات اتخاذ القرار به. وكانت تصمه دائمًا بأنه «منحاز» إلى الاقتصادات الكبرى، وأنه «خاضع بشكل تام» للتأثير الأميركي، ولذا فإنها اتجهت إلى بناء جبهة دولية مناهضة للنظام الاقتصادي العالمي ببنيته القائمة، بما في ذلك صندوق النقد الدولي. وكانت هذه الجبهة مكونة في معظمها من الدول النامية والصاعدة، وانضمت إليها بعض الدول المتقدمة أيضًا.
وقد مثَّلت هذه الخطوة تحولاً هامًّا في حينه، حيث سعت الصين، بالتعاون مع تلك الدول، إلى إنشاء مؤسسات اقتصادية بديلة للمؤسسات الاقتصادية الدولية، التي تنتمي إلى النظام الاقتصادي العالمي القائم، فأعلنت في ديسمبر (كانون الأول) 2015، تأسيس «البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية»، كبديل لـ«صندوق النقد الدولي»، وبدأ البنك الجديد ممارسة نشاطه في يناير (كانون الثاني) من العام التالي. ورغم اعتراض الولايات المتحدة واليابان، صاحبتي أول وثالث اقتصادين في العالم من حيث الحجم، على فكرة إنشاء البنك الجديد، فإن عدة دول ذات اقتصادات متقدمة أعلنت انضمامها للبنك مثل: ألمانيا، وبريطانيا، وأستراليا، وإيطاليا، وكوريا الجنوبية، وغيرها، وهو ما أعطى خطوة إنشاء البنك زخمًا وأهمية كبيرة بالنسبة للتغير الحادث في بنية النظام الاقتصادي العالمي.
في ظل وجود مثل هذا التوجه، وكذلك وجود «البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية»، فبحلول موعد انتقال مقر صندوق النقد الدولي إلى الصين، يصبح مصير الصندوق نفسه محل تساؤل، إذ إن الصين نفسها قد بدأت في التحول بعيدًا عنه، وسعت إلى إيجاد بديل له.
لكن الدراسة ترهن مستقبل صندوق النقد الدولي إلى ما سيحدث من الآن وحتى موعد انتقال الصندوق إلى الصين، لا سيما في ما يتعلق بقدرة «البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية» على أن يصبح مؤسسة اقتصادية دولية ذات تأثير ودور أكثر أهمية مقارنة بدور الصندوق، ومدى قدرته على استقطاب دول أخرى لعضويته، وتأمين الأموال والدعم الفني والتقني اللازمين للدول الأعضاء، واعتماد أدوات وسياسات مالية ونقدية جديدة تكون بديلة للسياسات والأدوات المعتمدة من قبل الصندوق، وأكثر فعالية منها.
وقد عدَّل «صندوق النقد الدولي» نظام الحصص أو هيكل التصويت المعتمد لديه في عام 2010، ومن المخطط أن يُجري تعديلاً آخر خلال عام 2018، ومن هذه التعديلات: تغيير الثقل التصويتي للاقتصادات الآخذ وزنها النسبي في التراجع على مستوى الاقتصاد العالمي، لحساب الاقتصادات التي تحقق تحسنًا في هذا المؤشر، بمعنى آخر فإن هذه التعديلات تزيد من الكتلة التصويتية الممنوحة للاقتصادات الصاعدة، وعلى رأسها الصين، وتقتطع من الكتلة التصويتية للقوى الاقتصادية التقليدية، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية، التي تفقد تدريجيًّا مكانتها داخل المؤسسة الدولية.
وبالتالي فإنه بحلول موعد نقل مقر الصندوق إلى بكين، ستكون الصين هي صاحبة الحصة الأكبر في القوة التصويتية به، وستتراجع الولايات المتحدة إلى المرتبة الثانية، وستكون الصين هي صاحبة ميزة استخدام حق النقض (الفيتو) على قرارات الصندوق، وهذا الأمر يعد نقطة إيجابية في مستقبل الصندوق، فالصين التي تجد نفسها ذات دور مؤثر داخل الصندوق خلال السنوات المقبلة، قد يحفزها ذلك على دعمه، وقد يأتي ذلك على حساب «البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية»، الذي قد تتراجع أهميته، ليبقى في حدود المنظمة الاقتصادية الإقليمية ذات الدور المحدود.
تحولات النظام العالمي
لا يعني هذا أن بقاء الصندوق مرتبط بالإبقاء على آلياته وسياساته النقدية المتبعة، إذ إن الصين تعد في مصاف الدول النامية، وتسعى إلى استقطاب المزيد من الدول إلى جانبها، من أجل خلق صورة إيجابية لنفسها، على أنقاض النظام الاقتصادي العالمي الذي انتقدته كثيرًا، وكذلك من أجل تنفيذ مبادرتها التنموية المسماة «الحزام والطريق»، وكل ذلك قد يشجع الصين، لدى بلوغها قمة الهرم الاقتصادي العالمي، على العمل على إعادة هيكلة الصندوق، ليكون أكثر تمثيلاً للدول النامية والصاعدة.
كما ستعمل جاهدة على إعادة صياغة آليات عمل الصندوق وبرامجه المعتمدة لأغراض الإصلاح الاقتصادي والتكييف الهيكلي، والتي ظلت مطبقة بشكل شبه ثابت على مدار العقود المنقضية منذ إنشائه حتى الآن، وهذا سيكون بمثابة البداية الحقيقية لمرحلة جديدة في مسيرة النظام الاقتصادي العالمي.
مثَّل ما يشهده العالم منذ عدة سنوات، من صعود لافت لنموذج التنمية الصيني، بداية لحقبة جديدة في عمر النظام الاقتصادي العالمي، حقبة تتصدرها الصين، تلك الدولة التي ما زالت في عداد الدول النامية، ولا يزال العنصر التكنولوجي في منتجاتها منخفضًا كثيرًا مقارنة بالدول الأكثر تقدمًا في الغرب، وعلى رأسها الولايات المتحدة، التي قادت التطور الاقتصادي العالمي لما يزيد على سبعين عامًا، ومن قبلها بريطانيا، مفجرة الثورة الصناعية الأولى، والتي تربعت على قمة التطور الاقتصادي العالمي لما يقرب من قرنين من الزمان.
بيد أن ما يميز الاقتصاد الصيني الذي يستعد لقيادة النظام الاقتصادي العالمي في المرحلة المقبلة، أنه لن يكون الأكثر تطورًا مقارنة بالاقتصاد الأميركي أو حتى الاقتصاد الياباني والاقتصاد الألماني، بل سيكون صاحب الأفضلية عليهم من ناحية الحجم فقط.
فالصعود الاستثنائي لنموذج التنمية الصيني، المعتمد على إحداث ثورة كبيرة في كمية الإنتاج، يمكن أن تُستوحى منه فكرة جديدة قوامها أن النظام الاقتصادي العالمي في ثوبه الجديد، أي تحت القيادة الصينية، ستكون الغلبة فيه للاقتصادات ذات القدرات الاستثنائية على التوسع في الإنتاج الرخيص، وليس في السبق التكنولوجي.
تغييرات اقتصادية
وشهد الاقتصاد الصيني تحولات كبيرة على مدار العقود الماضية، إذ تغيرت طبيعته من اقتصاد يقوم على المركزية والدور المتعاظم للدولة في النشاط الاقتصادي، إلى اقتصاد يتجه شيئًا فشيئًا نحو تقليص دور الدولة وتعزيز دور القطاع الخاص، كما تجاوز مراحل الانغلاق على الذات إلى الانفتاح على العالم الخارجي، والسعي لاجتذاب الاستثمارات والشركات الأجنبية، بالإضافة إلى الانتقال من استهداف بناء القدرات الإنتاجية الذاتية والتركيز على الأسواق المحلية إلى تشجيع الاستثمارات والشركات الوطنية «الحكومية والخاصة» على الخروج والمنافسة في الأسواق العالمية، مما زاد الاحتياجات لقطاع مالي ومصرفي قوي يقوم على الشراكات العالمية.
عملت الحكومة الصينية طيلة العقود الماضية على تطوير البنية التحتية والتكنولوجية، والبنية التشريعية والقانونية للقطاع المصرفي، لتمكينه من توفير الخدمات المصرفية اللازمة للاقتصاد الآخذ في التحول، سواءً كانت هذه الاحتياجات متمثلة في الخدمات التمويلية للأنشطة الاستثمارية في الداخل، أو في خدمات تسوية التعاملات التي تجري بين الاقتصاد الصيني وغيره من الاقتصادات حول العالم. ومن أهم الإصلاحات التي قامت بها الحكومة الصينية، واتخذ بنك الشعب (البنك المركزي) الصيني، في عام 2012، خطوات تضفي نوعًا من المرونة على معدلات الفائدة في المصارف، حيث سمح للمصارف بمنح قروض بأسعار فائدة أدنى بما يصل إلى 20 في المائة من تلك المعمول بها لدى بنك الشعب، مقابل 10 في المائة في السابق، كما أصبح من الممكن أن تستفيد حسابات الإيداع من عائد يفوق المعدل المرجعي بنسبة 10 في المائة، وهو ما شكل سابقة في الصين في حينه. وسمح هذا الإجراء بمزيد من المنافسة في القطاع المصرفي الذي كان حينذاك واقعًا تحت هيمنة الدولة بشكل كبير.
كما عملت على الالتزام بقواعد «بازل» وإصلاح البنوك المملوكة للدولة، خصوصا في «بنك الاستيراد والتصدير الصيني» و«بنك تنمية الزراعة الصيني» و«بنك التنمية الصيني»، وهي بنوك مملوكة للدولة، كما أعلن أنه بصدد بناء نموذج عمل مناسب يمكن البنوك التجارية من تحسين خدماتها المالية، بجانب قيامه بتطوير المعايير واللوائح ذات الصلة بالأمور المالية عبر الإنترنت، في محاولة لتطوير المنافسة العادلة وتقوية السيطرة على المخاطر.
وكشفت الحكومة الصينية، في سبتمبر (أيلول) 2016، عن خطط للسماح بالمزيد من الاستثمارات الأجنبية في القطاع المصرفي وشركات التأمين والأوراق المالية والتصنيف الائتماني، الأمر الذي وصفته الأوساط الدولية - آنذاك - بأنه يخفف شعور الإحباط السائد بين الشركات الأجنبية، نتيجة عدم مقدرتها على دخول السوق الصينية.
تدويل اليوان
واتخذت الصين الكثير من الخطوات من أجل تدويل عملتها المحلية (اليوان)، وهو ما يعد إحدى أهم الخطوات الإصلاحية للنظام النقدي الصيني، وإحدى أهم الخطوات التي قطعتها الحكومة من أجل دمج نظامها المالي والنقدي والمصرفي في النظام العالمي.
وتشير الإحصاءات الصادرة عن جمعية الاتصالات المالية العالمية بين البنوك (سويفت) إلى أن «اليوان» يمول الآن 8 في المائة من التجارة العالمية، ووفقًا لـ«بنك التسويات الدولية»، فقد تضاعف نصيب «اليوان» في التعاملات الحالية في أسواق الصرف العالمية على مدى السنوات الثلاث الماضية من 2 في المائة إلى 4 في المائة.
وكان صندوق النقد الدولي اعتمد اليوان، العملة الصينية، كإحدى العملات في سلة عملات حقوق السحب الخاصة، بدءًا من مطلع أكتوبر (تشرين الأول) 2016. كعملة خامسة، إلى جانب الدولار الأميركي واليورو والين الياباني والجنيه الإسترليني. وتعد هذه المرة الأولى منذ عام 1999 التي يضاف فيها عملة جديدة إلى السلة منذ أن حل اليورو محل الفرنك الفرنسي والمارك الألماني.
ويوجد معياران رئيسيان لإدراج أي عملة في سلة حقوق السحب الخاصة، أولهما: هو معيار الصادرات، الذي يتطلب أن تكون عملات السلة صادرة من أكبر البلدان المصدِّرة في العالم على مدار السنوات الخمس الأخيرة، والتي تساهم بدور مركزي في الاقتصاد العالمي.
ويتمثل المعيار الثاني في أن تكون العملة واسعة الاستخدام في أداء مدفوعات المعاملات الدولية وواسعة التداول في البورصات الرئيسية.
واعتمد صندوق النقد الدولي صيغة جديدة لتحديد أوزان العملات في سلة حقوق السحب الخاصة، لمعالجة المشكلات طويلة الأمد في الصيغة المعمول بها منذ عام 1978. وتخصص الصيغة المعتمدة أنصبة متساوية لصادرات البلد المصدر للعملة، ومؤشرًا ماليًا مركبًا يتألف من أنصبة متساوية لكل من الاحتياطيات الرسمية المحررة بعملة البلد العضو (أو اتحاده النقدي)، التي تحوزها سلطات نقدية أخرى ليست من مُصْدِري العملة المعنية، وحجم التداول بهذه العملة في سوق النقد الأجنبي، ومجموع التزامات البنوك الدولية القائمة وسندات الدين الدولية المحررة بها.
ووفقًا للصيغة الجديدة فإن أوزان العملات الخمس تكون بواقع الدولار الأميركي بنسبة 41.73 في المائة (مقارنة بنسبة 41.9 في المائة وقت مراجعة 2010)، اليورو بنسبة 30.93 في المائة (مقارنة بنسبة 37.4 في المائة)، اليوان الصيني بنسبة 10.92 في المائة، الين الياباني بنسبة 8.33 في المائة (مقارنة بنسبة 9.4 في المائة)، وأخيرًا الجنيه الإسترليني بنسبة 8.09 في المائة (مقارنة بنسبة 11.3 في المائة وقت مراجعة 2010). ومن المقرر إجراء المراجعة القادمة لطريقة تقييم حق السحب الخاص في موعد غايته 30 سبتمبر 2021، ما لم تطرأ تطورات قبل ذلك تستدعي إجراءها في تاريخ أسبق.
الاستثمارات الخليجية
ومع استمرار الحكومة الصينية في إصلاح النظام المصرفي والنقدي في البلاد، فقد تصاعدت معدلات وجود الاستثمارات والمؤسسات المصرفية والنقدية الأجنبية به، وكانت مصارف دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية من بين أكثر المؤسسات المصرفية والنقدية حرصًا على الوجود في الأسواق الصينية منذ بداية عملية الإصلاح تلك، ويبدو ذلك جليًا في الخطوات التي اتخذتها تلك المؤسسات من أجل الوجود في الأسواق الصينية خلال السنوات الماضية.
إن إقدام المصارف الخليجية على التوسع في الاستثمار في الصين، من خلال افتتاح أفرع ومكاتب تمثيل جديدة لها هناك له الكثير من المبررات، فهو في المقام الأول يتماشى مع التطور الذي يشهده القطاع المصرفي الصيني ذاته، وبالتالي فإن هذه المصارف تسعى إلى الاستفادة من الفرص الاستثمارية التي يطرحها هذا التحول.
وتأتي تحركات المصارف الخليجية متوافقة مع التطور الحادث في العلاقات بين الاقتصادات الخليجية من ناحية والاقتصاد الصيني من ناحية أخرى، الأمر الذي يزيد الطلب على الخدمات المصرفية والائتمانية لتمويل الأنشطة التجارية والاستثمارية بين الجانبين. حيث تشير بعض التقديرات إلى أن حجم التبادل التجاري بين الصين والدول العربية، بلغ 270 مليار دولار في عام 2016، منها 171 مليار دولار لصالح دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية منفردة.
إن تركيز الصين على التعاون الاقتصادي مع دول الخليج العربي هو لتلبية احتياجاتها المتزايدة من إمدادات الطاقة، والإفادة من عوائد التعاون الاقتصادي في مجالات البنية التحتية، والتصنيع، ونقل التكنولوجيا الإنتاجية، والطاقة، والطاقة النووية، والزراعة، والتكنولوجيا الدقيقة، والتعاون المالي والتجاري، وتبادل الاستثمارات، وهو ما يؤكد استمرار أولوية الاقتصاد في السياسة الخارجية الصينية تجاه منطقة الشرق الأوسط.