بيروت - فايزة دياب
* الغطاء السياسي والوطني والشعبي، والقدرات العسكرية، والآليات والأسلحة، كل ذلك يجعل انتصار الجيش اللبناني حتمياً.
* قاطيشا: «الأسد هو من أرسل الإرهابيين إلى حدودنا لإثارة الفوضى في لبنان، ويبدو أنّ مهمتهم انتهت، لذلك يريد التخلص منهم».
بعد ثلاث سنوات من احتلال تنظيم داعش نحو 150 كيلومتراً مربعاً من الأراضي اللبنانية عند الحدود الشرقية للبنان في جرود بلدتي رأس بعلبك والقاع، ها هي ساعة الصفر لانطلاق معركة تحرير الجرود من إرهابيي تنظيم داعش للإمساك بالحدود الشرقية تبدو قريبة جدًا، فقد زار قائد الجيش العماد جوزف عون الأربعاء، مقر قيادة الجبهة مطلعًا من قائدها وضباطها على الخطط الموضوعة ودرجة الاستعداد للقوات المنتشرة، معاينًا على الأرض الجهوزية العسكرية تمهيدًا لتحديده ساعة الصفر على وقع أصوات القذائف والصواريخ التي دكت مواقع تنظيم داعش.
وفي مقابل تواتر الأخبار عن بدء المعركة، والتحليلات التي ترافقها عن المدّة الزمنية التي تحتاجها، وقدرات الجيش اللبناني في مواجهة الإرهابيين، إضافة إلى علامات الاستفهام حول التنسيق مع النظام السوري، يستمرّ الجيش اللبناني بالتحضير للمعركة المرتقبة عبر استكمال الاستعدادات اللوجيستية والعسكرية الضرورية، إضافة إلى استمرار مدفعيات وصواريخ الجيش اللبناني باستهداف مواقع المسلحين للسيطرة على مواقع استراتيجية، وإكمال الطوق وتشديد الخناق على المسلحين.
الخبير العسكري العميد الركن المتقاعد وهبي قاطيشا يتحدث لـ«المجلة» عن تحديات المعركة التي سيخوضها الجيش اللبناني وقدراته في تحرير الجرود.
بدايةً أكد قاطيشا أنّ الغطاء السياسي والوطني والشعبي الذي تحظى به المؤسسة العسكرية لخوض هذه المعركة، إضافة إلى القدرات العسكرية والآليات والأسلحة، كل ذلك يجعل انتصار الجيش اللبناني في هذه المعركة حتمياً.
فهل ستكون معركة جرود رأس بعلبك – القاع بسهولة معركة عرسال؟
[caption id="attachment_55260864" align="alignright" width="300"] وهبي قاطيشا[/caption]
يجزم قاطيشا أنّ المعركة المرتقبة تختلف عن معركة جرود عرسال، والرابط الوحيد بينهما أنّ المعركتين هما ضدّ تنظيمين إرهابيين، ويضيف: «أولاً: جغرافيًا، الجرود في القاع ورأس بعلبك أوسع وأكبر من جرود عرسال، وعملية التنقل داخل الجرود صعبة في الآليات، لأنه لا توجد مسالك وطرقات، بعكس جرود عرسال، لذلك يحتاج الجيش إلى شق الطرقات لكي يستطيع أن يتقدم خلال المعركة ويسيطر على بعض المواقع. ثانيًا: الاختلاف الآيديولوجي، فتنظيم النصرة، ومنذ ظهوره يبدي استعدادًا للتفاوض، وهذا ما كان واضحًا في المعركة الأخيرة في جرود عرسال، حيث وافق على صفقة مع (حزب الله) وأطلق أسراهم، مقابل انسحابهم وعائلاتهم إلى محافظة إدلب، كذلك نجح لبنان باستعادة الأسرى العسكريين لدى تنظيم النصرة، وإطلاق سراح راهبات معلولا. وفي المقابل، لا يُبدي تنظيم داعش أي ليونة للتفاوض، على الرغم من أنّ داعش يملك ورقة ضغط على السلطات اللبنانية أقصد العسكريين المخطوفين الذين لا يزال مصيرهم مجهولاً حتى الساعة. لذلك فإن المعركة ضد داعش متجهة نحو سيناريو (يا قاتل يا مقتول) خصوصًا أن إرادة القتال لدى تنظيم داعش عالية جدًا وهذا ما شاهدناه في معركة الموصل التي قاتل فيها التنظيم حتى الرمق الأخير».
وعن المدّة الزمنية التي ستحتاجها المعركة، قال قاطيشا: «هناك صعوبة في تحديد المدة الزمنية، فيمكن الحديث عن أسابيع معدودة، ولكن وجود نحو ألف مقاتل ينتشرون على مساحة 400 كيلومتر مربع، وثلثا انتشاره في الأراضي السورية، والصعوبة الجغرافية، كل ذلك يجعل تحديد الإطار الزماني لهذه المعركة أمراً صعباً، ولكن القدرات والخبرات التي بات يملكها الجيش اللبناني وكثافة النيران ستقلل المدّة الزمنية وتخفف الخسائر على الجيش».
ومع ارتفاع وتيرة الحديث إعلامياً وسياسيًا عن المعركة ضدّ التنظيم الإرهابي، ارتفعت الأصوات اللبنانية المطالبة بالتنسيق بين الجيش السوري و«حزب الله» من جهة والجيش اللبناني من جهة ثانية، مقابل رفض أطراف أخرى في البلاد هذا التنسيق وعلى رأسها الحكومة اللبنانية، ولكن هل يمكن أن يخوض الجيش اللبناني حرباً من الجهة اللبنانية بالتوازي مع الجيش السوري و«حزب الله» من الجهة السورية ضد العدو نفسه من دون تنسيق؟
في هذا السياق أكد قاطيشا أن «عدم التنسيق أمر طبيعي، خصوصًا أن كل طرف يحارب على أرضه، فالجيش اللبناني يحارب داعش من الجهة اللبنانية وعلى الجرود اللبنانية، والجيش السوري و(حزب الله) يحشدان من الجهة السورية، فالمنطقة التي يسيطر عليها داعش في لبنان نحو 150 كيلومتراً مربعاً وكذلك في سوريا وعلى كل طرف محاربة التنظيم من أرضه».
وأضاف: «أما الكلام الذي يقول إن هناك تنسيقاً بين الطرفين أو لا بدّ من التنسيق، فهو كلام غير منطقي، فكيف سيتم التنسيق مع عدم وجود غرفة عمليات مشتركة بين الجانبين السوري واللبناني أو بين (حزب الله) والجيش اللبناني؟ وإذا كانت هناك نية في إقامة غرفة عمليات مشتركة فلا يمكن أن تصلح بين الجيشين السوري واللبناني لأن غرف العمليات المشتركة تحتاج إلى جيشين يملكان أسلحة متشابهة، ونظام اتصالات موحد، فالجيش اللبناني غربي أما الجيش السوري فشرقي، فلا يمكن مثلا أن يتواصلا بأجهزة اتصالات مختلفة. أما الكلام عن أن العملية لا يمكن أن تنجح من دون تنسيق فهو كلام ينم عن جهل عسكري».
أمّا سياسيًا فرأى قاطيشا أنّه «لا يمكن الوثوق بنيات النظام السوري، خصوصًا أنّه هو من أرسل هؤلاء الإرهابيين إلى حدودنا لإثارة الفوضى في لبنان، ويبدو أنّ مهمتهم قد انتهت، لذلك يريد التخلص منهم، فقادة هؤلاء الإرهابيين كانوا في الأصل محكومين في السجون السورية، أُطلق سراحُهم مع بداية الثورة السورية، وقُدّم لهم الدعم المطلوب ليحولوا الثورة المعتدلة والسلمية إلى حرب خطيرة، ويحوّلوا أنظار العالم من المعارضة المعتدلة إلى تنظيمات إرهابية».
إذن يجمع الفرقاء على دعم الجيش اللبناني في معركته المقبلة، مع ترك قرار تحديد ساعة الصفر إلى قيادة الجيش، ولكن ماذا عن مصير العسكريين المخطوفين لدى تنظيم داعش؟
رئيس لجنة أهالي العسكريين المخطوفين لدى داعش، حسين يوسف، قال في حديث لـ«المجلة»: «للأسف لا توجد لدينا معلومات مؤكدة عن خطوط تفاوض بين تنظيم داعش وقيادة الجيش، لكنّ هناك شكوكاً لدينا، بأن الوقت الذي تأخذه قيادة الجيش قبل بداية المعركة هو لإفساح المجال لفتح خطوط التفاوض، بانتظار التجاوب من قبل المسلحين».
وأضاف: «هناك قرار حاسم من قبل قيادة الجيش ومن قبل الأهالي بأننا لن نقبل أن نكون ورقة ضغط في هذه المعركة، ولن نقبل إلا بالكشف عن مصير أبنائنا العسكريين».
وختم: «نحن نعيش الخطر لحظة بلحظة، فالخوف والقلق على مصير أبنائنا لا يفارقنا، فلا يزال مصيرهم مجهولاً على أمل فتح خط التفاوض».
هي ساعات إذن، تفصل الجيش اللبناني عن خوض معركة هي الثانية له منذ بداية الثورة السورية ضدّ تنظيم داعش المتطرف، ففي أغسطس من عام 2014 تعرّض الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي إلى هجوم من قبل مسلحين تابعين لتنظيمي داعش والنصرة، تمكنوا حينها من إسقاط مراكز عسكرية وخطف عدد من الجنود من داخل بلدة عرسال، ولكن تمت استعادة كل المراكز خلال 24 ساعة من قبل الجيش، الذي أجبر المسلحين على التراجع إلى الجرود واستمروا في احتلال الجرود المتداخلة على الحدود اللبنانية السورية. واليوم وبعد ثلاث سنوات يختلف السيناريو فالجيش اللبناني هو من سيتخذ قرار بداية المعركة، وهو على أتم جهوزيته اللوجيستية والعسكرية، إضافة إلى امتلاكه أسلحة متطورة وقدرات قتالية عالية وغطاء سياسي وشعبي لتحرير الحدود من الإرهابيين.