الشمال الإثيوبي... حاضن النيل الأزرق وملتقى ديانات السماء بغموض مملكة سبأ

الشمال الإثيوبي... حاضن النيل الأزرق وملتقى ديانات السماء بغموض مملكة سبأ

بلاد الماء والقات والقهوة... وفنادق بلا مكيفات هواء

[caption id="attachment_55256702" align="aligncenter" width="2016"]مدخل القرية اليهودية «ووليكا» في مدينة غوندار. مدخل القرية اليهودية «ووليكا» في مدينة غوندار.[/caption]

أديس أبابا: معتصم الفلو

لا يشعر القادم من المشرق العربي بأنه غريب عندما يحط رحاله في بلاد الحبشة، بل قد يشعر أنه يعرف المكان - وإن زاره للمرة الأولى - فالإرث السامي المشترك مع العرب وعراقة البلاد الضاربة في مجاهل التاريخ، يحيطانه بذاكرة العالم القديم، الذي شمل سكان تلك البلاد مع العرب والمصريين والإغريق والرومان والهنود والصينيين وغيرهم، ممن تشاطروا التجارة والثقافة والمصاهرة والعقائد الدينية، وحتى الحروب والنزاعات.

اشتق اسم إثيوبيا من اللغة اليونانية القديمة ويعني «الوجه المحترق»، وهي الصورة النمطية عن القارة السمراء؛ رغم تنوع ألوان البشرة لدى السكان بين القمحي والأسمر والأسود، ربما بسبب اختلاط الأعراق العربية والزنجية والأمازيغية والنوبية وغيرها.

وإذا اختار السائح المضي إلى الشمال الإثيوبي، فلن يكتفي بالاستمتاع بالمنظر البديع لمنبع النيل الأزرق في بحيرة تانا وأديرتها المتناثرة على جزر البحيرة، والانبهار بشلالات النيل الشاهقة، بل إنه سيجد نفسه في لقاء حميم مع التاريخ؛ بحكم العلاقة المعقدة التي نشأت بين العرب وهذه الدولة منذ ما قبل ظهور الإسلام في عهد مملكة سبأ في الألف الأول قبل الميلاد واللقاء الشهير للملكة بلقيس بالملك النبي سليمان الحكيم في القدس، وصولاً إلى اعتناق مملكة أكسوم (400 قبل الميلاد - 940 ميلادية) المسيحية عام 341 للميلاد في عهد الملك إزانا على يد القديس فرومينتيوس المولود في صور (بجنوب لبنان في الوقت الحاضر). وبالتأكيد، ليس انتهاءً بالقرن السابع، إذ شهد ذلك الجزء من البلاد أولى حالات اللجوء في تاريخ الإسلام، بعدما واجه المسلمون الأوائل الاضطهاد من بني جلدتهم، فأشار عليهم نبي الإسلام محمد بن عبد الله (صلى الله عليه وسلم) بالهجرة إلى الحبشة، حيث الملك العادل الملقب بالنجاشي، وهو مسيحي الاعتقاد. وفي تلك الأرض، نشأت قواعد اللجوء الإنساني قبل كتابة تشريعات حقوق الإنسان الحديثة، بعد أن رد النجاشي مبعوث قريش الذي طلب منه تسليم اللاجئين المسلمين، ومنحهم كل الحقوق الدينية والمعيشية.

أما بالنسبة لعشاق القهوة، فإن طقس تناولها سيضيف إليهم تجربة نادرة، لا بد من اكتسابها، فهي تزخر بدخان البخور والتلذذ برائحة التحميص، قبل الاستمتاع بارتشافها.

أما أغرب ما يمكن أن تراه في فنادق إثيوبيا، فهو خلوها من مكيفات الهواء، فالبلاد لا ترتفع فيها درجات الحرارة بشكل كبير وشتاؤها غير بارد، فيما يزود عدد قليل من الفنادق غرفه بمراوح عادية. ويمتد موسم الأمطار بين يونيو (حزيران) وسبتمبر (أيلول)، أما موسم الجفاف، فيمتد على مدار العام.
بحر دار... نيل وقات

[caption id="attachment_55256703" align="alignleft" width="300"]شابة إثيوبية تزن القات قبل بيعه للزبائن في مدينة بحر دار. شابة إثيوبية تزن القات قبل بيعه للزبائن في مدينة بحر دار.[/caption]

قد يروق للسائح العربي الذي يزور مدينة بحر دار في الشمال الغربي أن يفسر هذا الاسم على أنه «دار البحر» أو «دار المياه»! ولن يبتعد عن الحقيقة، فأبرز ما يميز المدينة هو احتضانها لبحيرة تانا، منبع النيل الأزرق وأكبر بحيرة في البلاد، بمساحة إجمالية تقدر بين 3000 و3500 كيلومتر مربع. وتبعد هذه المدينة نحو 550 كيلومترا عن العاصمة أديس أبابا.

وتحتضن البحيرة نحو 37 جزيرة، يضم بعض منها أديرة وكنائس ومتاحف لمقتنيات قديمة، تتراوح تواريخ إنشائها بين 400 و500 عام، إلى جانب المدارس الكنسية في طور بدائي، حيث يعيش التلاميذ في أكواخ من القش، يعلمهم رجال الدين التعاليم المسيحية.

ولن تكتمل الجولة إلا باستراحة الغداء في إحدى الجزر، حيث الأسماك الطازجة هي الطبق الأوحد تقريبًا، وهي تقلى في الزيت المغلي على الحطب، وكأن طريقة الطهي لم تتغير منذ آلاف السنين. ولا بد أن يصاحب الوجبة شراب «الجيتش» المصنوع من عسل النحل.

وبعيدًا عن هذه البحيرة بنحو 35 كيلومترًا، تقع شلالات النيل الأزرق ذات الارتفاع الشاهق، التي ترتفع إلى 45 مترًا بعرض 400 متر في موسم الأمطار بين يونيو وسبتمبر، وتتقلص إلى 37 مترًا في موسم الجفاف باقي أيام السنة. ويسميها السكان المحليون بشلالات تيس إيسات أي «دخان النار»؛ نظرًا لرذاذ الماء الهائل الذي يوحي بأنه كتلة هائجة من الدخان مع ارتطام المياه بمساقطها.

[caption id="attachment_55256709" align="alignright" width="225"]سيدة إثيوبية تعد القهوة بحسب الطريقة التقليدية في مدينة بحر دار. سيدة إثيوبية تعد القهوة بحسب الطريقة التقليدية في مدينة بحر دار.[/caption]


وإلى الشرق من بحر دار، وبالتحديد في منطقة بني شنقول جوموز، قرب الحدود مع السودان، يجري العمل على قدم وساق لإنجاز سد النهضة على ارتفاع يصل إلى 175 مترًا ومساحة إجمالية 1800 كيلومتر مربع. ليس الوصول إلى منطقة السد مسألة سهلة، إذ يتطلب ذلك الحصول على تصريح الزيارة الذي يستغرق وقتًا طويلاً؛ بسبب مخاوف أمنية من استهدافه، سيما أنه يعتبر مشروع المستقبل للبلاد، من حيث تحويلها إلى مصدر للكهرباء بطاقة إجمالية 6 ميغاوات سنويًا، وهو ما يعني تحول البلاد إلى التصدير، فيما تعيش البلاد حاليًا نقصًا ملموسًا في هذا المجال.

وتشتهر بحر دار بزراعة القات، وهو نبات يحتوي على مجموعة من المنبهات، تجعل الناس يشعرون بالسعادة واليقظة. وفيما تصنفه معظم الدول كأحد أنواع المخدرات، إلا أن زراعته وتجارته وتعاطيه شرعي تمامًا. وتنتشر متاجر القات في طول المدينة وعرضها، ويوزن بالغرام، إذ يبلغ ثمن 50 غرامًا نحو 20 برًا (80 سنتًا أميركيًا) و100 غرام نحو 30 برًا (1.3 دولار أميركي). ويجلب القات طازجًا كل يوم من المزارع ذات الطبيعة الجبلية، ويستهلك في اليوم نفسه عبر مضغ أوراقه الخضراء. ويعتقد أن القات جاء أصلاً من إثيوبيا إلى اليمن، حيث ينتشر استهلاكه في بلاد مأرب على نطاق واسع. ولا يعتبر القات مشكلة اجتماعية أو اقتصادية أو حتى صحية في البلاد، إذ ينظرون إليه بوصفه أحد أنواع المنشطات مشروعة الاستخدام!

إغراء القهوة



تناول القهوة الإثيوبية طقس بديع، تتقنه النساء الإثيوبيات ببراعة فائقة، وإن كان على قارعة الطريق! إذ تنتشر في طول البلاد وعرضها زوايا القهوة التي تديرها النساء. وما إن تطلب فنجان القهوة حتى تبدأ صانعة القهوة بتحميصها مباشرة أمامك، وأنت تشبع حواسك بشمها رويدًا رويدًا؛ حتى تقرب السيدة محماس البن إليك لتشاهد حبيبات القهوة ودخانها اللذيذ يخترق أرجاء المكان بنعومة ساحرة. وبعد طحنها، تغلى القهوة على الفحم، ما يمنحها نكهة أصيلة. وعند تمام صبها في الفناجين، تكون المبخرة جاهزة مع صحن ساخن من فشار الذرة، فتتبخر أولاً، ثم تتلذذ بتناولها، رشفة بعد رشفة. وإذا أردت أن تعبر عن استمتاعك بالطعم الغني، فإنك تقول «كونجو...كونجو» أي «جميل... جميل» باللغة الأمهرية، وهي اللغة الرئيسية في البلاد.

ثلاثية الأديان في غوندار



[caption id="attachment_55256713" align="alignleft" width="300"]كنسية مريم العذراء سيدة صهيون في أكسوم. كنسية مريم العذراء سيدة صهيون في أكسوم.[/caption]

بالاتجاه شمالاً من بحر دار وعلى بعد ساعتين بالحافلة، تقع مدينة غوندار الشهيرة بالقلعة - المدينة المسماة «فاسيل غيبي»، التي كانت عاصمة للإمبراطورية الإثيوبية في القرنين السادس والسابع عشر، التي أسسها الإمبراطور فاسيدليدس. وتضم «فاسيل غيبي» الكثير من الأديرة والكنائس والقصور. وكان كل إمبراطور جديد يبني حجرات جديدة؛ بسبب اعتقاد لدى الأباطرة آنذاك بأنه لا ينبغي أن يعيش الإمبراطور الجديد في مكان سلفه. ولدى زيارة القلعة، يستمع السائح إلى الكثير من القصص المثيرة حول صراع الأباطرة والمؤامرات التي كانوا يحيكونها في سبيل الاستيلاء على العرش، كما يمكنه ملاحظة تزاوج الفن المعماري العربي والهندي والإثيوبي.


وعلى بعد مسافة قصيرة من القلعة، يقع مسبح التعميد، حيث يقام احتفال هائل في يناير (كانون الثاني) من كل عام لتعميد الأطفال والكبار وفقًا للطقوس القبطية الأرثوذكسية. ويملأ هذا المسبح بالماء ويحضر الآلاف من كل أنحاء إثيوبيا والبلاد المجاورة وبعض من قادة الكنيسة من مصر وإريتريا.

[caption id="attachment_55256722" align="alignleft" width="225"]مدخل القرية اليهودية «ووليكا» في مدينة غوندار. مدخل القرية اليهودية «ووليكا» في مدينة غوندار.[/caption]

وعلى بعد 3 كيلومترات شمال غوندار، تقع قرية ووليكا، التي كانت تقطنها أقلية الفالاشا، وهم يهود إثيوبيا، الذين كانوا يسمون أنفسهم بيت إسرائيل. وما إن تهم بالدخول إلى القرية حتى يحيطك أطفالها بالمصنوعات اليدوية والفخارية التي تمثل التراث اليهودي مثل نجمة داود وأسد يهوذا. وعند الدخول لاكتشاف القرية، ستجد كنيسًا قديمًا مهجورًا ليس بداخله شيء سوى بعض صور للفالاشا المهاجرين إلى الدولة العبرية، وقد أصبحوا ضباطًا في جيش الاحتلال الإسرائيلي أو أطباء أو مهندسين. وليس بعيدًا عن الكنيس، تقع المقبرة اليهودية التي تضم رفات أهل القرية اليهود. ولكن عند سؤال سكان القرية فيما إذا كانوا من يهود الفالاشا، فإنك ستفاجأ بأنه لم يبق أحد منهم، فجميعهم هاجروا إلى الدولة العبرية على عدة دفعات، بدأت في أواسط الثلاثينات وانتهت تقريبًا مطلع الألفية، لكنهم يأتون مثل أي سائح للزيارة وشراء الهدايا التذكارية!

وتضم المدينة نحو 10 مساجد، أهمها الجامع الكبير في غوندار. وينتشر المذهب الشافعي في أوساط المسلمين هناك، فيما ينتشر التصوف هناك على نطاق واسع. فعندما يدخل الزائر للصلاة، فإنه سيجد حلقات الذكر المغلقة بعد صلاة العصر بشكل خاص. كما أن الزخارف الإسلامية والكتابات العربية تزين جدران المساجد. وعند حديث «المجلة» مع الإمام علي بن محمد حول طبيعة التعايش الإسلامي - المسيحي في هذه المدينة أو إثيوبيا بشكل عام، فإنه يؤكد بلغة عربية فصيحة على غلبة الروح الصوفية المتسامحة التي تشجع على العيش المشترك وتقديس السلام وحرية الأديان وتشارك التهنئة في المناسبات الدينية والوطنية المختلفة.

قرية النجاشي



في إقليم تيجراي، الذي يتحدر منه رئيس الوزراء الإثيوبي السابق ميليس زيناوي، تقع مدينة مقلي، عاصمة الإقليم، وقريبًا منها تقع قرية النجاشي، وهو الملك المسيحي الذي وصفه رسول الإسلام محمد بن عبد الله (صلى الله عليه وسلم) بأنه «ملك عادل لا يظلم عنده أحد»، وكان الملك النجاشي رأس مملكة أكسوم، وحكم بين 610 - 630 للميلاد. وهاجر المسلمون إلى هناك هجرتين الأولى عام 615 وتألفت من 16 من المسلمين الهاربين من بطش قريش، وتلتها الهجرة الثانية الأكبر حجمًا، إذ بلغ عدد المهاجرين 83 مسلمًا ومسلمة، على رأسهم جعفر بن أبي طالب. وعندما أرسلت قريش مبعوثين لاسترداد اللاجئين المسلمين، رفض النجاشي تسليمهم أو إبعادهم، بل وفر لهم سبل الحياة الكريمة. وتحتضن القرية عشرات المساجد والتكايا، الصغيرة منها والكبيرة، إلى جانب قبور الصحابة، ممن وافاهم الأجل هناك.

ويمكن للسائح زيارة قبر النجاشي وهناك مسجد يحمل اسمه، فيما تقع مقابله كنيسة «ميريام» زوجته. وهناك رواية إسلامية تقول إن النجاشي اعتنق الإسلام قبل وفاته، إلا أن الرواية المسيحية تؤكد أنه مات مسيحيًا وأقيمت له جنازة وفقًا للطقوس الكنسية.

ويفخر المسيحيون في تلك القرية بأن ذلك الملك المتسامح، أنقذ المسلمين الأوائل في ظرف بالغ الصعوبة وفي وقت كانت الدعوة الإسلامية مهددة في وجودها؛ بسبب طغيان المناهضين للدعوة الإسلامية.

ملكة سبأ في أكسوم



يعتقد كثير من العرب أن مقر مملكة سبأ هو جنوب جزيرة العرب، إلا أن الرواية الإثيوبية تقول إن مملكة سبأ التي ظهرت في الألفية الثانية قبل الميلاد، كان مقرها في مدينة أكسوم شمالي إثيوبيا، حيث تقع أطلال قصرها، الذي لم تكتمل عملية استكشافه كليًا؛ بسبب صعوبات تمويلية ولوجيستية أحيانًا. وتعطي الرواية الإثيوبية المستندة إلى العهدين القديم والجديد تصورًا مغايرًا للتصور السائد لدى العرب، حيث تقول إن مملكة سبأ حكمت الصومال وإريتريا وبلاد النوبة جنوب مصر، وامتدت عبر البحر الأحمر إلى جنوب الجزيرة العربية في اليمن وعسير (في السعودية حاليًا). وتضيف الرواية الإثيوبية أن ملكة سبأ كانت تعاني من ألم في كاحلها، فذهبت إلى نهر الأردن للعلاج، والتقت صدفة بالملك النبي سليمان الحكيم الذي أعجب بها، فتزوجها وأنجبت منه ملكًا اسمه «مينيليك»، ومن هنا حكم رجل من نسل سليمان البلاد واستمرت السلالة في الحكم؛ حتى إن آخر أباطرة إثيوبيا هيلاسيلاسي كان يعتبر أنه هو نفسه من نسل سليمان، ولقب نفسه بأسد يهوذا، وكان من أقرب أصدقاء الدولة العبرية في الوقت الحاضر. فهل تحولت إثيوبيا إلى مملكة يهودية في

[caption id="attachment_55256707" align="aligncenter" width="940"]مسبح ملكة سبأ في مدينة أكسوم. مسبح ملكة سبأ في مدينة أكسوم.[/caption]

عهد مينيليك؟



وغير بعيد عن القصر يقع مسبح ملكة سبأ، حيث كانت تمارس هواية السباحة وتستحم مع وصيفاتها ومرافقاتها، ودائمًا بحسب الرواية المحلية.
ولكن ما قد يثير التساؤل هو وجود نقوش كتابات باللغة الحميرية القديمة، مشابه لتلك الموجودة في مدينة مأرب باليمن ذات السد الشهير.

تابوت العهد



تحتضن أكسوم كنيسة مريم العذراء سيدة صهيون، وهي أول كنيسة تأسست في إثيوبيا بعيد اعتناق البلاد المسيحية عام 341 للميلاد على يد القديس فرومينتيوس. ولكن أهمية الكنيسة تأتي من احتضانها تابوت السكينة كما يسميه المسلمون أو تابوت العهد كما يسميه اليهود. وتابوت العهد هذا هو التابوت الذي حفظت فيه ألواح العهد، وهي وصايا الرب العشر التي أعطاها للنبي موسى.

وهنا تنبع إشكالية الحفريات التي يقيمها الإسرائيليون تحت المسجد الأقصى؛ بحثًا عن تابوت العهد ولم يجدوه حتى الآن.

ويتحدث القس يارد إلى «المجلة» عن التابوت بأن الملك مينيليك جلبه بعد زيارة قام بها لأبيه الملك النبي سليمان الحكيم، مؤكدًا أنه لا يوجد في القدس أبدًا!

ويضيف أنه لا يسمح إلا لراهب واحد بالدخول إلى التابوت، وأن جميع الرهبان الذين يحرسون التابوت يعانون من ضعف في البصر، يصل إلى حد العمى بعد فترة، وكأن هذا التابوت يحمل قوة خارقة - على حد قوله - وأنه لا أحد يستطيع فتحه!

مطبخ شهي وغموض مثير



[caption id="attachment_55256711" align="alignleft" width="225"]طبق التشكلا الشهير وبجانبه خبز الإنجرا على شكل لفائف. طبق التشكلا الشهير وبجانبه خبز الإنجرا على شكل لفائف.[/caption]

وإذا كانت تجربة الطعام جزءًا أصيلاً من السياحة، فإن المطبخ الإثيوبي زاخر بأطباقه الشهية التي تدخل لحوم الأغنام والأبقار في صلب مكوناتها؛ بسبب غنى البلاد بملايين الرؤوس من الأبقار والخراف والماعز. كما أن لدى الإثيوبيين نوع خاص من الخبز يطلق عليه «إنجرا»، يتميز بقوامه الإسنفنجي الرقيق. ويعد الإنجرا من نبات يسمى «التف»، لا يزرع إلا في إثيوبيا على سفوح الجبال، وبعد حصاده، يطحن وتضاف إليه الخميرة ويخبز على الصاج بشكل خفيف للغاية. أما أشهر الأطباق فهو «التبز» المصنوع من لحم الضأن مع البصل والفلفل والثوم مع صلصة خاصة، وتطبخ جميعًا وتحتفظ بمرقتها، وتقدم مع خبر الإنجرا. أما طبق «التشكلا» الذي يحمل مكونات التبز نفسها، إلا أنه يطبخ دون المرق، ويوضع اللحم والتوابل والبصل والفلفل في طبق يشبه المبخرة من الأعلى وتحته الفحم؛ حتى يبقى ساخنًا.

أما وجبة الفطور، فأبرز طبق فيها هو «فرفر»، ولكنه غريب بعض الشيء، إذ يقطع خبز الإنجرا ويضاف إليه الفلفل الأحمر الطازج مع البصل والتوابل، ويؤكل أيضًا بخبز الإنجرا، وكأنك تأكل خبزًا متبلاً، بخبز غير متبل!

وأخيرًا، ليست الرحلة إلى الشمال الإثيوبي مجرد جولة على شواهد التاريخ والتعرف إلى جغرافية ذلك الجزء من القارة السمراء، بل إنها الغوص في روايات جديدة غير معروفة للكثيرين، وتحريض الذهن على البحث والتعمق في التاريخ. ففي تلك البلاد تتداخل الجغرافيا والتاريخ بالأديان والسياسة والأعراق المختلفة.

أما بالنسبة لمحبي السفر الاقتصادي، فإن إثيوبيا وجهة مثالية تلبي ذلك الغرض بجدارة، فكل تلك الرحلات إلى مدن الشمال ستكلف بكل ما فيها بين 600 و800 دولار لمدة تتراوح بين 5 و6 أيام.

font change