[caption id="attachment_55254741" align="aligncenter" width="980"] أحمدي نجاد وسط انصاره[/caption]
كسرى ناجي*
[blockquote]
شعر المجتمع الدولي بالراحة عندما ترك محمود أحمدي نجاد، الرئيس الإيراني الذي يميل إلى المواجهات، منصبه في عام 2013 بعد ثمانية أعوام صعبة قضاها كرئيس لإيران وحل محله حسن روحاني؛ حيث كان الزعيم السابق معروفا بإنكاره للهولوكوست وتلميحاته الجادة إلى المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل في أغسطس (آب) 2006 بأن إيران وألمانيا يتحالفان معا ضد «الفائزين في الحرب العالمية الثانية». وبالطبع، يتذكر المراقبون المتابعون له مناورته في 2005 لمقاربة الوكالة الدولية للطاقة الذرية التي كانت مسؤولة عن عمليات التفتيش النووية في إيران حينما قدم عرضا لتمويل الموازنة السنوية للهيئة برمتها. فقد كان أحمدي نجاد يفكر في أنه إذا ما كان الغرب يستطيع أن «يشتري» الوكالة التابعة للأمم المتحدة عبر تمويلها، فتستطيع إيران أن تفعل ذلك أيضا.
[/blockquote]
[blockquote]الرئيس السابق.. شعبوي إيران غير المحبوب يعود إلى السياسة[/blockquote]
أدت تصريحات أحمدي نجاد وسياساته إلى حرمانه من كسب الكثير من الأصدقاء بالخارج، ولم يكن أداؤه أفضل بالداخل حيث إن مبادراته المتسرعة أسفرت عن حالة من الفوضى الاقتصادية والسياسية، فقد أصر بعناد على المضي قدما في تنفيذ البرنامج النووي وهو ما أدى إلى فرض عقوبات على البلاد تعد أقصى عقوبات فرضت على دولة في الأزمنة المعاصرة. وعصفت تلك العقوبات بالاقتصاد الذي كان بالفعل يئن تحت وطأة سنوات طويلة من سوء إدارته. وأدت إعادة انتخابه في صيف 2009 إلى اضطرابات واسعة وممتدة حيث كان الكثير من الإيرانيين يعتقدون أنه فاز عبر انتخابات مزورة. ووصف أحد كبار قيادات الحرس الثوري، محمد علي جعفري، الذي كان مكلفا بإسقاط الثورة، ذلك على إحدى محطات التلفزيون الإيرانية في 2013 باعتباره أكبر تهديد تتعرض له الجمهورية الإسلامية منذ الحرب الإيرانية العراقية في الثمانينات من القرن الماضي، وهي الحرب التي خسرتها إيران أمام الرئيس العراقي السابق صدام حسين. وعندما غادر أحمدي نجاد منصبه، كان معدل التضخم قد وصل إلى 46 في المائة، وكان معدل النمو قد توقف عند سالب 6 في المائة، كما انخفضت قيمة العملة الوطنية بنحو 300 في المائة تقريبا.
ومع ذلك يهدد أحمدي نجاد حاليا بالعودة للسياسة وهو الاحتمال الذي ربما لا يثير حماسة أصدقائه ومؤيديه المتشددين.
خلال الشهور القليلة الماضية، كان أحمدي نجاد يلمح إلى أنه ربما يترشح للرئاسة في انتخابات يونيو (حزيران) 2017. وكان يجول المدن الصغيرة ويتحدث في المساجد، كما اتهم روحاني بأنه «أفسد» الصفقة النووية التي كانت إيران والولايات المتحدة وغيرها من القوى العالمية قد توصلوا لها في يوليو (تموز) من العام الماضي، مضيفا أن الاتفاق ضحى ببرنامج إيران النووي لتحقيق مكاسب غير واضحة. كما ينشر مساعدوه شائعات حول أن أحمدي نجاد إذا ما عاد إلى السلطة سوف يزيد العلاوة النقدية التي كان قد قدمها للإيرانيين في 2011 بعدما رفع الدعم عن البضائع الأساسية مثل المواد الغذائية والوقود بنسبة خمسة أضعاف.
وأسس معجبو أحمدي نجاد، معظمهم من طلاب الجامعات المتشددين ومسلحي الباسيج، مواقع إلكترونية لنشر تحركاته وخطبه. كما وضعوا ملصقات تحثه على العودة إلى السياسة. وكان أحد تلك الملصقات يحمل صورة الرئيس السابق ومكتوب تحتها «هناك جفاف ونحن بحاجة إلى المطر». بالنسبة لهم، يمثل نجاد شخصا يمكنه تعزيز الثورة الإسلامية بالداخل وقيادة حركة مناهضة للإمبريالية بالخارج بالتعاون مع القيادات الثورية في أميركا اللاتينية مثل فيدل، وراؤول كاسترو ودانييل أورتيغا.
[caption id="attachment_55254743" align="alignleft" width="300"] دعاية إعلانية انتخابية لانصار نجاد في شوارع طهران [/caption]
ولكن خصومه لا يفوتون أي فرصة. فيبدو أن المتحدث الرسمي باسم إحدى الجماعات الدينية المتشددة والذي كان في يوم من الأيام يؤيده بحماس أصبح أقل حماسا له هذه الأيام. فيقول: «لا يستحق أحمدي نجاد أن يحصل على فرصة ثانية». وقال أحد أعضاء البرلمان إنه يشعر بالارتياح لأنه لا يستيقظ كل يوم ليفاجأ بتصريحات الرئيس المثيرة للغضب أو المشكلات التي كان يخلقها مع الحكومة. وقال عضو برلمان آخر إنه يجب على أحمدي نجاد قبل أن يفكر في العودة مرة أخرى إلى السياسة أن يبرئ اسمه من تهم الفساد في إشارة إلى اتهامات وجهت له ولحكومته بعدم العدالة في توزيع التمويل العام.
في البداية وصل الرئيس السابق إلى سدة الحكم بتأييد من المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي. ووفقا لعلي سعيدي، ممثل خامنئي في قوات الحرس الثوري، فإن الحرس الثوري «أدار الانتخابات» ومنحه الأصوات من خلال حشد قوات الحرس الثوري وميليشيا الباسيج ومن خلال تأييد رجال الدين الشباب المتشددين الذين تم إرسالهم في كل مكان لكي يحشدوا له. (وكانت هناك مؤشرات في ذلك الوقت على أن مكتب المرشد الأعلى وخاصة ابنه، مصطفى، يشجع بسرية على التصويت لأحمدي نجاد). وبالتالي كانت هناك شكوك حول تزوير الانتخابات حتى في المرة الأولى لانتخابه في 2005. ولكنه فقد تأييد كل من المرشد الأعلى والحرس الثوري في الجولة الثانية للرئاسة عندما اصطدم في بعض الأوقات علانية مع خامنئي – خاصة بشأن محاولته إقالة وزير الاستخبارات الإيراني حيدر مصلحي في أبريل (نيسان) 2011، وهو ما عارضه خامنئي. واحتجاجا، رفض أحمدي نجاد العودة إلى مكتبه لمدة 11 يوما. وكان أحد أسباب التوتر الأخرى مع المرشد الأعلى بشأن اقتراحه اختيار النائب الأول للرئيس وهو إسفنديار رحيم مشائي، الذي يتبنى وجهات نظر غير تقليدية بشأن الإسلام وكان قادرا على توجيه أفكار الرئيس الغريبة. ينتمي أحمدي نجاد ومشائي إلى قطاع من المؤمنين المخلصين بالعودة المبكرة للمهدي – الإمام الثاني عشر المختفي الذي يعتقد الكثير من الشيعة أنه سوف يعود في يوم من الأيام لكي يسود السلام والعدل على الأرض. كما بدأ كل من أحمدي نجاد ومشائي الترويج إلى نسخة قومية من الشيعية تختلف مع رؤية المرشد الأعلى ونسخة المؤسسة من الإسلام.
ربما يدرك أحمدي نجاد أنه يفتقر إلى الشعبية في أروقة السلطة ولكنه يشعر بوجود فرصة؛ حيث ستركز الانتخابات الرئاسية القادمة على الأرجح، على قضية مدى استفادة إيران من الصفقة النووية التي أدت إلى رفع العقوبات ضد إيران. ففي انتقاداتهم إلى روحاني، احتج المتشددون بأنه تخلى عن أهم ممتلكات إيران وهو البرنامج النووي في مقابل «لا شيء حقيقي». ويقف خامنئي إلى جانبهم، بالإضافة إلى الحرس الثوري، والقضاء، وغيرهم من مراكز السلطة الأخرى.
ويبدو أن روحاني أمامه مهمة صعبة تتعلق بإظهار كيف أفادت إيران في ظل إدارته وكنتيجة للصفقة النووية؛ حيث كانت نتائج رفع العقوبات بطيئة للغاية. كما أن معدل البطالة مرتفع للغاية، وما زالت الاستثمارات بطيئة، والتجارة مع العالم الخارجي معطلة. وما زالت إيران تتعافى من العقوبات المصرفية التي ربما تكون قد تسببت وحدها في انهيار الاقتصاد. كما لم تتمكن حتى الآن إيران من الحصول على الدولارات الأميركية نظرا لوجود عقوبات أخرى متعلقة ببرنامج الصواريخ وسجلها المشين في حقوق الإنسان ومزاعم دعمها للإرهاب.
وفي الوقت نفسه، تمكن روحاني من تقليل التضخم إلى مستوى أقل من 10 في المائة. كما تخلصت إيران في عهده من بعض أسوأ العقوبات التي كانت ترزح تحت وطأتها، وارتفعت أسعار صادرات البترول. والأهم من ذلك، أنه بث قدرا من التفاؤل في السياسة الإيرانية مما أدى إلى ظهور محدود للمتشددين في الانتخابات التي أجريت مؤخرا في مارس (آذار) سواء في البرلمان أو في مجلس الخبراء؛ حيث خسر عدد من الشخصيات المتشددة المرموقة الانتخابات كما فقدوا هيمنتهم على البرلمان لأول مرة منذ 12 عاما. وكان ذلك آخر مؤشر على أن الإيرانيين يؤيديون المعتدلين وليس التطرف الذي يتبناه المتشددون.
وبالنسبة للمتشددين، ربما تتطلب أزمنة اليأس إجراءات يائسة، ويبدو أن أحمدي نجاد استشعر ذلك المنطق. فهو المتشدد الوحيد الذي يتمتع بشعبية جماهيرية؛ حيث ما زال يتمتع بتأييد الفقراء في المناطق الفقيرة في كافة أنحاء البلاد. وخلال الفترة التي قضاها في المنصب، كان يسافر باستمرار إلى المدن والقرى الإقليمية ويتعهد لهم بتحسين الأوضاع رغم أنه لم يحقق سوى جزء بسيط من وعوده. فكان نجاد قد رفع مرتبات المتقاعدين من العمل الحكومي والممرضات والعمال. ورغم أن خطته سيئة الإعداد، التي تقضي بمنح كل إيراني ما يعادل 40 دولارا شهريا نقدا عوضا عن جانب من الدعم، كان لها نتائج سلبية على الاقتصاد من خلال خلق حالة كبرى من السيولة، فإنها عززت شعبيته.
ويعتقد صادق زيبكلام الأستاذ بجامعة طهران أن أحمدي نجاد يمكنه أن يفوز بنحو 10 - 15 مليون صوت حتى في الوقت الحالي. ولا يستطيع المتشددون، بغض النظر عن مدى كراهيتهم له، أن يتجاهلوا تلك الحقيقة. وأضاف زيبكلام في حوارات صحافية: «ربما يصبح عليهم أن يتخلوا عن كبريائهم ويضطروا إلى دعم ترشحه». ومع ذلك فربما لا يكون 15 ألف صوت كافية للفوز بالانتخابات بالنسبة للمتشددين. في 2013. فاز روحاني بما يقارب 19 مليون صوت، أي أكثر من 50 في المائة من الأصوات. وعلى النقيض، لم يحصل أهم اثنين من المرشحين المتشددين سوى على أربعة وستة ملايين صوت لكل منهما.
وإذا لم يتمكن أحمدي نجاد من أن يحل الأزمة، فربما يكون لمكتب المرشد الأعلى رأي ثانٍ: ترشيح الجنرال قاسم سليماني (59 عاما)، وهو قائد فيلق القدس؛ ذراع الحرس الثوري المسؤول عن العمليات السرية بالخارج، والذي قاد بعض متمردي العراق الذين يقاتلون القوات الأميركية ويقود حاليا حملات إيران العسكرية في سوريا والعراق وما زال يشبه الأب الروحي لجماعة «حزب الله» المسلحة في لبنان.
ومؤخرا، كانت وسائل الإعلام الإيرانية المحافظة تعطي قدرا كبيرا من الاهتمام بهذا الجنرال الغامض؛ فقد نشرت مؤخرا إحدى الصحف صورة له وهو يهدهد ابن مصطفى بدر الدين، أحدث شهداء «حزب الله». كما نشرت له صورة وهو يقود القوات في حلب تأييدا للرئيس السوري بشار الأسد. كما تم تصوير بدر الدين مؤخرا في العراق وهو يقدم النصح لقيادات المسلحين الشيعة في ضواحي الفلوجة. وبعد ذلك بيومين، ألقى سليماني خطابا في طهران في اجتماع للفصيل البرلماني المتشدد، وهو ما أثار دهشة العاصمة لأنه لم يكن من قبل مشاركا في السياسة أو على الأقل سياسات الفصائل، وهو ما عمل على تعزيز التكهنات المتعلقة بنيته الترشح للانتخابات الرئاسية التي سيتم إجراؤها العام المقبل.
مما لا شك فيه أنه ليس من المستبعد أن يترشح سليماني في الانتخابات المقبلة. وفي النهاية، ربما يحصل سليماني على تأييد أكبر من أحمدي نجاد خاصة بين النخبة وأخذا في الاعتبار أن إيران تتحول يوما بعد يوم إلى دولة عسكرية. وكان الكثير من قيادات الحرس الثوري قد خلعوا الملابس العسكرية وارتدوا الملابس المدنية واتخذوا مواقع في البرلمان والحكومة وفي الاقتصاد. ويتمتع الجنرال بكاريزما قوية كما أنه حاسم ويحظى بالتقدير ليس فقط بين المتشددين ولكن بين الإصلاحيين الإسلاميين بل وحتى القوميين الذين ينظرون إلى صولاته في المنطقة باعتباره مدافعا عن مصالح البلاد، حيث يعمل على حماية إيران مما يجعله مثارا للفخر. وحتى الآن لم يعلق سليماني على الصفقة النووية مفضلا أن ينأى بنفسه بعيدا عن تلك القضية السياسية الحساسة.
كما أن سليماني مقرب من خامنئي الذي يتزايد قلقه من روحاني؛ حيث كان الأخيران يعارضان بعضهما البعض علانية في الشؤون السياسية، بداية من أهمية تدريس اللغة الإنجليزية في المدارس وصولا إلى دور المرأة ومزايا الصفقة النووية. وفي الانتخابات الرئاسية التي سيتم إجراؤها في العام المقبل، سيقف روحاني ضد قوى مخيفة بالداخل ربما تجعل العام الأخير له في منصبه هو العام الأكثر صعوبة. ولكنه ما زال يتمتع بأغلبية ساحقة بين الإيرانيين الذين يرغبون في أن يستمر في توجيه البلاد نحو الاعتدال، بغض النظر عن الطريقة التي يبدو بها ذلك الاعتدال من الخارج.
* كسرى ناجي: مراسل تلفزيون «بي بي سي» الفارسية – وكاتب بمجلة (فورن أفيرز).
للتسجيل في النشرة البريدية الاسبوعية
احصل على أفضل ما تقدمه "المجلة" مباشرة الى بريدك.