بقلم: رشيد الخيُّون
قد يسأل البعض: ما علاقة خلية «العبدلي» بالشأن ما بين الشَّيعة والسُّنة، أو ما تأثيرها على العلاقات العراقية الكويتية مثلاً، كون الأحزاب الشيعية الآن متنفذة داخل العراق؟! هناك مَن تحدث عن ذلك واعتبر هذا النَّشاط المعادي للكويت، والذي تبناه فرع من فروع الإسلام السياسي الشِّيعي (حزب الله)، بالصلة مع إيران، يؤثر مباشرة على ما بين السُّنّة والشِّيعة وبشكل مِن الأشكال على ما بين الكويت والعراق، فمما لا يُنكر أن عدداً غير قليل مِن الميليشيات لم تتأخر مِن إعلان ولائها للولي الفقيه داخل العراق. يتضح ذلك مِن الخطاب المباشر، ومِن احتفالاتها برفع صور آية الله الخميني وآية الله خامنئي.
قبل ذلك لا بد مِن التعرف على قضية خلية «العبدلي»، التي عُرفت بهذا الاسم نسبة إلى اكتشاف معداتها مخزنة في مزرعة مِن مزارع منطقة العبدلي، وما أثارته مِن جدل في الساحة السياسية والإعلامية. حسب بيانات وزارة الداخلية الكويتية أن الخلية تم اكتشافها، ثم القبض على أعضائها الستة والعشرين قبل نحو سنتين (15 أغسطس/ آب 2015)، وعثرت السلطات الكويتية على أسلحة ومتفجرات شتى، وغير قليلة في أوكارها، تتراوح بين قذائف «بي-7» (آر بي جي)، وقنابل يدوية وصواعق كهربائية، تكفي لتفجير الكويت.
بعدها عُقدت محكمة الجنايات في (15 سبتمبر/ أيلول 2015)، واستمرت المحكمة لعدة شهور، لتصدر أحكامًا متنوعة على أعضاء الخلية، تراوحت بين الإعدام والسجن المؤبد ولفترات مختلفة، ثم مُيز الحُكم في محكمة الاستئناف فصدرت البراءة لعدد منهم، ولآخرين غرامة خمسة آلاف دينار كويتي، وثبتت أحكام آخرين. تتبع الخلية «حزب الله» بالكويت، وعلى صلة مع جهات إيرانية و«حزب الله» اللبناني. بعد قرار محكمة الاستئناف الكويتية، بنحو شهر، أُعِدّتْ للمحكومين خطة هروب من السجن، وعبر زوارق إلى إيران.
تلك قصة خلية «العبدلي» باختصار، وما يُلفت النَّظر أن دولة الكويت على علاقة جيدة بإيران، وأكثر من جيدة مع القوى السياسية الشيعية بالعراق، فبعد غزو الكويت وتحريرها مِن النظام العراقي السابق (1990-1991) تعمقت العلاقة مع تلك القوى، وصار المجلس الأعلى الإسلامي، وهو واجهة إيران الأكبر آنذاك في المعارضة العراقية، محل ترحيب داخل الكويت، مع تحسن العلاقات الكويتية الإيرانية، فالخصم صار مشتركًا، وهو النظام العراقي، وأن دور الكويت في إسقاطه كان معلنًا عبر الإعلام الكويتي، وعلى أرض الواقع.
مع أن وجود عناصر في السياسة العراقية الجديدة كانت مطلوبة للكويت، بتهم تعود إلى النصف الأول من عقد الثمانينات، وهو تورط أحدهم، بمحاولة اغتيال أمير البلاد حينها، ويُعد الآن من قيادات الحشد الشعبي، ورجل إيران البارز ببغداد. كذلك أن إيران والكويت قد تغلبا على ما كان خلال الحرب العراقية الإيرانية، بدعم الكويت للعراق حينها، وقبلها منع مرشد الثَّورة الخميني (ت1989) مِن الإقامة بالكويت بعد إخراجه مِن النجف.
فحسب مذكرات آخر سفير بريطاني بطهران، أيام الشَّاه، أن الأخير طلب منه التدخل لدى الكويت بعدم قبول الخميني، خشية من تسلله إلى داخل الأراضي الإيرانية، وحينها كانت الثَّورة مشتعلة، واعتذر السَّفير عن التدخل في هذا الشأن، لأن الأمر كان بعيدًا عن مسؤولياته وصلاحياته كسفير لبلاده بطهران، إلا أن وصول الخميني وإقامته بباريس أتاحت له حرية التصرف والحراك الثوري، وبياناته تذاع من «بي بي سي» البريطانية، التي تحولت إلى محطة إعلامية له، وربما لو كان بمكان آخر كبقائه بالنجف أو إقامته بالكويت لما استطاع تثوير الشارع الإيراني ببياناته وبرقياته، وإتاحة الفرصة لمغادرته إلى طهران، وهبوط طائرته بسلام في مطارها (1فبراير/ شباط 1979).
مهما توطدت الصِّلات بين إيران وبلدان المنطقة، تبقى السلطة الإيرانية تنطق من مبدأ الثورة لا الدولة، ومبدأ الثورة عادة في حراك مستمر، ولا يتوقف عن التصدير، لإيجاد مراكز للضغط على هذه الدولة أو تلك، وإلا ماذا يُنقص العلاقات الإيرانية الكويتية، أو موقف الكويت مِن إيران كي تؤسس خلية مهمتها تفجير الكويت، وبالتالي تفجير النزاع الطَّائفي، والكويت إحدى البلدان المختلطة طائفيًا، ولا يشكو شيعتها مِن تمييز في السِّياسة والمجتمع؟!
كم يؤثر هذا الفعل على الاستقرار الاجتماعي داخل الكويت، وفي كل مكان تستطيع إيران الوصول إليه وتشكيل ركيزة مسلحة لها، وعبر ركيزتها الأكبر «حزب الله» اللبناني؟! لم يؤثر وجود ثم هروب خلية «حزب الله الكويت» على العلاقات الشيعية السُّنية الكويتية فقط، فيما لو نجح المخطط وفُجرت الكويت، وسيؤثر أيضاً على العلاقات الكويتية العراقية، كون جماعات إيرانية متنفذة داخل العراق، ترى ما تراه إيران، وتلتحف بعباءة الولي الفقيه المطلقة.
لم يصدر حتى الآن أي انعكاس لهذا الحدث على الصلات العراقية الكويتية، ولكن لا يعني ذلك أن منشئ هذه الخلية لم يفكر بإبعاد العراق عن محيطه العربي، وذلك بالعزف على الوتر الطائفي، فتشويش ما بين شيعة الكويت وسنته ينعكس مباشرة على العلاقات بين الكويت والقوى الشيعية العراقية، بخلق رأي عام طائفي يُستقبل بسهولة مِن قبل حشود البسطاء.
لذا على شباب الطَّائفة الشِّيعية، مثلما كتب خليل علي حيدر وغيره مِن الكُتاب الكويتيين الجادين والحريصين على شعبهم وطوائفه، أن يتحصنوا ضد هذا الاختراق، يتحصن شباب السُّنة من «داعش» ومثيلاتها، وتتنبه مِن أن حياتها الطبيعية بأوطانها لا بالولاء للخارج. فما كان مقصودًا من هذا الفعل ليس الدفاع ولا الذود عن الطائفة الشيعية بالكويت، وهي تعيش بأفضل حال، إنما المقصود الفعل الثوري باستغلال الشِّيعة، الفعل الذي لا يستقر في داخل حدوده الوطنية، إنما ينقض على أي مكان يجد سبيلاً للانقضاض عليه. إنه العبث الثَّوري بثوبه الطَّائفي، وليس أقل مِن عبث «خلية العبدلي».
للتسجيل في النشرة البريدية الاسبوعية
احصل على أفضل ما تقدمه "المجلة" مباشرة الى بريدك.