المدير العام للمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم لـ«المجلة»: ندعو إلى اعتماد لغة جديدة في التعامل مع الشباب للحد من الإرهاب
تونس: بوبكر بن عمر
قال الدكتور عبد الله حمد المحارب، المدير العام للمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (الألكسو)، إنّ الدول العربية لا تبذل جهوداً كافية لتطوير التعليم، وإنّ هذا القطاع يحتاج إلى ثورة حقيقية وعميقة لا إلى إصلاحات جزئية، وقال إن التعليم في البلاد العربية متخلف، وهو الذي أنتج «داعش». وأكد أنّ الدول العربية لا تعطي المدرّس المكانة التي يستحقها وأنها تستثمر في الجسور والطرقات ولا تستثمر في بناء الإنسان.
وأضاف الدكتور عبد الله المحارب في حوار لـ«المجلة» أنّ اللغة العربية لا تحظى بالمكانة اللائقة بها في البلدان العربية، حيث يتم تدريس العلوم بالإنجليزية والفرنسية. ودعا إلى الارتقاء بمستوى التعليم كأساس لمعالجة أزمة الثقافة العربية التي تعرف تراجعاً منذ عقود والنهوض بالإنتاج الثقافي العربي، كما دعا إلى اعتماد لغة جديدة في التعامل مع الشباب للحد من مخاطر الإرهاب، سواء في المدارس أو في وسائل الإعلام.
وفيما يلي نص الحوار:
* ماذا حققت منظمتكم خلال فترة رئاستكم لها في السنوات الماضية؟ وكيف يبدو لكم واقع التربية والثقافة والعلوم في البلاد العربية اليوم؟
- خلال الفترة الماضية قمنا بإنجاز الكثير، حيث جرى تركيز إدارة اتصال حديثة وقوية بها كل ظروف ولوازم العمل، وانتدبنا أشخاصاً متخصصين في الإعلام والاتصال واستطعنا تحقيق نتائج هامة، كما نظمنا مسابقة «الألكسو» للتطبيقات الجوالة، وهي مسابقة سنوية للشباب العربي المبدع الذي يبتكر تطبيقات إلكترونية خاصة بالثقافة والتربية والأدب والعلوم، ومسابقة هذه السنة هي الثالثة، أيضاً شهدت السنوات القليلة الأخيرة إكمال مبنى المقر الضخم الذي تشغله المنظمة الآن بالعاصمة تونس، حيث كانت أشغال البناء متوقفة منذ 10 سنوات، وقد تفضلت دولتا العراق والمملكة العربية السعودية بتقديم نحو ملياري دولار (بحساب مليار دولار من كل دولة)، وقمنا بإكمال المبنى وتجهيزه لننتقل إليه أواخر شهر أكتوبر (تشرين الأول) 2015 وكان حدثاً مميزاً.
أما من حيث مهام المنظمة، فكما تعلمون فإن «الألكسو» ليست جهة تنفيذية، بل هي بيت خبرة تشير على الدول العربية برؤيتها فيما يتعلق بمجالات التربية والثقافة والعلوم وتقترح عليهم تصورات ومشاريع لتطوير وتحسين الموجود، ولهذه الدول حرية الاختيار والقرار. وكما تعلمون شهدت السنوات القليلة الأخيرة تنامي الظاهرة الإرهابية في كثير من الدول العربية، فدعونا إلى اعتماد لغة جديدة في التعامل مع الشباب، سواء في المدارس أو في وسائل الإعلام، وقد حاولنا الاهتمام أكثر باللغة العربية لشعورنا بأنها مستهدفة من الخارج ومهملة في الداخل، فقدمنا دراسات مختصة وقمنا بأنشطة تهدف إلى دعم هذه اللغة. أيضاً نحاول قدر الإمكان مساعدة معهد العالم العربي بباريس في تعليم اللغة العربية سواء لأبناء الجالية العربية في فرنسا أو لغير العرب.
أما فيما يتعلق بالثقافة، فإن هذا القطاع يعيش أزمة حقيقية وتراجعاً في كل الدول العربية، نظراً لتدني مستوى التعليم، فحسب رأيي، لا يوجد الآن مثقفون بالمعنى الصحيح في الوطن العربي والموجودون هم أنصاف مثقفين أو حتى دون ذلك، مقارنة بما كان موجوداً في ستينات وسبعينات القرن الماضي، والسبب هو تدني وتراجع مستوى التعليم في كل المراحل بما في ذلك المرحلة الجامعية.
أما مجال العلوم، فإنه لا يزال متخلفاً وكل الدول العربية لا تعطي أهمية للبحث العلمي عكس ما هو موجود في العالم المتقدم الذي يحتضن البحوث والباحثين ويشجعهم على إتمام أعمالهم البحثية ويساعدهم في ذلك.
* تعاني المنظمة من تراخي وتأخر كثير من الدول العربية في سداد مساهماتها المالية المستوجبة عليها لدعم ميزانية هذه المنظمة، ماذا فعلتم لحمل هذه الدول على دفع مساهماتها وسداد ديونها للمنظمة؟
- نحن واعون بهذه المشكلة وراسلنا الدول المعنية ونذكرها كل سنة بحجم ديونها ونطالبها بضرورة سداد هذه المبالغ الهامّة. علماً بأنّ إجمالي هذه الديون يبلغ نحو 45 مليون دولار.
* أمام تطور منظومات ومناهج التربية والتعليم في العالم، ماذا فعلتم لتحسين جودة التعليم والارتقاء بمضامين البرامج التعليمية في البلاد العربية؟
- للأسف فإن الدول العربية لا تبذل جهوداً كافية لتطوير التعليم، وتعتبر أنّ دورها يتوقف عند طبع الكتاب المدرسي وتقديم تدريبات للمدرسين، بينما إصلاح التعليم يتطلب التوجه إلى الأصول والقواعد وصرف مبالغ طائلة قد لا تستطيع ميزانيات بعض الدول تحملها.
لذلك لا بد من مشاركة القطاع الخاص والأثرياء في تمويل هذه الإصلاحات الضرورية للنهوض بالإنسان العربي. وتطوير التعليم برأيي يحتاج إلى ثورة حقيقية وعميقة، حيث لا بد أن يفهم المجتمع في أي دولة عربية أنّ التعليم هو المحرك الرئيسي لتقدم الشعوب، وأنه لا تقدم دون تعليم متطور والتعليم في الوطن العربي اليوم يحتاج إلى تغيير جذري، ذلك أنّ تعليمنا متخلف، وهو الذي أنتج لنا «داعش». والإصلاح يقتضي تغيير نظرة المجتمع للمدرس، فهو أحسن وأهم شخص في المجتمع، لأنه هو الذي يصنع الطبيب والمهندس والطيار وغيره، وعندما ينظر إليه هذه النظرة ويحترم، فإنه يأخذ أموالاً تكفيه وتغنيه عن الدروس الخصوصية، فرفع مستوى المدرسين وإعلاء مكانتهم ودفع أجور مرتفعة لهم أمر ضروري، وفي الغرب يعتبر المدرس من طبقة النبلاء، وفي اليابان يقبض المدرس أجرة أكثر من أجرة رئيس الوزراء، ونحن في البلدان العربية لما نفهم هذا الأمر سيتحسن حال التعليم ومستوى الطلاب.
كما أن تأليف الكتب المدرسية أمر هام جداً وليس في متناول أي كان، ولا بد من تكليف أناس أكفاء ومختصين وذوي علم ودراية بتأليفها، مع الاستفادة من تجارب الدول المتقدمة في مجال تأليف الكتاب المدرسي، ومن جهة أخرى، فإنه من الضروري إخضاع الكتاب المدرسي للمراجعة والتطوير السنوي وتشجيع الطلاب على إتقان استخدام التقنيات الحديثة كالكومبيوتر والمحامل الحديثة لحفظ المعلومات، هذه الآلات والأوعية والمستحدثات أصبحت جزءاً من التعليم ولا غنى عنها. أما الامتحانات، فإنها تحتاج إلى مراجعة أيضاً، ففي أوروبا مثلاً ليس هناك امتحان والطالب لا يمتحن والأستاذ وحده يقيم مستوى الطالب على امتداد السنة ويسند له عدداً من الطلاب ويشهد بأنه مؤهل للنجاح والارتقاء أو الرسوب، وهم في الغرب يثقون في الأستاذ وفي تقييمه لمستوى الطلاب، وبالتالي هناك أشياء كثيرة تحتاج إلى ثورة في مدارسنا وجامعاتنا لا إلى إصلاحات جزئية وتحسينات لا تقوى على ضمان مستوى عالٍ لطلابنا ومدارسنا.
* أي دور للمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم في دعم اللغة العربية وإعطائها المكانة اللائقة بها في برامج التعليم في المؤسسات التعليمية العربية، خصوصاً في ظل زحف وتنامي حضور لغات أخرى كالإنجليزية والفرنسية وغيرها؟... وهل تعملون على نشر اللغة العربية في العالم؟
- منظمة «الألكسو» لها معهد لتعليم اللغة العربية بالخرطوم، وهو معهد دولي فيه طلاب كثيرون من غير العرب (من الصين واليابان وكوريا وأفريقيا وغيرها)، ودور المعهد هو تعليم العربية لغير الناطقين بها، وألفنا مجموعة من الكتب التي تسهل تعليم هذه اللغة، بالإضافة إلى جهود أخرى وكثيرة لنشرها وتعليمها، ونحن قلقون على وضع هذه اللغة، فالدول العربية هي الوحيدة في العالم التي تعلم أبناءها العلوم بلغة غير لغتها الأصلية، كل الدول في العالم تدرس الطب والهندسة والصيدلة وغيرها بلغتها، بينما في الوطن العربي تدرس هذه الاختصاصات إما بالإنجليزية أو الفرنسية. وهذا من علامات التبعية للمستعمر، علماً بأنّ اللغة العربية ليست قاصرة ولنا في الرباط بالمغرب مركز تنسيق التعريب، وهو مختص في تأليف القواميس العلمية بالعربية وترجمة المصطلحات إلى العربية حسب القطاعات، فصناعة النسيج مثلاً لها قاموس خاص بالعربية فيه كل المصطلحات التي يحتاجها العامل في هذا القطاع، كذلك صناعة السيارات... ونحاول أقصى الجهد أن نجعل العرب متمسكين بلغتهم ومحافظين عليها.
* أليس من دور منظمة «الألكسو» رفع درجة وعي الحكومات بأهمية التعليم الجيد؟
- نحن نحاول باستمرار لفت نظر الحكومات إلى قضية التعليم وضرورة تحسين البرامج والمناهج ورفع مستوى المدرسين والطلاب، ونحاول دفع الدول العربية إلى إصلاح التعليم وتجديده، لكن الواضح أنّ الحكام لا يريدون الاستثمار في التعليم والثقافة، فهم يدفعون لإنجاز محطات تحلية مياه البحر بالوقود الذري وبناء الجسور والطرقات ولا يستثمرون في بناء الإنسان المتحضر والمثقف. لأنه ليس هناك وعي بأهمية التعليم والثقافة.
* ماذا عن التبادل الثقافي بين البلدان العربية؟
- هذا التبادل ضعيف جداً، وليس هناك إنتاج يستحق الترويج والتصدير، فمثلاً نحن لا نفهم ما يقول الشاعر، لأنه لا يخاطب العقول، وهناك دواوين كثيرة فيها قصائد تافهة لا تصلح لتقديمها في تظاهرات كبرى ومحترمة، وما يصح على الشعر يصح على كل ألوان الإنتاج الثقافي والفني؛ كالمسرح والرسم والسينما والغناء، لأن مستوى الإنتاج الثقافي في الدول العربية ضعيف ومتدنٍ.
* كيف كانت مساهمة «الألكسو» في تظاهرة «صفاقس عاصمة الثقافة العربية»؟ وكيف تحكمون على تجربة تنظيم هذه التظاهرة بالتداول (كل سنة في مدينة عربية)؟
- منظمتنا قامت بدورها في مساعدة وزارة الثقافة التونسية في تنظيم هذه التظاهرة السنوية الضخمة، التي هي من ابتكار «الألكسو» ونساعد الدول بكل ما يلزم لإنجاحها، لكن يبدو أنّ تونس لم تكن جاهزة بالقدر الكافي لتنظيم هذه التظاهرة في مدينة صفاقس، ورغم ذلك فإن دولاً عربية كثيرة شاركت في هذه التظاهرة بأنشطة وأعمال ثقافية متنوعة، وأعتقد أنه كان بالإمكان أفضل مما كان، ويعود السبب حسب رأيي إلى حالة عدم الانسجام بين أعضاء اللجنة المنظمة.
* ما الأهداف التي ستشتغل المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم على تحقيقها خلال فترة ولايتك الثانية؟ وما أبرز التحديات؟
- طموحاتنا كثيرة وكبيرة، ونتمنى أن يكون للمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم مركز إعلامي مشع وفاعل، وقد تقدمت بمقترح في هذا الاتجاه ووافقت عليه الدول العربية، وأنا أنتظر تمويل هذا المشروع، ونعمل الآن على إنشاء قناة ثقافية عربية ترعاها المنظمة وتشرف عليها ويتم فيها عرض أنشطة وأعمال ثقافية عربية متعددة ومتنوعة.
كما أتمنى إقناع الدول العربية بإحداث ثورة في مجال التعليم، فهذا القطاع لا بد من تطويره وتصحيح وضعه، ومعالجة كل المشكلات التي يعانيها في كل البلدان العربية دون استثناء، وتشجيع رجال الأعمال العرب على تمويل المؤسسات التعليمية وتوعيتهم بأهمية تطوير التعليم والنهوض بالإنسان العربي عبر برامج التعليم.
كما أتمنى أن توافق الدول العربية على تدريس العلوم باللغة العربية وليس باللغات الأجنبية والتركيز على تعليم اللغة العربية وترسيخها في أذهان الطلاب منذ السنوات الأولى للدراسة.