[caption id="attachment_55255811" align="aligncenter" width="943"] العضو العمالي إد بولز[/caption]
لندن: ستوارت ريد*
إد بولز، عضو مخضرم بحزب العمال بالمملكة المتحدة، تم انتخابه في البرلمان في 2005. وعمل كوزير مالية في حكومة الظل من 2011 حتى 2015. وقبل ذلك، كان كبير المستشارين الاقتصاديين لوزير الخزانة، وكاتب عمود في جريدة «فايننشيال تايمز». وهو الآن زميل بارز لدى كلية كيندي بجامعة هارفارد؛ وقد دعم بولز حملة بقاء بريطانيا في الاتحاد الأوروبي. تحدث بولز عن أبرز تداعيات أزمة الخروج البريطاني من الاتحاد الأوروبي وفي ما يلي نص الحوار:
* ماذا كانت دوافع المصوتين للخروج من الاتحاد الأوروبي؟
- لقد شهد اقتصادنا بعض التغيرات الكبيرة على مدار العشرين عامًا الماضية نتيجة للعولمة، ولا أعتقد أن السياسيين، ولا حتى الاقتصاديين، فهموا تلك التغيرات فهمًا جيدًا. أولاً، منذ عشرين عامًا، عندما اشتركت في جعل بنك إنجلترا مستقلاً، اعتقدنا جميعًا أن التهديد الأكبر للاستقرار سينبع من أخطاء الحكومة فيما يتعلق بالتضخم. وكنا في ذلك الوقت نواجه أزمة مالية، في زمن كان مستوى التضخم فيه منخفضًا، ما زالت توابعها تتكشف على الصعيدين الاقتصادي والسياسي.
ثانيًا، اعتقدنا أن العولمة والتغير التكنولوجي كانا سيؤثران، بوجه خاص، على رواتب العمالة غير الماهرة ووظائفها، ولكنه كان تأثيرًا قويًا وشديدًا على رواتب أصحاب الدخل المتوسط. لقد رأيت ما حدث في أميركا وبريطانيا من انخفاض كبير في رواتب متوسطي الدخل؛ مما جعل الناس يشعرون بالغضب.
ثالثًا، ظننا أن العولمة ستقتصر على الأسواق المالية والتجارة، ولم يتوقع أي شخص أن تمتد عولمة الناس إلى هذا المستوى. عندما كنت أكتب لصحيفة «فايننشيال تايمز» منذ خمسة وعشرين عامًا، اعتقدنا أن المشكلة ستتمثل في أن تكلفة العمالة البولندية في بولندا ستكون أقل من تكلفة العمالة البريطانية في بريطانيا، في مجال صناعة السيارات. وما لم يتوقعه أي شخص هو أن تحدث تلك الهجرة الاقتصادية على هذا النطاق الكبير. والسبب في عدم وضعنا ضوابط على انتقال العمالة من أوروبا الشرقية إلى بريطانيا في 2004. كان عدم اعتقادنا أن الناس سيهاجرون من بلادهم.
ألقى البعض باللوم على سياسات حزب العمال فيما يتعلق بردود الفعل العنيفة المعادية للمهاجرين، التي بدأت في تسعينات القرن الماضي، وأدت إلى تسريع وتيرة الهجرة. هل كان هذا صحيحًا؟
لقد كنا دومًا دولة تجلب العمالة الماهرة من كافة أنحاء العالم للعمل بها؛ وتعتمد مدينة لندن على هذا الأمر. هذا ما فعله حزب العمال عندما كان في الحكومة، وهذا ما فعلته حكومة المحافظين التي سبقتها، بعد الانفجار العظيم (إزالة القيود التنظيمية عن الأسواق المالية البريطانية في عام 1986). ولكن الخطأ بدأ في عام 2004. فقد قررنا كدولة عدم الانضمام للعملة الموحدة، اليورو. كنت أعمل حينها في وزارة الخزانة، وكنت مشتركا في الجهود الهادفة إلى عدم الانضمام بأي حال من الأحوال. وبعد ذلك بعام واحد، عندما بدأت دول أوروبا الشرقية الانضمام إلى العملة الموحدة، كان لدينا خيار وضع ضوابط على الهجرة، واخترنا عدم فعل هذا؛ وكان اختيارنا هذا ينبع جزئيًا من وجهة نظر دبلوماسية، تتعلق بالسياسة الخارجية؛ فبعد رفضنا الانضمام لليورو، كنا نريد دعم الأوروبيين.
ولكن توقعاتنا كانت خاطئة؛ حيث اعتقدت الحكومة أن أعداد المهاجرين ستصل إلى عشرات الآلاف، ولكنها كانت مئات الآلاف. وانتقد ديفيد كاميرون، رئيس الوزراء المحافظ آنذاك، حزب العمال انتقادًا لاذعًا للغاية، بسبب عدم وضع ضوابط على الهجرة، وقال في البيان الرسمي لتوليه رئاسة الحكومة عام 2010 بأنه سيُخفِّض صافي تعداد المهاجرين إلى عشرات الآلاف. ولكنه لم يفعل ذلك ولم يكن باستطاعته فعل ذلك؛ وبعد أن قطع عهدا بتنفيذ شيء ما ثم فشل في تنفيذه، انتشر إحساس بالشك وعدم الثقة في أنه يستطيع فعل أي شيء.
* ما نسبة المصوتين الذين كان دافعهم رفض الخبرة؟
- سواء نظرت عن يمينك أو يسارك، غالبًا ما تستخدم الحجج الشعبية اللغة نفسها: «القواعد غير منصفة؛ النظام ضدك؛ أنت تعمل جاهدًا ثم تحصل على صفقة غير عادلة. شخص آخر يأتي ويعطيك أقل مما تستحق أو يعاملك معاملة غير عادلة، سواء كان هذا في برامج الرعاية الاجتماعية التي يتم غشها أو في الشركات الدولية، التي لا تدفع ضرائبها. وعندما يقول لك الصفوة أو الخبراء إن هكذا تسير الأمور، إذن فهم فقط يحاولون خداعك». بالطبع سمعنا هذه اللغة في حملة دعم خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وبالطريقة نفسها التي نشاهدها في حملة دونالد ترامب في الولايات المتحدة الأميركية، وإلى حد ما في حملة جيرمي كوربن عندما كان يخوض حملته لقيادة حزب العمال.
والأمر الصادم هو أن عمدة لندن السابق، بوريس جونسون، استخدم هذه الحجج، كذلك وزير التعليم السابق، مايكل غوف – رغم اعتمادهما، في وظائفهما السابقة، على خبراء في كل الأوقات.
ولكن يؤسفني القول إن هذا يعكس إحساسًا متناميا بالشك وعدم التصديق لدى الشعب حاليًا فيما يتعلق بالسياسة والثقة؛ الذي يعود إلى تلك الافتراضات الأساسية التي كنا مخطئين بشأنها. فالناس ينظرون إلى الأزمة المالية العالمية ويقولون «لقد قلت لنا إن كل شيء يسير على ما يرام، وفجأة ظهرت هذه الأزمات المصرفية الهائلة، ونحن من دفع الثمن. لقد قلت لنا إن الاقتصاد والسوق والعولمة ستجعل حياتنا أفضل، ولكننا في وضع أسوأ». عندما تسمع مثل تلك الأقوال الصادمة والمعبرة عن خيبة الأمل، يجب أن يبدأ الناس بالتشكيك في السلطات والخبراء.
* هل هناك أي دروس تتعلق بالتصويت لصالح خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي «بريكست»، ينبغي على الأميركيين، الذين يشعرون بالقلق من احتمالية فوز دونالد ترامب بالرئاسة، الإفادة منها؟
- حسنًا، أتمنى ألا أرى دونالد ترامب رئيسًا. رغم قول الكثير من أصدقائي الأميركيين، عندما وصلت إلى جامعة هارفارد في سبتمبر (أيلول) الماضي، فإن دونالد ترامب «سيختفي بحلول أكتوبر (تشرين الأول) أو نوفمبر (تشرين الثاني)؛ هذا يحدث دائمًا؛ فمثل هذا النوع من الأشخاص يظهر ثم يختفي». ورددت عليهم قائلا: «حسنًا، هذا ما قيل عن جيرمي كوربن».
* لم يكن رد فعل الأسواق جيدًا على «بريكست». ماذا تتوقع أن نشهد في المستقبل؟
- أعتقد أنه من المرجح الآن – ليس من المؤكد ولكن من المرجح – أن تشهد بريطانيا فترة ركود. في الفترة الحالية، هذا حدث خاص ببريطانيا، ولهذا لا نتوقع أن يمتد تأثيره. ولكن التراجع الكبير الذي شهده الجنيه الإسترليني – أي تسجيل أدنى مستوى له منذ ثلاثين عامًا، حيث انخفض بنسبة 20 في المائة أمام الدولار – يعني أن الناس تفكر في نقل استثماراتها إلى أماكن أخرى. وإذا مررنا بفترة زمنية طويلة تغير فيها الشركات خططها الاستثمارية – سواء في مجال العقارات أو التصنيع أو الخدمات المالية – إذن ربما يكون التأثير بعيد المدى على بريطانيا أكثر عمقًا من مجرد تقلبات بسيطة في الأسواق قصيرة المدى.
أما بالنسبة للولايات المتحدة، فالوضع ليس «هل ستقوض بريطانيا الاقتصاد الأميركي؟» بقدر ما هو «هل ما حدث في بريطانيا دلالة على اتجاه سياسي قد نشهد تكراره في الانتخابات الرئاسية الأميركية؟»، لأن ذلك سيكون حدث اقتصادي خطير للغاية بالنسبة للولايات المتحدة وللعالم.
* ما يعني البريكست لمستقبل العلاقات الأميركية البريطانية؟
- بريطانيا عضو في الناتو ومجموعة السبع ومجموعة العشرين، ومما لا شك فيه أنها ستناقش الأمور المرتبطة بعضويتها في هذه الكيانات بصورة أكبر خارج الاتحاد الأوروبي. لقد كنا دومًا حلفاء جيدين لشركائنا الأميركيين. وأعتقد أنهم يعلمون أيضًا أن الشراكة ستصبح أكثر قوة وفعالية بكثير، إذا أصبحت بريطانيا جسرا للاتحاد الأوروبي، وليست مجرد جزء من جسر عبر الأطلنطي. سنكون حليفًا أقل تأثيرًا وفاعلية للولايات المتحدة خارج الاتحاد الأوروبي، خاصة إذا انتهى بنا الأمر بالابتعاد عن أوروبا بأكملها. آمل أن نجد طريقة نستمر من خلالها في لعب دور مهم في أوروبا أثناء ابتعادنا عن الاتحاد الأوروبي السياسي. ولكن إذا اخترنا أن نصبح نموذجا أقرب لألبانيا، فإن ذلك لن يكون مثيرا لاهتمام أصدقائنا الأميركيين وهم محقون في ذلك.
* ما الذي تود رؤيته في المستقبل، فيما يتعلق بإجراءات الانفصال عن الاتحاد الأوروبي؟
- هناك انقسام في بريطانيا وكذلك بين شركائنا الأوروبيين حول الاستراتيجية المثلى. ففي لندن، يقتصر الاختيار على الأرجح بشأن ما إذا كانت هذه مفاوضات انفصال حقيقية أو محادثات تستهدف التوصل إلى تسوية جديدة. وأعتقد أنه من مصلحة كل من بريطانيا وأوروبا أيضا ترك السوق المشتركة مع فرض قيود على حرية التنقل. ولكن إذا أصرت أوروبا على حرية التنقل مقابل البقاء في السوق المشتركة – أعتقد إذن أن الوضع سيكون في غاية الصعوبة لبريطانيا. ولكن الحزب المحافظ والبلاد سيحددان أي الخيارين سيدعمان. آمل التوصل إلى تسوية بدلاً من فقط الابتعاد والخروج.
ولكن يجب أيضًا على شركائنا الأوروبيين الاختيار. فقد صرح جون كلود يونكر، رئيس المفوضية الأميركية، في الأسبوع الماضي قائلا: «إلى الجحيم. لقد اخترتم، ولكن لا يمكن أن ندع أي شخص آخر يتبعكم؛ ولهذا، نود الانتهاء من هذا الأمر وإخراجكم». وتقول وجهة نظر بديلة «قد يتسبب هذا الخروج في ضرر كبير أيضًا لأوروبا. هيا فلنتباحث ونحاول التوصل لتسوية تُبقي بريطانيا جزءا من العائلة الكبيرة، حتى ولو كانت خارج الاتحاد الأوروبي».
* هل ترى أوروبا تسير صوب المزيد من التكامل أم الاتجاه الآخر؟
- إذا كان هذا الخروج انعكاسًا لحالة الإحباط من السياسة والحكومة، من الرواتب، ومن الهجرة في عيون المصوتين البريطانيين، فإن كل تلك القضايا موجودة في جميع أنحاء الاتحاد الأوروبي؛ ومن المؤكد أن منطقة اليورو ليست مثالا للنجاح الاقتصادي؛ كما تؤثر أزمة الهجرة واللاجئين على سياسات كل دول الاتحاد الأوروبي. أما فيما يتعلق بالمخاوف تجاه القيادة والنخبة والخبراء – فسوف تسمع الشيء نفسه في أستراليا والسويد والدنمارك وفرنسا وبريطانيا. وفي بعض الأحيان، يجد زملاؤنا الأوروبيون أنه من الأسهل وصف تلك المشاكل بالمشاكل البريطانية أو الأنجلوساكسونية، بينما أعتقد أنها مشاكل تخص الدول المتقدمة في كل أنحاء العالم. ينبغي عليهم التراجع وتعلم بعض الدروس. إن وجود منطقة يورو أكثر فاعلية وأكثر تكاملاً وأعمق ترابطًا أمر جيد للاقتصاد العالمي وجيد لأوروبا. ونحن لن نكون أبدا جزءًا من هذا، وسنظل دائمًا خارج هذا. ولكنني أعتقد أن إيجاد طريقة لتعميق السوق المشتركة، مع إدارة مشكلة الهجرة بطريقة أكثر فاعلية، أمر ضروري.
كنت في اجتماع، منذ عدة أيام، مع زملاء من قادة الاقتصاد والسياسة الخارجية، وطُرح علينا السؤال «إذا كان هناك تصويت على اتفاقية التجارة عبر الأطلسي والشراكة الاستثمارية (TTIP)، كم عدد الشعوب في كل أوروبا التي ستصوت بالموافقة على هذه الاتفاقية؟» وكانت الردود أنه تقريبًا لن يوافق أي شعب. وهذه هي المشكلة، لأنه إذا كانت ردود فعلنا ضد تعميق شراكتنا الاقتصادية، فسوف ينتهي بنا الحال إلى إفقار أنفسنا.
* يبدو أن حزبك الآن في حالة فوضى. ماذا يحمل المستقبل لحزب العمال؟
- إن أي شخص قال لك إنه يملك أدنى فكرة عما ينبغي توقعه، خلال الأشهر الثمانية عشر الماضية، كان أحمقًا. لقد كانت فوضى عارمة. وهناك إحباط هائل، بين قطاعات من داعمي حزب العمال وأعضاء البرلمان من الحزب، نظرا لأن قيادة الحزب وجيرمي كوربن لم يروجا لحملة دعم بقاء بريطانيا في الاتحاد الأوروبي ترويجًا فعالاً، مما يُعد انعكاسًا لحقيقة أن إيمان كوربن بالاتحاد الأوروبي لم يكن حقيقيًا على الإطلاق على مدار الأربعين عامًا الماضية. وهذا الانقسام بين المدن والبلدات كبير للغاية داخل حزب العمال، لأننا نملك الكثير من المناطق المركزية والبلدات الصغيرة والمناطق الصناعية القديمة، التي تختلف اليوم عن بريطانيا المدنية والمتنوعة اختلافًا كبيرًا.
وغطى هذا على أزمة سياسية. إن أعضاء الحزب، الذين اختاروا قائدًا، أصبحوا منفصلين انفصالاً كبيرًا عن قاعدة المصوتين لحزب العمال. وبات لديك أعضاء أصبحوا يساريين إلى حد كبير، ومعادين للرأسماليين إلى حد كبير، ومعادين للعولمة، ومعادين للناتو، ومعادين لاقتصاد السوق، وهذه ليست آراء واتجاهات الرأي العام البريطاني. ففي السياسة، يمكنك القيادة من خلال إقناع الناس بالتغيير، ولكن إذا أخبرت الناس أنهم على خطأ، فلن يميلوا إذن إلى اتِّباعك. لقد أمضت قيادة حزب العمال العام الماضي تقول لأعضائها ما يريدون سماعه وأن بقية البلاد مخطئون. وقد أحب الأعضاء هذا إلى حد كبير، وتساءلت بقية البلاد «لماذا تتدخلون في حياتنا؟».
* نائب مدير تحرير مجلة «فورن افيرز»
للتسجيل في النشرة البريدية الاسبوعية
احصل على أفضل ما تقدمه "المجلة" مباشرة الى بريدك.