الاقتصاد القطري على منحى الهبوط الاضطراري

الاقتصاد القطري على منحى الهبوط الاضطراري

انهيار البورصة والعملة المحلية... وانخفاض ربحية الشركات



[caption id="attachment_55260430" align="aligncenter" width="1653"]مستثمر قطري يتابع أحوال البورصة – أرشيفية (غيتي) مستثمر قطري يتابع أحوال البورصة – أرشيفية (غيتي)[/caption]

* الخطوط الجوية القطرية أولى الشركات التي تأثرت بالإجراءات التي اتخذتها الدول المقاطعة... هبوط حاد في السياحة والتصدير... وتراجع تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر وغير المباشر.
* ارتفاع تكلفة التأمين على الديون السيادية القطرية ضد مخاطر التخلف عن السداد وفي حال استمرار الأزمة ستكون هناك صعوبة في تنفيذ المشاريع المشتركة بين دول الخليج الثلاث وقطر.
* القدرة على تحمّل الأزمة الحالية مرهونة بالمدى الزمني للمقاطعة... واتخاذ عقوبات جديدة ضد قطر يدفع اقتصادها إلى الانكماش.



القاهرة: حسين البطراوي

دخل الاقتصاد القطري في دوامة الحسابات المالية بعد أن قطعت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والبحرين ومصر علاقتها مع قطر، عقب اتهامها بدعم وإيواء الإرهاب، ومُني الاقتصاد القطري بخسائر كبيرة خلال فترة المقاطعة، وتبقى قدرة الاقتصاد القطري على تحمّل الأزمة الحالية مرهونة بالمدى الزمني لها، فكلما طال أمد الأزمة بدأ الاقتصاد في الانهيار التدريجي، وتحولت أزمته تدريجياً إلى معضلة يصعب التغلب عليها، وتتجه أوضاعه المالية نحو منحنى خطرٍ يشهد فيها تراجعاً سريعاً في قيمة عملته المحلية، ويفقد جدارته الائتمانية، وسيشهد تراجعاً حاداً في قدرته على تنفيذ المشروعات الكبرى المخطط لها، والتي تعول عليها الدولة لقيادة الاقتصاد القطري خلال العقود المقبلة، ليدخل الاقتصاد في موجة تراجع في معدلات النمو، وتحول النمو إلى انكماش في الأمد البعيد، بما يُفقد قطر مكانتها الاقتصادية على المستوى الإقليمي.

تخفيض التصنيف الائتماني



ومع بداية الأزمة بين قطر والدول العربية المقاطعة، سارعت مؤسسات التمويل الدولية بخفض التصنيف الائتماني لقطر، تحسباً لاستمرار الأزمة، حيث خفضت وكالة «ستاندارد آند بورز» للتصنيفات الائتمانية العالمية، تصنيفها لديون قطر السيادية طويلة الأجل درجة واحدة إلى (AA -) بدلا من (AA)، ووضعتها على قائمة المراقبة الائتمانية ذات التداعيات السلبية، وهو ما يشير إلى احتمال خفض جديد في التصنيف الائتماني القطري خلال الفترة المقبلة.
وأكدت الوكالة أن الاقتصاد القطري قد يتضرر بشدة جرَّاء قطع العلاقات الدبلوماسية وخطوط النقل مع الدوحة، وتوقعت أن يتباطأ النمو الاقتصادي، ليس فقط من خلال تراجع التجارة الإقليمية، بل أيضاً بتضرر ربحية الشركات بسبب توقف الطلب الإقليمي على منتجاتها، وضعف الاستثمارات، وتراجع الثقة في مناخ الأعمال.

البنوك والشركات



كما خفضت مؤسسة «موديز» المتخصصة في تقييم القدرة الائتمانية للدول والمؤسسات الحكومية والخاصة، التصنيف الائتماني السيادي لقطر من «مستقر» إلى «سالب» بسبب المخاطر الاقتصادية والمالية التي تكتنف الأزمة السياسية الراهنة مع الدول العربية.
وخفضت التصنيف الائتماني طويل الأجل لتسعة بنوك قطرية من «مستقر» إلى «سالب». وشمل القرار: بنك قطر الوطني، بنك الدوحة، المصرف الخليجي التجاري، البنك الأهلي، بنك بروة، بنك قطر الدولي، مصرف الريان، مصرف قطر الإسلامي، بنك قطر الدولي الإسلامي.
كما خفضت «موديز» تصنيف عدد من أبرز شركات النفط والغاز والصناعة والعقار في قطر، تشمل: «رأس غاز» المتخصصة في مجال الطاقة والغاز، وشركة قطر للبترول ومدينة «رأس لفان» التابعة لها، وشركة صناعات قطر. حيث خفضت تصنيف شركة رأس غاز وشركة رأس لفان للغاز الطبيعي المسال من Aa3 إلى A1. كما خفضت تصنيفات الديون المضمونة الكبرى لشركة ناقلات (للنقل البحري) من Aa3 إلى A1. وخفضت تصنيف الديون الثانوية الكبرى لشركة ناقلات من A1 إلى A2. وغيّرت النظرة للشركات الثلاث من سلبية إلى مستقرة.
وتأتي هذه الإجراءات بعد خفض التصنيف السيادي لقطر من Aa2 إلى Aa3، مع نظرة مستقرة، وأضافت «موديز» أن ذلك يعكس أن رأس غاز ورأس لفان وناقلات هي شركات ذات صلات حكومية.

وحول دوافع تخفيض تصنيف تلك الشركات، قالت «موديز»: «إنها تفترض أنه في حال وقوع الاحتمال غير المرجح بأن تواجه تلك الشركات أزمات، ستقدم حكومة قطر لها دعماً استثنائياً لتفادي التخلف عن الوفاء بالتزاماتها المتعلقة بالديون».
كما خفضت «موديز» تصنيف شركة قطر للبترول من Aa2 إلى Aa3 وشركة صناعات قطر من Aa3 إلى A1، وغيرت النظرة للشركتين من مستقرة إلى سلبية. وبالتزامن مع ذلك، خفضت أيضاً تصنيف شركة «ديار للتمويل»، المملوكة لشركة الديار القطرية من Aa2 إلى Aa3، مع نظرة مستقرة.
أما فيما يتعلق ببنك قطر الوطني، أكدت «موديز» تصنيفها لودائعه طويلة الأجل عند مستوى Aa3 مع نظرة مستقرة، رغم أنها خفضت في ذات الوقت، تصنيفها لقدرة البنك على الوفاء بالتزاماته طويلة الأمد من Aa2 إلى Aa3.

مخاطر الائتمان القطرية



بلغت عقود مبادلة مخاطر الائتمان القطرية لأجل خمس سنوات 89 نقطة، وهو أعلى مستوى لها منذ مطلع ديسمبر (كانون الأول) الماضي، مقارنة مع 65 نقطة، قبل أن تقطع السعودية والإمارات العربية المتحدة والبحرين ومصر العلاقات مع قطر متهمة إياها بدعم الإرهاب. وتنطوي عقود مبادلة مخاطر الائتمان القطرية في الوقت الحالي على احتمال تخلف عن السداد نسبته 6.0 في المائة في السنوات الخمس القادمة.
ولمحت وكالتا التصنيف الائتماني «موديز» و«فيتش» إلى احتمال خفض التصنيف الائتماني لقطر على خلفية الأزمة مع دول عربية على رأسها السعودية.

الاستثمارات القطرية



وتكشف دراسة لمركز المستقبل والدراسات المتقدمة، عن خريطة الاستثمارات القطرية، فتشير إلى قيام قطر منذ بداية العقد الماضي بتوظيف ثرواتها الهائلة الناجمة عن نمو عائدات قطاع النفط والغاز الطبيعي في البلاد، من خلال الاستحواذ على كثير من الأصول المالية وغير المالية في الكثير من الأسواق العالمية، لا سيما الأميركية والأوروبية. وبحسب الإحصاءات الرسمية القطرية، فقد بلغ إجمالي استثماراتها في الخارج نحو 35.6 مليار دولار بنهاية عام 2015.
في حين تشير منظمة الأونكتاد (مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية) إلى أن قيمة الاستثمارات القطرية الخارجية بلغت نحو 43.2 مليار دولار في عام 2015. ويُضاف إلى هذه المبالغ، محفظة استثمارية كبيرة يديرها جهاز قطر للاستثمار بالخارج وتُقدر بنحو 335 مليار دولار بنهاية يونيو (حزيران) 2016، وفقاً لمعهد صناديق الثروة السيادية، لتحتل بذلك المرتبة 14 عالمياً ضمن قائمة أكبر الصناديق السيادية على مستوى العالم.

الأسواق العربية



في الأسواق العربية، حققت الاستثمارات القطرية نمواً كبيراً منذ نهاية العقد الماضي، حيث شهدت كثير من دول الخليج والبلدان العربية، نمواً اقتصادياً مرتفعاً بالتزامن مع اتخاذ عدة خطوات للإصلاح الاقتصادي وتحسين مناخ الاستثمار، وهو ما أتاح للمستثمرين القطريين الكثير من الفرص الواعدة.
وبحسب بيانات «إف دي آي ماركتس»، التابعة لصحيفة «فايننشيال تايمز» البريطانية، فقد بلغت قيمة الاستثمارات القطرية في المنطقة العربية نحو 30.4 مليار دولار خلال الفترة من عام 2003 وحتى أبريل (نيسان) 2016، لتصبح بذلك رابع أكبر مُصدِر للاستثمارات البينية في المنطقة العربية. وعلى مستوى دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، ضخت قطر استثمارات بقيمة 8.6 مليار دولار بنهاية عام 2015، أي ما يوازي 24 في المائة من إجمالي الاستثمارات القطرية في الخارج.

وعلى مستوى كل دولة، كانت الأسواق السعودية والإماراتية والمصرية من أهم المقاصد الجاذبة للاستثمارات القطرية. وبين عامي 2003 و2016، استقبلت السعودية والإمارات رؤوس أموال قطرية بقيمة 3.8 مليار دولار و1.2 مليار دولار على التوالي، والبحرين، ما قيمته 21 مليون دولار. وبالنسبة للسوق المصرية، بلغت الاستثمارات القطرية نحو 14.7 مليار دولار حتى عام 2015.
وقد تركزت محفظة الاستثمارات القطرية بالأسواق العربية في الأنشطة المالية والعقارية والنقل والاتصالات وغيرها، ولتطابق بذلك نمط توزيع الاستثمارات القطرية في الخارج حتى نهاية عام 2015، والتي شكلت فيها أنشطة القطاع المالي والتأمين 36 في المائة من إجمالي حجم الاستثمارات الخارجية، وأنشطة النقل والتخزين والمعلومات والاتصال 31 في المائة، ثم أنشطة التعدين واستغلال المحاجر 27 في المائة.

الاستثمارات الفردية



استثمر القطريون بكثافة في دول مجلس التعاون الخليجي على مدار السنوات الماضية، فحتى عام 2015، كان هناك 5.1 ألف رخصة ممنوحة للقطريين لممارسة الأنشطة الاقتصادية في السعودية والإمارات والبحرين، وفقاً لإحصائيات الأمانة العامة لدول مجلس التعاون في تقريرها حول السوق الخليجية المشتركة لعام 2016.
ونشطت استثمارات القطريين في أسواق المال والعقارات الخليجية، لا سيما في السوقين السعودية والإماراتية. وبلغ عدد القطريين الذين يملكون عقارات في دول الخليج الثلاث (السعودية، والإمارات، والبحرين) نحو 14.9 ألف قطري بنهاية عام 2015، علاوة على وجود 15.3 ألف مساهم قطري في الشركات المساهمة الإماراتية والسعودية.
وتشير الدراسة التي أعدها الباحث إبراهيم الغيطاني، إلى الأوضاع الحالية تبدو ليست في صالح القطريين، الذين قد يدفعهم التوتر القائم نحو التخلي عن أصولهم المالية والعقارية المميزة في الأسواق الخليجية. ولن يكون بمقدورهم، أيضاً، الاستفادة من الفرص الاستثمارية الواعدة في دول الخليج الثلاث.

الاستثمارات المؤسسية



في أعقاب اندلاع الأزمة الحالية، زادت التكهنات بأن كثيراً من شركات الأعمال القطرية ستواجه صعوبات في ممارسة أعمالها في دول الخليج خلال الفترة المقبلة، وهو ما حدث بالفعل. وكانت الخطوط الجوية القطرية من أولى الشركات التي تأثرت بالإجراءات التي اتخذتها الدول المقاطعة.
وثمة توقعات بأن تواجه الشركات والمشروعات القطرية مزيداً من الصعوبات مستقبلاً، في ظل حظر تنقل القطريين داخل دول الخليج الثلاث، بالإضافة إلى احتمالية تأثر التعاملات المالية بين البنوك الخليجية والقطرية.

[caption id="attachment_55260431" align="aligncenter" width="1653"]طائرة الخطوط الجوية قطرية طائرة الخطوط الجوية قطرية[/caption]

المشروعات المستقبلية



حال استمرار الأزمة الراهنة، سيكون من الصعب المضي قُدماً في عدد من المشاريع المشتركة بين الدول الخليجية الثلاث من ناحية وقطر من ناحية أخرى، مثل المشروع المقترح ببناء جسر بين قطر والبحرين بطول 40 كيلومتراً. وبالمثل قد تتوقف أي مشاريع وحدوية مع قطر مثل مشروع ربط شبكات السكك الحديدية بين دول الخليج والمخطط لها خلال السنوات القادمة، وهو ما قد يمثل تهديداً لخطط أعمال الشركات القطرية المشاركة في هذه المشروعات.
وبطبيعة الحال، فإن المقاطعة الحالية تعني عملياً إنهاء فرص توسع الشركات القطرية في الأسواق الخليجية والمصرية أو الحصول على فرص استثمارية جديدة بها، مما يؤثر على خطط هذه الشركات التي كانت تطمح للاستفادة من المشروعات الاستثمارية الواعدة في الدول الأربع، مثل المشروعات الاستثمارية في السوق السعودية والمطروحة في إطار «رؤية المملكة عام 2030». كما ستضيع على صندوق قطر السيادي فرصة المشاركة مع الصناديق الخليجية في الكثير من الاستثمارات العالمية الواعدة.

فرؤوس الأموال القطرية على عتبة مرحلة جديدة من التجفيف في دول الخليج الثلاث المقاطعة لها ومعها مصر، حيث ستشهد انحساراً كبيراً خلال الفترة المقبلة، حال استمرار الأزمة، لا سيما في ظل الصعوبات التشغيلية التي باتت تواجهها أكثر من أي وقت مضى.

هبوط حاد في الأنشطة



وتشير دراسة أخرى للباحث علي صلاح إلى الأزمة الحالية أفقدت الاقتصاد القطري الكثير من المقومات المهمة واللازمة للحفاظ على استقراره المالي، حيث أدت إلى هبوط كبير في أحجام أنشطة القطاعات التي تُدرُّ دخلاً بالعملات الأجنبية، مثل: الطيران المدني، والسياحة، والتصدير، إلى جانب تراجع تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر وغير المباشر الوافدة إلى قطر، نظراً لتخوف المستثمرين من ظروف عدم الاستقرار التي قد تتعرض إليها في ظل الأزمة، لا سيما على الأمد البعيد.

انخفاض قيمة العملة المحلية



على الرغم من أن عملة قطر المحلية (الريال) مثبتة أمام الدولار الأميركي، فإن نظام سعر الصرف المتبع هناك يسمح بتداول العملة في نطاق ضيق، ويمكن لسعر صرفها التحرك صعوداً وهبوطاً داخل هذا النطاق.
ومنذ بداية الأزمة بين قطر ودول الخليج، شهد سعر صرف العملة القطرية انخفاضاً غير مسبوق منذ سنوات طويلة. فقد ارتفعت قيمة الدولار مقابل الريال القطري من 3.6436 ريال لكل دولار إلى 3.6703 ريال لكل دولار، ما يعني تراجع قيمة العملة القطرية إلى أدنى مستوياتها منذ أكتوبر (تشرين الأول) من عام 2008، وذلك وسط مؤشرات على نزوح رؤوس أموال أجنبية ضخمة تابعة لصناديق استثمارية.
كما تُشير بعض التقارير إلى أن تدفقات العملات الأجنبية إلى قطر أصبحت أقل من مستوياتها الطبيعية، لا سيما بعد أن تراجعت تدفقات هذه العملات من الدول المقاطعة لقطر، وعلى رأسها السعودية والإمارات.
وقد دفعت هذه المعطيات المصرف المركزي القطري إلى ضخ كميات كبيرة من الدولارات في السوق الفورية للعملات، لإبقاء أسعار الصرف تحت السيطرة.

ارتفاع تكلفة التأمين على الديون



شهدت الفترة الماضية ارتفاعاً ملحوظاً في تكلفة التأمين على الديون السيادية القطرية ضد مخاطر التخلف عن السداد، بعد خفض التصنيف الائتماني للبلاد بسبب الأزمة الراهنة مع دول الخليج. وقد وضعت وكالة «فيتش» للتصنيف الائتماني تصنيف احتمالات تخلف قطر عن سداد الديون البالغ (AA) قيد المراجعة، استعداداً لخفض محتمل خلال الفترة القصيرة المقبلة. ورجَّحت الوكالة أن تستمر أزمة قطر لفترة طويلة، وأن تؤثر سلباً على اقتصادها.

تراجع أداء البورصة القطرية



مع إعلان قرار المقاطعة من قِبل السعودية والإمارات والبحرين ومصر، شهدت البورصة القطرية حالة يُمكن وصفها بالصدمة، فخلال الجلسة الأولى التالية لقرار المقاطعة فَقَدَ المؤشر العام للبورصة نحو 701 نقطة، وخلال الجلسة الثانية فَقَدَ 238 نقطة إضافية، فتراجع إلى 8965 نقطة مقارنة بمستوى بلغ 9923.6 نقطة في اليوم السابق لقرار قطع العلاقات.

وبذلك يكون المؤشر العام للبورصة القطرية قد فَقَدَ 9.7 في المائة من مستواه خلال جلستين فقط، وعلى الرغم من أن المؤشر شهد بعض الاستقرار في جلسات التداول التالية، فإن مستواه ظل بعيداً عما كان عليه قبل الأزمة، إذ إنه يدور يوم 13 يونيو (حزيران) الحالي حول 9077 نقطة، بتراجع يساوي 846 نقطة، أو ما نسبته 8.5 في المائة عنه قبل الأزمة.

إن حالة القلق التي تسيطر على أوساط المستثمرين في البورصة القطرية حاليّاً، تدفعهم إلى تصفية مراكزهم المالية بها، تجنباً لفقدان رؤوس أموالهم، وهو ما يعني بيع ما يمتلكونه من أسهم، والبحث عن أسواق مالية بديلة. وقد بدا ذلك واضحاً على المستثمرين الخليجيين خلال الأيام الماضية، الذين اتجهوا إلى نقل استثماراتهم إلى أسواق دولهم، لا سيما وأن نسبة كبيرة منهم تنتمي إلى الدول المقاطعة لقطر، ما يعني أنهم سيبقون خارج السوق القطرية، ومن ثم حرمانها من استثماراتهم طالما استمرت الأزمة.

التجارة الخارجية



من المرجح أن يتأثر قطاع التجارة الخارجية القطري بشكل كبير نتيجة حالة العزلة التي دخل فيها الاقتصاد. وتشير الإحصاءات إلى أن الصادرات القطرية التي بلغت 65 مليار دولار في عام 2016، ذهب ما قيمته 6.5 مليار دولار منها، أو ما يساوي 10 في المائة، إلى أسواق السعودية والإمارات والبحرين ومصر. كما أن الواردات القطرية التي بلغت نحو 34 مليار دولار في العام نفسه، جاء نحو 5.1 مليار دولار أو نحو 15 في المائة منها، من دول الخليج الثلاث ومعها مصر.

فقطع دول الخليج علاقاتها مع قطر يُهدد استقرار نحو 11 في المائة من التجارة الخارجية للدوحة، بما يبلغ 11.6 مليار دولار سنويّاً، وهو ما سيُلقي بظلاله ليس فقط على قطاع التجارة الخارجية بالنسبة لقطر، ولكنه يضغط أيضاً على جميع الأنشطة الاقتصادية ذات العلاقة بالتجارة الخارجية، وصولاً إلى الاقتصاد الكلي.

وستتكبد التجارة البرية القطرية بدورها خسائر جمة، إذ إن قيام السعودية (الدولة الوحيدة التي تشترك مع قطر في حدود برية) بإغلاق معبر «أبو سمرة»، المنفذ البري الوحيد الذي يربط قطر بالسعودية، ينتج عنه الكثير من المشكلات بالنسبة للأسواق القطرية، لا سيما أسواق السلع الاستهلاكية، حيث يمر من خلال هذا المعبر نحو 800 شاحنة يوميّاً، تحمل السلع الغذائية ومدخلات الإنتاج ومواد البناء وغيرها إلى الأسواق القطرية، وبالتالي يُتوقع أن تُعاني الأسواق القطرية من عدم توافر الكثير من هذه السلع، ناهيك بارتفاع أسعارها. وتزداد هذه الأزمة حدةً مع قيام السعودية والإمارات والبحرين بإيقاف ممرات الملاحة البحرية والجوية مع قطر، ما يتسبب في انقطاع حركة الشحن البحري والجوي إليها أيضاً.

ومن المرجح أن تكون أسواق سلع الاستهلاك القطرية هي الأكثر تأثراً بهذه الإجراءات، حيث تشكل هذه السلع ما نسبته 27 في المائة من الواردات القطرية من السعودية والإمارات والبحرين، تليها أسواق «الأغذية والحيوانات الحية» التي تمثل 16 في المائة من تلك الواردات.

قطاع الإنشاءات



سيتكبد قطاع الإنشاءات القطري الكثير من الخسائر بسبب قطع العلاقات مع السعودية والإمارات والبحرين، فهذا القطاع يعتمد بشكل كبير على الاستثمارات والشركات المنتمية لدول الخليج، حيث تشير بيانات مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد) إلى أن قطاع الإنشاءات يُعد من القطاعات الأكثر استقبالاً للاستثمارات الخليجية في الوقت الراهن.

كما أن نسبة كبيرة من واردات قطر من مواد البناء تأتي من دول الخليج، وبصفة خاصة من خلال المعبر البري «أبو سمرة». وبالتالي فإن انقطاع هذه الواردات يهدد بتأخير تنفيذ مشروعات إنشائية ترتبط باستضافة قطر لمونديال 2022، الأمر الذي قد يؤثر على قدرتها على استضافة هذا الحدث العالمي الذي تُعوِّل عليه الحكومة القطرية في إحداث نهضة كبيرة في عددٍ من القطاعات، وعلى رأسها السياحة، كما أنها تُعلِّق الكثير من الآمال عليه من أجل تحسين موقع البلاد على خريطة التنافسية في الكثير من القطاعات، لا سيما البنية التحتية والمرافق العامة والثقافة والترفيه واستضافة الفعاليات العالمية الكبرى.

تراجع الاستثمار الأجنبي



مع تحوّل الاقتصاد القطري إلى حالة العزلة شبه التامة بعد قطع العلاقات من جانب دول الخليج، فإن ذلك يقلص من قدرات هذا الاقتصاد على اجتذاب الاستثمار الأجنبي المباشر. ويعود ذلك إلى محدودية السوق القطرية، وضعف قدرتها الاستيعابية بالنسبة للاستثمار الأجنبي، لا سيما وأن حالة العزلة التي دخلتها تُقلص من قدرة الشركات العاملة بها على الوصول إلى أسواق دول الجوار، من أجل تصريف منتجاتها.

يُضاف إلى ذلك، عدم تنوع الفرص الاستثمارية المتاحة في الاقتصاد القطري، حيث تتركز معظم هذه الفرص في قطاعات الطاقة والبنية التحتية، علاوةً على مظاهر عدم الاستقرار التي سيتعرض لها الاقتصاد القطري في ظل حالة العزلة الناتجة عن عدم انتظام إمدادات المواد الأولية ومدخلات الإنتاج، إلى جانب تراجع فرص حصول قطر على التمويل من الأسواق المحلية والإقليمية.

تراجع الاستثمارات العربية



تعد البحرين والإمارات ومصر والسعودية، من أهم الدول المستثمرة في قطر، ولذا فإن قيامها بقطع علاقاتها مع الدوحة سوف يتسبب في تراجع استثماراتها هناك، أو انسحابها منها تماماً، الأمر الذي سيُفقد الاقتصاد القطري أحد أهم محركاته في الوقت الحالي، ويتسبب في فقدانه الكثير من الوظائف. ووفقاً لبيانات مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد)، بلغت تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر من دول البحرين والإمارات ومصر والسعودية إلى قطر خلال الفترة 2003 - 2015 نحو 22.2 مليار دولار، بما يمثل 20.5 في المائة من إجمالي الاستثمارات المباشرة التي وردت إلى قطر خلال تلك الفترة. وقد ساهمت استثمارات دول الخليج الثلاث ومعها مصر في توليد نحو 31 ألف فرصة عمل في الأسواق القطرية، أو ما يساوي 34 في المائة من إجمالي فرص العمل التي ولَّدها الاستثمار الأجنبي بها خلال الفترة نفسها. كما ساهمت هذه الاستثمارات في تنفيذ نحو 165 مشروعاً، بنسبة 28 في المائة من المشروعات التي تم تنفيذها في قطر.

اضطرابات مالية متوقَّعة



تمثل حالة العزلة التي تحول إليها الاقتصاد القطري أحد مصادر التهديد بالنسبة لقدراته المالية، وجدارته الائتمانية كذلك، حيث تحد هذه الحالة كثيراً من تدفقات رؤوس الأموال إليه، بسبب توقف أو انحسار الأنشطة في الكثير من القطاعات المدرة للنقد الأجنبي بالنسبة له، مثل: الطيران المدني، والتصدير وإعادة التصدير، والسياحة، والاستثمار الأجنبي. وسينتج عن ذلك حدوث تراجع في احتياطي النقد الأجنبي القطري، ومن ثم لجوء الحكومة القطرية إلى السحب بكثافة من أرصدتها المالية، بما في ذلك صناديقها السيادية، من أجل تأمين السيولة المالية اللازمة لتمويل عجز الموازنة العامة، وكذلك من أجل ضخ بعض الأموال في القطاع المصرفي وتمويل الاستيراد.

السياحة والطيران المدني



قررت دول الخليج التي قطعت علاقاتها مع قطر، منع مواطنيها من السفر إلى الدوحة، أو الإقامة فيها، أو المرور عبرها، مع التأكيد على المقيمين والزائرين منهم سرعة مغادرة قطر خلال مدة لا تتجاوز 14 يوماً، كما أمهلت هذه الدول المواطنين القطريين الموجودين بها نفس الفترة لمغادرتها. ويمثل هذا الأمر مصدر تهديد لقطاع السياحة القطري.

وتشير الإحصاءات إلى أن منفذ «أبو سمرة» البري بين قطر والسعودية عبره أكثر من 326 ألف شخص خلال الفترة من 10 يناير (كانون الثاني) - 5 فبراير (شباط) 2017، ما يعني أن هذا المعبر يمر به نحو 12.5 ألف شخص يوميّاً، وبالتالي فإن إغلاقه يمنع ما يوازي 4.6 مليون شخص سنويّاً من العبور إلى قطر، سواء للسياحة أو للعمل أو الإقامة.

ويُضاف إلى ذلك، أن شركات الطيران في دول الخليج ومعها مصر قد أعلنت إيقاف رحلاتها من وإلى قطر، ومنها: الاتحاد للطيران، وطيران الإمارات، والعربية للطيران، وفلاي دبي، والخطوط الجوية السعودية، ومصر للطيران. وفضلا عن أن توقف رحلات هذه الشركات من وإلى قطر سوف يجعل عملية انتقال الأفراد من الدول التي تتبعها هذه الشركات والعكس أمراً صعباً، فإنه كذلك يحد من حركة السياحة الوافدة إلى قطر عبر مطارات دول الخليج بشكل كبير.
ويرتبط بذلك أيضاً، الآثار السلبية المتوقع أن تلحق بقطاع الطيران المدني القطري، الذي من المرجح أن يكون بين أكبر الخاسرين جرَّاء قطع العلاقات، فالخطوط الجوية القطرية ستخسر 50 رحلة جوية يوميّاً، موزعة بين الإمارات والسعودية والبحرين ومصر. كما أن حرمانها من استخدام المجال الجوي لكل من السعودية والإمارات والبحرين، سيجبرها على اتخاذ مسارات بديلة لرحلاتها، الأمر الذي سيؤدي إلى زيادة أمد الرحلات ورفع تكلفتها، وأيضاً قد يضطرها إلى العبور فوق مناطق غير آمنة في العراق، على سبيل المثال، ما قد يمثل تهديداً لبعض رحلاتها، وبالتالي يُفقدها بعض الميزات التنافسية، ويزيد من تكلفة التأمين بالنسبة لها.



font change