تكشف الإحصائيات أن المنتمين للإسلام حديثا هم الأكثر عرضة للتطرف
*في بريطانيا، يشكل المسلمون الجدد أقل من 4 في المائة من المسلمين، ولكنهم أيضاً يمثلون نسبة 12 في المائة من الجهاديين الذي نشأوا في الداخل.
* بموجب خطط الحكومة، سوف يتم نقل المتطرفين الإسلاميين الأكثر خطورة و«ذوي الكاريزما» والذين يعدون أنفسهم «أمراء» من السجن العام، وتسكينهم في «وحدات خاصة» في مواقع عالية التأمين توصف بأنها «سجن داخل السجن».
* تشير التوجهات الحالية والتدقيق الأخير في تعامل الحكومة مع آلاف الإرهابيين المشتبه بهم إلى أن عدد السجناء المدانين بجرائم تتعلق بالإرهاب والتطرف من المرجح أن يزداد.
لندن - ياسمين الجريسي
أدت مخاوف من أن إرهابي وستمنستر خالد مسعود (52 عاماً)، الذي اعتنق الإسلام وقتل خمسة أشخاص وأصاب 50 آخرين في اعتداء على جسر وستمنستر في لندن، تلقن الفكر المتطرف في أثناء الفترة التي أمضاها في السجون البريطانية، أدت هذه المخاوف إلى تركيز الاهتمام على القلق القديم بشأن تحول السجون البريطانية إلى أرض خصبة للتطرف.
كان مسعود «مجرماً متمرساً»، أمضى عدة أحكام بالسجن لارتكابه جرائم تنوعت ما بين الإيذاء البدني والاعتداء وحيازة سلاح، وترجع إلى فترة مراهقته. أشار أحد أصدقاء طفولته إلى أنه اعتنق الإسلام أثناء وجوده في السجن. وقال مارك أشداون لصحيفة «ذا صن»: «عندما خرج أول مرة أخبرني أنه اعتنق الإسلام في السجن، وظننت أنه يمزح». وأضاف: «ثم رأيته أكثر هدوءاً وجدية».
تحدث أبو قتادة، رجل الدين المسلم الراديكالي الذي حاربت الحكومة البريطانية على مدار أكثر من عقد لترحيله وكان يوصف أحيانا بأنه «سفير أسامة بن لادن إلى أوروبا»، عن رؤية «آيات الله» داخل سجون بريطانية. ولا يمثل اعتبار السجون أماكن خصبة لظهور التطرف وتجنيد المتطرفين الإسلاميين، أو أي نوع من التطرف السياسي، مفهوماً جديداً. تكررت نماذج مشابهة حول العالم على مدار التاريخ، وفي أوروبا بين أنصار «داعش»، ومن بينهم الإرهابيون الذين يقفون خلف هجمات بروكسل وباريس. وتدعم هذا الاتجاه الأدلة التي جمعها برنامج أبحاث مكافحة الإرهاب المتطرف من أكثر من مائة دراسة حالة لإرهابيين من الذئاب المنفردة.
وتكشف أحدث بيانات رسمية عن أنه حتى 31 مارس (آذار) عام 2017، كان هناك 186 شخصاً محتجزاً لدى السلطات في بريطانيا العظمى بسبب جرائم متصلة بالإرهاب وتوجهات متطرفة انفصالية محلية، في زيادة بنسبة 15 في المائة عن العام السابق حيث كان هناك 162 شخصاً محتجزاً. وذكر تقرير من المركز الدولي لدراسة التطرف والعنف السياسي وهو مركز بحثي بريطاني، الذي فحص ملفات جهاديين أوروبيين منذ عام 2011، أن السجون قدمت مدداً جاهزاً من «الشباب الغاضب» الذين كانوا «جاهزين» للتطرف والتجنيد.
وزاد عدد السجناء المسلمين أكثر من الضعفين على مدار الأعوام الأربعة عشر الماضية في بريطانيا. ففي عام 2002، كان هناك 5.502 مسلم في السجون، وبحلول عام 2016، ارتفع هذا العدد إلى 12.663 مسلماً. وتُقدر نسبتهم الآن بـ15 في المائة من عدد السجناء مقارنة بنسبة 5.4 في المائة من إجمالي السكان في بريطانيا. وتؤكد هذه الإحصائيات أن هناك تمثيلاً متزايداً وغير متكافئ للمسلمين داخل النظام القضائي الجنائي مما قد «يتماشى مع رسالة المتطرفين بأن المسلمين ضحايا»، وفقاً لتقرير عن التطرف الإسلامي في السجون أعدته وزارة العدل في بريطانيا ونشر في أغسطس (آب) عام 2016. يستغل دعاة متطرفون السجناء بتكوين عقلية «نحن ضد هم»، معتمدين على حاجتهم المتزايدة إلى الانتماء والشعور بأنهم ضحايا.
كذلك تكشف الإحصائيات أن المسلمين الجدد، أمثال خالد مسعود، هم الأكثر عرضة للتطرف. في بريطانيا، يشكل المسلمون الجدد أقل من 4 في المائة من المسلمين، ولكنهم أيضاً يمثلون نسبة 12 في المائة من الجهاديين الذي نشأوا في الداخل. يرجع السبب في ذلك إلى أنه أحيانا ما يفتقد المسلمون الجدد إلى أصوات معتدلة بين أصدقائهم وعائلاتهم، وربما لا يملكون أساساً قوياً من تعاليم الإسلام التي تسمح لهم بالتفرقة بين العقيدة الإسلامية والفكر الإسلامي. وبالتالي لا يملك هؤلاء أدوات لمعارضة الخطاب الذي ينشره الجهاديون المتشددون في السجون.
تقرير التطرف الإسلامي في السجون
كانت الجماعات الإرهابية تجذب عادة النخبة والمتعلمين، ولكن هذه الفئة الجديدة من مجندي «داعش» يأتون على استعداد تام للعنف مع امتلاك مهارات تم صقلها عبر ماضيهم الإجرامي. صرح البروفسور بيتر نيومان، مدير المركز الدولي لدراسة التطرف والعنف السياسي في كلية كينغز لندن، لصحيفة «الإندبندنت» قائلا: «تستمر كثير من التحليلات في القول إن الإرهابيين من الطبقة الوسطى أو العليا، فقد كان أسامة بن لادن ابن مليونير وكان منفذو اعتداءات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) طلاباً على سبيل المثال، ولكني لا أعتقد أن ذلك يعكس الواقع الذي نواجهه مع (داعش)... نحتاج إلى إعادة التفكير في استراتيجيتنا».
إن التحول إلى التطرف الإسلامي أسهل على من يتخذ من العنف أسلوب حياة بالفعل، حيث يقدم لهم تصديقاً أخلاقياً لأفعالهم. وفي مقال نشر في «التايمز»، قال إيان أكيسون وهو مأمور سجن سابق، والذي قاد تحقيقاً بأمر الحكومة في قضية التطرف الإسلامي داخل السجون، إن «الشباب في سجوننا معرضون لخطر تلقين آيديولوجيا مشوهة تحشد قدراتهم للعنف، وفي أقصى مراحلها تعطيهم تصريحا دينيا بقتل غير المؤمنين».
ووفقا للتحقيق، يمكن أن يظهر تهديد التطرف من خلال طرق كثيرة، منها: ثقافة العُصبة الإسلامية والتمييز المنظم، والسجناء المتطرفون ذوو الكاريزما الذين يعدون أنفسهم «أمراء» ويمارسون تأثيراً نافذاً ومتطرفاً على السجناء المسلمين الآخرين، والكتب والمواد التعليمية التي تروج للفكر المتطرف المتوفرة في مكتبات دور العبادة أو لدى سجناء أفراد، وتخويف أئمة السجن واستغلال خوف العاملين من أن يوصموا بالعنصرية.
شجعت هذه النتائج التي توصل إليها التقرير البارز الحكومة على التحرك، وتم اتخاذ إجراءات جديدة للتعامل مع المشكلة المتفاقمة. وتم تشكيل فريق متخصص قوامه 100 خبير في مكافحة الإرهاب لدراسة المعلومات الاستخباراتية من جميع أنحاء الدولة، وتقييم الخطر الذي يشكله التطرف من خلف الأسوار، وتدريب العاملين على ردع السجناء عن الوقوع في التطرف. وتضمنت إجراءات أخرى تعليمات إلى مأموري السجون بمنع الكتب المتطرفة ومنع أي شخص من إمامة الصلوات ممن يروجون لمعتقدات معادية لبريطانيا أو أفكار أخرى خطيرة.
وبموجب خطط الحكومة، سوف يتم نقل المتطرفين الإسلاميين الأكثر خطورة و«ذوي الكاريزما» والذين يعدون أنفسهم «أمراء» من السجن العام، وتسكينهم في «وحدات خاصة» في مواقع عالية التأمين توصف بأنها «سجن داخل سجن». أثارت هذه الخطوة بعض المخاوف من أن العزل قد يؤدي إلى بعض التبعات غير المقصودة. ويحذر البعض من أن هذا سوف ينشئ «مستعمرة جهاديين»، بينما يتوقع آخرون مثل ستيف غيلان، من مؤسسة ضباط السجون، أن «مجموعات الجهاديين» قد تخلف نسخة بريطانية من معتقل غوانتانامو، وقد تعطي المتطرفين «مكانة أعلى». وقال: «لقد رأينا ذلك في شمال آيرلندا حيث تم الفصل بين بعض السجناء المخلصين وبعض السجناء المؤيدين للجمهورية، وما حدث بعد ذلك كان حصولهم على مكانة سياسية. ولم يفلح الأمر، بل في الحقيقة أصبح الوضع أسوأ».
ومن جانبه صرح الشيخ صلاح الأنصاري، كبير الباحثين في قسم الدراسات الدينية والتوعية في كويليام، أول منظمة لمكافحة الإرهاب في العالم، لـ«المجلة» بأنه رحب «بالإجراءات المهمة للغاية» التي اتخذتها الحكومة وبأن الفصل لن يكون له تأثير سلبي داخل السجون، قائلا: «إنها خطوة جيدة حيث تشتت عناصر عملية التطرف المختلفة». وأضاف: «ولأنهم سيمنعون من التأثير على آخرين، سوف يقلل ذلك من عملهم أو يلغيه داخل السجن على الأقل».
وأوضح الشيخ الأنصاري، الذي يعمل أيضاً محاضراً في الدراسات الإسلامية في كلية لندن الإسلامية، أن هناك مساحة لتحسين خطط الحكومة. وأضاف: «ذكرت التوصيات شروط تأهيل رجال دين مسلمين وأوصت بتمثيل واسع لكافة طوائف الإسلام، ولكن في رأيي هذا ليس كافياً. يجب أن يدرس رجل الدين المسلم الإسلام في إطار بريطاني واسع ويطور فهمه للإخلاص لدينه وللقيم البريطانية وحقوق الإنسان». وأخبرنا أيضاً أن نصف الأئمة البالغ عددهم 140 يمثلون «تفسيراً ديوبندياً متشدداً ومعادياً للغرب».
ومن الجدير بالذكر أن تقريراً مُسَرَّباً من وزارة العدل كشف عن العثور على مطويات وأقراص مدمجة جهادية في أكثر من 10 سجون بريطانية، وفقاً لما ذكرته «التايمز». وأفادت تقارير أن هذه المواد وزعها الأئمة المعينون على السجناء. وأكد التقرير أيضاً على أن أقلية بين أئمة السجون المسلمين من الطوائف الأخرى يتعرضون «للتهميش والإرهاب والتخويف» نتيجة لهيمنة التعاليم الديوبندية وأن السجناء في أكثر من سجن يجدون تشجيعا من رجال الدين على جمع تبرعات لجمعيات خيرية على صلات بالإرهاب.
بعد وقوع هجمات جسر لندن، صرحت تيريزا ماي بأن القطاع العام البريطاني يجب أن يكون أكثر قوة في التعرف بدقة على الإرهاب من أجل النجاح في التخلص منه. أما كيفية فعل ذلك كما ينبغي فتظل من المخاوف التي أعرب عنها عاملون في السجون، والذين قالوا إنهم لا يعرفون كيفية التعرف على الإرهاب والإبلاغ عن المتطرفين المشتبه بهم ومن يتعرضون لخطر اعتناق التطرف. ويوضح الشيخ الأنصاري أن الفهم الأعمق «لظاهرتي الإسلام السياسي والجهادية السلفية وخطابهما بالإضافة إلى فهم كيفية عمل التطرف» والتدريب المستمر على «الطبيعة المتطورة والمتغيرة» للقضية أمر ضروري لضمان التزام الدقة.
وفي إشارة عامة، قال الأنصاري إنه من أجل اقتلاع التطرف من المجتمع، يلزم استيعاب أكبر «للآيديولوجيا السامة الخاصة بالإسلام السياسي والجهادية السلفية». وأشار أيضاً إلى أننا نحتاج إلى «نهج أكثر تكاملا وشمولا تجاه الظاهرة بتعريف هذه الآيديولوجيا وعزلها»، حيث «تختفي بين المسلمين العاديين» مما يسمح للأشخاص بتحدي الآيديولوجيا ومحاربتها من خلال «خطاب مضاد على الإنترنت وخارجه، وفي السجون والمجتمعات والجامعات».
وتشير التوجهات الحالية والتدقيق الأخير في تعامل الحكومة مع آلاف الإرهابيين المشتبه بهم عقب الاعتداءات الإرهابية الأخيرة إلى أن عدد السجناء المدانين بجرائم تتعلق بالإرهاب والتطرف من المرجح أن يزداد. وقد رفعت الحكومة حجم الإنفاق على إجراءات منع التطرف، بيد أن إجمالي ميزانية السجون انخفضت بنحو 900 مليون جنيه إسترليني فيما بين عامي 2010 و2015، مما نتج عنه انخفاض عدد ضباط السجون بستة آلاف عما كانوا عليه في عام 2010، وقد تكون لذلك نتائج عكسية.