الانكماش يضرب الأسواق المصرية.. والمستثمرون في انتظار القرارات الحاسمة

الانكماش يضرب الأسواق المصرية.. والمستثمرون في انتظار القرارات الحاسمة

[caption id="attachment_55255595" ali[caption id="attachment_55255595" align="aligncenter" width="1024"]موظفة بخطوط مصر للطيران تجلس بمكتب لبيع التذاكر بمطار شارل ديجول بباريس. المصور: كريستوف موران من بلومبيرج عن طريق جيتي إيمجز موظفة بخطوط مصر للطيران تجلس بمكتب لبيع التذاكر بمطار شارل ديجول بباريس.
المصور: كريستوف موران من بلومبيرج عن طريق جيتي إيمجز[/caption]


القاهرة: حسين البطراوي


معدل فقدان الوظائف كان الأسرع منذ خمس سنوات.. والبطالة تسجل 13 في المائة..
12 في المائة الفجوة بين معدل الادخار والاستثمار..والقطاع العقاري يقود النمو
..تقرير لمؤسسة «كابيتال إيكونوميكس للأبحاث» يتوقع تباطؤ نمو الاقتصاد المصري وتواصل انكماش قطاع السياحة وانخفاض متوقع في قيمة الجنيه




تأخر الإصلاح الاقتصادي في مصر لسنوات طويلة امتدت لعشرات السنين.. كان آخر محاولة للإصلاح عام 1996 ولم تكتمل.. حيث نجحت مصر في الاتفاق مع صندوق النقد والبنك الدوليين في إصلاح الأوضاع المالية.. لكن المحاولة لم تكتمل بإعادة هيكلة الاقتصاد.. وبدأت المؤشرات الاقتصادية في التراجع تدريجيا حتى وصلت الآن إلى ما قبل 1996 من ارتفاع معدلات التضخم، وزيادة الديون، وزيادة عجز الموازنة العامة للدولة، فضلا عن تراجع قيمة الجنيه أمام العملات الأجنبية.
تأخر الإصلاح الاقتصادي تدفع مصر ثمنه الآن من سياسات انكماشية واسعة تضرب الطبقات المتوسطة والفقيرة، لكن تأجيل السياسات التقشفية لم يعد ممكنا نتيجة تردي الأوضاع الاقتصادية، ويتطلب الأمر توزيعا عادلا لأعباء الإصلاح الاقتصادي.
فقد كشفت تقارير اقتصادية عن تزايد وتيرة انكماش القطاع الخاص غير المنتج للنفط في مصر في أغسطس (آب) الماضي، بعد أن تراجع بقوة في بداية الربع الثالث من العام، ما أدى إلى تسارع معدل فقدان الوظائف على وجه الخصوص بمستوى قياسي. في الوقت الذي وقعت فيه مصر اتفاقا مع صندوق النقد الدولي، للحصول على قرض يصل إلى 12 مليار دولار على مدى ثلاث سنوات، في محاولة لإعادة هيكلة الاقتصاد المصري الذي شهد انهيارا منذ ثورة 25 يناير (كانون الثاني).
ولم يؤد الاتفاق مع الصندوق للحصول على شهادة دولية بجدية الإصلاحات المصرية لأوضاع الاقتصاد في التخفيف من مخاوف المستثمرين، بل على العكس زاد الاتفاق من المخاوف، خصوصا في ظل غياب الشفافية حول الإجراءات و«مشروطية» الصندوق، فيما يتعلق بسعر الصرف وأسعار الفائدة، وغياب إجراءات كبح التضخم الذي ارتفع إلى رقم قياسي، ولامس التضخم 17 في المائة لأول مرة منذ تطبيق مصر لسياسات ما يسمى«الإصلاح الاقتصادي» عام 1996.
بنك الإمارات دبي الوطني أصدر دراسة مسحية حول أوضاع الاقتصاد المصري، الشهر الماضي، أشار فيها إلى أنه «في الوقت الذي كانت الشركات مترددة في الدخول في أي نشاط شرائي بسبب تضخم التكاليف بشكل كبير، حيث ارتفعت أسعار المشتريات إلى أعلى مستوى لها في ظل ضعف العملة المحلية، انخفضت إمدادات المواد الخام». وأن «ضغوط التكلفة غلبت كثيرا على محاولات جذب عملاء جدد من خلال التخفيضات».



تدهور الإنتاج والتوظيف




وأشار التقرير إلى أن تدهور الإنتاج والطلبات الجديدة تزداد سوءًا بسبب الزيادات الحادة في التكلفة ونقص المواد الخام الناتج عن ذلك، إضافة إلى تراجع معدلات التوظيف بوتيرة قياسية. وأظهر المسح أن معدل فقدان الوظائف كان الأسرع منذ بدء عمل المؤشر قبل نحو خمس سنوات ونصف السنة. وقالت شركات من القطاع الخاص إن «عددا من الموظفين تركوا وظائفهم بحثا عن فرص عمل أفضل».
تؤكد نتائج التقرير الحاجة الملحة لبدء برنامج الإصلاح الاقتصادي واسع النطاق. والأهم من ذلك تسلط بيانات المسح الضوء على الحاجة المستمرة لاعتماد نظام سعر صرف يتسم بمرونة أكبر من أجل تحقيق معدل صرف تعادلي للجنيه المصري في السوق.



انكماش السياحة



تقرير آخر لمؤسسة «كابيتال إيكونوميكس للأبحاث» يتوقع تباطؤ نمو الاقتصاد المصري هذا العام مع انكماش قطاع السياحة وانخفاض متوقع في قيمة الجنيه، لكن التقرير أشار إلى إمكانية تحسن أوضاع الاقتصاد بدءا من عام 2017.
التقرير أشار إلى أنه «في ظل موجة الانكماش الجديدة التي يشهدها قطاع السياحة بعد سقوط الطائرة الروسية في سيناء، وانخفاض قيمة الجنيه فمن المتوقع تباطؤ نمو الناتج المحلي الإجمالي إلى نحو 3 في المائة هذا العام مقارنة بـ3.5 في المائة عام 2015». وتوقع التقرير أن يصل معدل النمو إلى نحو 4 في المائة مع بدايات عام 2017. وأشار التقرير إلى أن إيرادات السياحة ستنخفض بنحو 3.5 مليار دولار أو ما يعادل 1.3 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي خلال العام الحالي.



معدل الادخار والاستثمار




وقال تقرير لوزارة التخطيط المصرية حول أداء الاقتصاد خلال الشهور التسعة الأولى من العام المالي 2015 - 2016، إن الطلب المحلى ما زال المحفز الأساسي للنمو في مصر، حيث تجاوز معدل الاستهلاك 94 في المائة خلال الربع الثالث، و95 في المائة خلال الشهور التسعة الأولى من عام 2015 - 2016، ما يعني انخفاض معدل الادخار المحلي إلى 5 في المائة فقط، ليسجل فجوة كبيرة بين معدل الادخار ومعدل الاستثمار، وصلت إلى أكثر من 12 في المائة، حيث سجل معدل الاستثمار نحو 17 في المائة، وبالتالي انخفاض معدل الاستثمار والتجارة الخارجية المصرية.
وأشار التقرير إلى أن الصناعات الاستخراجية شهدت انخفاضا كبيرا خلال الربع الثالث بلغ سالب 6.1 في المائة، نتيجة انخفاض أسعار البترول والغاز الطبيعي، وانخفاض حجم إنتاج الزيت الخام، كما نما قطاع المطاعم والفنادق بالسالب 34 في المائة كنتيجة لانخفاض عدد الليالي السياحية بنحو 66 في المائة، وعدد السائحين بنحو 46.5 في المائة.
فيما حقق قطاع التشييد والبناء نموا بنسبة 12 في المائة، والأنشطة العقارية بنسبة 2.9 في المائة، والصناعات التحويلية بنسبة 2 في المائة، والاتصالات بنسبة 5 في المائة.



سياسة انكماشية




الحكومة المصرية منذ تولي الرئيس عبد الفتاح السيسي تبنت سياسة التقشف، فتأجيل السياسات التقشفية لم يعد ممكنا نتيجة تردي الأوضاع الاقتصادية، فالخطاب الانتخابي للرئيس السيسي منذ ترشحه للرئاسة كان يتبني نهجا واقعيا يقوم على تخفيض سقف توقعات المواطنين تجاه الدولة في ظل أوجه الاختلال الهيكلي التي أصابت بنية الاقتصاد على مدار السنوات الثلاث التالية للثورة، ما أدى إلى استنزاف الموارد والاحتياطات النقدية، والاعتماد على الاقتراض الخارجي، وهو ما جعل قرارات خفض الإنفاق الحكومي بمثابة «العلاج المر» على حد تعبير الرئيس السيسي، حسبما قال الدكتور محمد عبد الله يونس، المدرس المساعد في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة.
فقد اتخذت الحكومة المصرية منذ مطلع يوليو (تموز) الماضي عدة إجراءات اقتصادية ذات طابع انكماشي هدفها خفض الإنفاق الحكومي، وتقليص عجز الموازنة، حيث خفضت عجز الموازنة من 12 في المائة إلى 10 في المائة، بعدما رفض الرئيس اعتماد النسخة الأولى من الموازنة، حيث خفضت الحكومة دعم الطاقة وبند الأجور وإعادة هيكلة الدعم السلعي، وتمرير قانون ضريبة القيمة المضافة لرفع الإيرادات، وتعديل قانون الضريبة العقارية لتشمل المحلات التجارية التي تزيد قيمتها الإيجارية عن مائة جنيه شهريا بواقع 10 في المائة من الإيجار السنوي كل عام، وتعديل بعض بنود قانون الجمارك.



المعطيات الاجتماعية




تحقق سياسة التقشف الاقتصادي وفرات مالية، وتحد من النفقات العامة للحكومة المصرية، غير أن هذه السياسة دائما ما تتناقض مع المعطيات الاجتماعية في ظل ارتفاع نسبة الفقر إلى 26.3 في المائة، وتصاعد معدل البطالة ليتجاوز نحو 13 في المائة.
وتشير الدراسات الاقتصادية إلى أن تكلفة سياسات خفض الإنفاق الحكومي دائما تتحملها الطبقة الوسطى الحضرية، خصوصا من ذوي الدخول الثابتة غير القابلة للارتفاع، بينما تعاني بعض القطاعات المجتمعية من آثار مدمرة تشمل العمالة منخفضة المهارات، والمهاجرين الجدد إلى الحضر، والشباب حديثي التخرج قليلي الخبرة، وموظفي القطاع العام، وهو ما يؤدي إلى اتساع شريحة الفقر في المجتمع، خصوصا في المناطق الطرفية الأكثر معاناة من التهميش، وانعدام الاتزان في عوائد التنمية، فضلا عن ارتفاع معدلات التضخم نتيجة لخفض الدعم الحكومي، إضافة إلى التأثير السلبي على الاستثمار والقطاعات الاقتصادية المختلفة، حيث يتوقف هذا التأثير على مدى قدرة تلك القطاعات على التكيف مع السياسات التقشفية، حيث إن ارتفاعَ الأسعار، واستنزاف الدخول الثابتة للشرائح الأوسع نطاقًا، قد يتسببان في إحجامهم عن الإنفاق الاستهلاكي، وهو ما يؤدي إلى انكماش سوق السلع الاستهلاكية والخدمات، وسيطرة الركود على التعاملات الاقتصادية، ومن ثم التسبب في خسائر للشركات والمصانع الأقل في حجم نشاطها الاقتصادي، ما يؤدي إلى تصاعد الاحتكار، وسيطرة كبار المنتجين على قطاعات اقتصادية متعددة، ما يزيد من أثر ارتفاع الأسعار، وارتفاع معدلات البطالة في المجتمع.
ويخلص الدكتور محمد عبد الله يونس إلى أن تطبيق السياسات التقشفية لا بد أن يقترن بعدة مشروطيات اجتماعية تحقق أهدافها الاقتصادية، أولها التوازن في توزيع الأعباء، بحيث يتحمل ذوو الدخل المرتفع من سكان الحضر العبء الأكبر، في حين يتم توجيه سياسات تعويضية لمحدودي الدخل خصوصا في المحافظات الطرفية الأكثر فقرًا. وثانيها يتمثل في العدالة والمساواة وعدم استبعاد بعض القطاعات والمؤسسات الأكثر تأثيرًا ونفوذًا من دفع تكلفة التحولات الاقتصادية. وثالثها يتمثل في تطوير آليات كفئة للرقابة على الأسواق والحد من ارتفاع الأسعار وسياسات هادفة لمنع الاحتكار. ورابعًا توجيه دعم نقدي مباشر للشريحة الأكثر فقرًا في المجتمع، والإسراع في تطبيق سياسات الحدين الأدنى والأقصى للأجور دون تمايزات قطاعية. كما يجب أن تتدخل الدولة كمحفز للاقتصاد من خلال مشروعات تنموية عملاقة، وتوجيه ما يتم توفيره من نفقات لإصلاح التعليم الأساسي التعليم الفني الارتقاء بالبنية التحتية لمعالجة مواضع الخلل الاجتماعي.
font change