[blockquote]أزمة الديون وتدفق المهاجرين والخوف من تسلل الإرهابيين حول جنة الجزر اليونانية إلى جحيم[/blockquote]
اسبوس - كوس - كريوبيجي (اليونان): اعتدال سلامة
[blockquote]«هل توجد مخيمات للاجئين في المنطقة التي أريد قضاء إجازة فيها؟».
سؤال بدأت مكاتب السياحة تسمعه من السياح الذين يقصدون اليونان، فكل واحد يريد قضاء عطلة هناك أصبح حذرا بعد الصور التي عرضت عن مناطق بالأخص على بحر إيجه المقابلة لتركيا، مما انعكس سلبا على مناطق معروفة بجمال شواطئها تحولت منذ تدفق اللاجئين عبر البحر خصوصًا الآتين من سوريا عن طريق تركيا.
[/blockquote]
رغم العروض السياحية المغرية اليوم إلى مناطق مثل لاسبوس وساموس وكوس ولا تتجاوز التكاليف بين النقل بالطائرة والإقامة في فندق بالقرب من الشاطئ لمدة أسبوع 400 يورو، فإن الإقبال بقي قليلا.
فالكل يتفادى هذه المناطق رغم جمالها الطبيعي، ليس فقط لأن الكثير منها تحول إلى معسكرات من أجل إيواء اللاجئين، لكن أيضًا خوفًا من وقوع أعمال إرهابية على يد إرهابيين متسللين في صفوف اللاجئين.
ليس هذا فقط، فكما يقول يورغ ماورر من ميونيخ الذي اعتاد مع زوجته قضاء الإجازة السنوية في إحدى الجزر اليونانية إن الشوارع قذرة والشواطئ مليئة بالنفايات التي يتركها اللاجئون وهذا ما لم يكن يراه في اليونان. ومع أنه يشارك الهاربين من الحرب المشاعر، فإن محافظتهم على النظافة لا علاقة لها بالحرب أو الهروب.
وبالنسبة للسياح من ألمانيا فإن رابطة مكاتب السياحة تداركت الوضع في اليونان لذا قسمت الأسواق السياحية والعروض في أوروبا وبلدان شمال أفريقيا ومصر وتركيا وأجزاء كثيرة من اليونان هذا العام إلى فئتين: فئة تضررت في الأشهر الأخيرة إما بسبب عمليات إرهابية أو أزمة اللاجئين وتراجعت في قوائم العروض، وأخرى بعيدة، مثل آسيا وغيرها، وازداد الإقبال عليها بعد العروض المغرية التي تقدمها مستفيدة من الأزمات.
وجنة السياحة في اليونان هي في جنوب بحر إيجه، أي على بعد كيلومترات قليلة من البر التركي، وتراجع عدد السياح الألمان والبريطانيين إليها بشكل كبير، وكان يجذبهم ساحلها الرائع. فالكثير منهم يعرف هذه المناطق كما بلده، لكنهم يقولون اليوم إن الوضع أصبح صعبًا حاليًا، فالسلطات اليونانية اضطرت إلى إسكان كثير من اللاجئين في الفنادق الفارغة، وهذه بالطبع خطوة إنسانية لكنها كما يبدو سوف تستمر طالما استمر تدفق اللاجئين إلى اليونان، مما يعني تعطيل القطاع السياحي تمامًا.
نظرات الحرمان
وهنا يقول مارك السائح البريطاني من مانشستر الذي أتى رغم كل المشكلات إلى جزيرة كوس: «في الحقيقة كل شي أصبح قذرا وغير مريح ولا أريد تناول الطعام في مطعم يحوم حولي فيه لاجئون ينظرون إلى ما في طبقي من طعام، وهذا دفع ببعض أصحاب المطاعم إلى وضع فاصل من القماش أو القش مؤقت لمنع هذا النظرات».
ومنذ منتصف العام الماضي وحتى اليوم وصل إلى جزيرة كوس (عدد سكانها 33 ألف نسمة) أكثر من 6000 لاجئ، معظم العائلات أتت بالقوارب المطاطية ولا تملك المال الكافي للإقامة في الفنادق فاختارت الخيام على طول الشاطئ، ويخشى سكان كوس وغيرها من الجزر المشهورة سياحيا توجه السياح الآن إلى رودوس وكريتا.
وفي هذا الصدد قالت صحيفة «كاثيمريني» الصادرة في العاصمة أثينا: «بسبب أزمة اللاجئين يشهد قطاع السياحة تراجعا شديدا إن في الحجوزات أو إلغائها، بالأخص إلى مناطق تقع شمال وشرق بحر إيجه. فمقارنة مع العام الماضي تراجعت الحجوزات في جزيرة ساموس 40 في المائة، والقليلون يقصدون جزيرة كوس وهذا جعل شركات الطيران بدورها تلغي الكثير من الرحلات الجوية والنزهات البحرية، مما أثقل كاهل اليونان التي تعاني بالأصل من أزمة الديون، ومن وضعها المالي المتعثر.
تراجع السياح
وتؤكد هذه الأرقام بيانات وزارة السياحية اليونانية التي تظهر تراجع عدد السياح في مناطق سياحية مثل شيوس وكوس وليروس بشكل كبير جدا منذ عام 2015. ففي منطقة لاسبوس التي شهدت حشودا كبيرة من اللاجئين عبر البحر تراجع حجم الحجوزات السياحية 90 في المائة وبدل أن تعج شوارعها بالسياح ضربت خيام في أماكن على الشاطئ للاجئين الذين يتلقون العون والمساعدة من متطوعين يونان.
أما أصحاب المطاعم والفنادق فتحولوا إلى بيع المأكولات السريعة للاجئين، وتعج معظم الحانات بالصحافيين ومراسلين المحطات التلفزيون الذين أصبحوا مصدر رزق للسكان.
وكثير من سكان المناطق السياحية البحرية في اليونان يتذكرون قمة موجة اللاجئين في أكتوبر (تشرين الأول) عام 2015، فلم تكن تمر ساعة واحدة إلا ويرسو على الشاطئ زورق مطاطي محمل بالعشرات من الخائفين المبتلين الذين لم يصدقوا أنهم وصلوا إلى شاطئ الأمان، بعدها يتوغلون في الشوارع بسترات الإنقاذ البرتقالية اللون من دون هدف.
هنا تقول فيليبيا سبيروديس مسؤولة في فندق ألكسندر ذي كريت في بلدة كريوبيجي الواقعة على بحر إيجه لـ«المجلة» حيال هذا المنظر: «من يريد من السياح قضاء عطلته في ظل هذا الأجواء المتوترة وهو الهارب من سنة عمل مرهقة وشاقة؟».
[blockquote]الموظفون في قطاع السياحة يعملون فقط ستة أشهر في العام.. والسياح لروس طوق النجاة الأخير [/blockquote]
[caption id="attachment_55254687" align="alignleft" width="300"]
لاجئون خلال شهر رمضان الماضي في مخيم مؤقت في ميناء بيروس بأثينا (غيتي)[/caption]
وتضيف أن تراجع عدد السياح دفع بإدارة الفندق إلى تقليل عدد العاملين الذين سوف يواجهون مشكلات اقتصادية ومالية كثيرة ليزيد وضعهم صعوبة. فالعاملون في قطاع السياحة من الفنادق والمطاعم الواقعة على الساحل وحتى الرحلات السياحية البحرية يعملون فقط ستة أشهر، وهي مدة الموسم، وفي الشتاء يتقاضون نحو 80 في المائة من رواتبهم الأخيرة لمدة ثلاثة أشهر. بعدها يعيشون الأشهر الثلاثة الأخيرة على ما يدخرونه ويكون قليلاً جدًا. وهي نفسها تسعى منذ اليوم للعثور على مكان عمل في الفنادق التي تبقى مفتوحة طوال السنة.
واليوم تعتمد اليونان البلد السياحي المعروف على مناطق أخرى مثل جزيرة رودوس وكريتا أو المناطق الداخلية التي يوجد فيها آثار تاريخية، إلا أن تراجع الحجوزات في المناطق الواقعة شمال غربي بحر إيجه، أي من سالونيكي وحتى بحر إيجه، يعني تقلص نشاط القطاع السياحي اليوناني نحو 30 في المائة في وقت تعاني فيه اليونان من مشكلات صعبة الحل وتأتي اليوم أيضًا مشكلة اللاجئين كي تزيد الطين بلة.
ويقول مسؤول في مكتب السياحة في بلدة كريوبيجي: «مقارنة مع الأشهر الخمس الماضية فإن الوضع في منطقة ساموس الساحلية اليوم أقل حدة لكن تدفق السياح عليها ما زال قليلاً جدًا، وتراجع أكثر من 40 في المائة، فأغلبهم يبحث عن مكان داخل اليونان لقضاء عطلته، بعيدا عن المناطق السياحية طالما أنه ليس هناك أية ضمانات بعدم مجيء لاجئين، ففصل الصيف ما زال في بدايته، وتركيا لم تُبدِ أي استعداد للقيام بدورها، وهو وقف تدفق اللاجئين من البحر عبرها إلى اليونان».
سياح روس زورق الإنقاذ
كما يقول المثل مصائب قوم عند قوم فوائد، فالسياح الروس الذين قرروا مقاطعة تركيا بعد إسقاط طائرة عسكرية روسية واتهام موسكو لحكومة إنجلترا بأنها أسقطتها لتغطية نشاطات سرية لها في سوريا، وجدوا ضالتهم في اليونان التي يهددها الإفلاس ويلاقون أفضل المعاملة فيها، بالأخص بعد قرار المصارف السماح للسياح بسحب المبالغ التي يريدونها، وهذا رفع عدد السياح الروس العام الماضي إلى نحو مليوني سائح. وهنا تقول يالينا ميشايلوفا التي تتحدث الألمانية لـ«المجلة» وأتت مع زوجها وابنتها: «إمكانية الدفع ببطاقة الائتمان رفعت عدد السياح الروس فالعروض مغرية، وهناك الشمس والحرية، فكلفة قضاء أسبوعين على الشاطئ مهاودة، مما يعني أنه بإمكان قضاء عطلة جميلة بمبلغ يمكن دفعه بسهولة. لكن الدفع ببطاقة الائتمان لا تعتمده كل الفنادق، بالأخص الفنادق الصغيرة أو الشقق المفروشة أيضًا المحلات التجارية والمطاعم التي تفضل الدفع نقدًا خشية أن يصبح الوضع سيئًا وتمنع الحكومة اليونانية السحوبات بمبالغ عالية، لذا ينصح السائح بالتوجه إلى أقرب جهاز للصراف الآلي، فهذا يخفف، كما قالت يالينا، على السائح عبء حمل مبالغ طائلة والتجول بها.
هل يمكن لروسيا إنقاذ اليونان..؟
ويقل اهتمام السائح الروسي بالآثار، بل يركز على المناطق الساحلية مثل سالونيكي والمدن بالمحيطة بها أو القريب منها مثل افيتوس وكاليثيا، لذا تركز اهتمام الفنادق والمحلات التجارية والمطاعم عليها، واللافت كثرة المحلات التي تبيع بأسعار مغرية للروس معاطف الفراء.
والمنحى الجديد في المناطق السياحية اليونانية إشراك مستثمرين روس في قطاع السياحة، فحسب قول أفروديت لاينا صاحبة فندق من 3 نجوم في افيتوس: «هناك أغنياء روس لا يستأجرون جناحًا في فندق بل يشترون الفندق، وهي كما بعض أصحاب الفنادق تفكر بإشراك مستثمر روسي، فلديها فندقان. ولجذب المزيد من السياح من أوروبا الشرقية فإن موقعها على الإنترنت باللغات الأربعة روسية وبلغارية وبولندية ويونانية».
إلا أن الكثير من اليونانيين يخشون أن تصبح مناطق بكاملها ملكا للأغنياء الروس، وهذه الخشية أبداها كوستا بنتيريس (62 سنة) ، بالقول على طول الساحل ما بين ريفيرا الأولمبية والمناطق الجبلية وطولها 70 كلم يملك الروس عشرة فنادق من أصل 40 فندقا ما بين كبير ومتوسط، وهذه هي فقط البداية.
بوتين يوقع عقودًا مغرية
ولم تكن زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في شهر يونيو (حزيران) الماضي إلى اليونان لتعزيز العلاقة الروسية اليونانية فحسب. فخلالها تم توقيع عقود سياحية سترفع عدد السياح الروس ليصبحوا أهم فئة سياحية لدى اليونان.
إضافة إلى ذلك فإن لقاءه مع رئيس الحكومة اليونانية ألكسي تسبراس يعود بالنفع على الطرفين، فاليونان بحاجة إلى رأسمال، وسياح روسيا بحاجة إلى منفذ للتخفيف من عقوبات الاتحاد الأوروبية عليها، وهنا تطل موسكو على أوروبا من النافذة اليونانية، ويشهد على ذلك الاتفاقيات تجارية الكثيرة التي أبرمت، لكن أهم المحادثات تناولت مشاركة اليونان بخط أنابيب غاز ستريم التركي، وهو خط غاز روسي يمر عبر البحر الأسود إلى بلدان جنوب شرقي أوروبا. فإذا ما تحقق هذا المشروع وحقق أرباحا، فإنه سيعود بالملايين على اليونان التي سوف تصبح بلد الترنزيت إلى بلدان الاتحاد الأوروبي. ويقول خبراء اقتصاد أوروبيون إنه إذا ما تحقق هذا المشروع فسيكون على حساب أوكرانيا التي يمر في أراضيها أنبوب الغاز الروسي إلى أوروبا الغربية وبالدرجة الأولى ألمانيا، لذا لا غرابة أن ينتقد وزير الاقتصاد الأوكراني زيارة بوتين إلى اليونان، ويقول: «من المخيب للأمل رؤية بعض البلدان في الاتحاد الأوروبي (ويعني بها اليونان) تغض النظر على التجاوزات غير الإنسانية لروسيا في بلاده مقابل منافع اقتصادية قصيرة المدى».