القاهرة: عبد الستار حتيتة
«القائد المنتصر في الحرب لا يعود إلى البيت»، عادة، لكنه يبحث عن مقعد سياسي، أو يواصل القتال في جبهات أخرى. فما الخطوة التالية التي ستقوم بها قوات «البنيان المرصوص» الليبية.لقد تمكنت من دحر تنظيم داعش في سرت حتى الآن. دفعت ثمنا باهظا. وصل عدد القتلى، منذ بدء الحملة في مايو (أيار) الماضي، حتى نهاية الشهر الماضي، إلى نحو 500، والجرحى إلى أكثر من ألفين.
أغلب مقاتلي عملية «البنيان المرصوص» ينتمون لمدينة مصراتة التي يحلو للبعض أن يطلق عليها، بعد عام 2011، «مدينة الحرب». وتعمل هذه القوة، اسميا، في الوقت الراهن، تحت سلطة فايز السراج رئيس المجلس الرئاسي ومقره طرابلس.
في ليبيا، توجد عدة قوات عسكرية وشبه عسكرية أخرى، لا تنظر بارتياح للسراج وحكومته، ولا إلى «ميليشيات مصراتة» المندفعة بآلياتها الحربية المنهوبة من مخازن جيش القذافي. ولم تشارك القوى الليبية الأخرى مصراتة في الحرب على «داعش سرت».. فمن هذه القوى، وماذا يمكن أن تفعله في مستقبل البلاد، وما نظرة الأطراف الدولية لها، خصوصا الولايات المتحدة الأميركية التي يبدو أنها اختارت أن توجه ضربات جوية لسرت فقط، تاركة باقي القوى الليبية تحارب وحدها
[caption id="attachment_55255395" align="alignright" width="300"] ليبي يبرز صورة لابنه الذي قتل الشهر الماضي خلال مشاركته القوات الموالية للحكومة في المعركة ضد «داعش» (غيتي)[/caption]
عرفت مصراتة الواقعة على الرمال البيضاء للبحر المتوسط على بعد نحو مائتي كيلومتر إلى الشرق من طرابلس العاصمة، بأنها مدينة تجارية وصناعية. وكانت محببة إلى قلب القذافي الذي درس فيها المرحلة الثانوية قبل أن يلتحق بالكلية الحربية في بنغازي في ستينات القرن الماضي. وفي الثورة المسلحة التي دعمها حلف الناتو قبل خمس سنوات، انتفضت مصراتة ضد القذافي، وتعرضت للحصار والقصف من قواته، وتلقت المدد من أجل المقاومة من مدن الشرق عبر مراكب كانت تنطلق من ميناء بنغازي محملة بالأسلحة والمقاتلين.
المشكلة دائما تتعلق بالخطوة التالية. حين بدأ حكام ليبيا الجدد في إدارة أمور البلاد في 2012 و2013، لوحظ أن قيادات مصراتة تنأى بنفسها عن الظهور على خشبة المسرح السياسي، وتفضل مواصلة الإمساك بالسلاح على الأرض، خصوصا أنها كانت في ذلك الوقت قد تمكنت من الاستيلاء على المعدات العسكرية الثقيلة من مخازن الجيش الليبي.. دبابات وصواريخ.. وغيرها.. معدات كان أغلبها مكدسا في مقرات تابعة لوزارة الدفاع، خصوصا في منطقة الجفرة القريبة من ناحية الجنوب من مدينتي مصراتة وسرت.
منذ ذلك الوقت، أصبح العالم يسمع لأول مرة عن مصطلح «الميليشيات الليبية»، وكانت مصراتة هي صاحبة العدد القوي من هذه التشكيلات شبه العسكرية وغير المنضبطة. وظهرت على السطح ميليشيات منافسة آتية من منطقة الزنتان القريبة من طرابلس من ناحية الجنوب الغربي. وظهرت في شوارع العاصمة في عهد حكومة الدكتور علي زيدان، منافسة محمومة بين هذه الميليشيات لفرض السيطرة على طرابلس، والقيام في الوقت نفسه بابتزاز الحكومة. وحاول زيدان وضع خطة لنزع أسلحة الميليشيات وتأسيس جيش وطني وشرطة، لكن الميليشيات عرقلت هذه الخطة، واختطفته ونكلت به إلى أن ترك موقعه.
رواتب الميليشيات الليبية
يحصل المقاتلون المنخرطون في الميليشيات الليبية على رواتب من خزانة الدولة، تحت اسم تأمين حدود البلاد وحراسة المقار الحكومية والرسمية، وجرى صرف الألوف من ملايين الدولارات لقادة وعناصر في الميليشيات. وعلى هذا، بدأت كل مجموعة تريد الحصول على أموال، في تشكيل ميليشيا مسلحة، وتقديم كشوف بأسماء منتسبيها من أجل تكليفها بالحراسة، والأهم صرف مقابل مادي لهذا العمل. ظل الأمر يسير على هذا المنوال رغم أن الحكومات التي جاءت بعد القذافي كان فيها وزير للدفاع وآخر للداخلية يقومان بكل شيء، ما عدا محاولة الاقتراب من عالم الميليشيات.
وخلال تلك المرحلة جرى قتل السفير الأميركي لدى ليبيا وثلاثة من مساعديه أثناء وجودهم بمقر القنصلية في بنغازي. بدأت الفوضى تدب في الدولة. وشعر العالم بالخطر. وبدأت ميليشيات منافسة تطل برأسها على سواحل بنغازي ودرنة وغيرهما، وهي تسعى للحصول على نصيبها من الملايين التي تنفقها الدولة على المجاميع المسلحة. وإذا تأخر صرف الأموال لأي سبب، تقوم الميليشيا بالهجوم على مقر البنك المركزي أو أحد فروعه أو اعتراض سيارات نقل الأموال الخاصة برواتب موظفي الدولة والشركات.
لا يخفى على أحد أن القوى التي هيمنت على إدارة البلاد بعد مقتل القذافي، سواء من خلال البرلمان (كان يعرف باسم «المؤتمر الوطني العام») أو من خلال الحكومة، كانت عبارة عن تشكيلة غير متجانسة وتفتقر للخبرة في الإدارة والسياسة. غالبية الوجوه كانت آتية من المنافي الأوروبية والأميركية، والوجوه الأخرى كانت قادمة من جبال أفغانستان، أو خارجة حديثا من سجون القذافي بعد أن كانت مدانة بتهم الانتماء لتنظيم القاعدة أو متهمة في قضايا لها صلة بالإرهاب.
ولا يخفى على أحد أيضا أن بعض القوى كانت لها ارتباطات بدول تدعمها وتدعم توجهاتها داخل ليبيا. لهذا بدأت المصالح تتقاطع. في ذلك الوقت كانت ميليشيات مصراتة ترابط على أبواب طرابلس الشرقية، أي على الحدود بين المدينتين، بينما كانت ميليشيات الزنتان تراقب الأمر على بوابات العاصمة من ناحية الغرب، فيما كان الليبيون من سكان المدن يشعرون بالقلق من المستقبل. لقد انتهز الناخبون أول فرصة لإجراء انتخابات برلمانية جديدة، وقاموا بعملية إقصاء لكل النواب ذوي التوجهات المتشددة والمتعصبة وغيرهم من وكلاء الميليشيات وأنصار المجاميع المسلحة. ولم يكن تنظيم داعش قد ظهر في ليبيا بعد.
هذا كان يحدث دون أن يكون هناك جيش نظامي حقيقي أو وزارة داخلية ذات سلطة تذكر. وبمرور الوقت، بدأ كل طرف يتحفز ضد الآخر في اتجاه العاصمة، إلى أن وقعت الحرب المعروفة باسم «حرب مطار طرابلس» في 2014 التي انتصرت فيها ميليشيات مصراتة وانسحبت فيها ميليشيات الزنتان، وجرى خلالها حرق المطار بما فيه من طائرات. وظلت خزانات الوقود الضخمة مشتعلة لعدة أيام وخسرت البلاد مليارات الدولارات في غمضة عين.
«الجماعة الليبية المقاتلة» الموالية لتنظيم القاعدة
ميليشيات مصراتة، أثناء عملية السيطرة الكاملة على طرابلس وأثناء الحرب ضد الزنتان، كانت متحالفة مع ميليشيات أخرى من جماعة «الإخوان» ومن «الجماعة الليبية المقاتلة» الموالية لتنظيم القاعدة. وظل هذا التحالف يحمل اسم «قوات فجر ليبيا» لفترة من الوقت. لكن بعد معركة مطار طرابلس وبعد تشكيل البرلمان الجديد، دبت الخلافات داخل التحالف الميليشياوي، خصوصا بعد أن تمكن نحو عشرين نائبا من المتشددين من الفوز في الانتخابات. كان السؤال: هل سيشاركون في اجتماعات البرلمان الجديد أم سيقفون ضده كما يريد قادة جماعة «الإخوان» وقادة «الجماعة الليبية المقاتلة» المتحصنين في طرابلس ومصراتة. وكان الخيار الكارثي، كما وصفه البعض، هو مقاطعة البرلمان، ومهاجمته أيضا، مما دفع غالبية النواب إلى الانتقال بعيدا، وعقد الجلسات في مدينة طبرق في أقصى شرق البلاد.
اتخذ البرلمان من فندق «السلام» في تلك المدينة الصغيرة مقرا له، وشكل حكومة لليبيا برئاسة عبد الله الثني، أطلق عليها «الحكومة المؤقتة». وردت الميليشيات على السلطات الجديدة المنتخبة من الليبيين، بعنف، وجرى تهديد من يشارك من النواب في أعمال البرلمان بالقتل. وبدأت أكبر حملة ميليشياوية لقتل المنتسبين للجيش والشرطة، حتى وصل عدد من جرى تصفيتهم خلال عام واحد لنحو 700 ضابط وجندي وغيرهم، بمن فيهم العسكريون الذين لم يعودوا إلى الخدمة منذ سقوط نظام القذافي.
[caption id="attachment_55255396" align="alignleft" width="212"] نائب رئيس وزراء حكومة الوفاق الوطني أحمد معيتيق، خلال مؤتمر صحافي عقد في طرابلس في 23 يوليو (غيتي)[/caption]
وبينما الأمور تجري على هذه الشاكلة، كان الفريق أول خليفة حفتر يعقد اجتماعات علنية في فنادق العاصمة طرابلس، بحثا عن مخرج، لكن جرى اتهامه من قبل الميليشيات المدعومة من البرلمان السابق بأنه يريد أن يدبر انقلابا وأن يفرض حكما عسكريا، وإعادة تجربة حكم القذافي. نعم.. فالبرلمان السابق (المؤتمر الوطني العام) استغل انتصار تحالف ميليشيات «فجر ليبيا» في معركة مطار طرابلس، وأعلن أنه مستمر في مباشرة أعماله، وشكل أيضا حكومة أطلق عليها اسم «حكومة الإنقاذ» برئاسة خليفة الغويل، ما زالت تعمل في العاصمة حتى يومنا هذا.
وزادت الأمور تعقيدا حين أصدر قادة في طرابلس أوامر بالقبض على حفتر لمحاكمته، وهنا رد حفتر بخبرته العسكرية الطويلة، وقام بإعادة تنظيم صفوف الجيش الذي كان قد تعرض للتفكك والانهيار تحت ضربات حلف الناتو المدمرة. ووقف ضد حفتر تحالف واسع من جميع الميليشيات ذات التوجهات المتشددة تقريبا إضافة إلى ميليشيات قطاع الطرق واللصوص. وأعلن تنظيم «أنصار الشريعة» في كل من بنغازي ودرنة موالاته لتنظيم داعش لأول مرة، وبدأ تدفق المقاتلين الأجانب، من البحر والبر، لتعضيد قوات الميليشيات في استهداف الجيش والبرلمان. وظهرت المراكب التي تأتي من شواطئ طرابلس ومن شواطئ مصراتة، محملة بالمقاتلين والأسلحة إلى سواحل بنغازي ودرنة.
هنا شعرت الأمم المتحدة والدول الغربية ودول الجوار الليبي بالخطر. وجرى إرسال مندوب من الأمين العام للمنظمة الدولية لإصلاح ذات البين بين الليبيين. وعقد لهذا الغرض أول اجتماع داخل ليبيا اسمه «اجتماع غدامس»، برئاسة المبعوث الأممي برناردينيو ليون. الهدف الأممي كان، في البداية، محاولة إقناع نواب المنطقة الغربية من المتشددين، بالعمل ضمن البرلمان الجديد، لكن الأمور انقلبت رأسا على عقب بنقل الحوار إلى خارج البلاد، حيث تغيرت طبيعة المفاوضات، وتحولت إلى العمل على إشراك البرلمان السابق بنوابه، وقياداته، في منظومة الحكم الجديدة، وأنه «لا بد من تقاسم السلطة» رغم أن البرلمان السابق أسقطه الليبيون في الانتخابات.
حكومة الثني
وتبنى قادة سياسيون في مصراتة هذا الطريق. ودعم المسار الجديد دول غربية على رأسها الولايات المتحدة الأميركية. وبدلا من العمل على تقوية الجيش والبرلمان وحكومة الثني، بدأ العمل على قدم وساق لإشراك منظومة الحكم التي لفظها الليبيون، في مستقبل ليبيا. وسار حوار «الصخيرات»، وهي بلدة تقع في دولة المغرب، بين الليبيين على هذا المنوال. وشعر البرلمان الجديد (في طبرق) وحكومته (في البيضاء) والجيش الذي يدعمه بقيادة حفتر (في بنغازي)، بأن الأمم المتحدة ودول غربية أخرى تسير في طريق مختلف. وأنه من الصعب الموافقة على مثل هذه الأمور.
حل مارتن كوبلر محل ليون. وقام كوبلر بزيارات مكوكية إلى كل من رئيس البرلمان المستشار عقيلة صالح، وحفتر، لإقناعهما بالموافقة على مخرجات حوار الصخيرات، الذي تضمن أن يكون رئيس المجلس الرئاسي، هو المختص باتخاذ ما يراه في شأن الجيش والمخابرات والأجهزة الأمنية. هذه النقطة معروفة باسم «المادة الثامنة». وهي تتعارض مع بنود موجودة في الإعلان الدستوري الذي يجري العمل به منذ سقوط نظام القذافي. وهي تنزع أيضا المسؤولية عن الجيش من يد رئيس البرلمان صالح، وبالتالي يكون وجود حفتر مستقبلا في خطر.
وبينما المفاوضات تجري بين القادة الليبيين، كانت مراكب الأسلحة والمقاتلين تتدفق على الميليشيات التي تحارب حفتر والبرلمان، تحت سمع وبصر الخصوم الليبيين في الغرب، وتحت سمع وبصر المجتمع الدولي. كانت شوكة تنظيم داعش تزداد قوة في درنة وبنغازي، في مواجهة الجيش الذي يقوده حفتر المحروم من السلاح.. جيش مفروض عليه حظر تسليح من الأمم المتحدة، ويعاني من ضعف الإمكانات عموما، ويواجه فوق كل هذا عمليات عسكرية عدائية من ميليشيات يهيمن عليها قادة من مصراتة وطرابلس، سواء في غرب البلاد أو في الجنوب على يد ما يعرف باسم «القوة الثالثة».
ومع ذلك تمكن الجيش من التماسك ومن تحقيق انتصارات أيضا في درنة وبنغازي، مما دفع تنظيم داعش إلى الفرار من درنة وتمركز جانب منه في بنغازي وجانب آخر في سرت. واستغل «داعش سرت» الفوضى والمماحكات السياسية بين الخصوم لكي يزيد من قوته. وبدأ قادة طرابلس، خصوصا أولئك الذين لهم ارتباطات قديمة بتنظيم القاعدة، في جلب المقاتلين الأجانب بغرض الوقوف ضد الجيش الوطني والبرلمان، وفرض السيطرة على منابع النفط ومرافئ التصدير ونقاط الحدود. لكن غالبية هؤلاء المقاتلين الأجانب كانوا يتوجهون إلى سرت ويوالون «داعش» بعد الوصول إلى ليبيا.
وبسبب قرب سرت من مصراتة، بدأت هذه الأخيرة تشعر بالقلق، خصوصا بعد أن هدد قادة التنظيم في سرت بمهاجمة مصراتة، وزادت هذه التهديدات بمرور الوقت، ووصلت إلى ذروتها قبيل وصول المجلس الرئاسي إلى طرابلس. ومنذ مايو الماضي بدأت الحرب ضد «داعش سرت». لكن التحالفات كانت تتفكك ويعاد تركيبها بطريقة محيرة. حلفاء مصراتة في «فجر ليبيا»، خصوصا قادة في «الجماعة المقاتلة» في طرابلس، بدأوا يشعرون بأنهم يتعرضون للتهميش بعد اتفاق الصخيرات. ونأوا بأنفسهم عن المشاركة في قتال «داعش». ومن جانبها، قامت حكومة الإنقاذ بقيادة الغويل، بالتراجع عن موقفها المؤيد للسراج، وأعلنت في المقابل عن استمرارها في ممارسة أعمالها. وأخذت الميلشيات في طرابلس تشعر بأنها الأولى بالسيطرة على المدينة من ميليشيات مصراتة المنشغلة في الحرب في سرت.
أما الجيش الوطني الليبي، الذي كان يلوح بأنه سيشن حربا على «داعش سرت»، فقد اكتفى بالسيطرة على منابع النفط في المنطقة الوسطى من شمال البلاد، وهي منطقة تحوي نحو 60 في المائة من النفط الليبي. تحرك الجيش في اتجاه سرت بالفعل. وكان يريد أن يبدأ الحرب هناك، لكن السراج الذي بادر بإعلان نفسه قائدا عاما للجيش، دون انتظار لموافقة البرلمان، أو تعديل «المادة الثامنة» من اتفاق الصخيرات، أو حتى الحصول على ثقة البرلمان لحكومته، سبقه إلى هناك على رأس عملية «البنان المرصوص».
تتكون غالبية قوات «البنيان المرصوص» من قادة عسكريين ومدنيين ما زالوا يطلقون على أنفسهم لقب «ثوار»، للتذكير بأنهم يقفون على طول الخط ضد النظام السابق وضد أي محاولة لعودته. ويوجد في مصراتة كلية حربية ومطار عسكري. وغالبية مقاتلي «البنيان المرصوص» غير مدربين جيدا. وسقط من بينهم عشرات القتلى في الأيام الأولى للحرب في سرت. وأثناء التوغل داخل سرت يوم 28 أغسطس (آب) الماضي سقط 23 قتيلا في ساعات الظهر، كان من بينهم 21 من أبناء مصراتة، ومقاتل واحد تعود أصوله لمدينة طرابلس، وآخر تعود أصوله إلى سرت.
وبدخول أميركا على الخط، من خلال القصف الجوي وبعض العناصر على الأرض، لدعم قوات السراج، أصبحت الحرب مكشوفة.. فالغرب لن يدعم حفتر. وبمجرد الإعلان رسميا عن تحقيق الانتصار على «داعش سرت»، تظل الأسئلة المطروحة هي: إلى أين؟ وماذا بعد؟ وهل سيكون هذا الانتصار خطوة للتوافق السياسي؟ أم إنه سيكون محطة جديدة لانطلاق عمليات قتالية في هذا البلد النفطي. وفي حال الاتجاه للجلوس على طاولة المفاوضات بين الفرقاء، فإن المعطيات الجديدة تبدو معقدة، مثلها مثل الخيار الآخر الخاص بالحرب.. فالمجلس الرئاسي وحكومته، يعاني من نقص في شرعيته بعد أن رفض البرلمان الشهر الماضي منحه الثقة. ومن الجانب الآخر، لا يمكن للبرلمان أن يتجاهل الانتصار الذي تحقق في سرت على يد «حكومة السراج».
خطر الدواعش لم ينتهى في ليبيا
وفي المقابل، لا يعني الانتصار في سرت أن خطر الدواعش انتهى في ليبيا؛ فهناك من يرى أن غالبية مقاتلي «داعش» انتشروا في باقي البلاد، خصوصا مناطق الجنوب والغرب. ومن جانبها، تضغط دول الجوار، ودول غربية أخرى، من أجل إيجاد صيغة جديدة يمكن من خلالها إنجاز حكومة وحدة وطنية حقيقية، وجيش موحد، للقضاء على خطر «داعش» وإنهاء وجود الميليشيات المتطرفة الأخرى في بنغازي ودرنة وصبراتة وحتى طرابلس نفسها. لكن المهمة لن تكتمل إلا إذا كانت هناك صيغة مرضية لحفتر.
وأخيرا يظل خطر نشوب حروب أخرى قائما. هناك من يرى في حرب «البنيان المرصوص» على «داعش سرت»، إنهاكا لمقاتلي مصراتة، وبالتالي يمكن طرد عناصرها من طرابلس بسهولة، خصوصا أن هناك قوات ما زالت تحتفظ بأسلحتها ولم تدخل منذ نحو عامين في حروب ولم تتعرض للإرهاق، مثل قوات الزنتان وقوات القبائل، بالإضافة إلى الجيش الوطني الليبي نفسه. كما أن نقل الحرب إلى طرابلس يمكن أن يكون فرصة لدى بعض الدول الغربية في القضاء على بقايا تنظيم «القاعدة» وخلايا «داعش» النائمة، سواء بمواصلة تعضيد قوات «البنيان المرصوص»، أو من خلال إيجاد تحالف جديد تشارك فيه قوات الجيش الوطني وقوات الزنتان والقبائل.
الخيار الأخطر أن تتوجه قوات «البنان المرصوص»، تحت الشعور بزهوة النصر، إلى الشرق لشن حرب على الخصوم هناك، أي ضد قوات الجيش الوطني، وضد البرلمان وضد حكومة الثني. في هذه الحالة يمكن أن تتعقد الأمور أكثر من أي وقت سابق، ويمكن أن يتحول الخوف من تقسيم البلاد بين شرق وغرب من مجرد هواجس إلى واقع على الأرض.