الأميركيون المكسيكيون يشعرون بالصدمة جراء انتخاب دونالد ترامب للرئاسة

الأميركيون المكسيكيون يشعرون بالصدمة جراء انتخاب دونالد ترامب للرئاسة

[caption id="attachment_55256446" align="aligncenter" width="906"]نحاتون مكسيكيون يبتكرون مخلوقات خيالية تسخر من المرشح الرئاسي الجمهوري دونالد ترامب قبل فوزه بالمنصب خلال مسيرة ضخمة لمنظمة الفنون الشعبية في 22 أكتوبر الماضي في مكسيكوسيتي (غيتي) نحاتون مكسيكيون يبتكرون مخلوقات خيالية تسخر من المرشح الرئاسي الجمهوري دونالد ترامب قبل فوزه بالمنصب خلال مسيرة ضخمة لمنظمة الفنون الشعبية في 22 أكتوبر الماضي في مكسيكوسيتي (غيتي)[/caption]

الديمقراطية سوف تنجو.. ولكن بأي كلفة؟
• أجندة ترامب التي تتعارض مع التقاليد الديمقراطية الأميركية وافق عليها نحو 60 مليون مواطن في صناديق الاقتراع
• يوم الانتخابات تجمع مئات المواطنين في ميدان «باسيو ديلا رفورما»بمكسيكو سيتي للاحتفال بهزيمة ترامب ولكنهم فوجئوا بالنتيجة
• بدأ ترامب حملته الانتخابية بوصف المهاجرين المكسيكيين غير الشرعيين بأنهم «مغتصبين»واتهمهم «بجلب المخدرات والجريمة» للولايات المتحدة



واشنطن: عمر جي إنكارناسيون

من ريو غراندي إلى تيرا ديل فويغو، شعر الأميركيون اللاتينيون بالصدمة من انتخاب دونالد ترامب لرئاسة الولايات المتحدة الأميركية. وكانت تلك الصدمة شديدة على نحو خاص في المكسيك التي كان مواطنوها من كل الأطياف، طوال الشهور السابقة على الانتخابات، يعربون عن غضبهم من احتمالية انتخاب ترامب.

غدا المهاجرون المكسيكيون في الولايات المتحدة مواطنين أميركيين بأعداد تاريخية لأجل التصويت ضد ترامب فقط. ويوم الانتخابات، تجمع مئات المواطنين في «باسيو ديلا رفورما»، وهو أكبر ميادين مكسيكو سيتي للاحتفال بهزيمة ترامب، ولكنهم فوجئوا بالنتيجة، وتحولت سعادتهم الغامرة إلى حالة من الإحباط وفقدان الأمل.

ولكن ذلك لا يجب أن يكون مفاجئًا لأي شخص لديه حتى لو قدر محدود من الاهتمام بالحملة الرئاسية، فلم تكن هناك دولة أكثر أهمية من المكسيك. وقد بدأ ترامب حملته الانتخابية بوصف المهاجرين المكسيكيين غير الشرعيين بأنهم «مغتصبين»، واتهمهم «بجلب المخدرات والجريمة» للولايات المتحدة.


كواديلو في واشنطن



وطوال الحملة، كان ترامب يلقي باللوم في اختفاء المصانع في الولايات المتحدة، وذهاب فرص العمل إلى المكسيك، على اتفاقية أميركا الشمالية للتجارة الحرة (وهو الاتفاق الذي هدد بإلغائه)، كما تعهد ببناء حائط يفصل الدولتين - تدفع كلفته بالكامل الحكومة المكسيكية. وكانت زيارة ترامب إلى مكسيكو سيتي، في أغسطس (آب) الماضي، للقاء الرئيس المكسيكي إنريك بينا نيتو، زيارة تستهدف أن يثبت للأميركيين أنه يستطيع التصرف كرئيس، وهي الزيارة التي تلقى بسببها الرئيس المكسيكي قدرًا كبيرًا من الانتقادات، وكانت الرحلة الخارجية الوحيدة المهمة التي يقوم بها ترامب في أثناء حملته الانتخابية.

ولكن هناك شيئًا مختلفًا في الطريقة التي تعامل بها اللاتينيون الأميركيون، بما في ذلك اللاتينيون الذين يعيشون داخل الولايات المتحدة، مع فوز ترامب، يتجاوز سخطهم من رهابه للأجانب، ويميز رد فعلهم عن رد فعل الأوروبيين على سبيل المثال. فعندما كنت أكتب في مايو (أيار) الماضي لـمجلة «فورين أفيرز»، كان قدر كبير من «توجهات ترامب» يثير قلق اللاتينيين، وإليها ترجع جذور مخاوفهم العميقة بشأن إدارة ترامب. فبالنسبة لكثيرين في المنطقة، يشبه ترامب «الكواديلو» أو القائد العسكري في أميركا اللاتينية الذي يمثل شخصية رئيسية في السياسات اللاتينية.

ومن خصائص ظاهرة الكواديلو التي يمكن إرجاع أصولها إلى الفوضى التي سادت أميركا اللاتينية في أعقاب إنهاء الحكم الكولونيالي في أواسط القرن التاسع عشر، أن يكون ذلك القائد غوغائيًا نرجسيًا، يعد بإصلاح كل أوجه معاناة المجتمع بحماسة شعبوية، ومن خلال حكم سلطوي. واليوم، كما كان الحال في القرن التاسع عشر، فإن الكاريزما هي من يحكم، وليس الآيديولوجيا.

وقد أشرت في مقالي إلى أن وصول رجل يشبه الكواديلو إلى واشنطن يعد دليلاً على زيادة تأثير أميركا اللاتينية في السياسة الأميركية. وتزايد وضوح تلك الظاهرة منذ انتهاء الحملة الرئاسية، حيث أوضح خطاب ترامب أمام «المؤتمر الوطني الأميركي» أنه شخص نرجسي وسلطوي، وهو ما تجلى في زعمه المتبجح أنه «لا يستطيع أحد إصلاح الأمور سواي»، وهو ما يعكس كواديلو كامن بشخصيته.

[caption id="attachment_55256448" align="alignleft" width="300"]مشاهد لمنحوتات مكسيكية تقليدية تمثل كائنات خيالية و تضم مجسدا يمثل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. (غيتي) مشاهد لمنحوتات مكسيكية تقليدية تمثل كائنات خيالية و تضم مجسدا يمثل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. (غيتي)[/caption]

تشويه الخصوم السياسيين



وبخلاف ذلك، عكست الحملة الانتخابية المناحي القبيحة والأكثر إثارة للقلق للحملات الرئاسية لأميركا اللاتينية - مثل تشويه الخصوم السياسيين، وممارسة العنف ضدهم، والوعد بالانتقام بعد انتهاء التصويت، والوقاحة والعنف في التظاهرات السياسية، وتدمير الروابط العائلية وروابط الصداقة بسبب الخلافات السياسية، حتى يصبح الأفراد قلقين بشأن الإعلان عن ولاءاتهم السياسية خوفًا من الانتقام. وفي قلب ذلك الجو المحموم، تزدهر عدم المساواة الاجتماعية والاقتصادية التي تعد إحدى السمات الرئيسية في أميركا اللاتينية، وتتزايد على نحو مضطرد في الولايات المتحدة. ومن النتائج التي تترتب على عدم المساواة أن يتزايد عدد السكان الذين يشعرون بأنهم تركوا وحدهم، ومن ثم يصبحون أكثر عرضة لإغواء قوة الكواديلو.

وفي تلك المرحلة، لا يمكننا إلا أن نتكهن حول ما الذي سيحدث في الولايات المتحدة في ظل ولاية ترامب. ولكن قدرًا كبيرًا مما وعد به ترامب خلال حملته الرئاسية - من طرد نحو 11 مليونًا من المهاجرين غير الشرعيين، ومنع المسلمين من دخول الولايات المتحدة، وإزالة الحدود التجارية، وإصدار قوانين للتشهير ومحاكمة خصومه السياسيين - يشبه سياسات الكواديلو البطريركي، مثل فاكوندو كيروغا في الأرجنتين، ورافائيل ليونيداس تروخيو في جمهورية الدومينيكان، بالإضافة إلى نظرائهم المعاصرين هوجو شافيز في فنزويلا، وخلفه نيكولاس مادورو، ورافييل كوريا الرئيس الحالي للإكوادور.

[caption id="attachment_55256454" align="alignleft" width="300"]مشاهد لمنحوتات مكسيكية تقليدية تمثل كائنات خيالية و تضم مجسدا يمثل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. (غيتي) مشاهد لمنحوتات مكسيكية تقليدية تمثل كائنات خيالية و تضم مجسدا يمثل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. (غيتي)[/caption]

فقد وقف هؤلاء الرجال الأقوياء مع الوطنية الاقتصادية والحمائية، فيما كانوا يتعاملون بأريحية مع الهجوم على خصومهم السياسيين ووسائل الإعلام (وصولاً إلى حد سجن الخصوم السياسيين، وإغلاق الصحف)، كما حشدوا الجماهير ضد ما يطلق عليه المؤسسة والأشخاص المختلفين عنهم، وكان ذلك كله يتم تحت شعار «مساعدة الفئة الأضعف». كما تجاهلوا جميعا الحريات المدنية والسياسية، أو تركوها في حالة من الفوضى. وفي أعقاب الانتخابات، سارع المدافعون عن ترامب إلى طمأنة الجماهير القلقة بأن مخاوف اليسار المتعلقة بقضاء ترامب على الديمقراطية الأميركية، إما تمثل مبالغات حادة أو تنجم عن سوء فهم. وفي النهاية، فإن ما يجعل الولايات المتحدة مختلفة عن الدول الأخرى هي التقاليد الدستورية، واحترام سيادة القانون، والمجتمع المدني النشط، التي تعمل معًا كحائط صد ضد السلطوية.

ولكن حقيقة أن أجندة ترامب (التي يتعارض معظمها مع المبادئ والتقاليد الديمقراطية الأميركية) وافق عليها نحو 60 مليون أميركي في صناديق الاقتراع، يجب أن تجعلنا نتوقف ونرنو إلى قوة المؤسسات الديمقراطية الأميركية. ففي جميع الأحوال، ومن خلال تجربة أميركا اللاتينية مع الكوادلية، يصبح السؤال الأكثر إلحاحًا حول ترامب هو ما إذا كانت الديمقراطية الأميركية يمكنها أن تنجو منه، بالطبع تستطيع. ولكن القضية الحقيقية هي بأي كلفة بالنسبة لمؤسساتنا الديمقراطية وثقافتنا السياسية؟

* عمر إنكارناسيون هو أستاذ الدراسات السياسية بكلية «بارد»، ومؤلف كتاب «على الهامش: ثورة حقوق المثليين في أميركا اللاتينية»
font change