سيد حجاب... صوت «الشهد والدموع»

سيد حجاب... صوت «الشهد والدموع»

جوانب خفية في حياة شاعر استثنائي



[caption id="attachment_55258635" align="aligncenter" width="990"]مسلسل الشهد والدموع وفي الاطار أسم الموسيقار عمار الشريعي وكاتب الأشعار سيد حجاب مسلسل الشهد والدموع وفي الاطار أسم الموسيقار عمار الشريعي وكاتب الأشعار سيد حجاب[/caption]

•جسدت قصائد حجاب بين هموم المصريين في لوحات غنائية لتعطي الدلالة والمعنى للأحداث الدرامية



القاهرة: كمال القاضي

كل البدايات تصلح للكتابة عن الشعر والشعراء؛ كونهم كيانات استثنائية تطوف حولنا، ليس لهم أشباه ولا نظراء، ليس لهم مثيل في الصفات والعلامات، لوجودهم وهج ولرحيلهم سكون، منهم هذا المغرد الذي نكتبه ولا نرثيه، بل نستدعيه على عجل ليحضر بيننا حضوره الدائم بعد رحيله المجازي... إنه سيد حجاب، الصبي الصغير الذي ورث موهبة الشعر عن أبيه الذي كان يكتب القصائد ويلقيها على الصيادين على ضفاف بحيرة المنزلة فتركت القصائد آثارها الوجدانية في نفسه المسكونة بالموهبة، فصار متعلقاً بالشعر، وسرعان ما كتبه وهو لا يزال في طور التكوين، فوق سن الطفولة بقليل، ومن العجب أن يبدأ حجاب أولى تجاربه الشعرية بقصيدة حماسية نظمها متأثراً بـ«استشهاد» أحد الأبطال ويدعى باسم نبيل، قتله الإنجليز في واحدة من مظاهرات الطلاب أثناء فترة احتلالهم لمصر.

حزب مصر الفتاة



وقد تأثر الشاعر الصغير بهذه الحادثة تأثراً بالغاً فتشكل وعيه السياسي مبكراً جداً، فانضم إلى حزب مصر الفتاة، وأسهم في العمل العام بشكل إيجابي، وارتبط الشعر لديه بالمقاومة، حيث آمن بالقصيدة بوصفها عنصرا مقاتلا لديه القدرة على التأثير والتغيير، وهو ما انعكس على معظم قصائده بشكل واضح، وأصبح سمة أساسية في أبياته وصوره الشعرية.

[caption id="attachment_55258637" align="alignleft" width="300"]عبد الرحمن الأبنودي عبد الرحمن الأبنودي[/caption]

كان أول ديوان للشاعر الراحل سيد حجاب دالاً على انتمائه للبيئة التي نشأ فيها، فقد اختار له عنوان «صياد وجنيَّة» ليرمز به إلى مجتمع الصيادين وواقعهم المرتبط بالحلم والطبيعة الهادئة وخصائص الصبر والانتظار الطويل على الرزق الآتي من أعماق البحيرة بلا موعد، فهو القوت الضروري المتغير بتغير الأحوال والظروف. لقد تحولت هذه المعاني إلى صور وقوافٍ في قصائد العامية الضاربة على أوتار الوجع والاحتياج عند الصيادين البسطاء.

بهذه المفاهيم النبيلة اقتحم الشاعر الرقيق قلوب القراء من مريديه وأحبابه قبل أن تتسع دائرته الشعبية ويصير سفيراً فوق العادة توحد قصائده بين هموم المصريين في لوحات غنائية وضعت في مقدمات الأعمال الفنية لتعطي الدلالة والمعنى للأحداث الدرامية المفعمة بالمواقف والتفاصيل بمستويات مختلفة ما بين التراجيدي والإنساني، كما هي الحال في مسلسلات كثيرة، من بينها: مسلسل «الأيام» للمخرج الراحل يحيى العلمي المأخوذ عن كتاب «الأيام» للدكتور طه حسين الذي يروي فيه سيرته الذاتية، وأيضاً مسلسلات: «ليالي الحليمة»، و«أرابيسك»، و«الشهد والدموع»، و«عصفور النار»، و«الوسية»، و«بوابة الحلواني»، و«المال والبنون»، و«أديب»، وغيرها من صور البناء الدرامي التي ساهم الشاعر الكبير في ترويجها بالأغاني والملاحم الشعرية المؤثرة.


[caption id="attachment_55258634" align="aligncenter" width="930"]سيد حجاب سيد حجاب[/caption]


«تترات» البداية والنهاية



وإذا كانت «تترات» البداية والنهاية في الأعمال التلفزيونية والإذاعية هي الإبداع الأشهر في مسيرة سيد حجاب، فهناك وجوه وأشكال أخرى للتميز كانت لديه، فقد كتب «الفوازير» لشريهان، وبرع في نظم الألغاز والحواديت الخفيفة التي مثلت في وقت سابق نوعا ترفيهيا شديد الخصوصية في الموسم الرمضاني، هذا بخلاف دوره الصحافي البارز بصفته أحد المؤسسين لمجلة «جاليري 68» الثقافية، التي نشر بها عدة قصائد ودراسات معتبرة وعلى قدر من الأهمية، بالإضافة إلى كتاباته في مجلة «سمير وميكي» المعنية بأدب الطفل، وتأليفه عدداً من كتب الأطفال.

[caption id="attachment_55258636" align="alignleft" width="300"]صلاح جاهين صلاح جاهين[/caption]

من أهم ما صدر لشاعر العامية الراحل، أعماله الكاملة، ومختارات مكتبة الأسرة التي تحوي نماذج من قصائده المهمة مثل «سلوا قلبي» و«السلم والكرسي». ورغم تعدد نشاطاته، فإن قصائده المغنّاة هي ما تمثل حجر الزاوية في إنتاجه الفني والأدبي، وهي الفرصة التي منحها إياه الشاعر الكبير صلاح جاهين حين قدمه للفنان كرم مطاوع ليكتب له مسرحية «حدث في أكتوبر» التي كانت البوابة الكبرى التي دخل منها إلى عالم الشهرة والأضواء، فكتب الأغاني لكبار المطربين والمطربات، مثل: عفاف راضي، وعلي الحجار، ومحمد منير.

ولم يكن صلاح جاهين هو الشاعر الوحيد الذي دفع بسيد حجاب إلى دائرة الضوء، وإنما ساهم في ذلك أيضاً الشاعر عبد الرحمن الأبنودي الذي ربطته به صداقة قوية في بداية الأمر، قبل أن يفترقا ويصبح لكل منهما شكل ولون وأداء مختلف ومغاير، حيث نضوج الموهبة يحتم التمرد والرغبة في التمايز وعدم التماهي في الأصوات الأخرى وهو ما حدث بالفعل، فقد آثر حجاب الابتعاد قليلاً عن صديقه كي لا يبدو كأنه فراشة تحلق حول ضوء المصباح؛ وقد كان... استقل الفتي واستقلت قصائده، وحلق يفرد جناحيه بعرض السماء، وظل على طيرانه وتغريده ما بين السماء والأرض، ومات (مطلع هذا العام) وهو يغني أناشيده وأهازيجه وأمنياته.
font change