كولومبيا بعد الحرب: السياحة تملأ الفراغ الذي خلفته المخدرات والأسلحة

كولومبيا بعد الحرب: السياحة تملأ الفراغ الذي خلفته المخدرات والأسلحة

[caption id="attachment_55257347" align="aligncenter" width="1024"]بلدة غواتيب في كولومبيا بلدة غواتيب في كولومبيا[/caption]

بوغوتا: «المجلة»

لقد كانت أوقاتا مختلفة عن الآن؛ عندما كان المسلحون يجبون عن كل شخص عشرة دولارات «فنحن نعمل على ألا تسبب لكم عصابات الشوارع أي أذى»، حسبما كان التبرير آنذاك. كان عشرات السائحين يأتون إلى كولومبيا للتجول على مدى أربعة أيام في الأدغال وفي غابات سلسلة سييرا نيفادا الجبلية في سانتا مارتا وعبور الجبال باستخدام الجسور المعلقة واجتياز الأنهار بالحبال المهلهلة. كانوا يمرون خلال هذه الرحلة السياحية بعشرات من مطابخ الكوكايين. إنها كولومبيا قبل عشر سنوات.

كان الطريق إلى سويداد بيرديدا (المدينة الضائعة) مغامرة دون الاعتماد على حماية المسلحين غير الحكوميين ومتمردي منظمة «فارك» الثورية المسلحة المعارضة للنظام في كولومبيا أو عصابات «جيش التحرير الوطني»، ولكن الأمر أصبح الآن أقل مجازفة بكثير. وتعتبر مدينة سويداد بيرديدا ثاني أشهر مدينة ثقافية في أميركا الجنوبية قبل الحقبة الاستعمارية بعد مدينة ماتشو بيتشو في بيرو.

ووفقا لوكالة الأنباء الألمانية، يعتبر التجول في المناطق الجبلية الكولومبية والمبيت على فرش معلقة في الطريق إلى «المدينة الضائعة» بمثابة متعة خاصة وسط الطبيعة. ولكن الكثير من السائحين الشبان الذين ذهبوا إلى كولومبيا يحملون حقائب على ظهورهم ويعتمدون على أنفسهم في كثير من شؤونهم توفيرا للتكاليف تعرضوا للاختطاف في السنوات الماضية منهم على سبيل المثال ثمانية سائحين من أوروبا وإسرائيل عام 2003 وبحث عنهم 2000 جندي وشرطي واحتجز بعضهم على مدى أشهر تحت سيطرة عصابات «جيش التحرير الوطني» التي كانت تمول نفسها من خلال أموال الفدية. واضطرت على سبيل المثال السائحة الألمانية راينهيلت فايجل لدفع تكاليف نقلها بطائرة عمودية من المناطق الجبلية بنفسها حسبما قضت إحدى المحاكم. وبلغت هذه التكاليف 12 ألفا و600 يورو، وذلك على خلفية المخاطر التي كانت تحدق بها آنذاك.

وفي عام 2017 كانت هناك اتفاقية سلام مع عصابات فارك التي تضم نحو 7000 مسلح في 26 منطقة حيث سيلقي هؤلاء الجنود سلاحهم بحلول أواخر مايو (أيار) المقبل وسينتقلون للحياة الطبيعية في كولومبيا. وهناك مفاوضات سلام مع عصابات «جيش التحرير الوطني». وصل الصراع الآن إلى أدنى مستوى له منذ بدايته قبل 52 عاما حتى وإن انضم مسلحون لعصابات إجرامية مرة أخرى بعد أن كانوا قد ألقوا أسلحتهم بالفعل بدءا من عام 2006.
وبعد التجول في الطريق المؤدي لـ«المدينة المفقودة» هناك ساحل الكاريبي الذي يمثل نقطة جذب سياحية مشهورة ثم حديقة تايرونا السياحية ذات الأكواخ التي تعود للعهد الروماني والتي تقع مباشرة على الشاطئ الأبيض.

ثم هناك جزيرة سان أندريس ومدينة قرطاجنة الساحلية الرائعة، أو مدينة أراكتاكا الساحرة التي تعد من أهم المعالم السياحية في كولومبيا. شهدت هذه المدينة ميلاد الأديب غابرييل غارثيا الذي حصل على جائزة نوبل للآداب عام 1982. هنا تقع بلدة ماكوندو التي شهدت صعود أسرة بويندا وانهيارها في رواية «مائة عام من العزلة». إن قراءة هذه الرواية هنا تعتبر غوصا في أعماق عالم الأدب. هنا وعلى جدران جميع أنحاء المكان توجد أيضا الفراشات التي جاء ذكرها كثيرا في الرواية.

تَعتبر منظمة السياحة العالمية (UNWTO) كولومبيا بمثابة «أحد الأخبار السارة» وذلك في ضوء الأزمات العالمية والعنف. وتوقع الأمين العام للمنظمة» طالب الرفاعي، أن تستفيد كولومبيا بشكل هائل من اتفاقية السلام.

وارتفع عدد السائحين الأجانب عام 2016 في كولومبيا من ثلاثة ملايين إلى 3.5 مليون سائح ووصلت نسبة إشغال الفنادق في كولومبيا إلى 56.2 في المائة بعد أن كانت الفنادق تعاني ركودا شديدا، وهذه هي أعلى نسبة إشغال في كولومبيا على الإطلاق.

ومن المقرر أن يستمر هذا التحسن في السياحة بسبب تأثيرها الجيد على الكثير من المناطق الريفية التي كانت تعاني من الصراع وسيؤدي هذا التحسن إلى عائدات مالية كثيرة تؤدي لحرمان تجار المخدرات من التربة الخصبة لأنشطتهم غير الشرعية مثل تجارة المخدرات.

وأصبحت هناك بالفعل مقارنة الآن بين انتعاش السياحة في كولومبيا ووضعها في كوبا التي شهدت قدوم نحو أربعة ملايين سائح في العام. كما تمثل مناطق الغابات الاستوائية نقاط جذب للسائحين وكذلك مناطق إنتاج البن والمدن الكولومبية الآخذة في التطور مثل مدينة ميدلين المشهورة بالموسيقى سريعة الإيقاع وبمناطقها الحضارية وكذلك بالطعام اللذيذ.

ويحاول سكان المدينة نسيان حقبة عصابات المخدرات وإن كان ذلك لا يزال يمثل بالطبع طريقا بعيدا بالنسبة للكثيرين الذين يبحثون عن الأمن والأمان. ولكن السياحة محرك أساسي للنمو. تراهن كولومبيا في ذلك على «الطبيعة» و«الثقافة»، حيث «كانت البيئة ضحية للصراع» حسبما أكد رئيس كولومبيا الحاصل على جائزة نوبل للسلام، خوان مانويل سانتوس، مضيفا: «سنحميها أكثر الآن من خلال السياحة التي تعتمد على الطبيعة ومن خلال مكافحة الزراعات غير الشرعية «نبات الكوكا» والاستغلال غير المشروع للمناجم»، لأن ذلك كان يمثل حتى الآن أهم مصادر الدخل في مناطق العصابات المسلحة.

أما الآن فمن المنتظر أن تساعد السياحة في إحلال السلام بدلا من هذه الزراعات وبدلا من الإضرار بالطبيعة من خلال الاستخراج غير القانوني للمعادن.
font change