دراسة روسية: 68 % من الروس يؤيدون تدخل بلادهم العسكري في سوريا.. عندما سُئلوا عما إذا كانت الولايات المتحدة تمثل خطرا على الأمن القومي للبلدان الأخرى أجاب 59 % من الروس بالإيجاب
فيلادلفيا: مايا أوتراشفيلي*
منذ أن ضمت روسيا شبه جزيرة القرم، وشنت حربا في شرق أوكرانيا، وبدأت دعم نظام الأسد في سوريا، أصبحت منعزلة إلى حد كبير عن معظم أنحاء العالم. كما دخلت العام الثاني من الركود الاقتصادي الشديد؛ نظرا للعقوبات التي فرضها الغرب على روسيا. ورغم ذلك، فإن معدلات شعبية بوتين بالداخل وصلت إلى 82 في المائة.
وفقا لبحث أجراه مؤخرا مركز «ليفادا» للأبحاث، يوافق 68 في المائة من الروس على التدخل العسكري الروسي في سوريا. كما تعتقد أغلبية الروس (77 في المائة) أن الروس لا يمثلون أي خطر على الأمن القومي للبلدان الأخرى. وعندما سُئلوا عما إذا كانت الولايات المتحدة تمثل خطرا على الأمن القومي للبلدان الأخرى حاليا، أجاب 59 في المائة من الروس بالإيجاب.
لماذا يوجد هذا القدر من التناقض بين رؤية الحكومة الروسية من الداخل ومن الخارج؟ في مقالي السابق، الذي تم نشره في عدد يوليو (تموز) من المجلة، قمت بتحليل قوة آلة البروباجندا الإعلامية الروسية التي كانت تخلق بفاعلية الفوضى، وتنشر الغموض في الرأي العام خارج روسيا، خصوصا في وسط وشرقي أوروبا. ولكن إلقاء نظرة أكثر عمقا على البروباجندا الإعلامية الروسية الموجهة صوب المواطن الروسي تكشف عن صورة مشابهة، ولكنها أكثر حدة. وذلك حيث تساعد الرسائل التي ترسلها وسائل الإعلام المحلية بالتزامن مع استطلاعات الرأي العام الحكومة على الحصول على الدعم الشعبي لممارساتها التي لا تحظى بشعبية في الخارج.
ماذا تفعل روسيا في سوريا؟
أثار التدخل العسكري الروسي في سوريا حالة من الجدل في معظم أنحاء العالم، حيث احتج المشككون بأن روسيا تحاول الوقوف أمام المصالح الأميركية في سوريا من خلال دعم نظام الأسد والمشاركة في الحرب الأهلية السورية، فيما يعتقد آخرون أن روسيا لديها مصالح هي الأخرى هناك - بداية من الطاقة والأمن إلى المحاولات الحقيقية لتعزيز التحالفات في الشرق الأوسط. ويظهر تاريخ المشاركة الروسية في سوريا حتى الآن أن جميع ما سبق صحيح؛ فرغم أن روسيا تحاول بالفعل أن تخدم مصالحها في الدولة التي مزقتها الحرب، فإن ممارساتها أثرت أيضا على نحو مباشر في مساعي التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة.
لماذا تتدخل روسيا في سوريا؟ وفقا لاستطلاع حديث، يعتقد 58 في المائة من الروس أنه يجب على روسيا أن تحاول «تحييد والقضاء على خطر الأفعال العسكرية التي يقوم بها الراديكاليون الإسلاميون والإرهابيون الذين يتدفقون على روسيا». ويذهب 27 في المائة من الروس أبعد من ذلك في تأييدهم للتدخل الروسي في سوريا، حيث أضافوا أن على روسيا أن «تدافع عن نظام بشار الأسد لكي تحول دون سلسلة من (الثورات الملونة) التي دفعتها الولايات المتحدة في جميع أنحاء العالم».
ويبدو أن دور روسيا بصفتها «مدافعا عن سوريا» (ترتبط سوريا في معظم الوقت مباشرة ببشار الأسد وحكومته الشرعية)، قد تحقق على الأقل من وجهة نظر وسائل الإعلام الروسية، كما تتوافر التقارير التي تتحدث عن شجاعة روسيا في سوريا في القنوات التلفزيونية والمجلات الروسية بداية من «روسيا اليوم» و«فيستي» وصولا إلى «روسيسكايا جازيتا». وذلك حيث يقدم العنوان الرئيسي لوكالة أنباء «ريا نوفوستي» للقارئ لمحة عن كيف كانت وسائل الإعلام الروسية تضخم أصوات الزعماء الروس الذين ينظرون إلى سلوكيات روسيا في سوريا باعتبارها بطولية. فقد كان العنوان يقول إن روسيا أنقذت سوريا من 624 هجمة بصواريخ كروز من حلف شمال الأطلسي. لماذا تدخلت روسيا في سوريا منذ البداية؟ وفقا لوسائل الإعلام الروسية، فإنه من خلال العمل مع سوريا والمجتمع الدولي والتخطيط لتدمير الأسلحة الكيماوية في سوريا، ساعدت روسيا العالم على تجنب الحرب.
ومنذ ذلك الوقت، لم تكن روسيا تقاتل «داعش» فقط في سوريا، ولكنها كانت تساعد أيضا في الدفاع عن المصالح السورية ضد أفعال الغرب «الخاطئة وغير المنظمة». وتقدم أحدث عناوين الأخبار لوسائل الإعلام الناطقة بالروسية روسيا باعتبارها منظما للمجتمع عبر قدرتها على العمل الجماعي بخلاف قوات التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة، الذي يحارب «داعش» حاليا في سوريا. ومن ثم، تحتفي وسائل الإعلام الروسية بقدرة الرئيس بوتين على حشد إيران وتركيا والصين للقتال معا في سوريا. ففي مقال حديث نشر في صحيفة «روسيسكايا جازيتا» بعنوان «إيران للمساعدة» يفحص الكاتب طبيعة التدخل الروسي الإيراني، الذي، وفقا له، مكّن روسيا من استخدام القاعدة العسكرية الإيرانية لكي تشن هجماتها الجوية على نحو أكثر كفاءة وفاعلية في سوريا - كما يشير الكاتب إلى أن المسؤولين بالحكومة الأميركية انتقدوا هذه الصفقة المميزة ووصفوها بأنها غير شرعية: «يجب أن نذكر أن فكرة أن إيران سمحت لروسيا باستخدام قاعدتها الجوية لم تعجب الجميع». مضيفا: «كما اتهم ممثلو وزارة الخارجية الأميركية جيشنا بانتهاك قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة». وفي هذا السياق، نقل المقال على لسان المتحدث الرسمي باسم وزارة الدفاع الروسية نفيه السريع لتلك الانتقادات الأميركية حينما قال: «عادة ليس من واجبنا أن نقدم النصح لقيادة وزارة الخارجية الأميركية... ولكننا يجب أن نقول لهم هنا، أن عليهم أن يتحققوا من معلوماتهم حول قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم (2231)، الذي يشير إلى الحاجة إلى الحصول على إذن من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بشأن (بيع) أو (نقل) أو (استخدام) الطائرات المقاتلة (داخل إيران)، ومن ثم فلا يوجد أي انتهاك حقيقي للقرار من خلال استخدام روسيا للقاعدة الجوية العسكرية الإيرانية». ويشبه هذا التصريح رد وزير الخارجية الروسي لافروف عن الانتقادات نفسها عندما نفى بكلمات مشابهة مسألة عدم شرعية الاتفاق الروسي الإيراني.
وفي مقال آخر بصحيفة «روسيسكايا جازيتا»، احتفت الصحيفة بقرار إيران بالعمل مع روسيا في سوريا ووصفته بأنه «قرار تاريخي». ووفقا للمقال، ربما يلعب هذا القرار «دورا حيويا في هزيمة الإرهابيين في سوريا».
وفي نسختها الإنجليزية، جمعت «روسيا اليوم» الرسائل الرئيسية للتغطية الإعلامية باللغة الروسية بشأن الأنشطة الروسية في سوريا: لقد كان التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة يفتقر إلى الحسم والفاعلية في سوريا، بينما تمكنت روسيا من تحقيق النتائج. ومن ثم، أصبحت الأطراف الأخرى كافة الآن ترغب في العمل مع روسيا بدلا من الولايات المتحدة. فقد انضمت كل من تركيا، وإيران، والصين لروسيا فيما لا يمكن وصفه إلا بأنه «تغير في التوازنات في المنطقة».
ونشرت «روسيا اليوم» التي تشجع قراءها على «أن يطرحوا المزيد من الأسئلة»، حوارا (من بين حوارات عدة بشأن الموضوع نفسه) مع معلق سياسي في بداية أغسطس (آب. وانتهى الحوار مع المعلق السياسي جون وايت إلى أن «شراكة روسيا الجديدة مع إيران هي نموذج للتعاون العسكري الذي كان الغرب يفتقر إليه حتى الآن فيما يتعلق بالنزاع السوري، كما أنه يمثل نوع الممارسات التي نحتاج إليها للقضاء على تهديد تنظيم داعش». واحتفى الحوار بتلك الأحداث باعتبارها «تغيرا جذريا» في الأسابيع الأخيرة لصالح روسيا.
تراجع سمعة الولايات المتحدة في روسيا
من جهة أخرى، كتبت صحيفة «موسكوفسكي كومسوموليتس» مؤخرا، أن الولايات المتحدة تحاول «على غرار الفيلم الأميركي (ذيل الكلب) (1997)، استخدام الحرب في سوريا على نحو ترفيهي، بالإضافة إلى استخدامها للفت انتباه الأميركيين للأحداث في سوريا وتشتيت انتباههم بعيدا عن المشكلات الأكبر في الداخل. وعادة ما كان المحللون الغربيون يستخدمون تلك الحجة نفسها أثناء محاولاتهم تبرير مغامرات بوتين بالخارج».
ووفقا لاستطلاع أجري في مايو (أيار) 2016، فإن 70 في المائة من الروس لديهم رؤى سلبية بشأن الولايات المتحدة، بينما لدى 62 في المائة من الروس آراء سلبية بشأن الاتحاد الأوروبي. ويعتبر الروس أن أكبر حلفائهم هم روسيا البيضاء، وكازاخستان، والصين، بينما يضعون الولايات المتحدة على قمة قائمة الدول المعادية لروسيا. ووفقا للاستطلاع، فإن ترتيب أميركا تراجع بمعدل الضعف. ففي عام 2014، اعتبر 38 في المائة من الروس أميركا دولة معادية، بينما وصل هذا الرقم إلى 72 في المائة في 2016. وأخذا في الاعتبار تركيز «روسيا اليوم» على الثغرات في الديمقراطية الليبرالية الغربية في تغطيتها اليومية، والتدفق اليومي لقصص المؤامرات الأميركية الذي تبثه وسائل الإعلام الروسية للشعب الروسي، فإن ذلك الاستطلاع لا يمثل مفاجأة.
ومن جهة أخرى، يبدو أن الروس يثقون في السلطات فيما يتعلق بالأمن الداخلي. فبينما قال نحو 67 في المائة من الروس إنهم قلقون بشأن احتمالية تعرضهم لهجمات إرهابية، قال 59 في المائة منهم إنهم يعتقدون أن وزارة الداخلية الروسية والاستخبارات الروسية قادرون على حماية روسيا من أي هجمات إرهابية. إلى أي حد تتأثر هذه الثقة بصورة روسيا القوية التي تلاحق الإرهابيين في سوريا؟ من الأفضل أن نقول: إن هذا يعد أحد عوامل الطمأنة الرئيسية بالنسبة للروس.
وأخيرا، وعندما سُئلوا عن رؤيتهم لترتيب أولويات السياسة الخارجية للسلطات الروسية، أجاب 57 في المائة من الروس بأنها يجب أن تضطلع بمهمة «ضمان الوجود السلمي والآمن لروسيا»، فيما يعتقد 51 في المائة من الروس بأن الأولوية الأولى هي «أن تعود روسيا مرة أخرى من أكثر الدول نفوذا في العالم، التي لا يمكن أن يتم اتخاذ قرار جوهري من دون الرجوع إليها». ويبدو أن هذه أمنية الكثيرين إذا ما نظرنا إلى وسائل الإعلام الناطقة باللغة الروسية. وفي النهاية، فإن قيادة روسيا «غير الأنانية في الشرق الأوسط تمثل تغيرا جذريا في المنطقة»، يمكنه أن ينجح في هزيمة «داعش».
* زميل الباحثين ومنسق برنامج الشؤون الأوروآسيوية بمعهد أبحاث السياسة الخارجية.. حصلت على درجة الماجستير في العولمة والتنمية والتحولات من جامعة ويستمنستر بلندن مع التركيز على التحولات التي شهدتها الدول بعد سقوط الأنظمة السلطوية