مختصون يحذرون: إيران تسعى لتهديد المصالح العربية بمشروع ممر الشمال – الجنوب

مختصون يحذرون: إيران تسعى لتهديد المصالح العربية بمشروع ممر الشمال – الجنوب

[caption id="attachment_55255907" align="aligncenter" width="1024"]الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والإيراني حسن روحاني والأذربيجاني إلهام علييف خلال اجتماع عقد في باكو في 8 أغسطس الماضي (غيتي) الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والإيراني حسن روحاني والأذربيجاني إلهام علييف خلال اجتماع عقد في باكو في 8 أغسطس الماضي (غيتي)[/caption]


باكو (جمهورية أذربيجان): أحمد طاهر



قمة باكو: إحياء ممر الشمال والجنوب.. والمشروع يهدف إلى نقل البضائع والحاويات من الهند وإيران وبعض دول الخليج عبر بحر قزوين إلى روسيا ومنها إلى شمال أوروبا وغربها
دولة الملالي تسعى لتهديد المصالح العربية بمشروع قناة ملاحية تربط بين بحر قزوين والخليج العربي
ممر الشمال والجنوب لا يقتصر على البعد البحري.. بل يتضمن خطوط نقل برية وسككا حديدية






يعتبر النقل بصفة عامة والنقل البحري على وجه الخصوص شريان الاقتصادي العالمي؛ إذ يتحمل مسؤولية نقل 90 في المائة من إجمالي حجم التجارة الدولية، وتلعب الممرات البحرية دورا مهما في تسهيل حركة هذه التجارة. ونظرا لتلك الأهمية؛ سعت كل دولة مطلة على منفذ بحري إلى الاستفادة القصوى من موقعها بغية تنويع مصادر دخلها، وهو ما ينطبق بجلاء على التوجه الجديد الذي برز فيما عُرف بممر الشمال والجنوب (NSTC)، الذي لا يقتصر فحسب على البعد البحري، بل يتضمن خطوط نقل برية وسككا حديدية.
أقدمت كل من روسيا وإيران وأذربيجان على تجديد ممر الشمال والجنوب، حيث عقدت قمة لرؤساء الدول الثلاث في التاسع من أغسطس (آب) 2016 بالعاصمة الآذرية «باكو» للاتفاق على إحيائه باستخدام أحدث الوسائل التقنية. إذ يذكر أن تاريخ هذا الطريق التجاري من آسيا عبر بحر قزوين وصولا إلى أوروبا بدأ قبل قرون عدة. ويهدف المشروع الجديد إلى نقل البضائع والحاويات من الهند وإيران ودول الخليج عبر بحر قزوين إلى روسيا، ومنها إلى شمال أوروبا وغربها؛ وهو ما يطرح حزمة من التساؤلات حول طبيعة هذا الممر الجديد، والدوافع والأهداف وراء إحيائه، وهل يتخذ مسارا واحدا، أم ثمة مسارات عدة؟ وما الأساس القانوني الحاكم له؟ وإلى أي مدى يمكن أن يُعد هذا الممر منافسا لقناة السويس؟
وفى خضم الإجابة عن كل هذه التساؤلات، يستعرض هذا التقرير ما يلي:


الممر والأساس القانوني




يستند مشروع الممر إلى أساس قانوني يتمثل في الاتفاقية الحكومية بشأن ممر النقل الدولي «الشمال – الجنوب» التي وقعتها كل من روسيا والهند وإيران عام 2000، وانضمت إليها كثير البلدان، من بينها بلدان عربيان هما: سوريا وسلطنة عمان.
ويوضح الجدول التالي الدول الأطراف في هذه الاتفاقية وتاريخ طلب العضوية وتاريخ الموافقة على انضمامها:

untitled


الممر والمسارات المتنوعة




يعتبر المسار التقليدي الذي يربط نقل البضائع من جنوب آسيا بشمال أوروبا وغربها عبر طريق بطول 7200 كم يمتد من مومباي الهندية بطول الساحل الغربي لبحر قزوين إلى روسيا مرورا بإيران وأذربيجان، ومنها إلى شمال أوروبا وغربها، هو المسار الأكثر قبولا لدى القائمين على هذا الممر. إذ أشارت بعض التقديرات غير المؤكدة، طبقا لوجهة النظر الإيرانية والروسية، إلى أن حجم البضائع التي عبرت هذا الممر عام 2015 وصل إلى 7.3 مليون طن بنسبة زيادة 4.1 في المائة عن العام السابق، وأن هذه البضائع التي نقلت من الهند إلى باكو الآذرية واستاراخان الروسية عبر ميناء بندر عباس جنوب إيران قلصت مدة النقل من 41 يوما عبر قناة السويس إلى 14 يوما عبر الممر، وهو ما تزامن أيضا مع خفض التكلفة بقيمة 2500 دولار لكل 15 طن بضائع.
ومع ذلك، ثمة مساران آخران مقترحان للممر، هما:
- المسار الغربي عن طريق العبور من غرب بحر قزوين، ونقل الحمولة الأوروبية عن طريق روسيا أو من خلال المرور بالبحر الأسود وجورجيا، وصولا إلى أذربيجان، ثم دخول إيران من خلال معبر استارا الحدودي، وهو ما يعد الأقصر من حيث الزمن.
- المسار الشرقي، يعبر من شرق بحر قزوين عن طريق روسيا مرورا بتركمانستان، وصولا إلى إيران وينتهي إلى بندر عباس.


إيران.. لاعبا محوريا في المشروع




تحذر القراءة المتأنية لخطوط الممر وحلقات ربطه من أن إيران تعد اللاعب المحوري عبر خطوط السكك الحديدية التي تربط دول وسط آسيا بإيران، وأخرى تربط إيران بروسيا عبر الأراضي الآذرية، وذلك على النحو التالي:
1 - خط رشت–أستارا: مشروع خط سكة حديد بطول 165 كم على طول الساحل الغربي لبحر قزوين يبدأ من مدينة رشت بشمال غربي إيران على بحر قزوين وينتهي عند أستارا آخر مدن الشمال الإيراني على قزوين مشتركة الحدود مع أذربيجان. وبإتمام هذا المشروع بنهاية عام 2016 كما هو مخطط له، يكون قد تم الربط البري بين سكك حديد روسيا بإيران مرورا بأذربيجان لتسهيل التبادل التجاري ونقل البضائع بين جنوب آسيا (الهند) وأوروبا.
2 - خط كازاخستان - تركمانستان - إيران: خط سكة حديد بطول 677 كم حول بحر قزوين يربط بين مدينة أوزين جنوب غربي كازاخستان بطول 137 كم، وقد انتهى العمل في هذا الجزء في مايو (أيار) 2013، بمدينة بركات شمال غربي تركمانستان بطول 470 كم، لينتهي في مدينة جرجان شمال شرقي إيران بطول 70 كم. الخط بتمويل حكومي مشترك (630 مليون دولار) يشق طريقه حتى منطقة الخليج العربي.
3 - خط أرمينيا - إيران: خط سكة حديد بطول 316 كم بتكلفة 3.5 مليار دولار بين جنوب أرمينيا وإيران وقد بدأ العمل فيه في يوليو (تموز) 2012، ودخلت روسيا باستثمارات 15 مليار روبيل لتطوير خطوط السكك الحديدية بأرمينيا ليربط هذا الطريق موانئ البحر الأسود بموانئ الخليج العربي.
وجدير بالإشارة أن طهران لم تكتف بتوصيل الحلقات المفقودة لهذا الممر فقط، بل عملت على التوازي في إنشاء وتطوير موانئها على بحر قزوين والخليج العربي لدمجها بخطط طويلة الأجل بالممر. إذ قامت الهند بالحصول على امتياز تطوير ميناء تشابهار على بحر العرب وفق اتفاقية 2002، ورغم تحذير واشنطن لها بعدم تنفيذ الاتفاقية قبل إبرام الاتفاق النووي مع إيران، فإن الهند ضربت بهذه التحذيرات عرض الحائط، وبدأت فعليا في تطوير الميناء، بل وُضعت خطط توسعية لرفع قدرات الميناء لاستقبال البضائع من 2.5: 12.5 مليون طن وتطمح الهند في الربط مع أوروبا عبر هذا الميناء الذي يخفف الضغط عن ميناء بندر عباس على الخليج العربي. كذلك، دشنت طهران ميناء أستارا على الجنوب الغربي لبحر قزوين بتكلفة 22 مليون دولار في مارس (آذار) 2013، وتسعى لزيادة قدراته الاستيعابية من 600 ألف إلى 3 ملايين طن.


مشروع من خيال الملالي.. قناة ملاحية تربط بين بحر قزوين والخليج العربي




يضاف إلى كل ما سبق، ما أُعلن أيضا عن عزم كل من طهران وموسكو بحفر قناة ملاحية تربط بحر قزوين والخليج العربي؛ وذلك كما جاء على لسان السفير الإيراني لدى موسكو «مهدي سنائي» في أبريل (نيسان) 2016 بقوله: «إن موسكو وطهران تجريان حاليا محادثات حول حفر قناة ملاحية ستربط بين بحر قزوين والخليج العربي»، وذلك في محاولة لاستعاضة مشروع أنابيب النفط الذي تعثر مده سنوات طويلة.
والحقيقة، أنه إذا كان صحيحا أن ثمة صعوبات عدة تواجه هذا المشروع؛ إذ اعتبره كثير من الخبراء دربا من الخيال نظرا لصعوبات التضاريس الإيرانية التي من المحتمل أن تمر بها هذه القناة، إذ ستمر في مناطق جبلية وزلزالية وكثيفة السكان، بل يرى البعض أن هناك معارضة إيرانية داخلية لمثل هذا المشروع، فإنه من الصحيح أيضا ضرورة التحسب لأي خطوات تسعى إليها دولة الملالي من شأنها تهديد المصالح العربية بصفة عامة والمصرية على وجه الخصوص نتيجة تحركاتها المشبوهة في المنطقة وتدخلاتها المستمرة في شؤونها.

مع كل تطور تشهده الممرات البحرية، يثار الحديث حول تأثير ذلك في مستقبل قناة السويس تحديدا دون غيرها من الممرات الأخرى، وهو ما يؤكد أهمية هذا الممر المائي الذي يبلغ طوله 193 كم ويقع بأكمله داخل الأراضي المصرية، ويمر عبره أكثر من ثلثي التجارة العالمية، أي أن القناة تتحكم في نحو 40 في المائة من حركة السفن والحاويات في العالم، ويمر بها كذلك ما يقرب من 2.5 مليون برميل نفط يوميا. ومما يزيد من أهمية القناة ما تم مؤخرا بافتتاح التوسعة الجديدة التي مثلت إضافة مهمة لحركة المرور فيها؛ إذ ساهمت في اختصار وقت عبور السفن في الاتجاهين معا دون الحاجة إلى الانتظار، كما كان الأمر في السابق.
ولذا؛ فمن غير المتوقع أن يمثل هذا الممر كما يرى البعض بديلا لها أو على الأقل تهديدا أو انتقاصا من أهميتها، كما صرح بذلك وزير الخارجية الإيراني «محمد جواد ظريف» بقوله: «إن هذا الممر سيخدم مصالح شعوب إيران وأذربيجان وروسيا، ومصالح المنطقة بأسرها، حيث سيقوم المشروع بتوفير بديل فاعل من حيث التكلفة والوقت للطريق البحري عبر قناة السويس المصرية»، وأيدته في الاتجاه ذاته وكالة «تسنيم» الإخبارية الإيرانية في تقرير لها بأن هذا المشروع في حالة إتمامه سيؤثر في قناة السويس. ويرجع عدم منافسة هذا الممر لقناة السويس إلى عوامل عدة، أبرزها ما يلي:
1 - طول المسافة التي يقطعها هذا الممر بريا والتي تصل في بعض الحالات إلى نحو ألف كيلومتر داخل الأراضي الإيرانية في ظل تضاريس بيئية صعبة. خصوصا مع الفكرة الخاصة بحفر القناة الملاحية التي تربط بحر قزوين بالخليج العربي؛ إذ اعتبرها البعض «مغامرة بيئية خطيرة على إيران» وعلى بحر قزوين الذي يعتمد على مياه نهر الفولجا الروسي.
2 - ارتفاع التكلفة التأمينية على الحاويات والبضائع المنقولة؛ إذ يضم الممر طرقا برية وخطوط سكك حديدية كما هو الحال في نقل البضائع جنوبا عند وصولها إلى مرفأ «بندر عباس» الإيراني؛ إذ تنقل الحاويات إلى داخل الأراضي الإيرانية عبر الطرق البرية والسكك الحديدية؛ ما يجعلها أكثر عرضة للفقد نظرا لمرور هذه الطرق عبر الجبال والصحاري، وهو ما يعني ارتفاع تكلفة التأمين لهذه الحاويات، وفقا لما تعلنه شركات التأمين من وصولها إلى 30 في المائة في حالة فقدان الحاوية الفارغة، و5 في المائة في حالة الحاوية المحمّلة.
3 - عدم إتمام البنى التحتية لأجزاء كثيرة من الممر؛ إذ يتطلب نجاحه التزام كل دولة مشاركة فيه بتوفير الخدمات اللوجستية المناسبة وغير المكلفة وذات الجودة العالية، فعلى سبيل تعد البنى التحتية لسكك الحديد الإيرانية غير مجهزة لنقل الحاويات. كذلك الأمر بالنسبة لأذربيجان لا يوجد لديها أي نقل لوجستي باستثناء النقل النفطي.
4 - المشكلات السياسية والأمنية التي تواجه مسارات الممر، بسبب الصراعات المشتعلة بين بعض دوله كالصراع الروسي الأوكراني ما بعد ضم جزيرة القرم إلى روسيا، والصراع الآذري الأرميني بسبب الاحتلال الأرميني لما يقارب 20 في المائة من الأراضي الآذرية.


ممر الشمال والجنوب... الدوافع والمصالح




من المثير للدهشة، أنه رغم الصعوبات والتحديات التي تكتنف هذا الممر وإمكانية نجاحه، فإن الدول الثلاث القائمة عليه تصر على إتمامه؛ أملا في تحقيق كل طرف مصالحه؛ إذ تسعى أذربيجان إلى تأسيس وضعها بصفتها محورا عالميا للنقل بما يزيد من مكانتها عالميا وإقليميا، ويمثل مصدرا جديدا لدخلها القومي، وإن كانت ثمة شكوك كثيرة لنجاحها في تحقيق هذا الهدف. ولكن رغم ذلك أعلنت تحمل نصف تكلفة المشروع المقدرة بـ1 مليار دولار بالتعاون مع طهران.
على الجانب الآخر، تسعى طهران إلى تحقيق حزمة من الأهداف، منها: الحرص على التحكم في حلقة الربط بين شرق آسيا والمحيط الهندي والخليج من جهة والدول في شمال شرقي ووسط أوروبا من جهة أخرى، بما يكسبها مزيدا من الأهمية، خصوصا أنها تلعب دورا استراتيجيا في المسارات المحتملة كافة لهذا الممر كما سبق الإشارة، كذلك تسعى طهران إلى كسب المزيد من مصادر الدخل بعيدا عن اعتمادها على الدخل النفطي في الأساس، بل قد يسهم هذا الممر في تزايد حجم الصادرات الإيرانية من النفط، كما أشار إلى ذلك وزير النفط الإيراني. إضافة إلى ذلك، تسعى طهران إلى منافسة الجسر الذي أُعلن عنه مؤخرا بين السعودية ومصر عبر البحر الأحمر، الذي من شأنه تقليل فترة العبور. ومن الجدير بالذكر، أن هذه الرؤية وردت في كتاب صادر باللغة الفارسية للرئيس الإيراني «حسن روحاني» بعنوان «الأمن القومي الإيراني والنظام الاقتصادي» تضمن إشارة إلى هذا الممر والمكاسب المحققة لطهران من وراء تأسيسه.


مدخل استراتيجي لمياه المحيط الهندي




من ناحية ثالثة، تستهدف روسيا من خلال إتمام هذا الخط إلى بسط سيطرتها على مدخل استراتيجي لمياه المحيط الهندي، بما يعزز من نفوذها بين الدول كافة التي تعتمد على خط قناة السويس وتبحث عن ممرات أكثر وفرة؛ إذ رأت روسيا على سبيل المثال في حث الصين لشركات الملاحة على استخدام الممر الشمالي الغربي عبر القطب الشمالي لتقليل الزمن الذي تستغرقه الرحلات البحرية بين المحيطين الأطلسي والهادي منافسا مهما يستوجب أن يكون لها دور أيضا في هذا الخصوص، حيث يمكن جعل ممر الشمال الجنوب بديلا عن ممر الشمال الغرب، وهو ما قد يقوي من مستوى العلاقات الثنائية الروسية الصينية. صحيح أن الممر الأخير الذي يمر عبر القطب الشمالي يواجه هو الآخر الكثير من الصعوبات؛ إذ اُفتتح بفعل التغيرات المناخية بما يمكن أيضا أن يُغلق مجددا بفعل هذه التغيرات؛ وهو ما يجعل منه استحالة استخدامه ممرا دائما وآمنا. ولكن بسبب موجة الكساد العالمي تبحث شركات النقل والملاحة عن طرق وممرات أقصر تمنحها وفرا أكبر.
إضافة إلى ما سبق، تسعى روسيا كذلك من وراء استكمال هذا الممر للوصول إلى المياه الدولية في المحيطين الهادي والأطلسي بطرق أكثر أمنا من خلال المياه الدافئة، وهو هدف استراتيجي لروسيا رغم استطاعتها الوصول إليها عبر المياه الباردة.


تنمية محور القناة




نهاية القول، إن الدعاية السياسية الواسعة التي قامت بها الأطراف الثلاثة (روسيا وإيران وأذربيجان) مؤخرا في لقائهم الثلاثي الذي عُقد في العاصمة الآذرية باكو في أغسطس الماضي (2016) أغفلت الكثير من وقائع الجغرافيا وحقائق التاريخ التي تمثل تحديات حقيقية لإتمام مثل هذا الممر، على الأقل في المدى المتوسط. فإضافة إلى الصعوبات التي تكتنف تنفيذ هذا الممر بالصورة التي تروجها هذه الأطراف، فمن غير المنتظر أن يؤثر هذا الممر في الدور المهم الذي تقوم به قناة السويس في خدمة التجارة العالمية، بمعنى أكثر تحديدا لن يكون هذا الممر بديلا لقناة السويس، وهو ما يستوجب تسجيل ملاحظتين مهمتين: الأولى، ليس صحيحا ما يروجه البعض من معارضي النظام المصري بأن قرار توسعة قناة السويس لم يكن مدروسا بعناية، وإنما تؤكد الحقائق كافة صحة القرار الذي اتخذته القيادة المصرية بتوسعة مجرى القناة لتسهيل حركة المرور، مع تنفيذ مشروع تنمية محور القناة وفقا للاستراتيجية المطروحة. صحيح أن هناك بطئا في حركة التجارة العالمية قد أثر سلبا في حجم الإيرادات المحققة من القناة، إلا أنه من الصحيح أيضا أن هذا لا يعني عدم جدوى المشروع اقتصاديا وسياسيا. أما الملاحظة الثانية، فتتعلق بموقف أذربيجان تحديدا من المشاركة في هذا الممر؛ إذ إنه نظرا لموقعها الجيواستراتيجي، وما تملكه من إمكانات نفط وغاز طبيعي يجعل دورها محوريا في هذا المشروع، وليس إيران كما تحاول توظيف ذلك إعلاميا؛ الأمر الذي يستوجب أن تكون هناك حسابات دقيقة لباكو عند إقدامها على المشاركة في هذا المشروع، بحيث تأخذ في اعتبارها حجم المكاسب المحققة مقارنة بحجم المخاطر المتوقعة، فإذا كان صحيحا أن ثمة عوائد منتظر تحقيقها من المشاركة في هذا المشروع، فإنها ليست بالضخامة التي تصورها طهران وموسكو للأطراف المشاركة في المشروع؛ إذ يظل الطرفان الروسي والإيراني الفائزين الأكثر حظا جراء إتمام هذا المشروع؛ الأمر الذي يستوجب إجراء المزيد من الدراسات المستفيضة حول تأثيرات هذا المشروع، ليس فقط على اقتصاديات الدول المشاركة، وإنما كذلك على اقتصاديات دول المنطقة بصفة خاصة، والاقتصاديات العالمية على وجه العموم؛ نظرا لخطورة تداعياته اقتصاديا وبيئيا وسياسيا.

* باحث زائر بمركز الدراسات الاستراتيجية التابع لرئاسة جمهورية أذربيجان
font change