* الحكومة ترى في القرض ضرورة لاستعادة الثقة وتحقيق الإصلاح الاقتصادي.. والمعارضة تحذر من تكرار «انتفاضة الخبز» وزيادة الديون ورفع الأسعار
* تعويم الجنيه وخفض دعم المحروقات والخصخصة والقيمة المضافة أبرز بنود الاتفاق.. و12 مليار دولار من الصندوق و6 مليارات دولار من المؤسسات الدولية و3 مليارات دولار سندات لتمويل البرنامج
القاهرة: حسين البطراوي
ما بين الأمل في إصلاح اقتصادي حقيقي.. ومخاوف من تدهور المؤشرات الاقتصادية وعودة الإضرابات الشعبية.. وقّعت مصر اتفاقا جديدا مع صندوق النقد الدولي لإقراضها 12 مليار دولار على مدى ثلاث سنوات.
الاتفاق شهد معارضة كبيرة وجدلا بين الاقتصاديين ما بين القبول والرفض؛ مما دعا صندوق النقد الدولي إلى إصدار نشرة – لأول مرة في تاريخه - يجيب فيها عن التساؤلات المثارة حول الاتفاق مع الصندوق في محاولة لتهدئة الرأي العام المصري، الرافض لشروط الصندوق، خصوصا أن مشروع قانون الخدمة المدنية، وهو أحد شروط الصندوق خلال مشاورات عام 2015 قد تم رفضه في مجلس النواب، بعد أن شهدت البلاد مظاهرات عارمة رافضة للقانون، لكن حكومة الدكتور شريف إسماعيل، الحالية، أصرت على المشروع وتم تعديله، والموافقة عليه بعد جدل عنيف في البرلمان ورفع العلاوة الدورية من 5 في المائة إلى 7 في المائة.
أما مشروع القانون الثاني، الذي يدخل في إطار الاتفاق مع الصندوق، فهو التحول إلى القيمة المضافة، الذي أعده الصندوق، وشهد جدلا عنيفا في أروقة البرلمان وتحذيرات من موجة تضخمية عند تطبيق القانون، وارتفاع الأسعار بنحو 4 في المائة في المتوسط؛ مما يرفع من معدل التضخم الذي وصل إلى 12.5 في المائة الشهر الماضي.
وتستند المعارضة لاتفاق الصندوق، خصوصا القوى اليسارية، إلى تاريخ الصندوق في مصر والذي أدى تطبيق مشروطيته إلى معاناة الشعب، وانتشار الفساد والاحتكارات والبطالة، وقد أطلق بعض المصريين على صندوق النقد الدولي وصف «صندوق النكد الدولي».
تاريخ من الأزمات
لم تلجأ مصر إلى صندوق النقد الدولي سوى ثلاث مرات فقط، مرة في عهد الرئيس الراحل أنور السادات، ومرتين في عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك. رغم انضمام مصر إلى عضوية صندوق النقد الدولي في ديسمبر (كانون الأول) عام 1945. ولجأت مصر للاقتراض من الخارج لأول مرة في تاريخها في عهد السادات، حيث اتفقت مع صندوق النقد الدولي على قرض بقيمة 185.7 مليون دولار لحل مشكلة المدفوعات الخارجية المتأخرة وزيادة التضخم.
وبعد الاتفاق على القرض والموافقة على شروط الصندوق خرج رئيس المجموعة الاقتصادية لحكومة السادات عبد المنعم القيسوني في 17 يناير (كانون الثاني) 1977 ليعلن أمام مجلس الشعب قيام الحكومة باتخاذ مجموعة من القرارات الاقتصادية التي وصفها آنذاك بـ«الضرورية والحاسمة»، التي أدت إلى ارتفاع أسعار السلع الأساسية مثل الخبز والبنزين والبوتاجاز والسكر والأرز، وغيرها من السلع بزيادة تتراوح بين 30 و50 في المائة.
وبدأ الصدام وقتذاك بين الحكومة والشعب الذي خرج في مظاهرات عارمة، وسادت حالة من الفوضى في البلاد، وهي المظاهرات التي أطلق عليها السادات «انتفاضة الحرامية»، في حين أطلقت عليها القوى السياسية «انتفاضة الخبز»؛ وهو ما دفع السادات إلى فرض حالة حظر التجول وأمر الجيش بالنزول إلى الشارع للسيطرة على المظاهرات. وسرعان ما تراجعت الحكومة عن هذه القرارات لتفادي مزيد من التوتر والمظاهرات الشعبية في البلاد.
أما الاقتراض الثاني، فكان في عهد مبارك أثناء حكومة عاطف صدقي، حيث اقترضت مصر حينها 375.2 مليون دولار لسد عجز الميزان التجاري، بعد تدهور المؤشرات الاقتصادية كافة، وهو ما عرف بـ«الإصلاح الاقتصادي»، وشمل البرنامج التثبيت والتكيف الهيكلي، واستطاع رئيس وزراء مصر الأسبق، صدقي، استغلال هذا القرض لعمل إصلاح اقتصادي حقيقي في البلاد، حيث قام بتحرير سعر الصرف وإفساح المجال لمشاركة القطاع الخاص.
[caption id="attachment_55255488" align="alignleft" width="300"] كريستين لاغارد[/caption]
وقام صدقي آنذاك بإنعاش سوق المال والبورصة، وتعديل القوانين المنظمة للاقتصاد وتقليص دور القطاع العام، وفي تلك الحقبة الزمنية زاد الاحتياطي النقدي وانخفض معدل التضخم واستقرت أسعار السلع.
لكن الحكومة ركزت على القطاع المالي فقط، دون إعادة هيكلة الاقتصاد، وأدى تطبيق برنامج الخصخصة الذي فرضته المفاوضات مع صندوق النقد والبنك الدوليين إلى بيع أحد بنوك القطاع العام «بنك الإسكندرية»، وخلق البرنامج حالات احتكارية في السوق المصرية، خصوصا في مجالات صناعات الإسمنت والمواد الغذائية، فضلا عن إهمال تطبيق شبكة الضمان الاجتماعي التي اقترحها الصندوق، والتوسع في الإحالة للمعاش المبكر لتسريع الخصخصة؛ مما زاد من معدلات البطالة.
المرة الثالثة التي لجأت فيها مصر للاقتراض من صندوق النقد، كانت في عام 1996، حيث طلبت مصر قرضا بقيمة 434.4 مليون دولار، ولم تسحب مصر قيمة هذا القرض واعتبر لاغيا، ولكنه شكل إطارا سمح لمصر بالحصول على إلغاء لـ50 في المائة من ديونها المستحقة لدى الدول الأعضاء في نادي باريس الاقتصادي.
مرحلة جديدة للتعامل مع «الصندوق»
طالبت مصر بالحصول على قرض من «الصندوق» في عهد المجلس العسكري، عقب سقوط حكم مبارك، وطلبته مرتين في عهد الرئيس الأسبق محمد مرسى، كانا أقرب إلى حصول مصر عليها، فقد تمت الموافقة على القرض، كما طالبت بزيادته من 3.2 إلى 4.7 مليار دولار، ولكن رفض مرسي تنفيذ الكثير من الإصلاحات التي تم الإعلان عنها أدى إلى تعليق المفاوضات.
وبعد التوقيع مع الصندوق أخيرا بالموافقة على حصول مصر على 12 مليار دولار، طالب عدد من القوى السياسية والشخصيات العامة الرئيس عبد الفتاح السيسي بوقف إجراءات الحصول على القرض، وقالت قوى سياسية عدة إن السلطة التنفيذية اتخذت إجراءات مالية واقتصادية بالغة الحدة والقسوة على أغلبية الشعب وشرعت فيها قبل الإعلان عن تلك المفاوضات في تجاهل للشعب بنقاباته واتحاداته وقواه السياسية. وأن السلطة التنفيذية قامت بالتنسيق مع البنك المركزي بتعويم جزئي للجنيه المصري؛ تمهيدًا لتعويم كلي امتثالاً لشروط صندوق النقد الدولي.
وحذر البعض الآخر من فريق الرافضين من أن تطبيق برنامج الصندوق سيؤدي إلى زيادة الدين الخارجي بنحو 50 في المائة. ويبلغ حجم الدين الخارجي حاليا 53.5 مليار دولار، خصوصا أن الاتفاق مع الصندوق يتطلب أيضا حصول مصر على قروض تصل إلى 7 مليارات دولار، فضلا عن إصدار صكوك بالدولار في أسواق المال العالمية بنحو 3 مليارات دولار، لتوفير الأموال اللازمة لتنفيذ الاتفاق مع الصندوق.
وطرحت قوى سياسية متشككة في تداعيات الاتفاق مع صندوق النقد الدولي برنامجا للإصلاح الاقتصادي بعيدا عن الاتفاق مع الصندوق، وقالوا: إن الاقتصاد المصري تلقى عددا من الصدمات الخارجية السلبية أدت إلى انخفاض إيرادات السياحة وتحويلات العاملين بالخارج وتراجع الاستثمارات الأجنبية وتباطؤ النمو، وأصبح الاقتصاد يعانى نوعين من العجز هما: عجز داخلي وعجز خارجي، نتج منهما مستويات خطيرة للدين العام، وارتفاع معدلات التضخم بنسبة 14 في المائة سنويا، وانخفاض الاحتياطي من النقد الأجنبي إلى 15.5 مليار دولار، وزعزعة قيمة الجنيه.
وجوهر برنامج الصندوق تقليص دعم الطاقة (برفع أسعار الكهرباء للمنازل بمتوسط 42 في المائة وإلغاء دعمها للمصانع تمامًا)، وتجميد الأجور، وفرض ضريبة القيمة المضافة، والخصخصة، وتخفيض الجنيه، ومزيد من الاقتراض الداخلي والخارجي.
وجهة النظر الأخرى لدى بعض القوى السياسية ترى أن برنامج الصندوق من الناحية الاقتصادية قد يحقق بعض الإيجابيات، مثل جذب استثمارات أجنبية إلى البورصة، لكن سلبياته ستكون أكثر، وسيولد موجة غلاء شديدة تؤدي إلى إفقار متزايد للطبقات الدنيا والوسطى وتضر بالعدالة الاجتماعية، ولن يعيد للاقتصاد المصري توازنه المفقود، وقد ينتهي بزعزعة الاستقرار الاجتماعي والسياسي.
برنامج بديل
أما البرنامج البديل الذي طرحته القوى السياسية فيتمثل في تطبيق برنامج جاد للتقشف لتقليل الطلب الكلي، وإجراءات لدفع عجلة الإنتاج لزيادة العرض الكلي، وإعادة النظر في الإنفاق الحكومي غير الضروري، ومراجعة قائمة المشروعات الكبرى وتأجيل بعضها وإلغاء البعض الآخر، مثل مشروع العاصمة الجديدة. والعمل على تشغيل المصانع المعطلة. وبدلاً من ضريبة القيمة المضافة، يؤخذ بنظام الضريبة التصاعدية على الدخل ويعاد العمل بالضريبة على الأرباح الناتجة من معاملات البورصة. ووضع سقف معلن للدين العام لا يمكن تجاوزه لحماية الأجيال المقبلة، ومحاربة الفساد، ووضع حد أقصى لزيادة كمية النقود بمعدل يساوي زيادة الإنتاج لضمان الاستقرار النقدي ووضع قيود على الواردات إعمالاً لحقوق مصر بصفتها عضوا في منظمة التجارة العالمية طبقًا للمادة 18 - بـمن اتفاق الجات، وتغيير نظام سعر الصرف بربط الجنيه المصري بسلة عملات بدلاً من المعمول به حاليًا وهو الربط بالدولار الأميركي فقط. وإصدار تشريعات لتحقيق الكفاءة والعدالة: بالذات تعديل قانون إيجارات العقارات القديمة وقانون العلاقة الإيجارية للأراضي الزراعية.
برنامج الصندوق
يهدف برنامج صندوق النقد إلى تحسين عمل أسواق النقد الأجنبي، وتخفيض عجز الميزانية والديون، وزيادة معدل النمو، كما يتضمن البرنامج تعزيز شبكة الأمان الاجتماعي لحماية الفقراء ومحدودي الدخل. وتمثل الحماية الاجتماعية حجر زاوية في هذا البرنامج. ويهدف الاتفاق أيضا إلى دعم برنامج الحكومة للإصلاح الاقتصادي من خلال «تسهيل الصندوق الممدد» الذي يغطي ثلاث سنوات. ويرتهن هذا الاتفاق بموافقة المجلس التنفيذي للصندوق.
وستكون ركيزة سياسة المالية العامة للحكومة هي وضع الدين العام على مسار نزولي واضح نحو مستويات مستدامة، من المتوقع أن ينخفض دين الحكومة العامة من نحو 98 في المائة من إجمالي الناتج المحلي في 2015-2016 إلى نحو 88 في المائة من إجمالي الناتج المحلي في 2018-2019.
وتستهدف السياسة المالية خفض عجز الموازنة من خلال زيادة الإيرادات وترشيد الإنفاق بهدف إتاحة الموارد العامة للاستخدام في الإنفاق على البنية التحتية والصحة والتعليم والحماية الاجتماعية. وستقوم الحكومة بتطبيق قانون ضريبة القيمة المضافة بعد موافقة مجلس النواب، وترشيد دعم الطاقة، وستعمل على تحقيق تقدم في تنفيذ الإصلاحات الهيكلية للمساعدة في زيادة الاستثمار وتعزيز دور القطاع الخاص.
وبحسب البرنامج، سيتم توجيه جانب من وفورات الموازنة المتحققة من الإجراءات الإصلاحية نحو الإنفاق على التحويلات النقدية الاجتماعية، وبالتحديد في مجالات دعم الغذاء والتحويلات الاجتماعية الموجهة إلى المستحقين، والحفاظ على مخصصات التأمين والغذاء لمحدودي الدخل، ودعم ألبان وأدوية الأطفال، ووضع خطة لتحسين برامج الوجبات المدرسية، والتأمين الصحي للأطفال والمرأة المعيلة، والتدريب المهني للشباب. وستُعطى أولوية أيضا للاستثمار في البنية التحتية.
وستهدف السياسة النقدية والصرف التي ينتهجها البنك المركزي إلى رفع كفاءة أداء سوق النقد الأجنبي، وزيادة الاحتياطيات الأجنبية، وخفض التضخم إلى خانة الآحاد أثناء فترة البرنامج. ويتيح الانتقال إلى نظام مرن لسعر الصرف، تعزيز القدرة التنافسية، ودعم الصادرات والسياحة، وجذب الاستثمار الأجنبي المباشر. ومن شأن ذلك أن يدعم النمو وفرص العمل ويخفض احتياجات التمويل. وستهدف الإصلاحات الهيكلية إلى تحسين مناخ الأعمال، وتعميق أسواق العمل، وتبسيط اللوائح، وتشجيع المنافسة.
«الصندوق» وطموح المصريين
لكن هل يحقق الاتفاق مع صندوق النقد الدولي طموح الشعب المصري؟ وهو السؤال الذي يحسم القضية، خصوصا أن ثورة 25 يناير 2011 و30 يونيو (حزيران) 2013 قد رفعت من طموحات الشعب. الإجابة والمصارحة هي التي تحدد قبول أو رفض البرنامج؟ وبحسب الدكتور حازم الببلاوي، رئيس الوزراء المصري الأسبق والمستشار في صندوق النقد الدولي، فقد قال في تصريحات صحافية إن «توقيع الحكومة المصرية على قرض مع صندوق النقد الدولي شيء جيد.. ولكنه غير كاف لتحقيق آمال وطموحات الشعب المصري». وأضاف: «الوضع الحالي به صعوبة، ولكن الاتفاق الذي تم مع صندوق النقد الدولي سيعطي شهادة ثقة بأن الاقتصاد المصري والسياسات الموضوعة حاليا مشجعة وتطمئن الجميع على أن مصر تسير في الطريق الصحيح من خلال إصلاحات حقيقية وضعتها الحكومة».
وأشار الببلاوي إلى أن «نجاح البرنامج مسؤولية كل من الحكومة والشعب، فالحكومة إذا وضعت برامج لا يستجيب لها الشعب، فإنه من الصعب تحقيق أي تقدم، كذلك فإن الشعب إذا لم يجد حكومة تفتح له آفاقا جديدة في النمو والتشغيل فإنه لن يكتب لأي برامج النجاح».
تقرير آخر أشار إلى أن مصر تحتاج إلى أمرين، الإصلاح الاقتصادي والمساعدة المالية، بحسب مركز الأبحاث الأميركي البارز «المجلس الأطلنطي»، مشيرا إلى أن حاجة مصر إلى الاقتراض من صندوق النقد ليس مؤشرا على أن الاقتصاد سليم، بل على النقيض فإنه يعكس الوضع الاقتصادي الصعب في أحسن الأحوال.
فالمأزق بالنسبة لمصر يتعلق بكيفية الخروج من الواضع الراهن، بالحد الأدنى من الضرر، حيث سيتحمل السكان عبئًا صعبًا؛ فالتركيبة السكانية في مصر ليست مشجعة في هذا الصدد، ووفقًا لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، يعيش أكثر من 26 في المائة من السكان في مصر تحت خط الفقر، بينما، بحسب الإحصاءات الرسمية للحكومة، يمكن لهذا الوصف أن ينطبق على نحو نصف الشعب المصري.
وبينما ستعالج الإصلاحات الاقتصادية التي يشترطها صندوق النقد، فإن هناك قضية أكثر أهمية على المدى البعيد وهي ما يتعلق بإصلاح التعليم، فمصر لن تكون قادرة على توفير قوى عاملة مؤهلة لسوق العمل من دون إصلاح تعليمي.
وأشار التقرير إلى أن تنفيذ أي إصلاحات في مصر يتطلب قدرًا من القيادة والإرادة السياسية؛ فالأمر لا يتعلق بمجرد القرار الأولي، ولكن المتابعة والإصرار والالتزام بتنفيذ هذه الإصلاحات رغم قسوتها، كما ستحتاج مصر إلى التزام سياسي داخلي من أعلى المستويات في الدولة لدفع هذه التدابير.
وخلص التقرير إلى أن الحكومات المصرية المتعاقبة وحتى الحالية تعرف أن أي محاولات إصلاح اقتصادي سترهق القطاعات الفقيرة أولاً، وطالما عملت على تأخير البدء في هذه الإصلاحات، حيث أجلت الأمر الذي لا مفر منه؛ لذا فإن الوضع أصبح أسوأ مع مرور الوقت. وأضاف أن أفضل ما يمكن لمصر أن تأمله هو الحد من صعوبة وتداعيات تطبيق هذه الإصلاحات الاقتصادية وتقصير مدتها.
أدوات تجميل
اعتبرت «وكالة بلومبيرغ» أن السياسات المصرية الأخيرة كان لها دور رئيسي في الضغوط التي يعاني منها الاقتصاد في هذا البلد في الوقت الحالي، نافية أن تكون الحوادث الإرهابية التي ضربت قطاع السياحة هي وحدها المسؤولة عن مشكلات الاقتصاد. وقالت الوكالة إن حزمة التمويل الموجهة لمصر التي أعلن عنها صندوق النقد الدولي مؤخرا، تمثل مساعدة ضرورية للاقتصاد في ظل ما يعانيه من تباطؤ وارتفاع لمعدلات البطالة والتضخم.
وبلغ معدل البطالة خلال الربع الثاني من العام الحالي 12.5 في المائة من قوة العمل، فيما وصل التضخم في يوليو (تموز) الماضي إلى 14.8 في المائة، وفقا للبيانات الرسمية. وأشارت الوكالة إلى أنه رغم تلقي حكومات الرئيس السيسي مساعدات سابقة من الخليج، فإنها لم تحسن من وضع الاقتصاد، حيث وصل عجز الموازنة إلى 12 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، في الوقت الذي يقتصر فيه العجز في دولة مثل تونس التي عايشت ظروفا مماثلة لمصر عند 4.4 في المائة.
وكان محمد العريان، الخبير الاقتصادي العالمي، قد كتب في مقال على شبكة بلومبيرغ الأميركية قبيل المؤتمر الاقتصادي في شرم الشيخ أن الهدف ليس فقط إرساء استقرار الاقتصاد، ولكن أيضا إطلاق الإمكانات الكبيرة غير المستغلة في البلاد. فبرغم أن مصر لديها أصول بشرية ومادية كبيرة، غير أن تلك الإمكانات تراجعت مرارا وتكرارا بسبب العوامل السياسية والجمود البيروقراطي.
ولأجل تحقيق تلك الغاية، فإن الإجراءات الفورية لتحقيق استقرار الاقتصاد تصحبها ثلاث ركائز يعزز بعضها بعضا من أجل إصلاح اقتصادي دائم. أولى هذه الركائز تتمثل في تعزيز النمو الفعلي والمحتمل وتوفير فرص العمل، بما في ذلك قانون جديد للاستثمار للحد من أوجه القصور وزيادة حماية الاستثمار وتقديم حوافز مستهدفة، وإصلاح الدعم من أجل دعم مستهدف للقطاعات الأكثر ضعفا في المجتمع.
والأمر الثاني يتحدد في تشجيع البرامج التي تركز على قطاعات محددة بالتأكيد على مجالات اقتصادية واجتماعية مهمة، مثل التعليم والصحة والإسكان والطاقة والبنية التحتية وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات. أما الأمر الثالث، فهو خلق إطار للاقتصاد الكلي الذي يستهدف تحقيق النمو الشامل المستدام ويتم مشاركة فوائده مع الشعب على نطاق واسع، مع تأكيد خاص على حماية القطاعات الضعيفة.
وقال العريان: إن هناك أربعة تحولات مهمة لبناء اقتصاد أكثر ازدهارا، أولها تحسين تنفيذ السياسات لضمان أن تصميم البرامج يشمل تنفيذا يقوم بالتعديل في الوقت المناسب، وفقا للتطورات التي تحدث في اقتصاد عالمي متقلب بشكل مستمر. وثانيا: إبعاد التنمية الاقتصادية عن الاعتماد على النمو الذي تقوده الدولة، ونحو نموذج أكثر شمولا يكمل مشروعات وطنية عامة مع وجود شراكات بين القطاعين العام والخاص.
وثالثا: إعادة هيكلة المؤسسات المحلية لكي تكون أكثر كفاءة وشفافية ومساءلة وشمولا، وأن تلبي احتياجات كل الشعب المصري وليست قلة تحظى بامتيازات. ورابعا: توسيع الدعم الخارجي للإصلاحات الداخلية التي تقوم بها مصر من شركاء قليلين إلى مجموعة أكبر من المانحين، بما في ذلك مؤسسات إقليمية ومتعددة الأطراف.