في محاولة إيرانية لإعادة تجربة الفصل الوهمي بين الثوري والرئاسي.. حزب «نصر الله» وسيناريوهات فك السياسي عن العسكري

في محاولة إيرانية لإعادة تجربة الفصل الوهمي بين الثوري والرئاسي.. حزب «نصر الله» وسيناريوهات فك السياسي عن العسكري

[caption id="attachment_55255790" align="aligncenter" width="1024"]عناصر مايسمى حزب الله اللبناني عناصر مايسمى حزب الله اللبناني[/caption]

*واشنطن: جويس كرم


• في حال قيام «حزب الله» رسميًا بالفصل بين جناحيه، فسيريح حلفاءه وداعميه في سوريا وإيران ..ويثبت قدمًا في الميدان السياسي اللبناني ويفرغ قدمًا أخرى لجبهات القتال في سوريا والعراق واليمن
• وافق وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي في يوليو 2013 بإجماع 28 دولة على إدراج الجناح العسكري لحزب الله ضمن لائحة المنظمات الإرهابية



قبل الانخراط رسميًا في الحريق السوري وإبان إدراج الاتحاد الأوروبي لـ«الجناح العسكري» على لائحة الإرهاب في 2013، كان موقف التنظيم اللبناني المدعوم من إيران «حزب الله» على لسان نائب أمينه العام نعيم قاسم في 2012 أن «في لبنان هناك حزب واحد اسمه (حزب الله)، وليس عندنا جناح عسكري وجناح سياسي، وليس عندنا (حزب الله) وحزب المقاومة، فـ(حزب الله) هو حزب السياسة وحزب المقاومة».

كلام نعيم قاسم منذ 4 سنوات يندرج في إطار حديث البعض عن الفصل الوهمي بين دوائر حزب الله العسكرية والسياسية، وردًا على الاتهامات للحزب بإبداء مرونة دبلوماسية تجاه الغرب بعد دخوله المعترك الحكومي في لبنان في 2006، وإثر الانسحاب السوري يومها. إنما هذه كانت مقتضيات تلك المرحلة ولم تعد موازينها السياسية والعسكرية تتطابق مع واقع الحزب وحساباته اليوم.
فمن الحرب السورية إلى العزلة الاقتصادية بفعل العقوبات الأوروبية والأميركية ومن مجلس التعاون الخليجي على ما يسمى «حزب الله»، عاد الحديث في أروقة المقربين منه عن احتمال الفصل رسميًا بين الجناح السياسي للتنظيم والجناح العسكري. خطوة كهذه على غرار الجيش الثوري الآيرلندي أو حركة المقاومة الإسلامية (حماس) أو وحدات حماية الشعب الكردية، أو حتى القوات المسلحة الثورية الكولومبية (فارك)، قد تسهم في إعادة خلط الأوراق الداخلية، والإقليمية والدولية لما يسمى «حزب الله».



سيناريوهات وحسابات الفصل




في مقاربة «حزب الله» لسيناريو فصل الجناحين العسكري والسياسي، تبرز عدة عوامل داخلية وخارجية؛ أولها قرار الاتحاد الأوروبي في 22 يوليو (تموز) عام 2013، حين وافق وزراء خارجيته وبإجماع من 28 دولة على إدراج الجناح العسكري للحزب ضمن لائحة المنظمات الإرهابية.
القرار الأوروبي الذي جاء بضغط أميركي وحفزه التحقيق في تفجير حافلة «بورغاس» البلغارية في 2012 الذي أودت خيوطه لما يسمى «حزب الله»، جعل من غير القانوني أن ترسل أي جهة أوروبية أموالاً إلى التنظيم، إضافة إلى فتح الباب أمام الأجهزة القضائية في أوروبا للشروع في معاملة مسؤولي الجناح العسكري للحزب وعناصره باعتبارهم إرهابيين.
وجاء توفير الأوروبيين للجناح السياسي لتفادي ردة فعل عكسية على الوضع الداخلي اللبناني وقوات الأمم المتحدة المؤقتة في جنوب لبنان (يونيفيل). كما يحفظ القرار الأوروبي بشكله الحالي قنوات الحوار والاتصال مع ما يسمى «حزب الله»، التي نشطت بعد حرب 2006 ولقاء السفيرة البريطانية يومها فرانسيس غاي مع النائب محمد رعد، وغيرها اليوم مع الـ14 نائبًا للحزب في البرلمان اللبناني، ووزيرين في الحكومة اللبنانية الحالية.
من هذا الباب سيسهل فصل الجناحين العسكري والسياسي إبقاء القنوات الدبلوماسية الأوروبية مفتوحة أمام الحزب، كما فعل الجيش الثوري الآيرلندي بتسليم الملف والمفاوضات السياسية لشين فين، أي الجناح السياسي الذي شارك في المفاوضات التي أوصلت إلى اتفاقية الجمعة العظيمة في 1998. هنا الحسابات المادية قد تفوق تلك الدبلوماسية للحزب، وللالتفاف على العقوبات الأوروبية وضمان تلقي التبرعات من مناصريه في دول الاتحاد الأوروبي، وخصوصًا بعد الأزمة المالية التي عصفت بالحزب نتيجة للعقوبات المصرفية الأميركية والمشاركة المكلفة في الحرب السورية.
ومن الجانب السياسي وفي حال قيام «حزب الله» رسميًا بالفصل بين جناحيه، فسيريح حلفاءه وداعميه في سوريا وإيران. إذ يكون قد ثبت قدمًا في الميدان السياسي اللبناني بالمشاركة الحكومية والنيابية والتحالفات مع التيار الوطني الحر وغيره، وفرغ قدمًا أخرى لجبهات القتال في سوريا والعراق واليمن.

هذه المعادلة الجديدة تتعاطى مباشرة مع طموحات الحزب الإقليمية والدور العسكري، من دون المجازفة بحصته السياسية في لبنان. وهي تشبه إلى حد بعيد الفصل القائم في السياسة الإيرانية، بين الحرس الثوري الإيراني الذي يحارب إقليميًا، والفريق السياسي الذي يقوده الرئيس الإيراني حسن روحاني ووزير خارجيته جواد ظريف، ويقوم بتسويات مع الغرب، أبرزها الاتفاق النووي الموقع في صيف 2015.
إعلان كهذا بفصل الجناحين وفي حال تم، يعني استراتيجيًا أنه لا عودة إلى الوراء في مد الأذرع الإقليمية العسكرية للحزب، لا بل هناك تثبيت الوجود في المعترك السوري وعلى الحدود السورية - اللبنانية بدل الانكماش في الساحة اللبنانية وعلى الحدود مع إسرائيل كما كان واقع الأمور قبل 2011.


رد الفعل الداخلي والدولي




إذا أقدم «حزب الله» على فصل الجناحين العسكري والسياسي في المرحلة المقبلة، فهو يخاطب حلفاءه في الداخل أولاً والمجتمع الدولي ثانيًا. فهذه الفرضية، تتيح له أن يطمئن حلفاءه اللبنانيين وممن لديهم تحفظات على أجندته الخارجية، بأن الحلبة والحسابات السياسية اللبنانية منفصلة تمامًا عما يقوم به الحزب من أنشطة إقليمية وفي أميركا اللاتينية وغيرها. وهو يهدف أيضًا لطمأنة القاعدة الشعبية للحزب في لبنان، بعضها تأذى بفعل العقوبات، ومحاولة تحييد الجانب السياسي والجماهيري عن عصا العقوبات والقضاء.
أما دوليًا، فالرسالة ستكون من الحزب للاتحاد الأوروبي بداية، ولعدم القيام بإدراج ذراعه السياسية على لائحة الإرهاب كما فعلت الولايات المتحدة منذ 1997. وتضغط واشنطن وإسرائيل على القارة العجوز منذ وقت لإدراج «حزب الله» منظمة إرهابية، بنفس أسلوب تعاطي الاتحاد الأوروبي مع «حماس»، حين أدرج الجناح العسكري لها في 2001، وعاد ووضعها كاملة على اللائحة في 2003.
إلا أن الاتحاد الأوروبي ليس بصدد تكرار هذا النموذج اليوم، ولأسباب ترتبط بعلاقته مع إيران والاستقرار الداخلي في لبنان، وحرصه على التمايز عن واشنطن والظهور بمظهر الوسيط المنصف في المنطقة. وتبرز هنا دعوات أوروبية لنزع اسم «حماس» عن لائحة الإرهاب بعد إعلان المحكمة العامة للاتحاد بأن قرار إدراج المنظمة الفلسطينية «غير مبني على حقائق قضائية». وعليه سيكون لاستكمال التحقيق في تفجير «بورغاس» ومدى ترابط الخيوط العسكرية والسياسية للحزب دور محوري في تقرير اتجاه الاتحاد الأوروبي.


واشنطن: لا نفصل بين العسكري والسياسي




أما أميركيًا، فالولايات المتحدة، وكما يقول مسؤول في وزارة الخارجية الأميركية لـ«المجلة»، لا تفصل بين الجناحين العسكري والسياسي لـ«حزب الله». ويقول المسؤول «إن الولايات المتحدة لا تميز بين أجنحة (حزب الله) المختلفة، وهذا مبني على مراجعة معمقة لكل المعلومات المتوافرة لدينا». ويضيف المسؤول أن هذه المعلومات «تفيد بأن جميع فروع حزب الله تتشارك التمويل نفسه والقيادة والأجهزة نفسها وتدعم أنشطة الحزب العنيفة».
ويقول المسؤول نفسه إن هذه الأنشطة من تدخل «حزب الله» في سوريا إلى تورطه في اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري، «تزعزع الاستقرار الداخلي والإقليمي». وينفي المسؤول أي كلام عن مراجعة أميركية بعد الاتفاق النووي الإيراني، مؤكدًا فصل واشنطن مسار الاتفاق وتفاصيل تطبيقه عن تصرفات إيران الإقليمية، منها دعم «حزب الله».
وبعد الاتفاق النووي في (يوليو) 2015، كان بارزًا قيام الكونغرس الأميركي في أكتوبر (تشرين الأول) من العام نفسه بفرض قانون عقوبات هو الأقسى ضد «حزب الله» وبضوء أخضر وموافقة من البيت الأبيض.
إذ مهد القانون رقم 2297، الذي يحمل عنوان «وقف التمويل الدولي لـ(حزب الله)» لتشديد الخناق على التنظيم والمؤسسات المالية والأفراد الذين يدعمونه، كما ربط أنشطة الحزب المزعومة بتهريب المخدرات بالعقوبات الأميركية الجديدة عليه.
وبموافقته بغالبية ساحقة على القانون، رمى بعرض الحائط أي فرص لإعادة النظر بـ«حزب الله»، الذي يطال تحديدًا المؤسسات المالية التي تمول «حزب الله». أما أهم بنوده فهي إجبار الخارجية الأميركية وفي تقرير سنوي على التعريف بوسائل الإعلام الداعمة للحزب والتي تموله، «مثل (المنار) وتوابعها» وتحديد الأطراف بالاسم، الموضوعين وغير الموضوعين على العقوبات.
كما يطلب القانون من وزارة الخزانة فرض شروط قاسية على فتح أي حساب لأي جهة خارجية تقوم بما يلي:
1 - تسهل التعاملات لـ«حزب الله».
2 - تقوم بغسل أموال للحزب.
3 - تتآمر بإرسال تحويلات لأشخاص أو مؤسسات على صلة بالحزب.

وينص القانون الجديد أيضًا على تقديم الإدارة تقارير حول إدراج «حزب الله» منظمة تهريب مخدرات أجنبية ومنظمة إجرامية عابرة للحدود، ويدعو الرئيس الأميركي إلى رفع تقارير حول إذا ما كان «حزب الله» يفي بمعايير الإدراج كتنظيم مهرب للمخدرات أم لا، وإذا رفض الرئيس ذلك فعليه تبرير الأمر بالوقائع والأدلة.
كما يلزم القانون اليوم الخارجية برفع تقارير للكونغرس حول تمويل الحزب، وأنشطة جمعه التبرعات وعمليات غسل الأموال. وهو أيضًا ينص على أن يرفع الرئيس تقارير للكونغرس حول الدول التي تدعم «حزب الله»، حيث له شبكات لوجيستية وشبكة تبرعات وتمويل وغسل أموال، وإذا كانت هذه الدول تأخذ الإجراءات الكافية لضرب شبكة «حزب الله» التمويلية أم لا.
وتشكل فحوى الرسالة السياسية من قرار الكونغرس والعقوبات المصرفية على «حزب الله»، بأن واشنطن لا ترى فارقًا اليوم بين أذرع الحزب المختلفة والأنشطة المتسعة من آسيا إلى أفريقيا إلى أميركا اللاتينية. وبتوقيتها وموافقة من الحزبين والرئيس باراك أوباما، ارتأت واشنطن أن تقول بعد الاتفاق النووي الإيراني إن التقارب لن يشمل «حزب الله». أما الرسالة إلى لبنان، فهي وبحسب مسؤول أميركي رفيع المستوى، أن واشنطن لا تستهدف اقتصاده، وتثمن تعاون المصرف المركزي اللبناني في قطع التمويل عن الجهات المرتبطة بالحزب.

من هنا وفي حال إعلان «حزب الله» فصل أجنحته، فهذا لن يغير نهج الولايات المتحدة وسياستها حيال الحزب، لا بل هناك تصعيد في التحرك الاستخباراتي الأميركي لرصد أنشطة الحزب إقليميًا ودوليًا.
مما لا شك فيه أن فرضية قيام حزب الله بفصل جناحيه العسكري والسياسي، ستكون استجابة للمتغيرات الداخلية والإقليمية والدولية حوله، بإبقاء جسر مفتوح مع الجانب الأوروبي والتفرغ لتوسع عسكري في الإقليم مع الحفاظ وعدم التفريط بمكاسبه الداخلية وحماية قاعدته من شظايا العقوبات.

*كاتبة وباحثة سياسية لبنانية مقيمة في واشنطن
font change