ميانمار: سحر «الباغودا»... وسياحة بنكهة الضيافة العفوية

ميانمار: سحر «الباغودا»... وسياحة بنكهة الضيافة العفوية

متعة مسرح الماريونيت ومتحف في الهواء الطلق



[caption id="attachment_55258805" align="aligncenter" width="2016"]أحد المساجد في يانغون أحد المساجد في يانغون[/caption]

*«كياكتيو باغودا» مثبت فوق صخرة كبيرة تقع على حافة جبل وتتحدى قوانين الفيزياء وتعتبر أحد مقاصد «الحج البوذي»
*المظهر الثقافي الأكثر تميزاً في مانداليه هو مسرح الماريونيت (الأراجوز)، حيث الدمى التي يتحكم الممثلون بحركتها ببراعة نادرة مصحوبة بالموسيقى التراثية البورمية



يانغون (ميانمار): معتصم الفلو

عندما ألف الأديب الإنجليزي المعروف جورج أورويل روايته الأولى، التي أطلقته في دنيا الأدب العالمي، «أيام بورمية» عام 1934، لم يكن عمره يتجاوز 31 عاماً، حيث عبّر فيها عن عشق عجيب لتلك البلاد ومقت فيها الاستعمار وطريقته الاستعلائية في التعامل مع البورميين، الذين عرفهم كشرطي في قوة البوليس الإمبراطوري البريطاني. ولكن ما سر عشقه لتلك البلاد وأهلها، الذي أوجد لديه كل ذلك الشغف لكتابة رواية، يدافع فيها عن أهل البلاد واستقلالهم عن بلاده ويصف فيها حياة البورميين؟

لعل زيارة واحدة إلى بلاد بورما أو جمهورية اتحاد ميانمار، هي ما قد يكشف لنا شيئا عن ذلك السر. فليس من السهل أبداً أن تحل سائحاً على بلد ما وتشعر بأنك «ضيف» عزيز، ولست سائحاً غريباً عن البلاد أو غنيمة للتكسب ورفع الأسعار. هذا بالضبط هو الانطباع الأول الذي ستشكله فور وصولك إلى البلاد.
يانغون: مدينة حدائق الشرق

[caption id="attachment_55258817" align="alignleft" width="225"]مسرح الماريونيت في مانداليه مسرح الماريونيت في مانداليه[/caption]

بعيداً عن الصورة النمطية لتلك البلاد في وسائل الإعلام، التي تصورها بلداً بوليسياً، تملأه حواجز ومعسكرات الجيش، يعاني من الفقر المدقع وافتقار الخدمات، إلى جانب التعصب الديني وقتل المسلمين في الشوارع، ستدرك حجم التضليل وعدم الدقة في نقل الواقع بمجرد نزولك إلى العاصمة السابقة «يانغون» (رانغون سابقاً)، وهي لا تزال العاصمة التجارية والسياحية للبلاد، بل إنها تحتضن كل السفارات تقريباً.

يتمتع وسط المدينة بوفرة الأبنية المشيدة على الطراز الكولونيالي، فقد خضعت البلاد للاستعمار البريطاني بين 1828 و1948. وتعتبر تلك الأبنية الأكثر أهمية وقيمة في جنوب شرقي آسيا على الإطلاق. وتمتاز تلك الأبنية بأهمية معمارية وتاريخية خاصة، إذ تظهر فيها براعة التصميم والبناء، فالرخام فيها قادم من إيطاليا والأعمدة الحديدية من مانشستر، أما الطوب الأحمر فهو محلي الصنع. كما أن النوافذ الطولية تعطيها رونقاً خاصاً. ولا تزال الأبنية قائمة على هيئتها الأصلية حتى اليوم بحالة أقل من متوسطة إلى ضعيفة، إلا أن الحكومة تسعى بشكل حثيث لإعادة ترميمها، فمنها ما تحول إلى إدارات حكومية، ومنها ما تحول إلى فنادق أو مراكز للتسوق؛ شريطة الحفاظ على هيئتها الأصلية.

وهناك شارع شهير يسمى القرن التاسع عشر، وهو أشبه بحارات إيطاليا الضيقة، يمتلئ بالمطاعم والحانات القديمة، حيث الطاولات تتوزع داخل المطاعم وتمتد إلى الشارع، الذي يتسع للمارة والدراجات؛ دون السيارات.

أما الجزء الحديث من المدينة، فلا تقل فيه جودة الحياة والبنى التحتية والمشروعات عن نظيراته في حواضر الشطر الجنوبي الشرقي من آسيا مثل بانكوك أو كوالالامبور. فالطرقات حديثة والمدينة منظمة بشكل لافت، فيما تعج المدينة بالحدائق الغناء، أهمها حديقة الشعب، وغيرها من الحدائق التي يقصدها أهل البلاد يومياً للتنزه وتناول الطعام وتبادل سهام الغرام! ولهذا يطلق على يانغون «مدينة حدائق الشرق».

كما يحف المدينة التسامح الديني من كل مكان، فالصلوات تخرج من المعابد البوذية وأجراس الكنائس تدق كل أحد، فيما ترتفع أصوات مآذن المساجد أوقات الصلوات الخمس، إلى جانب المعابد الهندوسية.

المتحف الوطني في يانغون هو وجهة مثالية للتعرف على تاريخ البلاد وملوكها وتطور لغتها وتقاليدها وحضارتها. كما أنه حافل بالآثار القديمة التي يبلغ عمر بعضها أكثر من ألفي عام. ويمكن التعرف أيضاً على أعراق البلاد، التي يبلغ عددها أكثر من 130 عرقاً، وكذلك ألبستهم وأشكالهم المتنوعة. ويتألف المبنى من 5 طبقات، ويمكن التجول مع مرشد سياحي من المتطوعين، يشرح مقتنيات المتحف ويطلع الزائر على معلومات إضافية أو استخدام جهاز الشرح الصوتي.
ولا يفوت السائح زيارة قصر كاراويك، وهو بناء يسجد الطراز المعماري البورمي، يقوم على بحيرة كانداوجي، ويمكن للسياح الاستمتاع بأطباق العشاء البورمية ومشاهدة عرض الرقصات الشعبية البورمية التراثية من مختلف مناطق البلاد.

[caption id="attachment_55258806" align="aligncenter" width="940"]نموذج من الأزياء البورمية في المتحف الوطني في يانغون نموذج من الأزياء البورمية في المتحف الوطني في يانغون[/caption]

الباغودا العملاق



يرتفع في يانغون بناء ذهبي مهيب، يرتفع نحو 105 أمتار، يمكن مشاهدته من أغلب مناطق العاصمة، يتربع بقبته العملاقة على تلة سينغوتارا، غربي بحيرة كانداوجي، هو «شويداغون باغودا».

والباغودا بشكل عام هو بناء على شكل قبة، ينتشر في كثير من البلاد البوذية، ويكون مبنياً على بقايا من جسم بوذا أو رماد جسده أو رماد أجساد مريديه أو مريدي مريديه، إذ يحرق البوذيون جثامين الموتى ويحتفظون بالرماد. وتمتاز بورما بانتشار الباغودا في طول البلاد وعرضها بشكل لافت جداً، في المدن والأرياف والضواحي، أي في كل مكان تقريباً.

أما شواديغون باغودا فهو الأكثر قداسة في ميانمار كلها، وقد بني من الطوب المغطى بصفائح الذهب الخالص على 8 شعرات من بوذا في القرن السادس أو العاشر الميلادي وفقاً للروايات المتداولة، أما البعض فيعيده إلى 2600 عام. ويعلو القبة عمود مرصع بآلاف من قطع الألماس، وله أربع مداخل. ويعد مزاراً رئيسياً للبوذيين من طائفة الثريفادا. ويمكن مشاهدة طقوس العبادة والدعاء وأمنيات الحظ السعيد والزوار وهم يقرأون الكتب المقدسة بصوت مرتفع بعض الشيء. كما أن المكان مفتوح للزوار من سائر الأديان والأعراق بسعر لا يتجاوز 5.5 دولار. ولا يسمح في المكان بارتداء السراويل القصيرة ولا للنساء بارتداء ملابس غير ساترة للجسد، كما أن خلع الحذاء واجب قبل الدخول ولا يمكن التسامح في ذلك أبداً.

وهناك الكثير من أبنية الباغودا الشهيرة الأخرى مثل البوتاتوغ باغودا وسولي باغودا، وكلها تتبع النظام نفسه في الزيارة.

[caption id="attachment_55258807" align="alignleft" width="225"]شواديغون باغودا في يانغون شواديغون باغودا في يانغون[/caption]

الصخرة الذهبية والحج البوذي



في جنوب البلاد، وتحديداً في ولاية مون، يقع «كياكتيو باغودا»، وهو باغودا صغير مثبت فوق صخرة كبيرة مطلية بالذهب. المثير في هذه الصخرة أنها تتحدى قوانين الفيزياء، فهي تقع على حافة جبل، لكنها لا تسقط؛ رغم أن معظمها في الهواء. وتعتبر هذه الصخرة أحد مقاصد الحج البوذي، حيث يأتي الحجاج من كافة أنحاء البلاد، ويشترون ما يعرف بـ«الورقة الذهبية»، وهي شريحة بالغة الرقة من الذهب، يبلغ سعرها نحو دولار وربع مع جرس. ويكتب الاسم على الجرس، ثم يتم التوجه إلى الصخرة، حيث يعلق الجرس فوق مجموعة أجراس، ثم تحك الورقة الذهبية بالصخرة، وبعدها يبدأ طلب الحظ السعيد والخير أو الشفاء أو إنجاب الأطفال.

الغريب في الأمر أنه لا يسمح للنساء بالاقتراب من الصخرة، إذ يقترب منها الرجال فقط! أما النساء، فلهن ساحة مطلة على الصخرة. ويبيت الحجاج هناك لبضع ليال، وتنشط قراءة الكتب البوذية المقدسة، وأحياناً بشكل جماعي. وهناك من يقدم الطعام والشراب مجاناً. كما ينشط استخدام المسبحة البوذية في الدعاء.


باغان متحف الهواء الطلق



إذا أردت زيارة متحف في الهواء الطلق أثناء وجودك في ميانمار، فليس من مكان أفضل لذلك من مدينة باغان وسط البلاد! إنها مدينة تزخر بأكثر من 4000 موقع تاريخي، تتنوع بين المعابد والباغودا وتماثيل بوذا، التي يتجاوز عمر معظمها ألف عام.

ولعل أهم تلك المواقع معابد أناندا وسولاماني وثامبولا وديامانغا، وكلها تحف معمارية فريدة، مليئة بتماثيل بوذا من مختلف الأحجام، ويؤمها الزوار من كل مكان.
أما أهم الرحلات التي يمكن القيام بها، فهي رحلة المنطاد المسيّر بالهواء الساخن، التي تتيح رؤية بانورامية للمدينة من الأعلى. كما أن عربات الخيول منتشرة في كل مكان، وتزيد متعة التنقل بين المعابد والمناطق الأثرية عند استقلال عربة يجرها الخيل.

أما اختتام الجولة برؤية الباغودا المائل المشار إليه بلوحة «بيزا المائل» في تشبيه للبرج الموجود في إيطاليا، ما يفتح الباب أمام مقارنة المعالم السياحة حول العالم!

[caption id="attachment_55258809" align="aligncenter" width="940"]المعبد الخشبي في مانداليه المعبد الخشبي في مانداليه[/caption]

مانداليه: مدينة الماريونيت والنحت



إلى الشمال قليلاً من باغان، تتربع مدينة مثيرة للاهتمام تحمل اسم مانداليه، تحيطها الجبال من كل مكان وتتمتع بطقس جميل، وبخاصة على المرتفعات. تتمتع المدينة بتسامح ديني وثقافي لافت، فلا تكاد تمر ماشيا إلا وتجد معبداً بوذياً، تحاذيه كنيسة كاثوليكية، وعلى مقربة منها مسجد ترتفع مآذنه عالياً، بإمكانك أن ترى بجانبه معبداً هندوسياً بألوانه الزاهية وقبابه الصغيرة. كما تحفل المدينة بالباغودا في كل مكان.

وتزدهر في المدينة صناعة التماثيل البوذية من المعدن أو الخشب أو الجبس أو الرخام. وتتناثر ورش تلك الصناعة حول المدينة، وبخاصة قرب أبنية الباغودا. وبعيداً عن الصورة التقليدية للنحاتين ومحترفاتهم وأسلوبهم المميز في الحديث واللباس، ستجد أشخاصاً عاديين من عمال تلك الورش، ينحتون ويرسمون بدقة ويبدعون تماثيل، قد يصل طولها إلى بضعة أمتار، إلى جانب نحت الحيوانات ذات الارتباط الوثيق بالتراث البوذي كالفيلة والأسود، بل إن منهم من يعمل على رصيف الشوارع، ولن تتردد في وصفهم بأنهم «فنانون حقيقيون»، لكنهم مجهولون وليس لديهم معارض أو اتصال بوسائل الإعلام؛ ليروجوا أعمالهم!

أما أشهر أبنية الباغودا ذات القباب الساحرة في مانداليه فهو بلا شك ماهاموني، الذي بني قبل نحو 260 عاماً، ويتمتع بقداسة خاصة، إذ يتموضع فيه تمثال ذهبي كبير لبوذا، وهو أحد مقاصد الحج البوذي، إذ إن الحج في الديانة البوذية ليس مركزياً كما هو الحال عن المسلمين، وليس أقل مركزية كما هو الحال عند المسيحيين. وهناك أبنية باغودا أخرى مثل كوثوداو الذي بني قبل نحو 150 عاماً، إضافة إلى مينغن وأونغ تاو مو.

كما تحتضن المدينة معبداً بوذياً شهيراً يطلق عليه «المعبد الخشبي»، يتميز بنقوشه البديعة، إلى جانب دير بوذي لا يقل شهرة هو شينانداو يزيد عمر بنائه على 150 عاماً.

أما القصر الملكي الذي جرى تشييده عام 1859 فهو تحفة إبداعية تجسد الطراز المعماري البورمي، بناه الملك ميندون كقصر للحكم، ويحكي جزءاً من تاريخ البلاد وعلاقاتها مع الغرب، وبخاصة مع وجود الكثير من المقتنيات القادمة من فرنسا.

المظهر الثقافي الأكثر تميزاً في مانداليه هو مسرح الماريونيت (الأراجوز)، حيث الدمى التي يتحكم الممثلون بحركتها ببراعة نادرة، مصحوبة بالموسيقى التراثية البورمية، فيتقاتل الفرسان وينطلق صهيل الخيول وتتحرك الفيلة ويدور الصراع بين الخير والشر، وتكون الجميلات حاضرات دائماً في حبكة القصص. مشاهدة هذا العرض الفني لا تخلو من بعض الكوميديا، وبخاصة أثناء انتصار أحد الفرسان على الآخر والانقضاض عليه وتحطيم معنوياته، بل وتكسير عظامه!

[caption id="attachment_55258810" align="aligncenter" width="940"]نحات في إحدى الورش التقليدية في مانداليه نحات في إحدى الورش التقليدية في مانداليه[/caption]

رأس السنة البورمية



مثل أي من بلدان جنوب شرقي آسيا ذات العقيدة البوذية، تقام احتفالات رأس السنة منتصف كل أبريل (نيسان). وفي ميانمار، يطلق على الاحتفالات عيد «الثينجيان» لثلاثة أيام. وتمتلئ الشوارع بخراطيم المياه ومنصات الاحتفال، حيث تقدم الفرق الموسيقية عروضها أثناء رش المشاركين بالماء. ولا ينجو من الماء إلا الرهبان البوذيون والسيدات كبيرات السن، إذ لا تسمح التقاليد البورمية بذلك، أما غير ذلك، فكل من يمشي على الأرض معرض للرش والاستحمام. وأجمل ما في الأمر أن البورميين يقيمون هذا الاحتفال لأنفسهم، دون أغراض تجارية ويسعدون بمشاركة السياح، فيما تؤمن قوات الشرطة مواقع الاحتفالات بتنظيم لافت.

لكن من الملاحظات التي يراها الزائر الإفراط في تناول الكحول أثناء الاحتفال، بل دعوة الآخرين إلى تشارك الكحول مع أشخاص لا يعرفونهم. وقد يصل الأمر ببعض المشاركين إلى عدم القدرة على المشي بسبب السكر، إلا أن ذلك يظهر قرب نهاية الاحتفال مع التأكيد على أنهم لا يؤذون أحداً. وما إن ينتهي الاحتفال اليومي قرب غروب الشمس؛ حتى تعود الحياة إلى طبيعتها. وفي آخر يوم للاحتفال، يبدأ الناس بتوزيع الحلوى على المارة، وهي مؤلفة من الخبز والحليب والجيلي. وبالطبع يتخلل كل ذلك الأمنيات بسنة جميلة وحظ سعيد.

أما المعابد والباغودا، فإنها تقوم بتلاوة الصلوات والتراتيل بصوت مرتفع، يمكن سماعه في أنحاء المدن البورمية في نهار أول يوم من السنة الجديدة.

[caption id="attachment_55258808" align="aligncenter" width="940"]احتفالات عيد رأس السنة (الثينجيان) احتفالات عيد رأس السنة (الثينجيان)[/caption]

مطبخ عادي



ليس الطعام في بورما مميزاً إلى درجة كبيرة؛ رغم تنوع أطباقه. فهو متأثر بالمطبخ الهندي، إلا أنه لا يضاهيه. أما أطباق الدجاج واللحم والسمك بالكاري،

فهي الأكثر انتشاراً. كما أنه مطبخ غني بالأسماك؛ بحكم وجود الكثير من البحيرات، إلى جانب إطلالة البلاد الغربية والجنوبية على خليج البنغال وبحر أندمان.
لكن المقبلات مختلفة وغريبة بعض الشيء، إذ يحب البورميون الخضراوات الورقية كنوع من المقبلات، إلى الجانب الباذنجان النيئ الصغير جداً، أما استخدام البامية النيئة كنوع من المقبلات، فكان أمراً غير مستساغ؛ على الأقل بالنسبة لشخص قادم من المشرق أو الخليج العربي.

أما أطباق الشعيرية، فهي مميزة ولذيذة وتضم حساء جوز الهند والبيض المسلوق والبهارات الحارة والليمون، وهي بلا شك تستحق التجربة.

يبقى القول أخيراً إن هذه البلاد عذراء من الناحية السياحية، فأعداد السياح محدودة، والمناطق كثيرة ومتنوعة. كما أن البلاد غنية بالغابات والمزارع والأنهار. أما الأسعار، فهي معقولة إلى حد كبير، والقيمة التي يحصل عليها السائح تفوق ما يدفعه. أما التجربة على المستوى الإنساني، فإنها أكثر من ممتازة، فالشعب في غاية اللطف والأدب مع الغرباء. وللحقيقة فإن فنون الضيافة البورمية هي العلامة الفارقة والقيمة المضافة التي يحصل عليها السائح ويخرج منها بأروع الذكريات. ولعل أورويل كان محقاً في تخصيص روايته الأولى لهذه الأرض التي عشقها عن حق!

[caption id="attachment_55258811" align="aligncenter" width="940"]أطباق من المطبخ البورمي أطباق من المطبخ البورمي[/caption]



توترات عرقية




لعل الخوض في مسألة «الروهينغيا» في إقليم أراكان على الساحل الغربي للبلاد، يحتاج إلى تحقيق مستقل، إذ تعود جذور المسألة إلى أيام الاستقلال عن بريطانيا. وصحيح أن هناك مشكلات عميقة وتوترات يصاحبها عنف طائفي متبادل، إلا أن ذلك ليس موجهاً للمسلمين بوصفهم مسلمين، بل إن المشكلة عرقية - سياسية بامتياز، ولها امتدادات انفصالية عن البلاد. كما أن المسلمين في أنحاء البلاد يتمتعون، هم والأقليات الأخرى كالهندوس والمسيحيين والأرواحيين (يعبدون أرواح الأجداد)، بحرية كبيرة.

وليست المشكلة مقتصرة على الروهينغيا من معتنقي الديانة الإسلامية، بل هناك مشكلة أخرى مع شعب «الكارين» وهم مجموعة عرقية تعتنق الديانة الأرواحية، تمتد على خط الحدود الشمالية مع تايلاند، في ولاية «كايين» وهم أيضاً أصحاب رغبة انفصالية، والصراع العنيف قديم بينهم وبين الحكومة، إذ بدأ عام 1949، أي بعيد الاستقلال بعام واحد. ويشتهر هذا الشعب بأن نساءه يرتدين حلقات على رقابهم من الطفولة وحتى الموت. وهناك أكثر من 140 ألف لاجئ منهم، يعيشون في تايلاند المجاورة.

وتعود أسباب التوتر بين الحكومة من جهة وبين الروهينغيا والكارين إلى أيام الاستقلال عن الحكم البريطاني، إذ وضع المستعمر البريطاني قبل خروجه مادة في الدستور، تتيح للأقاليم الانفصال عن اتحاد ميانمار خلال مدة محددة بعد الاستقلال (نحو 10 سنوات). لكن حكام البلاد الجدد، رفضوا ذلك وأصروا على عدم منح ولايتي «أراكان» و«كايين» الاستقلال، واللتين كانتا ممالك مستقلة في القرون الماضية.

وفيما تدخلت الدول المجاورة في الصراع، ارتفعت حدة المشكلات، وبخاصة بعد تسلم الجيش للسلطة عام 1962.

ورغم عودة الديمقراطية إلى البلاد وتسلم زعيمة المعارضة أونغ سان سو تشي السلطة عام 2016، فإن المشكلات لا تزال قائمة. ورغم محاولات الحكومة تلطيف الأجواء، فإنها لم تلقَ النجاح، على الأقل حتى الآن.



font change