مساواة النساء في عالم طائفي
انعقد في نهاية الشهر المنصرم، مؤتمر «المرأة والعلمانية» ببيروت، أقامته مؤسسة «مساواة» السورية، والتي تُقيم أغلب عضواتها ببيروت. فلا محل لهنَّ بدمشق وبقية المدن السورية، في ظل الظروف الحرجة، وهنَّ مِن غير المتوافقات مع النظام القائم. فمن المعلوم أن أجواء الحرب لا تسمح لمثل هذا (الترف)، فكيف إذا كان النظام نفسه تجاوز على قانون الأحوال الشخصية، حتى أفرغه مادة بعد أخرى، وأن الجماعات المتحاربة، وما بينها من المتشددين، أصلاً لا يقرون النساء بحقٍ للنساء؟! فكم ستكون المهمة صعبة وعسيرة، أن يجمع النساء بين مواجهة ظروف الهجرة والتهجير، وما تعانيه نساء المخيمات، كي يكون عنوان المؤتمر «المرأة والعلمانية»؟ بما لا شك فيه سيحب ذلك ترفًا.
جاء في الورقة التي قدمتها تنويهًا لأحوال النساء ما قبل الإسلام، كي أعطي تصورًا واضحًا عما أتى به الإسلام، وعلى وجه الخصوص في مسألة الوأد والإرث، وكيف أن الوضع الاجتماعي كان يُحدد الموقف من النساء، فبنات الذَّوات كنَ يشاورنَ في زواجهنَّ، وفيما يتعلق بهنَّ. ثم أتيت على معاملة النِّساء بما يتعلق بالقوامة وأسباب نزول الآية الخاصة بها، وما يتعلق بالإرث، وولاية المرأة، وتوليتها للقضاء، واختلاف الفقهاء في ذلك، مع التأكيد على أن اختلاف الفقهاء، في الزمن الماضي والحاضر، يشير إلى حال إيجابية، للتعامل مع مستجدات الأزمنة.
كانت فكرتي أن يُرد على المعاملة القديمة، واختلافها بين الفقهاء، بما ورد من تباين بين الفقهاء أنفسهم، فهم استندوا جميعًا إلى نصوص، وآراء تؤيد وجهة نظر كل منهم. وما زلت أراهن على مواجهة الإسلام السياسي، القائل بالحاكمية، وبطبيعة الحال معاملة المرأة تأتي في المقدمة، من داخل الدين لا خارجه، فالآيات التي تؤكد على عدم وجود حكم ديني أكثر بكثير مما يستند إليه شيوخ الإسلام السياسي، وكذلك في أحوال النساء.
اعترض علي بعض المشاركين في المؤتمر المذكور، بينما أيدني آخرون، وحجة المعارضين أن حوار الإسلام السياسي بالنَّص الدِّيني صعب المنال، لأنهم جعلوا أنفسهم معصومين باسم الدِّين، وأن الدِّين شأن الآخرة والسياسة شأن الدُّنيا، وأن طريق أوروبا في التحول مِن سطوة الكنيسة ماثلة أمامنا.
لكن علينا التفرقة، وليس بالضرورة أن تكون العلمانية التي يرى النِّساء أنها ضامنة لحقوقهنَّ هي نفسها المطبقة بالغرب؛ لذا فضل البعض أن تبدل المدنية بالعلمانية، على اعتبار أن الأخيرة مصطلح ملغوم. مع أنه بعيد عن فكرة الإلحاد، إنما كان ظهوره ردًا على الحاكمية الإسلامية، فجاء الرَّد بلصقها بالإلحاد، أو بالأنظمة الديكتاتورية كالنازية، أو الحكم القومي بسوريا أو العراق، وهذا ليس دقيقًا.
من جانب آخر عندما يجري الحديث عن مساواة المرأة يبرز اختلاف المذاهب، في كثير من الدول والأنظمة المختلطة؛ فكيف يُصار إلى قانون موحد للأحوال الشَّخصية إذا لم يكن مدنيًا؟ فتلك مهمة عصية واجهتها الدولة العراقية، على سبيل المثال لا الحصر.
صدر قانون الأحوال الشخصية العراقي عام 1959، أي بعد ثورة 14 يوليو (تموز)، ووجدت النساء فيه بادرة رسمية للمساواة، وذلك بتحجيم تعدد الزَّوجات، ووضع سن قانونية للزواج، مع المساواة في الإرث، على أن قانون الأراضي الأميرية، الذي صدر في العهد الملكي، قد ساوى بين الذكور والإناث. غير أن المذاهب الإسلامية الحيَّة بالعراق اتفقت ضد المساواة في الإرث، على اعتبار أن هناك نصًا صريحًا، واختلفت في أمر السن القانونية لزواج البنت، على وجه الخصوص، وظل فقهاء الدين، وخصوصًا المرجعية الدينية بالنجف، تعارض النظام آنذاك بذريعة هذا القانون، ورويدًا رويدًا أخذ هذا القانون بالتلاشي، حتى جاء الغزو الأميركي.
وبعد صدور الدُّستور العراقي (2005) جاءت المادة الحادية والأربعين لتغلي قانون (1959) كليةً، وصار العراقيون وفقها أحرارًا في اللجوء إلى مذاهبهم في الأحوال الشخصية، وارتبط الإلغاء بغلاف «الحرية»، بينما أخذ الزواج من الصغيرات بالتزايد.
بعدها تجرأ وزير العدل أن يصدر قانونًا خاصًا تحت عنوان «القانون الجعفري»، وفيه مادة تمنع المرأة من الخروج من الدار إلا بإذن زوجها؛ وعلقنا على ذلك، بما يخص الوزيرات، كيف يكون ذلك إذا تعارضت مصلحة البلاد والعباد مع قرار الزوج؟!
إن الأحوال التي تمر بها المنطقة، مثلما فهمتُ من تعليقات البعض على المؤتمر، تجعل من المطالبة بمساواة النساء كمالية وليست ضرورية. طبعًا لست متفقًا مع هذه الفكرة، لأن أحوال النساء جزء لا يتجزأ مما تمر به المنطقة، فالمرأة مثلما نرى ونسمع تقع عليها أثقال هوائل الحروب والخراب، فهي المشردة بين المخيمات وعلى الحدود، ويقع عليها ثقل احتضان الأبناء في الظروف القاسية.
تبقى فكرة المساواة مطلبًا، وكثيرًا ما رفع راية المطالب الرجال قبل النساء، لا يتعلق بحال هذا البلد أو ذاك. غير أن الزمن المحتقن بالطائفية، جعل النساء يكوننَّ ضد النساء، حسب التوجه المذهبي والحزبي الديني، حتى أن أعدادًا كبيرةً من النساء، تقودهن أحزاب الطوائف إلى مسيرات ضد الحقوق التي تريد دولهنَّ لهنَّ، لأن في الأمر غاية سياسية، شاهدنا مثل هذه المسيرات بدهشة وعجب.