السيناتور الأميركي السابق في حوار مع «المجلة»: هناك انكشاف جديد في الشرق الأوسط... وأميركا يجب أن تساند أصدقاءها
• من المشجع رؤية أقرب حلفاء أميركا من العرب يعملون لمكافحة التعاليم المتطرفة
• أبرز مصدر للخطر هو التنظيمات الإرهابية المتطرفة مثل «داعش» ولكن التهديد الأخطر لأمن وسلام المنطقة والعالم يأتي من إيران
• الولايات المتحدة قد ترسل عدد هائل من القوات لمكافحة «داعش» في الشرق الأوسط..وفي ظل وجود وزير الدفاع ماتيس سنشهد تنامي وجود القوات الأميركية في العراق وأفغانستان
• قمت مع السيناتور ماكين بمقابلة بعض من يقاتلون الأسد وشعرنا بأنهم يمثلون حركة وطنية وليسوا متطرفين قبل تدخل إيران وروسيا وتحول الأمر إلى مأساة لشعب عظيم
• العلاقات بين إسرائيل والعالم العربي لن تتحسن إلا إذا حدث تقدم في حل الصراع العربي الإسرائيلي
• اشتركت مع وزير للدفاع السابق هيغل في وضع تشريع يسمى «خطة مارشال للعالم الإسلامي» لمكافحة الخطاب المتطرف
• قيادات البحرين حلفاؤنا ويجب علينا دعمهم، وعدونا - إيران - هو عدو مشترك .. وسعدت بموافقة الولايات المتحدة على بيع عدد كبير من الطائرات المتطورة إلى مملكة البحرين
نيويورك: مصطفى الدسوقي
خاض السيناتور الأميركي السابق جوزيف ليبرمان حياة مهنية حافلة في قيادة السياسة الأميركية امتدت لأربعة عقود. كان السيناتور ليبرمان عضوا في المجلس التشريعي، ونائبا عاما في ولايته الأصلية كونتيكت، ثم أصبح سيناتورا في الكونغرس الأميركي من عام 1988 إلى 2012. وفي عام 2000، ترشح لمنصب نائب الرئيس مع المرشح الرئاسي الديمقراطي آل غور.
كان السيناتور ليبرمان صريحا في تأييده لمبادئ المساواة والتسامح، في الداخل والخارج، بالإضافة إلى دوره الأميركي الكبير في دعم من يدافعون عن تلك المبادئ حول العالم. وفي بعض الأحيان كانت آراؤه تؤدي به إلى مخالفة صفوف زملائه في الحزب الديمقراطي. على سبيل المثال، في عهد أوباما، عارض الاتفاق النووي الإيراني، وحث على تقديم دعم لا يتزعزع لحلفاء أميركا القدامى في المنطقة.
[caption id="attachment_55258239" align="aligncenter" width="1500"] عاهل البحرين الملك حمد بن عيسى آل خليفة يستقبل السيناتور جوزيف ليبرمان (صورة أرشيفية)[/caption]
يعمل ليبرمان منذ تقاعده من مجلس الشيوخ، مستشار قانوني في شركة محاماة بارزة في نيويورك مع استمرار نشاطه في الحياة العامة. كما يرأس منظمة متحدون ضد إيران النووية، التي تضم مجموعة من الأميركيين القلقين بشأن مخططات طهران. وهو عضو في المجلس الاستشاري الإسلامي اليهودي، الذي يحاول مكافحة التعصب ضد الديانتين في الولايات المتحدة.
ووسط تصاعد الاستقطاب في السياسة الأميركية، يسعى ليبرمان بالتنسيق مع آخرين للمساعدة على استعادة التقاليد الرفيعة لتعاون الحزبين في البلاد.
في حواره مع «المجلة»، يصف السيناتور ليبرمان أشعة الأمل التي تسطع وسط الفوضى في الشرق الأوسط. ويدلي برأيه حول الحرب المستمرة ضد الإرهاب، والدروس التي استفادها من صداقاته الماضية والحالية مع أطراف ذات تفكير مشابه في المنطقة. ويعرب عن مخاوفه بشأن التوافقات السياسية في سوريا، بالإضافة إلى دعم حلفاء أميركا في مصر والبحرين. ويتذكر ليبرمان مقابلته البارزة مع الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز.
* ما هي بوادر الأمل التي تراها بين كل المآسي التي تحدث في الشرق الأوسط اليوم؟
- إنها فترة انقسام عميق ومعاناة في المنطقة. أبرز مصدر للخطر هو التنظيمات الإرهابية المتطرفة مثل «داعش»، ولكن التهديد الأخطر لأمن وسلام المنطقة والعالم يأتي من إيران.
إذا ما نظرنا إلى المعاناة في سوريا والتي ساهمت إيران في وقوعها كثيرا؛ وإلى الحرب في اليمن والتي تسبب فيها التدخل الإيراني؛ وإلى القتال في العراق، نجد أن هذه فترة عصيبة. ولكن يبدو أيضا أن هناك انكشافا جديدا، يتمثل في أمرين: أولا، يوجد قاسم مشترك، مصلحة مشتركة، بين بعض القوى في المنطقة ممن لم يتعاونوا علنا من قبل. يتفق جميعهم وهم من حلفاء الولايات المتحدة، وأبرزهم الدول العربية بدءا من السعودية ومصر والإمارات والأردن... إلخ، على مواجهة الإرهاب والتطرف، وعلى المدى البعيد استيعاب التهديد القادم من إيران. وعلى الجانب الآخر، تضع إسرائيل الأولوية للمخاوف ذاتها. لا أريد أن أقلل مطلقا من أهمية الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، ومدى أهمية تحقيق تقدم في سبيل حل الصراع. ولكن التحديات الأكبر التي تواجه الاستقرار الإقليمي اليوم هي إيران والتطرف والإرهاب.
[caption id="attachment_55258240" align="aligncenter" width="705"] الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما يبتسم بينما يحيط به زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ هاري ريد والسيناتور جو ليبرمان وسوزان كولينز خلال حفل توقيع مشروع قانون جديد - 22 ديسمبر 2010 في واشنطن العاصمة (غيتي)[/caption]
وهكذا نجد هذه التغييرات مُشجعة. وكما رأينا عبر التاريخ، تتعلق بعض هذه التغييرات بجودة القيادة وتركيزها. فالقادة يغيرون التاريخ، إما للأحسن أو للأسوأ، وفي الوضع الحالي في العالم العربي، التغيير للأفضل.
الأمر الثاني الذي أجد أنه يبعث على التفاؤل هو تغيير الإدارة الأميركية، وقد كنت مؤيدا لتولي هيلاري كلينتون الرئاسة، وأعارض الرئيس ترمب. ولكن فيما يتعلق بالشرق الأوسط، وتحديدا بسبب تغير الموقف بشأن إيران والاتفاق النووي الإيراني، أعتقد أن الولايات المتحدة ستؤدي دورا بنَّاء في دعم حلفائنا. كانت إدارة أوباما قد وصلت إلى مرحلة بدت وكأنها تستغرق وقتا طويلا في التودد إلى أعدائنا، إيران على وجه التحديد، وتدير ظهرها لحلفائنا في العالم العربي وإسرائيل. وفي أثناء الحملة الانتخابية، بدا أن ترمب يريد الانسحاب من القيادة العالمية. والآن تبدو إدارة ترمب أكثر اهتماما بالشرق الأوسط، وبوضوح أكبر إلى جانب أصدقائنا، وضد أعدائنا الواضحين، إيران و«داعش»، التطرف والإرهاب. لذلك قد تكون هذه لحظة تحول. قد يتطلب الأمر من الولايات المتحدة اتخاذ موقف حاد بإرسال عدد هائل من القوات لمكافحة «داعش» في الشرق الأوسط، كما فعل بوش في العراق على سبيل المثال. وأعتقد أنه في ظل وجود وزير الدفاع ماتيس وآخرين في الإدارة والرئيس ذاته، لن ننسحب من الشرق الأوسط، بل سنشهد تنامي وجود القوات الأميركية في العراق وأفغانستان، وتأييدا أقوى لمساعي حلفائنا في العالم العربي في مناطق مثل اليمن وسوريا ولبنان كما نأمل.
* في أثناء القمة العربية في عمان، كان محور تركيز النقاش على الحرب في سوريا، ومسألة الحل السياسي. فما هو رأيك بشأن التنازلات المتبادلة سعياً إلى تسوية سياسية مع نظام الأسد؟
- منذ بداية الحرب في سوريا، بدا لي أن المصالح الأميركية تقع مع من يحاربون الأسد. في عالم الدبلوماسية، لا توجد اختيارات مثالية، ولكن عليك أن تقرر إن استطعت، ما إذا كان ذلك الشخص صديقا أو على الأقل يمكنك الوثوق به، أم أنه شخص يحمل في الأصل وجهة نظر مختلفة ولا يمكن أن يكون حليفك قط. دائما ما كنت أشعر أن الأسد ووالده ينتميان إلى الفئة الثانية. قمت مع السيناتور ماكين بمقابلة بعض من يقاتلون الأسد في الفترة الأولى من الثورة السورية، وشعرنا بأنهم يمثلون حركة وطنية بالفعل وليسوا متطرفين. ولكن من المؤسف أن إيران تدخلت بقوة، وكذلك روسيا، وتحول الأمر إلى مأساة لشعب عظيم.
[caption id="attachment_55258242" align="aligncenter" width="705"] آل جورو ليبرمان وهيلاري كلينتون في اجتماع في فندق شيراتون في مدينة نيويورك - 19 أكتوبر 2000 (غيتي)[/caption]
صحيح أننا يجب أن ننفتح على فكرة الحل السياسي، ولكننا وضعنا أنفسنا في موقف يستطيع فيه أعداؤنا، وأعداء العالم العربي والشعب السوري، الاستفادة من الحل السياسي أكثر مما يجب. أقصد بذلك إيران وروسيا تحديدا. لذلك لا أؤيد الحل السياسي في سوريا الآن، وخاصة الحل الذي يُمكِّن الأسد من البقاء في السلطة. تحدث الرئيس ترمب عن أمر كان بعضنا يتحدث عنه منذ البداية، وهو توفير ملاذات آمنة للسوريين في سوريا، واستخدام القوات الجوية الأميركية وقوات التحالف الجوية لحماية هذه المناطق. والآن يقول البعض إننا ربما ندخل في معركة مع طائرة روسية، ولكنني أقول إنها مشكلتهم وليست مشكلتنا. لذا أنا ضد الحل السياسي الآن، حيث لا أرى أنه يفيد الشعب السوري أو المنطقة.
* تطرقت إلى الشؤون العربية الإسرائيلية، وآمالك بشأن إدارة ترمب. بعد أن قام كل من الرئيس السيسي والملك عبد الله الثاني بمقابلة الرئيس ترمب في واشنطن في زيارتين متعاقبتين قبل زيارة وشيكة لرئيس السلطة الفلسطينية أبو مازن، ما هي الاحتمالات التي يمكن أن تسفر عنها تلك المباحثات؟
- خاض الرئيس ترمب حملته الانتخابية تحت شعار «أميركا أولا». ولكن آجلا أو عاجلا يفرض الواقع نفسه، ويتدخل في الشعارات الانتخابية. من مصلحة أميركا، من حيث الأمن والرخاء والحرية، المشاركة فيما يحدث في الشرق الأوسط، بالإضافة إلى مناطق أخرى في العالم. هناك أيضا نوع من الجذب المغناطيسي الذي يشد الرؤساء الأميركيين أيا كان انتماؤهم الحزبي إلى الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وحلم تحقيق السلام. لا أعتقد أنه أمر سيئ. أنا شخصيا أحلم بأن يحل السلام هناك. واضح أن هناك كثير من المساعي التي بُذلت. نجحت بعضها مثل معاهدات كامب ديفيد وأوسلو. ولكن لم تفلح محاولات أخرى كثيرة لتحقيق السلام الإسرائيلي الفلسطيني منذ معاهدة أوسلو. تتشجع إدارة ترمب الآن نتيجة لما تحدثنا عنه في السابق – ظهور مصالح مشتركة واضحة بين العالم العربي وإسرائيل. وأعتقد أن الإسرائيليين يتفهمون أن العلاقات بين إسرائيل والعالم العربي لن تتحسن، إلا إذا حدث تقدم أو الأفضل حل للصراع العربي الإسرائيلي. لذا أرى أن قدوم القادة العرب على ذلك المستوى إلى واشنطن أمر مُشجع للغاية. ومن المثير للاهتمام أن أحد المؤشرات على وجود واقع مختلف في الشرق الأوسط اليوم هو أنه في فترة ليست ببعيدة كان الإسرائيليون يغضبون عندما يعلمون أن رئيس مصر أو رئيس السلطة الفلسطينية سيذهبان لمقابلة رئيس أميركا. ولكن هذا لا يحدث في الوقت الحالي، وذلك قياساً على التغيير الذي يحدث في المنطقة وهو بالطبع أمر إيجابي.
* مر نحو 16 عاما منذ أعلن الرئيس بوش «الحرب على الإرهاب». فهل كانت هذه الحرب رابحة أم خاسرة؟ ونظرا لاستمرارها، ألا يجب إعادة تقييمها؟
- بدأ الصراع مع الإرهاب المستوحى من التطبيق المتطرف للإسلام قبل 11 سبتمبر (أيلول)، ولكننا لم نكن نرغب في رؤيته. في 11 سبتمبر، كانت التداعيات مدمرة بدرجة لم تسمح لنا بتجاهل التهديد. وتم اتخاذ سلسلة من الخطوات المهمة. تم إنشاء وزارة الأمن الداخلي، وتم تشكيل «لجنة 11/9» التي قدمت سلسلة شاملة من التوصيات بشأن إصلاح البنية الاستخباراتية الأميركية وحتى سياساتنا الخارجية. كانت هذه الإصلاحات نسبيا ناجحة في مجال الأمن الداخلي الأميركي. وبالتأكيد لم يقع هجوم إرهابي على الأراضي الأميركية يشبه بأي حال أحداث 11/9 ودمارها المروع. في الواقع، معظم العمليات الإرهابية الناجحة التي وقعت في أميركا، ارتكبها إرهابيون «نشأوا في الداخل»، أي أشخاص لهم وضع قانوني في أميركا وتم استقطابهم إلى جماعات متطرفة عبر الإنترنت. لذا في مجال الدفاع عن الولايات المتحدة ضد الاعتداءات الإرهابية، نجحت الإجراءات التي تم اتخاذها بعد 11/9، والتي كانت مُكلفة للغاية.
[caption id="attachment_55258243" align="alignleft" width="705"] جون كيري وجوزيف ليبرمان وجون ماكين في مؤتمر ميونيخ الـ46 للأمن في فندق بايريشر هوف في ميونيخ 6 فبراير 2010 (غيتي)[/caption]
ما لم نتوصل إليه بالفعل حتى الآن، وكان أيضا جزءا من تقرير لجنة 11/9 والتشريع الذي قدمته، ولم يتم تنفيذه قط، هو كيف نواجه أولا الخطاب المتطرف في العالم الإسلامي، ثم معالجة الواقع الصعب في مناطق شاسعة من العالم العربي والتي تغذي هذا النوع من التطرف والإرهاب. وهنا أتحدث عن التردي الاقتصادي والتعليمي. هناك حدود لما تستطيع الولايات المتحدة، كدولة غير مسلمة وغير عربية، أن تفعله لمواجهة الخطاب المتطرف. ولكننا بالتأكيد يمكن أن نكون داعمين لمساعي البلاد الأصلية في هذا الاتجاه. وهناك بين قيادات بعض حلفائنا العرب القريبين، السعودية والإمارات والأردن ومصر، أشخاص في السلطة يعملون من أجل التغيير مع من يُعدون أصحاب المرجعية الدينية في الإسلام. ولكن هذا تحدٍ صعب، إذ يعتمد الأمر على اعتناق نسبة ضئيلة للغاية من الأشخاص للفكر المتطرف، لأسباب شخصية، واستعدادهم للتضحية بحياتهم. وهم لا يتسببون في أضرار مروعة فحسب، بل يثيرون حالة من الذعر والخوف أيضا، وهو هدف الإرهابيين. لذلك ينبغي علينا القيام بمزيد من العمل في هذا الأمر ونحتاج إلى تقديم مساعدة أكبر، نحن في أميركا وحلفاؤنا في العالم العربي.
إن العمل الذي يتم في السعودية لتنويع اقتصادها بالغ الأهمية. في ديسمبر (كانون الأول) عام 2014، ألقى الرئيس المصري السيسي خطابا في الأزهر الشريف دعا فيه إلى قيادة مكافحة الإرهاب وتعزيز السلام والمدنية. يقول كثير من الأميركيين: أين هم المسلمون المعتدلون؟ لماذا لا يتكلمون بوضوح؟ أعتقد أن الرئيس السيسي قدم إجابة قوية على ذلك السؤال. هناك تغيير، ولكنه ليس سريعا بما يكفي. في مرحلة ما في العام التالي لأحداث 11/9، اشتركت مع زميلي السيناتور هيغل، الذي أصبح بعد ذلك وزيرا للدفاع، في وضع تشريع يسمى «خطة مارشال للعالم الإسلامي». تعلق التشريع بدعم مكافحة الخطاب المتطرف وأيضا تقديم مساعدة مالية مباشرة لتحسين المدارس وتوفير الفرص. ولكن من المؤسف أنه لم يُنفذ.
* بعد أن أمضيتَ عقودا في الحزب الديمقراطي، خضت انتخابات مجلس الشيوخ مرة أخرى بصفتك مستقلا في عام 2006، وربحت. وقد انشققت عن الحزب بسبب خلافات في السياسة الخارجية، فما كانت تلك الخلافات؟ وكيف تطورت هذه المخاوف منذ ذلك الحين؟
- ينبغي أن أوضح أولا أنني لم أترشح مستقلا طواعية. لقد طردني الحزب الديمقراطي، لأنني خسرت انتخابات تمهيدية لمجلس الشيوخ أمام منافس، وكان الأمر متعلقا بالسياسة الخارجية وبرفضي للتخلي عن الحرب في العراق، لأنني شعرت أن ذلك سيكون له تداعيات مدمرة على مصداقية أميركا في العالم وخاصة في الشرق الأوسط. بالتأكيد ارتكبنا أخطاء جسيمة في العراق بعد أن نجحنا في الإطاحة بصدام حسين. ولكني ظننت أن الانسحاب سيكون مروعا، وأراد كثير من الديمقراطيين الانسحاب. كنت محظوظا للغاية بإعادة انتخابي كمستقل. ولكن هناك نقطة أكبر: تغيرت السياسة الخارجية للحزب الديمقراطي كثيرا على مدار حياتي، وأعتقد أنه ليس تغييرا إلى الأفضل.
عندما كنت شابا، كان الرئيس جون كيندي من أهم الشخصيات المؤثرة والملهمة، ليس لي فقط، ولكن لجيلي بأكمله. في ذلك الوقت كان الحزب الديمقراطي يدافع عن الريادة الأميركية في العالم. وكان يصفها بالسياسة الخارجية القوية التي تقوم على أساس مبادئنا. أذكر جملة في خطاب الرئيس كيندي الافتتاحي حيث قال: «لندع كل أمة سواء أكانت تتمني لنا خيرا أو شرا، تعلم بأننا سندفع أي ثمن، وسنتحمل أي عبء، وسنواجه أي صعوبات، وسندعم أي صديق، وسنعارض أي عدو سعيا لضمان بقاء الحرية ونجاحها». كنا مع أصدقائنا وضد أعدائنا. وفي السياسة الداخلية، كان الحزب الديمقراطي تقدميا يدعم التغيير، وكان ذلك هو المزيج الذي ارتحت معه ولا أزال. ولكن تغير الحزب، وأصبح بصورة ما، ليس انعزاليا، ولكن أكثر ترددا في ممارسة القيادة الأميركية في العالم، والوقوف مع أصدقائنا وضد أعدائنا. وأخشى أن يسفر ذلك في النهاية عن خسارة كثير من الأصدقاء.
[caption id="attachment_55258244" align="alignright" width="705"] آل جور وجو ليبرمان وزوجته هداسا ليبرمان خلال حضورهم المؤتمر الوطني الديمقراطي في 16 أغسطس 2000 في بوربانك بكاليفورنيا (غيتي)[/caption]
وكما قلت في السابق، أيدت هيلاري كلينتون في الانتخابات الأخيرة. وكنت صديقا لها وللرئيس كلينتون منذ كانا في كلية الحقوق في يال. ولكني شعرت أيضا أن هيلاري كلينتون قد تكون الفرصة الأخيرة التي يمكن أن تعيد تشكيل الحزب الديمقراطي، إذا فازت، ليصبح حزبا في يسار الوسط، وليس يسار اليسار. والآن أخشى أن الحزب يتوجه إلى يسار اليسار في السياسة الخارجية وبدرجة أقل في السياسة الداخلية، وهذا خطأ، لذا يستمر الخلاف. قيل لي مؤخرا: «إنك كنت إنذارا مبكرا». وذلك لأني واجهت منافسة وهُزمت بسبب موقف واحد يتعلق بالعراق، على الرغم من أن سجل تصويتي كان متوافقا باستمرار مع الحزب الديمقراطي في عام 2006 في كل القضايا الأخرى، وبالتأكيد في السياسة الداخلية. وكان ذلك التوجه في السياسة الخارجية مستمرا في عهد أوباما. ورغم أنني أكن له احتراما كبيرا، واتفقت مع كثير من برامجه الداخلية وساعدت فيها، أرى أن إدارته في مجال السياسة الخارجية أضرت بالمصالح الأميركية.
* لاحظنا أن لك جمهورا كبيرا في مملكة البحرين، ممن يتذكرون زياراتكم إلى المنامة عندما كنت عضوا في مجلس الشيوخ. فما هو رأيك في الدولة؟ وكيف ترى النقاش الأميركي حول البحرين في الفترة الأخيرة؟
- زرت البحرين عدة مرات، أحيانا بمفردي وأحيانا أخرى مع السيناتور ماكين. وتعرفت على القيادة، العائلة الحاكمة، جيدا. واعتاد وزير الخارجية وآخرون مقابلتي في كل مرة يحضرون فيها إلى واشنطن. وإلى جانب ذلك، عندما أذهب إلى البحرين كنت أقابل جهات من المجتمع المدني. ولكني أعتقد أنه كان علينا إلقاء نظرة أكبر، والوصول إلى هذه النتيجة التي أؤمن بها بشدة: وهي أن قيادات البحرين حلفاؤنا، ويجب علينا دعمهم، وعدونا - إيران - هو عدو البحرين. وكما نفعل مع أي صديق، إذا شعرنا بأن هناك ما يمكن أن يفعلوه على وجه أفضل، يجب علينا أن نخبرهم.
وللمصادفة، أحاورك بعد يوم من موافقة الولايات المتحدة على بيع عدد كبير من الطائرات المتطورة إلى البحرين. في رأيي هذا قرار صائب. البحرين دولة مهمة، وفي موقع ذي حساسية في المنطقة. ومن الواضح أن الإيرانيين يتدخلون بعدوانية في البحرين.
اتخذت إدارة أوباما نهجا مختلفا في هذه القضايا، وكان أغلبها يتعلق بالاتفاق النووي الإيراني. لم يكن هذا الاتفاق مفزعا ونِتاج مفاوضات سيئة فحسب، بل كان نتيجة لسوء فهم كبير أيضا، إذ اعتقدت إدارة أوباما أن هذا الاتفاق سوف يجعل القيادة الإيرانية الحالية أكثر اعتدالا وميلا للسلام. كان ذلك سخيفا، ويمكن أن نتأكد منه من خلال تصريحات المرشد الأعلى وتصرفات الحرس الثوري الإيراني. في أثناء المفاوضات، أوضح المرشد الأعلى أن تلك مفاوضات منفصلة بشأن السلاح النووي. وقال: «لن نغير أي شيء آخر». وبالطبع لم يفعلوا. لذلك أشيد بما فعلته إدارة ترمب بالمضي قدما في صفقة البيع لصالح البحرين. بذلك لا نقول لأصدقائنا إننا سنظل معهم فحسب، بل نوضح لنظام طهران أيضا أن السياسة الأميركية تجاه المنطقة تغيرت. لا أظن أن إدارة أوباما كانت ستتخذ هذا القرار، وهي خطوة تغيير كبيرة. يجب بث بعض الخوف في قيادات إيران، وإلا سيستمرون في تصرفاتهم السيئة.
* كما تعلم، ارتفعت مستويات الطائفية وانعدام التسامح الديني في كثير من أنحاء المنطقة. وهناك شعور منتشر بأن حدة النقاش العام من عوامل تفاقم هذه التوترات. فهل ترى أهمية لتبني نوع جديد من الحوار المنفتح لعلاج هذه المشكلة؟
- أشكرك على هذا السؤال، لأني أؤمن بقوة أن الحوار المنفتح يحد من التوترات. وأميركا ليست مثالية في هذا الصدد، ولكن يوجد انفتاح في الحوار العام بها، وقد ساعد كثيرا.
أحد أبرز التغييرات البارزة التي شاهدتها في حياتي كان تعزيز الحوار والتفاهم بين اليهود والمسيحيين. يمكن القول إنه بدأ في عام 1965، على يد البابا يوحنا الثالث والعشرين، عبر مبادئ بابوية مؤكدة للحوار بين الأديان الذي أطلقه المجمع الفاتيكاني الثاني. ثم جاء البابا يوحنا بولس الثاني ليكتب أن اليهود إخواننا وأخواتنا في العقيدة. وهكذا حدث تغيير هائل.
أشير إلى تلك القصة عن الحوار اليهودي المسيحي، لأننا مستعدون ونحتاج بشدة إلى حوار مماثل بين الإسلام واليهودية. على بعض الأصعدة الدينية الفعلية، لم يواجه الحوار عقبات كثيرة، نظرا لأن كلا من الإسلام واليهودية يركز على الإله. وهناك تضارب أقل كثيرا في الروايات الدينية ذات الصلة. ولدي إيمان كبير بوجوب اعتماد بعض الحوارات على الدين فقط. وقد أوصيت بذلك في مرات مختلفة أصدقاء إسرائيليين وفلسطينيين، وينطبق الأمر كذلك على العالمين الإسلامي واليهودي عامة.
* يبدو متصلا بذلك أيضا ما ذكرته عن خطاب الرئيس السيسي في الأزهر بشأن تعزيز التسامح بين الأديان. وهو أيضا كان محلا للنقاش في واشنطن في الأعوام الأخيرة. فما هو الموقف السياسي الذي ترغب أن تتبناه الولايات المتحدة تجاهه؟
- الرئيس السيسي حليفنا. ولا أقول ذلك لأنه الآن رئيس مصر، التي تقيم الولايات المتحدة علاقات إيجابية معها في العموم منذ عقود. لقد اتخذ الرئيس السيسي موقفا قويا ضد التطرف والإرهاب، ومنه التطرف الإسلامي. كما فعل أشياء لا أحبذها وأرجو لو لم يفعلها، ولكن يجب أن تكون لنا أولويات، والأولوية للمعركة الكبيرة التي نقف فيها معا ضد المتطرفين والإرهابيين. هذه المعارك تقع في صميم أمننا وحريتنا كأميركيين. والرئيس السيسي حليفنا، ولذلك أعتقد أننا يجب أن ندعمه، وندعم بعض برامجه لمكافحة الإرهاب في سيناء. وهو يمارس قيادة قوية في هذا الصدد منذ وصوله للحكم. ولم يكن سلبيا. فلنركز على إيقاف الإرهابيين وتحسين الفرص التعليمية والاقتصادية المتاحة أمام الشعب المصري، ثم نقيم حوارا جيدا مع الرئيس السيسي بشأن الحريات السياسية في مصر.
* نرجو أن تشاركنا ببعض الذكريات التي ساهمت في تشكيل خبراتك منذ بداية مسيرتك، لا سيما فيما يتعلق بالأسرة والأصول والتعليم وحركة الحقوق المدنية الأميركية التي كنت ناشطا بها...
- عندما أنظر للماضي أشعر بالفعل بالامتنان لأني رزقت بفرص غير عادية في حياتي. توليت منصبين بالانتخاب في كونتيكت لمدة 16 عاما عندما كنت عضوا في مجلس شيوخ الولاية ونائبا عاما، ثم 24 عاما أخرى في مقعد بمجلس الشيوخ الأميركي، وسنحت لي فرصة استثنائية بالترشح لمنصب نائب الرئيس. أحيانا ما يسألني البعض عن كيفية دخولي الحياة السياسية، ترجع بعض أسباب ذلك إلى نموذج والديّ. لم يكونا سياسيين، ولكن والدي كان يقرأ الصحف يوميا، وكان من عادة الناس في ذلك الوقت قراءة الصحف! ثم كنا نتحدث عن الأخبار حول المائدة. وكان والداي يشاركان في الخدمة المجتمعية. عندما كنت مراهقا، بدأت أقرأ في التاريخ والسير الذاتية بانبهار. وأثار إعجابي التأثير الذي خلفه القادة، الأفراد، على التاريخ سواء سلبا أو إيجابا. وفي إيجاز، نشأت على اعتقاد بأن معيار إيماني هو ما أفعله. نعم، من المهم أن أصلي، ومن المهم أيضا أن أتبع الطقوس العديدة المتعلقة بأحكام الطعام على سبيل المثال. ولكن في النهاية يتعلق الأمر بالسلوك والتعامل مع الآخرين وما أفعله لكي يصبح العالم مكانا أفضل. أضف إلى ذلك نموذج الرئيس كيندي. عندما تخرجت من المدرسة الثانوية في عام 1960، كان هناك شاب من ماساتشوستس مرشح للرئاسة وتم انتخابه. نظرا لأنه كان أول رئيس كاثوليكي، شعرت بأن ذلك سيكون مفيدا لي في حياتي، حيث أنتمي إلى ما يسمى «أقلية» أخرى في أميركا. وهكذا كان الأمر في العموم. لم أكن أنوي الترشح لأي منصب تحديدا آنذاك. ولكني بدأت أهتم بالفكرة في مجملها.
[caption id="attachment_55258248" align="alignleft" width="706"] المرشح السياسي السابق آل غور ومرشح نائب الرئيس السيناتور جو ليبرمان - 8 نوفمبر عام 2000 في ناشفيل بولاية تينيسي (غيتي)[/caption]
ذكرتَ لي حركة الحقوق المدنية. لقد قرأت التوراة وتعرفت على القصة المحورية بتحرير الرب لبني إسرائيل من العبودية ، وأعتقد أن كل الناس في هذا العالم، وليس فقط الأميركيون ولا البيض بالطبع، خلقهم الله متساوين، وبذلك يستحقون الحصول على الحقوق والاحترام ذاته. لذلك شعرت بأن حركة الحقوق المدنية هي الكفاح الأكبر في شبابي. لا أريد أن أبالغ بالحديث عما فعلته، ولكني أمضيت فترة في المسيسيبي في حملة لحقوق الناخب. وكنت محظوظا لوجودي في «مسيرة واشنطن» التي ألقى فيها مارتن لوثر كينغ خطبته الشهيرة «عندي حلم» أمام نصب لنكولن في أغسطس (آب) عام 1963. عندما بلغ أطفالي سن المراهقة، أو ربما أقل، وكانوا يدرسون حياة دكتور كينغ، أخبرتهم أني كنت هناك عندما ألقى خطبة «عندي حلم»، بدا الأمر كما لو أني أحدثهم عن حضوري عندما وقع الرئيس لنكولن إعلان التحرير. بدا الأمر بعيدا للغاية بالنسبة لهم. في تلك الفترة، تعلمت درسا آخر: على الرغم من أن تركيز حركة الحقوق المدنية الاحتجاجية تم عبر المحاكم أولا، فإن مسألة حقوق التصويت - وحقيقة أن ذوي البشرة السمراء لم يتمكنوا من التصويت في مناطق شاسعة من الأراضي الأميركية - حلها في النهاية كان تشريعا أقره الكونغرس. وكان ذلك درسا قويا لي، وربما دفعني لأطمح أن أكون عضوا في المجلس التشريعي في مرحلة ما.
* هل يمكن أن تعطينا بعض النصائح من حياتك كأب وسيناتور؟
- لدي أربعة أبناء وأحد عشر حفيدا. أفضل شيء يمكن أن تقدمه لأبنائك، أولا، أن تتأكد من أنهم يعرفون أنك تحبهم. ثانيا، تأكد من أنهم يدركون إيمانك بقدرتهم على فعل أشياء عظيمة. ثالثا، توقع منهم أن يحاولوا تحقيق هذه الأشياء العظيمة. وأخيرا، عندما يحققونها، أعطهم ردود أفعال إيجابية. هذا ما حصلت عليه من والديّ، وقد دفعني للمضي قدما في حياتي.
كذلك من خلال قراءتي للتاريخ، وجدت أن أهم الدروس المستفادة أن تتحلى بالصبر والمثابرة، ولكن يجب أن تكون مستعدا لخوض المخاطر. جاءت أكبر الخطوات في حياتي عندما أقدمت عليها. هناك أيضا قدر معين من الحظ في حياة أي إنسان، وخاصة في السياسة. هناك متغيرات كثيرة للغاية. يمكنني أن أحدثك عن عشر مرات كانت حياتي المهنية فيها على وشك الانتهاء قبل أن أدخل مجلس الشيوخ. لا شك في أنني اجتهدت، إلا أنني ممتن أيضا لحظي الجيد.
أحد الدروس المستفادة أيضا، أنه بمجرد تولي منصب ما، لا يمكنك أن تفكر في السياسة فقط. ولا يمكنك أن تفكر في الانتخابات التالية فقط، بل يجب أن تفكر في الجيل القادم. يجب أن تشعر بالفعل أنك سيناتور أميركي، وربما يكون الأمر نابعا من ديني، أو لأي سبب آخر سواء القدر أو الاجتهاد. هل يجب أن تركز على التصرف على نحو يسمح بإعادة انتخابك؟ لا. من يدري ما إذا كنت ستتمكن حتى من خوض الانتخابات مرة أخرى. بل يجب أن تفعل ما تعتقد أنه الصواب عندما تسنح لك الفرصة. وذلك لأني عندما كنت في مجلس الشيوخ، إذا أردت فعل أي شيء، كان لا بد أن أعمل مع أشخاص من الحزب الآخر. كان علي العمل مع جمهوريين. لا يعني ذلك أني أكثر تدينا من أي شخص، ولكني كنت أكثر واقعية.