جدة: إيمان أمان
•الغاز الطبيعي جزء من الحل وأساس مهم في مرحلة التكيف مع تغير المناخ ومكمل لتطوير الطاقات المتجددة.
•سيرتفع الطلب على الغاز الطبيعي لأكثر من النصف بحلول عام 2040م.
•سيساعد هذا التوجه في استخدام الغاز على زيادة قيمة «أرامكو» السوقية وجذب المستثمرين.
•ستستثمر «أرامكو» 300 مليار دولار في مشاريع النفط والغاز للمساهمة في أمن الطاقة العالمي.
يشهد عالمنا اليوم تحدي تحقيق التوازن بين النمو الاقتصادي وتدابير إدارة تغير المناخ والتكيف معه، ويبدو أن هناك توجهات مختلفة بين من يرى ضرورة إهمال مصادر الوقود الأحفوري (الفحم الحجري، النفط، الغاز) وإبقائها تحت الأرض لحساب تطوير مصادر الطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، وهناك فريق آخر ينادي باعتماد الغاز الطبيعي بديلاً للفحم لأسباب تتعلق بأمن الطاقة وأخرى تتعلق باستراتيجيات التكيف مع التغير المناخي. ويحظى الغاز الطبيعي بسمعة جيدة مقارنة مع مصادر الوقود الأحفوري الأخرى لا سيما الفحم باعتباره بديلا منخفض الكربون، ولذلك يعول على التوجه العالمي في منظومة الطاقة الحديثة حيث سيكون «الجسر» للتحول إلى اقتصاد صفري الكربون باستخدام طاقة مولدة من مصادر صديقة للبيئة. ولتحقيق هذا الهدف يجب أن يتم ذلك تدريجيا لتمكين الدول من تحقيق أهداف التنمية واعتماد الحلول المعقولة لحماية اقتصاداتها وفي نفس تقليل الأثر البيئي الناجم من عمليات توليد الطاقة الكهربائية خصوصا من الفحم الملوث للبيئة.
وتتوقع وكالة الطاقة الدولية أن يزداد الطلب العالمي على الغاز حالياً وإلى عام 2040م. ويعتبر الغاز الطبيعي - حاليا - هو المصدر الأقل كلفة اقتصاديا لتحقيق الخفض في انبعاثات غازات الاحتباس الحراري المسببة لمشكلة تغير المناخ. إضافة إلى أن توليد الكهرباء بالاعتماد على الغاز الطبيعي يحقق العناصر الأساسية للطاقة المستدامة مثل الموثوقية والتكلفة المعقولة والأثر البيئي. حيث يمكن لمحطة توليد الطاقة الكهربائية المعتمدة على الغاز الطبيعي من أن تعمل على مدار الساعة وتنتج نصف انبعاثات الكربون مقارنة مع معامل الفحم. وعلى الرغم من أن مصادر الطاقة المتجددة تكون غير ثابتة الإمدادات مما يؤثر على أمن الطاقة والإمداد (متقطعة intermittent) وهذا لن يحل إلا عن طريق تطوير تكنولوجيات التخزين لهذه المصادر، الأمر الذي سيستغرق عشرات السنين والاستثمارات الضخمة لتمكين الطاقة المولدة من مصادر متجددة من التسيد في مزيج الطاقة العالمي. وتتوقع وكالة الطاقة الدولية أنه ستزيد حصة الغاز الطبيعي في مزيج الطاقة مستقبلا وسيستمر الطلب العالمي على الغاز في الازدياد خصوصا مع تنامي اقتصادات دول مستهلكة للطاقة مثل الصين والهند. ولذلك بدأت الكثير من الدول العمل على ضرورة تسييد الغاز الطبيعي في منظومة مزيج الطاقة مع ضرورة إعطاء موارد الطاقة المتجددة الفرصة من التطوير والبحث والمنافسة.
أهمية الغاز الطبيعي في عالم منخفض الكربون
في شهر ديسمبر (كانون الأول) عام 2015م، تعهدت 194 دولة في (مؤتمر الأطراف21-CoP21) بالعمل بما جاء في تجمع تاريخي «اتفاق باريس لتغير المناخ» على جملة من القرارات والتعهدات والإجراءات المتعلقة بخفض الانبعاثات الملوثة المسببة لمشكلة الاحترار العالمي. حيث تعهدت الدول المشاركة بحصر ارتفاع درجة حرارة الأرض وإبقائها دون الدرجتين المئويتين، وذلك مقارنة بمقاييس ما قبل عصر الثورة الصناعية. وبطبيعة الحال سيفرض هذا التوجه العالمي تقليصا شديدا للانبعاثات الكربونية، الأمر الذي يستدعي اتخاذ الإجراءات والتدابير للحد من استهلاك الطاقة (من الوقود الأحفوري) وتوجيه الاستثمار للطاقة البديلة والمتجددة بأنواعها المختلفة. لذلك من المرجح أن يلعب الغاز الطبيعي دوراً محورياً في اتفاق باريس لتغير المناخ في الانتقال إلى اقتصاد منخفض الكربون ويمهد لنضوج تكنولوجيات الطاقة المتجددة والبديلة والمساهمة في شبكة كهربائية منخفضة الكربون ومرنة وذات موثوقية خصوصا في أوقات انقطاع الإمداد من مصادر الطاقة المتجددة بسبب عوامل تغير الطقس (عندما تشرق الشمس وعندما تهب الرياح).
الغاز الطبيعي في السعودية و«رؤية 2030م»:
المملكة العربية السعودية دولة غنية بمواردها الهيدروكربونية من النفط والغاز الطبيعي، وفي عام 2014م بلغ إجمالي احتياطات المملكة العربية السعودية من الغاز الطبيعي 9.8488 مليار مترمكعب (تحتل سادس احتياطات الغاز الطبيعي المثبتة عالميا وتحتل المركز الثالث على مستوى الشرق الأوسط). وفي عام 2014م أنتجت المملكة العربية السعودية 4.102 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي وفي نفس السنة كانت خامس أكبر مستهلك للغاز عالميا. في عام 2015م كانت سابع أكبر منتج للغاز في العالم. إضافة إلى كون المملكة من بين أكبر 5 دول عالميا في احتياطيات الغاز الصخري ويقدر بنحو 645 ترليون قدم مكعب و285 ترليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي التقليدي. وتستهلك المملكة جل إنتاجها (لا تصدر ولا تستورد) من الغاز الطبيعي في قطاع البتروكيماويات وتوليد الطاقة الكهربائية، إذ شكل الغاز الطبيعي مانسبته 40.7 في المائة من حاجة البلاد من مصادر الطاقة الأولية.
والجدير بالذكر أنه تماشيا مع «رؤية السعودية 2030» سوف يتم التوجه لرفع إنتاج الطاقة الكهربائية لتلبية النمو السكاني المطرد من جهة وتلبيات متطلبات «رؤية 2030» في زيادة صادرات المملكة غير النفطية من جهة أخرى مثل قطاع البتروكيماويات. وبحسب الرؤية فإن الغاز يعتبر «مورداً مركزياً» لتوليد الطاقة الكهربائية وتأمين أولويات التنمية في المملكة العربية السعودية. فسوف يحقق الاعتماد على الغاز الطبيعي في توليد الطاقة الكهربائية على المساهمة في خفض انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون، ويؤكد على التزام المملكة العربية السعودية بمخرجات الاتفاقات الدولية للتصدي لتغير المناخ. وأيضاً سيساعد استبدال الخام من النفط إلى استخدام الغاز الطبيعي على حفظ القيمة الاقتصادية للنفط من الهدر وهذا هدف أساسي لـ«رؤية السعودية 2030».
وللمملكة العربية السعودية تطلع بأن تبصح منتجا للغاز الصخري بحلول عام 2020م، وأيضاً تخطط شركة أرامكو السعودية بحسب التصريحات الأخيرة بأنها ستستثمر ما يقارب 7 مليارات دولار لتطوير موارد الغاز الصخري في المملكة باستخدام التقنيات الحديثة مثل الحفر الجاف للتغلب على مشكلة شح المياه في عملية إنتاح الغاز الصخري. علاوة على ذلك تطمح عالميا في إنتاج الغاز وتطويره بهدف تنويع استثمارات الشركة قبل إدراجها للطرح العالمي. والجدير بالذكر أن الاستثمار في تطوير الغاز الطبيعي في داخل المملكة أو خارجها (مثل مشروع الشراكة مع روسيا في الغاز الطبيعي المسال في القطب الشمالي) هو هدف استراتيجي وقراءة مستقبلية مهمة لما يعرف بالتحول العالمي في الطاقة نحو اقتصادات منخفضة الكربون، ويعد الغاز الطبيعي المرشح لأن يكون محط اهتمام الاستثمار العالمي لعقود قادمة. وستسهم الاستثمارات في الغاز سواء محليا أو عالميا بتحقيق قيمة مضافة والمساهمة في تحقيق «رؤية السعودية 2030» بتنويع مصادر الدخل والتقليل من الاعتماد على النفط في بناء الاقتصاد السعودي والمساهمة في تأمين مستقبل مستدام لموارد الطاقة الموثوقة والنظيفة مثل الغاز الطبيعي.