قراءة في سياسة الرئيس الأميركي الجديد بالشرق الأوسط

قراءة في سياسة الرئيس الأميركي الجديد بالشرق الأوسط

[caption id="attachment_55256299" align="aligncenter" width="814"]رئيس جمهورية مصر عبد الفتاح السيسي يحضر اجنماع مع الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب  في مدينة نيويورك. (غيتي) رئيس جمهورية مصر عبد الفتاح السيسي يحضر اجنماع مع الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب في مدينة نيويورك. (غيتي)[/caption]

الفارق بين ترامب المرشح وترامب الرئيس
• قادة المنطقة مرتابين من السياسات التي يعتزمها دونالد ترامب في الشرق الأوسط



تل أبيب: أهارون كليمان ويوئيل غوزنسكي

لم يتردد قادة الشرق الأوسط في تهنئة دونالد ترامب على فوزه المفاجئ في الانتخابات الأميركية، الأمر الذي قد يكون مثيرًا للدهشة، نظرًا لخطابه المعادي للمسلمين. لكن لا يجب الاندهاش؛ نظرًا لأن عددًا قليلا فقط من قادة المنطقة أبدوا استحسانهم لفكرة فوز هيلاري كلينتون التي كانت ستواصل نهج سياسات باراك أوباما تجاه إيران وسوريا.

لا يزال قادة المنطقة مرتابين في السياسات التي يعتزمها دونالد ترامب في الشرق الأوسط، مما أدى إلى تزايد التكهنات حول ما إذا كان ترامب سيتمسك بمواقفه أم يتراجع عنها.
يأمل العرب المحافظون وكذلك الإسرائيليون على حد سواء في أن تنجح حكومة ترامب في تغيير السياسة التي انتهجها أوباما والتي كانت تعتمد أساسًا على القيادة من الخلف. وعلى وجه الخصوص، يريدون إشارات واضحة على التزام الولايات المتحدة تجاه حلفائها التقليديين. لكن الأميركيين المحافظين، مقارنة بالمحافظين الجدد الأكثر تشددا، يسعون عادة إلى تجنب تشابك التحالفات، خاصة فيما يتعلق بالشرق الأوسط. وإذا قرر ترامب الالتزام بوعده في «جعل الولايات المتحدة عظيمة مرة أخرى»، فقد يضطر حلفاء واشنطن في المنطقة إلى تجديد عملية البحث عن حلفاء آخرين لحماية مصالحهم.

التحوط: أسلوب الشرق الأوسط



من الصعب التوصل إلى قراءة واضحة لخيارات دونالد ترامب السياسية فيما يتعلق بالشرق الأوسط، نظرًا لأنه لم يتحدث كثيرًا عن السياسة الخارجية أثناء حملته الانتخابية، إذ واصل انتقاد أوباما وكلينتون بسبب الأخطاء التي ارتكباها في إيران والعراق وليبيا وسوريا. وإذا كان هناك خيار بين إعادة الارتباط أو مزيد من التراجع، يخشى القادة العرب أن يختار ترامب التراجع عن التدخل الأميركي الدبلوماسي والعسكري في المنطقة. وفي خضم هذه الشكوك، قد يلجأ كثير من رؤساء الدول العربية إلى حلفاء مثل الصين أو روسيا أو الهند أو تركيا، ليؤدوا دورا أكبر، وبذلك يختل توازن القوى في المنطقة وحول العالم أيضا.

منذ أواخر الأربعينات في القرن الماضي، تعتبر أنظمة الشرق الأوسط المحافظة والموالية للغرب، مثل الأردن ودول الخليج، الولايات المتحدة عماد دفاع قويا جديرا بالثقة. لكن خلال فترة حكم أوباما، بدأت تلك الثقة تهتزّ، وتدهورت العلاقات بين واشنطن وحلفائها العرب، خاصة بعد أن فشل أوباما في الالتزام بما سماه «الخط الأحمر» الذي حذر فيه الرئيس السوري بشار الأسد في عام 2012 من استخدام الأسلحة الكيماوية ضد المعارضين السوريين. وازدادت العلاقات سوءا في عام 2015، عندما تم التفاوض والتوقيع على الاتفاق النووي مع إيران. وهو الأمر الذي أدى إلى التشكيك في التزام الولايات المتحدة، وبالتالي بدأ الحكام العرب في البحث عن مصادر بديلة للدعم السياسي والدبلوماسي، وفي مقدمتها روسيا.

على مدار العام الماضي، تمكن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من شن هجوم كبير في منطقة الشرق الأوسط من خلال فرض سيطرته على الحرب في سوريا. ويبدو أن الكرملين يسعى إلى تعزيز وجوده العسكري والدبلوماسي في منطقة شرق البحر الأبيض المتوسط ذات الأهمية الاستراتيجية، ويطمح في الوقت نفسه إلى إضعاف كتلة الموالين للولايات المتحدة.

وبفضل حضور روسيا وغياب الولايات المتحدة، فتحت مصر وإسرائيل ودول أخرى في الخليج العربي خطوط الاتصال مع موسكو. وسيكون على إدارة ترامب أن تعمل جاهدة لاستعادة ثقة هذه الدول من خلال إجراءات مثل التشاور والتنسيق عن قرب، وإبرام اتفاقيات أمنية رسمية، والإمداد بالسلاح، ونشر قوات بحرية، وزيادة الضغوط على إيران.
وفي الوقت ذاته، تعد رغبة ترامب في تحسين العلاقات مع روسيا جزءا من السياسة العامة. في الحقيقة، لا تزال دول الشرق الأوسط تفضّل التعامل مع واشنطن، وقد تُفضل بلا شك تعاونًا بين واشنطن وموسكو، على أي تراجع تقوم به الولايات المتحدة. لكن من الواضح أن ترامب يشجع روسيا على تكثيف حربها ضد تنظيم داعش، الذي يعتبره ترامب سببًا رئيسيًا في عدم الاستقرار في الشرق الأوسط. لكن تظل الخطوات التي ستتخذها الولايات المتحدة إذا رفضت روسيا أداء الدور الذي كلفت به غير واضحة.

روابط محلية وخارجية



وإذا وضعنا الآمال الضعيفة بشأن إدارة ترامب جانبا، يظل العرب قلقين بسبب الخطاب المعادي للإسلام الذي اعتمده ترامب خلال حملته الانتخابية، وخاصة دعواته إلى منع المسلمين من دخول الولايات المتحدة.

(ظهر إعلان لشركة الخطوط الملكية الأردنية يشجع المسافرين على «السفر إلى الولايات المتحدة حيث لا يزال مسموحا لكم بذلك!») ولكن المرشحين الفائزين في الانتخابات بمجرد توليهم المنصب، عادة ما يعتمدون سياسات تختلف بشكل ملحوظ عن خطاب حملاتهم الانتخابية المشتعلة. وبالتالي، هناك احتمال جيد لأن يكون خطاب الرئيس ترامب مختلفًا عن خطاب المرشح ترامب. ومع ذلك، سيكون عليه أن يعمل جاهدًا لتهدئة الحساسيات العربية والإسلامية.

وبالفعل، يسعى ترامب إلى التخلي عن بعض من تصريحاته السابقة بشأن المسلمين والإرهاب. على سبيل المثال، تم حذف الدعوة إلى «منع دخول المسلمين إلى الولايات المتحدة تماما وكلية» من موقع الحملة الانتخابية لترامب على الإنترنت في هدوء. أما من جهة العرب، توجد أسباب عديدة للرغبة في فتح صفحة جديدة من العلاقات.

في هذا السياق، يمكن أن يكون لسياسات أوباما في الشرق الأوسط تأثير مفيد. يستمر العرب السنة في مصر والإمارات والأردن والسعودية في مخاوفهم العميقة من الاتفاق النووي الإيراني الذي أبرم في عام 2015. ويأملون في قيادة أميركية حازمة ضد إيران في فترة حكم ترامب، الذي وصف الاتفاق النووي مرارا بأنه «كارثة»، وأنه «أسوأ اتفاق تم التفاوض عليه على الإطلاق». (في المقابل، كانت كلينتون من مؤيدي الاتفاق، وهو الأمر الذي عزز من مخاوف العرب حيال حدوث تقارب أكبر بين الولايات المتحدة وإيران). إذا أصر ترامب على أن تظهر طهران مزيدا من الشفافية والاعتدال، فقد تنسحب طهران من الاتفاق. بعد انتخاب ترامب مباشرة، حذر متحدثون رسميون في إيران من إمكانية اتخاذها أي ردود فعل، منها استئناف عملها للحصول على قنبلة نووية إذا انسحب الرئيس الأميركي القادم من الاتفاق.

وفي الواقع، على الرغم من أن المحللين يتوقعون أن الاتفاق الإيراني قد يكون أول «ضحية» لسياسة ترامب الخارجية، فإنه لن يكون من السهل التراجع عن اتفاق ملزم ومتعدد الأطراف، خاصة وأن ذلك قد يؤدي إلى مزيد من عدم الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط وتعقيد علاقة الولايات المتحدة بحلفائها الأوروبيين. وبالتالي، سوف تتلخص مهمة ترامب في إيجاد وسائل أخرى لطمأنه حلفاء واشنطن.

غير أن الأمر قد لا يكون سهلا، نظرا لأن ترامب أوضح أنه يريد من حلفاء الولايات المتحدة مزيدا من المشاركة في تحمل عبء مكافحة الإرهاب. علاوة على ذلك، قد يضطر أعضاء جامعة الدول العربية، الذين يبذلون جهودهم لإقامة دولة فلسطينية بموجب اتفاقية للسلام بين الدولتين، إلى التقليل من أهمية هذه القضية. على مدار حملته الانتخابية، بعث ترامب برسائل متضاربة بشأن هذه القضية، حيث صرح بأنه سيكون «محايدًا» في سعيه لتشجيع عملية السلام، ثم أعلن لاحقًا أنه لن يمارس أي ضغط على إسرائيل.

سوف يؤدي ذلك إلى ترك إسرائيل تضع خططها بنفسها فيما قد يحدث بعد 20 يناير (كانون الثاني). ويبدو أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ومستشاريه يتوقعون تراجع دور الولايات المتحدة المباشر في المنطقة بصفة عامة، وفي الصراع الفلسطيني الإسرائيلي بصفة خاصة.

إذا كان ترامب مُصممًا على أن ينأى بنفسه عن سياسات سابقيه في الشرق الأوسط، سيكون من المعقول افتراض أن استئناف المساعي الدبلوماسية المتوقفة بين إسرائيل والفلسطينيين لن يتصدر جدول أعمال ترامب. في داخل حكومة إسرائيل اليمينية، هناك من أبدى تفاؤله بنتائج الانتخابات الأميركية، حيث رأوا أن ترامب قد يمنح إسرائيل قدرة أكبر على المناورة في تعاملها مع الفلسطينيين. بيد أن أوساطا أخرى في الحكومة تنتابها الشكوك حيال نوايا ترامب الحقيقية وقدرته على تجاوز مؤسسة السياسات في واشنطن، خاصة فيما يتعلق بوعده الانتخابي بنقل السفارة الأميركية في إسرائيل من تل أبيب إلى القدس.

كل الأنظار تتجه نحو واشنطن



لا تزال معالم سياسة ترامب الخارجية غير واضحة. وينتظر بعض حلفاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط ما سيحدث. أما البعض الآخر فقد بدأ بالاستعداد لتراجع دور الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، من خلال العمل أحادي الجانب، مثل تركيا في دفاعها عن حدودها الجنوبية مع سوريا والعراق وإيران. لكن دولا أخرى مثل مصر، تسعى إلى تعزيز أمنها بهدوء عن طريق تحسين العلاقات مع الصين وروسيا، في بعض الأحيان يكون ذلك في تحدٍّ واضح للولايات المتحدة ومصالحها.

من المرجح أن يستمر ذلك. بالنسبة لمعظم البلدان والقادة لا يعد التحوط أفضل خيار. فهم يفضلون تقوية علاقاتهم مع الولايات المتحدة بشرط أن تبدي قيادة واثقة وحساسية أكبر تجاه مصالحهم واحتياجاتهم. ويرون أن ترامب شخص قوي الإرادة قادر على عقد الصفقات واحترامها مع أشخاص أقوياء أمثالهم. على سبيل المثال، قد ترغب مصر في الاعتقاد بأن ترامب شخص يمكن التعامل معه. ليست مفاجأة أن يصدر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي تهنئة لترامب، قائلا إنه واثق من أن الفترة الرئاسية الجديدة سوف تبث «حياة جديدة» في العلاقات المصرية الأميركية. من جهة السيسي، تعني «حياة جديدة» التخلي عن «إرث» أوباما وكلينتون، إذ ينتشر الاعتقاد بدعمهما لجماعة الإخوان المسلمين.

وهناك أيضا من يعتقدون أن رغبة ترامب (والأميركيين بصفة عامة) في وضع حدّ لتدخل الولايات المتحدة في الشرق الأوسط قد تكون أقوى من أن يتم تجاهلها. ومع ذلك، يمتلك الشرق الأوسط قدرة مؤكدة على فرض نفسه على واشنطن. سوف تظل التحديات العالمية مثل منع انتشار أسلحة الدمار الشامل ومكافحة الإرهاب مركزة في الشرق الأوسط. من المتوقع أن تمتد المشاكل التي تنبع من المنطقة إلى بقية أنحاء العالم في مرحلة ما في غضون أربعة إلى ثمانية أعوام. وسوف تجبر الرئيس على التدخل بطريقة ما – وربما حتى يخالف ذلك اتجاهاته وتعهده بشعار «أميركا أولا».

تعد منطقة الشرق الأوسط من أقل المناطق استقرارًا في العالم. ولن يجعلها الحد من دور الولايات المتحدة أكثر استقرارًا، كما أن أي تغيير كبير في التزامات تحالف واشنطن سوف تكون له نتائج سلبية على المدى الطويل على كل من الحلفاء الإقليميين والولايات المتحدة والنظام العالمي. وفي ظل تفكك العالم العربي وزيادة إصرار إيران وروسيا، وأربع حروب دائرة في وقت واحد في المنطقة، سيواجه رئيس الولايات المتحدة الخامس والأربعون مجموعة شاقة من القرارات المصيرية تجاه الشرق الأوسط.
font change